ومما له علاقة برمضان الكريم

د. عبد السلام البسيوني

• فكاهات الناس عن الصيام:

للناس عبر التاريخ طرائفهم ونكاتهم حول رمضان، وما فيه ومن ذلك:

شيش بيش: من ذلك ما روي أنه اجتمع الناس ليلة لرؤية هلال رمضان، فكانوا يحدقون في الأفق ولا يرون شيئاً، فصاح رجل من بينهم: لقد رأيته! فتعجبوا من قوة إبصاره، وقالوا: كيف أمكنك أن تراه من بيننا؟!

فطرب الرجل لهذا الثناء وصاح: وهذا هلال آخر بجواره! فضحك الحاضرون منه، وأيقنوا أنه لا مؤاخذة شيش بيش.

وطلبوا ليلة رؤيته، فقال لهم أبو مهدية المضحك: كفوا، فما طلب أحد عيباً إلا وجده!

لم يتعود: ومن ذلك ما يحكونه من أن رجلاً جاء في رمضان إلى الصحابي الجليل سيدنا أبي هريرة الدوسي أحفظ الصحابة للحديث (واسمه عبد الرحمن بن صخر) فقال: دخلت داراً فأطعموني ولم أدر! فقال له: أطعمك الله وسقاك - يريد أنه ناسٍ غير متعمد، فليس عليه إثم - فقال الرجل: ثم دخلت داري فاتصلت بزوجتي. فقال أبو هريرة: ليس هذا فعل من تعود الصيام.

نقيب مفطر: ورد أن أحدهم دخل على الوزير ابن هبيرة في يوم شديد الحر من أيام رمضان، وعنده نقيب الأشراف - وكان يرمى بالبخل - فقال له الوزير: أين كنت؟

قال: كنت في مطبخ سيدي النقيب! فقال الوزير: ويلك أفي شهر رمضان في المطبخ؟

فقال: نعم، كنت أكسر الحر فيه! فتبسم الوزير، وضحك الحاضرون، وخجل النقيب.

مغلولة إلى عنقه: جاء رجل إلى فقيه فقال: أفطرت يوماً في رمضان.. فقال له الفقيه: اقض يوماً مكانه قال: قضيت، وأتيت أهلي وقد صنعوا مامونية (نوع من الحلوى الفاخرة)، فسبقتني يدي إليها، فأكلت منها. قال الفقيه: اقض يوماً مكانه، قال الرجل: قضيت، وأتيت أهلي وقد صنعوا هريسة، فسبقتني يدي إليها فقال الفقيه: أرى ألا تصوم بعد ذلك إلا ويدك مغلولة إلى عنقك؟

هكذا رمضان: قيل لأحمق: كيف صنعتم في رمضان؟ فأجاب: اجتمعنا ثلاثين رجلاً فصمناه يوماً واحداً!

بخيل وصائم: دخل شاعر على رجل بخيل، فامتقع وجهه، وظهر عليه القلق والاضطراب، وظن أن الشاعر سيأكل من طعامه في ذلك اليوم، أو سيهجو بخله.. غير أن الشاعر انتبه إلى ما أصاب الرجل، فترفق بحاله، ولم يطعم من طعامه.. ومضى عنه وهو يقول:

تغير إذ دخلت عليـه حتى فطنت فقلت في عرض المقال

علي اليـوم نذر من صيام فأشرق وجـهه مثل الهلال

من الأشعار الجميلة التي قيلت في ذم بخلاء الصائمين قول الشاعر:

أتيت عمراً سحراً فقال إنـي صائم

فقلت إني قاعـد فقال إنـي قائم

فقلت آتيك غـــداً فقال صومي دائم

ومن ذلك ما قال أبو نواس يهجو الفضل قائلاً:

رأيت الفضل مكتئبـاً يناغي الخبز والسمكا

فأسبل دمعــه لمـا رآني قـادماً وبـكى

فلما أن حلفت لـه بأنـي صائم ضحك

رغيف لا عروس: وقف سائل بباب بخيل يطلب إحساناً، فقال له البخيل: النساء لسن في المنزل يرزقك الله، فرد السائل: إنني أسألك رغيفاً وليس عروساً!

