العرب من الباب للباب
أسرارنا في القنوات الفضائية الغربية والأمريكية على الهواء منشورة ، ومستوياتنا السياسية المتدنية بين ألسن النقاد عبر المعمور حكايات هزلية ساخرة بالميسور على العموم منثورة ، وتصرفاتنا المُشَبّهة بمصارعة الثيران عند مستعمرينا بالأمس المستغلين اليوم ما لنا حتى فروة الرأس في جسد أخذه السبات العميق فنسي صاحبه العربي المالك من المحيط إلى الخليج الأراضي الخصبة، والشُّطْئان الهادئة، والإطلالة المريحة على أهم المسالك المائية في عرض وطول الكرة الأرضية، والمعادن وكلها ثمينة من الفوسفات إلى الماس فالنفط، وهو أفقر من الفقر، وأجمد من الجماد ،فاغر فاه ، سابح مع فضاء يتراقص بعقله المُنْجَرِّ خلف السوء فالأسوأ، لا مغرب أَمازيغ أنقده، ولا مصر أم الدنيا أسعفته، ولا لبنان بما تبقى لها من نفوذ على ترابها احتضنته، ولا سوريا الجريحة آزرته، ولا العراق المرشح للمزيد من الاحتراق أطالت عنقه، ولا تونس بنهضتها وديمقراطيتها الناشئة في اهتمامها أدخلته ، ولا الجزائر بنظامها العسكري فرحته، ولا سلطنة عمان بسهرات حاكمها الموسيقية السيمفونية المنزوي مع ذاته أطربته، ولا اليمن وغربالها المتحرك لإسقاط الدخلاء والعملاء والخونة من ثقبه تبنت مما هو فيه فأخرجته ، ولا السودان بالبشير المبشر بسواد سبورة وبياض طباشير وقف بجانبه، ولا الصومال النحيفة في كل شيء أشبعته، ولا الخليج بوفرة ثرائة أقنعته، ولا الكويت بثورات برلمانها عن طريق الظلم أزاحته ، ولا بعض المنساقين "من بعض دول" للتصفيق في كواليس مقر هيأة الأمم المتحدة بتعويض يوفر لهم وجبة كاملة الحراريات مرة في الأسبوع استطاعت فك القيد عن معصميه .
الجسد الغارق في السبات مَن تجاوز الحد المسموح به عالميا في النوم ، مَثَّلَ رمز أغلبية الأمة العربية المنتظرة شروق شمس الغد منذ تأسيس الجامعة العربية، إلى الغد التالي حينما يُقْذَفُ بالبعض لمطارح التاريخ، حاملين شهادات العجز الكلي المحررة بكل اللغات الحية كالبائدة المندثرة، بحروف مِجْهَرِية لا تُقرأُ لأنهم لا يستحقون مساحة أكبر حتى في أوراق مستخرجة من الروث .
جل العرب تعلق أملهم ردحاً من الزمان ولا زال (لكن بدرجة من الحماس أقل) بالكبيرة مصر، فهل الأخيرة قائمة سياستها على أمل في العرب للخروج من خَلَلِ الحال، إلى وضوح مآل، مُفعم بالمسؤولية القانونية، والعدالة الصارمة، والنظام المبني على منح الحقوق ونشر المساواة وتشجيع الكفاءات، و إجراء الانتخابات، الديمقراطية السمات، المرتبطة بشروط تَحُدُّ من تسرب المجرمين وأباطرة الاحتيال والنصب وتجار المخدرات، و التدقيق في حسابات الموازنة العامة للدولة دون إخفاء أي فصل فيها، إذ لم يعد مسموحا ولا مقبولا أكل أقل الأقلية القليلة عرق الأغلبية بغير موجب حق ؟؟؟، ألا زالت مصر الكنانة مُستعدة كالأيام الجميلة، لاستخراج العربي من ظلام الحيرة إلى نور استنشاق الهواء النقي في حديقة العدالة الاجتماعية؟؟؟ ، أم أحال بينها وذاك الدور ألطلائعي الموكول لها عن اقتدار ، مَنْ سَرَّبَ أجوبة امتحانات الثانوية العامة، ليخرج التلاميذ والتلميذات ، في جل المحافظات، للتظاهر التلقائي مطالبين باستقالة وزير التربية والتعليم، معبرين عن سخطهم الشديد عما وقع (بنية مبيتة) من زرع البلبلة و غلق باب التنافس البريء الواصل بالمجتهدين لمكانة يعانقون فيها معالم عهد جديد بعد ثورة 30يونيو المجيدة لانجاز مشروع مستقبل "المحروسة" الضامنة به استمرارية الاستقرار المبدئي القابل للتطور كسُنَّة الحياة إلى أفضل فأفضل ؟؟؟، أم هؤلاء الذين حولوا سيناء ، ساحة تقاتل الأشقاء، بعضهم بعضاً لصالح الأعداء، المتربصين بمصر، المحاولين إسقاطها في فتنة داخلية يُضرب بها آخر مسمار في نعش هذا العالم العربي الذي يزداد تفككا مع مرور الوقت، وبسرعة رهيبة ، بما يحدث من مواقف خذلان غير مسبوق لدى المحللين النجباء، كعلامة إفلاس مُبِين أصاب الشرق الأوسط أفقده الوسط، ليبدو أعجوبة غير قابل لإصلاح اللهم اقتسام ممتلكاته أكانت أراضي أم أرصدة بعض حكامها التائهة بين مصارف أمريكا وأوربا وقليلا منها (كمعلومة جديدة) في بعض دول البلقان .
