الطبلة والربابة ؟
كان تصويت الاتحاد البريطاني على الانسحاب من الاتحاد الأوربي درسا حيا ومهما لحكام أمة حِنّا للسيف .. حِنَا للضيف ، ليروا أنفسهم في مرآة الواقع على حقيقتها دون رتوش الدعاية الرخيصة التي يصنعها الرداحون والمرتزقة والمأجورون . جرى الانسحاب البريطاني بدون جراحة وبغير ألم ، فقد ذهبوا إلى صناديق الانتخابات ، وتنافس أكثر من 70% من الناخبين على الإدلاء بأصواتهم ، وكانت النتيجة متقاربة بين الراغبين في الخروج ( حوالي 52%) والراغبين في البقاء ( 48%)، ولكن الديمقراطية حسمت الفارق الضئيل لصالح خروج بريطانيا من الاتحاد الأوربي !
في بلادنا العربية حين يقومون بانتخابات ما يفترضون أن يكون الفارق كبيرا ، يصل إلى خمس تسعات أحيانا ، وآخر انتخابات أجراها الراحل صدام تجاوزت النسبة 100% ، وضحك العالم من حكام أمة حنا للسيف وحنا للضيف !
عقب إعلان نتيجة انسحاب بريطانيا من الاتحاد الأوربي ، أعلن رئيس الوزراء البريطاني وزعيم حزب المحافظين استقالته ليتيح الفرصة لزعيم آخر كي يفاوض على الانسحاب في خلال ثلاثة أشهر ، واعترف كاميرون بهزيمته وهزيمة الاتجاه الذي كان يريد البقاء في الاتحاد الأوربي .
رئيس الوزراء البريطاني شاب ، ومعظم وزرائه شباب ( أغلب حكامنا الآلهة العجزة فوق الستين أو موتى إكلينيكيا ) ، يمارسون السياسة من خلال صندوق الانتخابات ويرتضون نتائجه بالسلب أو الإيجاب ، ولا يعنيهم الفارق إن كان صوتا واحدا أو ملايين الأصوات . لم يلجأ كاميرون إلى ماسورة الدبابة وبراميل الطيارة ووحشية الحشد الأمني أو الحشد المجوسي أو البلطجية أو المواطنين الشرفاء ، ليصفي المدنيين دمويا وينهب بيوتهم وينتهك أعراضهم ويجعل من ينجو من الموت يفر إلى المجهول في لهيب الصيف وزمهرير الشتاء !
أمة حنا للسيف .. حنا للضيف تفضل استخدام المخابرات والدم والكذب للانتصار على أهلها وشعوبها وأبنائها ، وأمة الصليب لا تلجأ إلى ذلك ، تلجأ إلى وسيلة بسيطة وسهلة وميسرة ، وهي الصندوق التي تضع فيه بطاقات الرأي ، وتقبل بالنتيجة مهما كان الفارق ، وتوفر الدماء والأعراض والأموال والكرامة والحرية ، وتواصل العمل والحوار للبحث عن المصلحة العامة التي تنعكس بالضرورة على المصلحة الخاصة . ( الآلهة العجزة لا يعترفون بالصندوق إلا إذا كان مزوّرا لحسابهم !).
قبل الاستفتاء على الخروج البريطاني من الاتحاد الأوربي جرت محادثات طويلة استغرقت شهورا وشهورا بين بريطانيا والاتحاد ، لتقليل الفجوة بين الطرفين بحيث لا يضار أحدهما نتيجة الالتزام ببعض المواقف الاقتصادية وقضية الهجرة والامتيازات التي تمنح للاجئين .. وتصور رئيس الوزراء البريطاني أن ما وصل إليه من نتائج للمحادثات يصبّ في صالح البريطانيين ، وعرض الأمر على شعبه ليأخذ القرار النهائي ، وكان الانسحاب من الاتحاد الأوربي هو القرار .
في بلادنا العربية وخاصة أم الدنيا لا ينشغلون بمصالح الأمة والشعوب ، هم معنيون بإرضاء العالم الصليبي الهمجي ، والتسليم برغباته وإرادته ولو كانت على حساب الإسلام – فتنهض فرق الردح والكذب والتزوير أو ما يسمى الأذرع الإعلامية لهجاء الإرهاب والإرهابيين ، أي الإسلام والمسلمين ، وتطالب بتغيير الخطاب الديني - الإسلامي وحده – أي تغيير الإسلام ليرضى أهل الصليب والشمعدان ، عن حكام أمة حنا للسيف .. حنا للضيف ، وماهم براضين ! ، ثم يفرط حكام الأمة في أموالها وثرواتها واستقلالها ليكونوا في حلف مع أهل الصليب والشمعدان ضد شعوب الإسلام ، يقتلونهم ويحرقونهم ويجرفونهم بالجرافات لإلقائهم في سيارات القمامة ودفنهم في الصحراء بوصفهم إرهابيين وشياطين !
