حروب الشطرنج 9+12

د. حامد بن أحمد الرفاعي

حروب الشطرنج 9

تأسيساً على قوله تعالى:"فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ"واستيحاءً من دروس ملحمة الدبلوماسية لرسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الحديبية..الدبلوماسية الراشدة التي بدأها رسول الهدى والرحمة والسلام إمامنا وقدوتنا سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم قائلاً:"ويح قريش لقد أكلتها الحرب"ثم أعلن نهجه الرباني الذي يحمله رحمة للعالمين مدوياً في سمع الزمان وأذان الأنام قائلاً:"والله لا تدعوني قريش اليوم إلى خطة أحقن به دماء الناس إلا وأجبت"أجل تأسيساً على ذلك كله أطلقت في عام 1980م مصطلح:(السياسة فن الممكن)واستحسنه الناس وأصبح متداولاً على ألسن المفكرين والساسة والدبلوماسيين..فحقن دماء الناس وتعظيم قدسية حياتهم وكرامتهم وأمنهم ومصالحهم..هي من الكليات العليا لمقاصد رسالة الإسلام الإنسانية ألآمنة..لأن الحب والرحمة والسلام في منهج الإسلام هي الأصل الدائم..الذي ينبغي أن تُؤسس به علاقات الناس أفراداً ومجتمعات..وأنَّ العداوة والبغضاء والبغي تبقى حالة استثنائية طارئة في حياتهم..ينبغي على العقلاء والحكماء العمل على إزالتها وصرف مفاسدها وكوارثها ما استطاعوا إلى ذلك سبيلا..فالصراعات والحروب تمليها نزعات الجشع وحب الهيمنة والطغيان على حساب أمن وسيادة ومصالح الآخر..والتاريخ ينبئنا والواقع يؤكد لنا أن الحروب في جوهر نتائجها لا ينتصر بها أحد..وتنتهي بدفع الأطراف المتحاربة إلى الحوار والتفاهم..ولكن للأسف بعد الدمار والهلاك الذي لحق بالجميع وآلم الجميع..أما رسول الهدى والرحمة الذي لا ينطق عن الهوى فقد قررها من البداية بقوله عليه السلام:"والله لا تدعوني قريش اليوم إلى خطة أحقن بها دماء الناس إلا وأجبت"وقد كان له ذلك فأيده ربه من فوق سبع سموات ففاز بوسام الفتح المبين..وذلك لالتزامه رسالة رب العالمين التي بعثه بها ولها لقوله تعالى:"وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ"فبشره بقوله تباركت أسماؤه:"إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا"وبعد..ألا من حكماء وعقلاء ورشداء يبادرون فَيتأسون برسول الهدى الرباني فينشرون ألوية الرحمة والسلام على العباد..وَينكِّسون ويمزقون رايات الضلال والكراهية والحروب والدمار ..؟إنَّا لنأمل ذلك والله سبحانه المستعان. 


حروب الشطرنج 12

(العدوانية)

العدوانية..حالة اختلال في جبلة الإنسان..الجبلة البشرية مطبوعة على الخير..ودروب الحياة على نزعتين..نزعة خير ونزعة شر لقوله تعالى"وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ"نجد خير ونجد شر ولقول رسول الله صلى الله عليه وسلم:"هُمَا نَجْدَانِ:نَجْدُ خَيْرٍ،وَنَجْدُ شَرّ،فَمَا جَعَلَ نَجْدَ الشَّرّ أحَبَّ إلَيْكُمْ مِنْ نَجْدِ الخَيْرِ"ولقوله جلَّ شأنه:"إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا"والعلاقة بين هاتين النزعتين تحدد طبيعة النفس البشرية..فاتزان العلاقة بينهما واستقرارها يُنتج النفس المطمئنة لقوله تعالى:"يَأَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ ارْجِعِي إِلَىٰ رَبِّكِ رَاضِيَةً مَّرْضِ"واضطراب هذه العلاقة وتأرجحها يُنتج النفس اللّوامة لقوله تعالى:"وَلَا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ"وعندما تَغلبُ نزعة الشر نزعة الخير وتقهرها تَنتجُ النفس الخطاءة الشريرة الأمارة بالسوء لقوله تباركت أسماؤه:"إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ"ولكن ما الذي يتحكم بطبيعة العلاقة بين نزعة الخير ونزعة الشر في جبلة الإنسان..؟بكل تأكيد هما العقل والوجدان..فمع العقل السليم والوجدان المستقيم تنتصر نوازع الخير على نوازع الشر ونكون أمام حالتين رئيستين إيجابيتين للنفس البشرية..أعلاها حالة النفس المطمئنة..وأدناه النفس اللّوامة..ومع العقل السقيم والوجدان الذميم تكون النفس الخطاءة الشرِّيرة العدوانية لقوله تعالى:"مَنْ كَسَبَ سَيِّئَةً وَأَحَاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُه"ولقوله تعالى:"قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعً"ولكن من المسؤول عن صياغة العقل وتشكيل الوجدان البشري إيجاباً أو سلباً..؟الدين والثقافة والسياسة تبقى العوامل الأقوى تأثيراً في بناء طبيعة العقل وتكوين توجهات الوجدان إما خيراً وإما شراً..ولكن ما الذي يجعل نزعة الشر تنتصر على نزعة الخير في الجبلة البشرية..؟بكل تأكيد استفحال الظلم..فالظلم هو الثدي الذي تتغذى منه نوازع الشر وبه تغلظ وتطول وتستحد أنيابها ويشتد ساعدها..ويوم تكون البشرية أمام حالة النفوس الشريرة والعدوانية..فعلى العقلاء والحكماء والساسة من كل مستوى..مراجعة مفاهيم الدين والثقافة والسياسة السائدة في مجتمعاتهم..فهي ابتداءً وانتهاءً المسؤولة عن سلوكيات الإنسان وتصرفاته في ميادين الحياة..ومن تراثنا الحضاري القول المأثور:"المؤمنُ الكيِّسُ الفَطنُ منْ عرفَ زمانَه واستقامت طريقتُه"أجل..العدوانية هي الجذر الأخطر لكل المسميات الشريرة التي نعمل على محاربتها..ولكن من يقطع رأس العدوانية..؟ومن يُكسِّر سيوفها..؟ومن يُخلِّعُ ويسحق أنيابها..؟ومن يطفئ حرائقها ..؟إنه العــــــــــــــدل به نبدأ..وعلى أساس منه نكوِّنُ تحالفاً دولياً راشداً..نجتث به الفساد والعدوانية..ونسحق عقاربها ونقطع رؤوس ثعابينها وشياطينها من كل ملة ودين وثقافة وسياسة.

وسوم: العدد 679