الانتفاضة والانتخابات البلدية
يبدو أن السلطة الفلسطينية وبعض قادة فتح في رام الله استمرأوا العيش تحت الاحتلال وفي ظل الاستيطان المستشري، بدلاً من أن ينتفضوا مع شعبهم وشبابه وشاباته للخلاص من الاحتلال والاستيطان، أو في الأقل بدلاً من أن يكفوا أيديهم ولسانهم وعقولهم عن مطاردة المنتفضين ومهاجمتهم وعرقلة مسارهم.
وكان آخر إبداع وبدعة الضغط على حماس تحت حجة مسار إنهاء الإنقسام: الاتفاق على إجراء انتخابات بلدية في الضفة الغربية وقطاع غزة وما أن أُرسلت أول إشارة للدكتور حنا ناصر بالموافقة على إجراء انتخابات بلدية حتى أسرع بإرسال وفد، بصفته رئيس لجنة التحضير للانتخابات (التشريعية أساساً)، إلى قطاع غزة من أجل ترتيب إجراء الانتخابات البلدية في القطاع.
السؤال بداية، لماذا تصرّ سلطة رام الله وبالتحديد الرئيس محمود عباس على إجراء انتخابات بلدية في الوقت الذي يسقط الشهداء كل يوم في الانتفاضة ضدّ الاحتلال، وفي الوقت الذي بدا بما لا يقبل الشك، أن طريق المفاوضات والوساطات الدولية والمبادرات على اختلافها عبارة، عملياً، عن تغطية لاستمرار الاحتلال واستفحال الاستيطان ومحاولات السيطرة الصهيونية على المسجد الأقصى لاقتسامه، تمهيداً لهدمه لاحقاً، فضلاً، عن تغطية ما يجري من تهويد للقدس وتغيير لوضعها الجغرافي والسكاني، والعمل على فرضها عاصمة لدول الكيان الصهيوني.
الجواب السريع الذي يقز أمامنا، هو محاولة محمود عباس الهروب إلى الانتخابات لإشغال فتح وحماس والفصائل. وذلك سواء أكان من المستطاع الوصول إلى الانتخابات نفسها، أم كان تقطيع مسافة من الزمن تحت شعار التحضير للانتخابات.
محمود عباس فشل في كل سياساته الخاصة بالمفاوضات والتسوية ودخل في مأزق مع الدول التي راحت ترشح بديلاً له إذ اعتبرت عهده في نهايته. كما راح محمود عباس يعاني من حرج شديد مع حركة فتح نفسها بسبب موقفه المناهض للانتفاضة الشعبية والمعوّق لانخراط فتح وفصائل م.ت.ف فيها.
ولهذا يصبح الهروب إلى معالجة الانقسام، بلا جدوى، أو خطوة مع طريق تلك المعالجة كسباً للوقت، وإلهاءً للآخرين في معارك انتخابية وهمية لن تقدّم للشعب الفلسطيني أيّة خدمة، ما دام الاحتلال مسيطراً والاستيطان مستفحلاً في القدس والضفة الغربية. بل ستكون له نتائج ضارة على وحدة الشعب الفلسطيني عندما يحشر في لعبة التنافس الانتخابي على مستوى العائلات وفي ما بين الفصائل ولا سيما داخل فتح نفسها.
ثم من قال أن الذي سيُثبت أن له الأغلبية سيخضع له الطرف الآخر ويسلم بقيادته وبرنامجه السياسي بل بالعكس فقد نجم عن انتخابات 2006 أحدّ انقسام فلسطيني. وهو ما سيتكرر بأشكال أخرى لا سمح الله، أذا ما انجرّ الجميع لفخ الانتخابات البلدية، بدلاً من اتفاق الجميع على الانخراط في الانتفاضة والحسم مع الاحتلال والاستيطان.
لا يختلف اثنان حين يحاولان رسم صورة الوضع السائد في الضفة الغربية والقدس وقطاع غزة (ولنؤجّل مؤقتاً، لأسباب عملية، إكمال الصورة لتشمل كل فلسطين)، بأن الاحتلال يحكم قبضته على الضفة الغربية والقدس ويتمدّد استيطانياً بلا توقف، كما يُحكم حصاره على قطاع غزة (فضلاً عن الحصار الظالم للقطاع من الجانب المصري)، إلى جانب الآلاف من الأسرى في السجون الصهيونية.
إذا كان هذان الإثنان عاقلين، فلن يختلفا بأن المشكل الأساسي هو الاحتلال والاستيطان والحصار وأسر الآلاف، طبعاً في ظل جريمة وجود الكيان الصهيوني الذي قام على أرض فلسطين منذ 1948.
ثم ما ينبغي لهما أن يختلفا على استراتيجية معالجة هذا المشكل شديد الإلحاح بعد أن انتهت تجربة اتفاق أوسلو وتجربة عهد محمود عباس في المفاوضات إلى فشل لا جدال فيه أو الأهم ما ينبغي لهما أن يختلفا على الانخراط في الانتفاضة وتصعيدها بعد أن اندلعت منذ عشرة أشهر، وأثبتت تصميم الشباب والشعب كباراً وصغاراً ونساءً ورجالاً، على استمرارها. وهنا يجب أن يلحظ ما طرأ على وضع العدو وجيشه وقيادته ومجتمعه من حالات ضعف شديد، ومن تغييرات في موازين القوى عالمياً وإقليمياً وعربياً بما يسمح بالنتقال إلى الهجوم الشعبي الشامل عبر الانتفاضة لفرض دحر الاحتلال وتفكيك المستوطنات بلا قيد أو شرط، وإطلاق كل الأسرى وفك حصار قطاع غزة.
فالشعب الفلسطيني كله، وكذلك كل الفصائل والهيئات والحراكات الشبابية والشخصيات يمكن أن يتحدوا على تحقيق هذه الأهداف، وعلى استراتيجية العصيان الشعبي المدني السلمي إلى جانب أشكال المقاومة التي ولدتها، الانتفاضة. وعندئذ سيحظون بتاييد عربي وإسلامي وعالمي منقطع النظير.
بالتأكيد لا قدرة للعدو على مواجهة كل ذلك مما سيفرض عليه التراجع والانسحاب إذ ستصبح تكلفة الاستمرار بالاحتلال والاستيطان أغلى كثيراً من الانسحاب وتفكيك المستوطنات كما حدث في قطاع غزة ومن قبل في جنوبي لبنان.
ومن هنا فإن سياسة الذهاب إلى الانتخابات البلدية ضمن المعادلة أعلاه تشكل مجموعة من السلبيات المتسلسلة التي تحرف البوصلة وتخرب على الانتفاضة والوحدة تحت رايتها والمضيّ بها إلى النصر بإذن الله.
وسوم: العدد 679