إطلاقا .. مصر لا تُولَدُ من جديد، كما يحلو لبعض المفكرين المصريين أن يرددونها في وسائل إعلامهم المرئية ، مصر عظيمة ،والعظيمة لا تُولَدُ من جديد، بل تُوَلِّدُ لما يصلح لمرحلة جديدة تحياها على أمل الخروج بها منها بأقل الخسائر الممكنة ، الموروث تجلى بعد ظهور بعض الحقائق التي كان التحدث في شأنها من كبائر المحرمات (سنتطرق لجوهرها بتفصيل أزيد مستقبلا) سطحها الانفتاح الاقتصادي الذي حَلَّ بمباركة الراحل محمد أنور السادات، بإيعاز من أصحاب المال والجاه والنفوذ، ووصل عصره الذهبي مع محمد حسني مبارك الرئيس السابق المُطاح به ، لم يكن أميناً (ذاك الانفتاح) في انتقاله بالاقتصاد المصري ليشمل ازدهار الشعب ورفاهيته ولو بنسب معقولة ، بل ترتبت عليه عادات تحكمت بها القلة الأقل من القليلة بأقل القليل ، في الكثرة الأكثر بكثير من الكثيرة، وساهمت لحد بعيد في خلق أصنام يتعبَّدها من تعبَّدها فعلا ، طمعاً في الربح السريع أو الخروج من أي عملية مهما كانت بسيطة بمكسب مادي يستثمره في بناء عالم مستقل عن دولة الحق والقانون له خدامه الأوفياء والمضحين بخوض مغامرات نتاج الفساد في مجالات متعددة ذات الارتباط بالطبقة الكادحة ، وبهذا اختلط القيِّم القويم بالهش الممتلئ بالغش ،فتطور التدهور وبدأت الأخلاق استثناءاً تفقد وجودها بالتدريج إلى حصول الانفجار الجماهيري التلقائي البريء من زعامات أي كانت بل قاده الشعب نفسه بنفسه، إلى أن سقط حكم مبارك والبقية معروفة لدى الجميع خارج مصر أكثر من داخلها أحيانا ، كان هناك حراك قُوبِل بمقاومة دولة مبارك إلى أن انهارت حيال إرادة الشعب لتنهض أخرى نابعة من وعي المصريين بمحاسن التنظيم فالنظام بينهم ويتمسكون بأول ضوء ظهر مخرجاً وخلاصاً فتبعوا المسلك الذي أشار عليهم مَن أشار بإتباعه تدريجيا لإنقاذ ما يمكن إنقاذه ولو مؤقتا، ليصبح بالفاعل، السيسي قائدا وزعيما ورئيسا لجمهورية مصر العربية، ومن ورائه كل القوى الأمنية والسيادية الأساسية وأولها الجيش . ومنذ اللحظة والمخاض قائم للتغلب على صعاب أولويات شكلت الامتحان الحقيقي لقوة الدولة المصرية من عدمها، وفي المقدمة هذا الكم الهائل من"إخوان مسلمين" شعروا بالملموس أنهم الخاسرون الأولون و الآخرون ، كأن الثورة حصرت (لأول مرة في الهواء الطلق خارج مكاتب مباحث الداخلية) أعدادهم ، وجمعتهم (بكل زعمائهم النافذين في التنظيم) في "رابعة" كجزء متفرِّد بقناعاتهم المُميّزة بأهدافهم ومقاصدهم في تحويل مصر إلى دولة، الحُكْمُ فيها مدنيّ إسلاميّ، والتشريعُ يَنْتَصِرُ لتعاليم الدين الإسلامي، وما عدا ذلك يُنظر إليه حسب الظروف والمستجدات ، علما أن الشعب المصري متدين بالفطرة والتربية عليه منذ الصغر ، منفتح متعايش في سلام مع الأقباط وما يعتنقوه بحرية مطلقة ، حب مصر يجمع تطلعه صوب الأحسن في انسجام ، بين مكوناته منذ القِدم، لا فرق بين هذا وذاك إلا فيما يقدمه أي طرف من خدمة جليلة للوطن تحت نفس العَلَم. (للمقال صلة)
وسوم: العدد 675