انظر إلى ما حدث ويحدث في مدينة الفلوجة العراقية على مدى سنوات ، من قتل وترويع وقصف بالطائرات بحجة تحريرها من تنظيم الدولة الإسلامية داعش ، وانظر إلى كمية الحقد والغل التي تواجه المدينة الصامدة التي تصدت للغزاة الصليبيين الأميركان منذ عام 2004 ، وكيف جيشوا لها كل وسائل الرعب والقتل والانتهاك ، لتصفيتها من أهلها وتشريد من تبقى منهم . والحكام العبيد الخونة يتنادون لقتل الفلوجة الصامدة ، وإطلاق سعار الحشد الطائفي المجنون ضد مدينة رفضت أن تكون خائنة أو موالية للعدو الصليبي ، والقوم يستعدون لتطبيق الفعل الجاهلي الإجرامي على الموصل وما حولها بدعوى تصفية داعش التي لا تُصفّى ولا تتأثر كثيرا بجنون الشر الصليبي وتابعه الطائفي .
لو أن أمتنا تحاورت بالحسني وتشاورت بالعقل ، وجلست إلى بعضها ، واتفقت أن يكون الصندوق هو الحكم والفيصل في كل الأمور التي تخص الشعوب .. أما كانت وفرت على نفسها كثيرا من الدماء والأوحال والأموال ؟
البريطانيون الصليبيون الهمج المتوحشون ضد أمتنا وضد الشعوب المستضعفة يعيشون فيما بينهم بصورة سلمية ويتداولون السلطة والحكم ، يتخذون القرارات الصعبة المتعلقة بالمستقبل من خلال الصندوق . وعلينا أن نعترف أنهم فيما بينهم يطبقون الإسلام وتعاليمه وقيمه دون أن يقولوا عنه إنه إسلام لأنهم يرون في المنهج الإسلامي مصلحتهم وسعادتهم وأمنهم ومستقبلهم ، ولكن الآلهة العجزة العرب يرون أن الإسلام شر ، وأن شعوبهم عبيد لا تصلح معها إلا البيادة وجنازير الدبابة وتكنولوجيا التعذيب في أقبية أمن الدولة .
في حكوماتنا الجاهلة الجاهلية - وأعتذر للجاهليين الذين كانوا يملكون شيئا من النخوة وينأون بأنفسهم عن إهانة النساء – يكرهون العلم والعلماء ، والعالم الفذ إما مهاجر ، أو في قاع السجن والمعتقل ، أو بين جدران بيته يلزم الصمت ، والعلماء هم من يعرفون مصالح الأمة ويقدرون المخاطر المحتملة .. الاهتمام أوالانفاق يتم على العوالم والهيشك بيشك والمشخصاتية الذين يحاربون الإسلام من خلال مسلسلاتهم وأفلامهم مسرحياتهم .
بريطانيا يمكن أن تعود إلى الاتحاد الأوربي باستفتاء جديد إذا وجدت أن مصالحها تقتضي ذلك . الناس يبحثون عن مصالحهم ومنافعهم ومستقبلهم ، من خلال الحوار الحي الخلاق ، وليس من خلال خبراء الندامة الذين يرون أن سد النهضة سينهار تلقائيا لأنه بني على جبال من الرمل ، أو أن الريح ستتكفل بمحاربة قنابل اليهود النووية لأنها تأتي من الشرق ، أو الست الرباعية في تونس ستا طيبة وبنت حلال ، وأن الإخوان كانوا يخصبون اليورانيوم تحت منصة رابعة العدوية !
الانسحاب البريطاني واستقالة رئيس الوزراء ديفيد كاميرون ، تجديد للحياة السياسية ، يكشف جهل الأشاوس والنشامي وجاهليتهم واعتمادهم على الطبلة والربابة ، وذبح شعوبهم بالبراميل والدبابات والحشد المجوسي والرصاص الحي ..
الله مولانا ، اللهم فرّج كرْب المظلومين ، اللهم عليك بالظالمين وأعوانهم !
وسوم: العدد 674