جيد المضغ سريع البلع: قال بعضهم لبخيل: لم لا تدعوني يوماً؟ قال: لأنك جيد المضغ، سريع البلع، إذا أكلت لقمة هيأت أخرى، قال: أتريد مني إذا أكلت لقمة أن أصلي ركعتين ثم أعود إلى الثانية؟

السقف صائم: كان أحد الفقراء يسكن في بيت قديم، وكان يسمع لسقفه قرقعة مستمرة، عند أية حركة، فلما جاء صاحب المنزل قال له الساكن: أصلح السقف أصلح الله حالك، فأجابه صاحب المنزل: لا تخش بأساً من القرقعة؛ فإن السقف صائم يسبح ربه، فقال الساكن: أخشى بعد الإفطار أن يطيل السجود، وهو يصلي القيام؛ فلا يقوم ولا أقوم!

رمضان وأشعب: دخل أشعب على أحد الولاة أول يوم من رمضان يطلب الإفطار، وجاءت المائدة وعليها جدي، فأمعن فيه أشعب حتى ضاق الوالي، وأراد الانتقام من ذلك الطامع الشره، فقال له: اسمع يا أشعب إن أهل السجن سألوني أن أرسل إليهم من يصلي بهم في شهر رمضان، فامض إليهم، وصل بهم، لتغنم الثواب في هذا الشهر، فقال أشعب وقد فطن إلى غرض الوالي منه: أيها الوالي لو أعفيتني من هذا نظير أن أحلف لك بالطلاق والعتاق إني لا أكل لحم الجدي ما عشت أبداً، فضحك الوالي وأعفاه!

حلوى فاسدة: أهدى أديب صديقاً له نوع من الحلوى الرمضانية، قد فسد مذاقها لقدمها، وبعث معها بطاقة كتب فيها: إني اخترت لهذه الحلوى السكر المدائني، والزعفران الأصفهاني. فأجابه صديقه بعد أن ذاق طعمها: والله ما أظن حلواك هذه صنعت إلا قبل أن تفتح المدائن، وتبنى أصفهان.

صوموا لرؤيته: جاء رجل إلى القاضي حسين - من فقهاء الشافعية - فقال له: لقد رأيت النبي صلى الله عليه وسلم في المنام، فقال لي: إن الليلة بداية رمضان! فقال له القاضي: إن الذي تزعم أنك رأيته في المنام قد رآه الصحابة في اليقظة، وقال لهم: (صوموا لرؤيته).

الحجاج والأعرابي: خرج الحجاج ذات يوم قائظٍ، فأُحضر له الغذاء، فقال: اطلبوا من يتغذى معنا. فطلبوا، فلم يجدوا إلا أعرابياً، فأتوا به، فقال له الحجاج: هلم أيها الأعرابي للغذاء.

قال: قد دعاني من هو أكرم منك فأجبته. فسأله مندهشاً: من هو؟ فقال: الله تبارك وتعالى، دعاني إلى الصيام فأنا صائم.

قال: تصوم في مثل هذا اليوم على حره/ فقال: صمت ليوم أشد منه حراً.

فرد: أفطر اليوم وصم غداً. فقال الرجل: أو يضمن الأمير أن أعيش إلى الغد؟ ليس ذلك إليَّ، فعِلم ذلك عند الله. فقال الرجل: فكيف تسألني عاجلاً بآجلٍ ليس إليه من سبيل؟!

فلما قال له: إنه طعام طيب. رد الرجل: والله ما طيبه خبازك وطباخك، ولكن طيبته العافية.

قال الحجاج: بالله ما رأيت مثل هذا.. جزاك الله خيراً أيها الأعرابي، وأمر له بجائزة.

وسوم: العدد 674