العلم والمعلم

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله حمدا كثيرا يوافي نعمه ويكافئ مزيده ، يا ربنا لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك ، وعظيم سلطانك ، لا نحصي ثناء عليك ، أنت كما أثنيت على نفسك ، وأصلي وأسلم على البشير النذير المبعوث رحمة للعالمين ، وعلى الآل والأصحاب والأتباع وعلى من اتبع هديهم وسار على نهجهم وشرعهم إلى يوم الدين .

أشكر راعي هذا المنتدى الشاعر الشيخ: خالد النعمان على ما أضفى عليّ مما ليس بي ، وأرجو الله أن أكون عند حسن ظنه وحسن ظن الإخوة الحاضرين ، اللهم اغفر لي ما لا يعلمون ، ولا تؤاخذني بما يقولون ، واجعلني خيرا مما يظنون ، اللهم ذكرني ما نسيت ، واحفظ عليّ ما علمت ، وزدني علما .

وبعد ، فعودا على بدء ؛ فقد أتحفنا أخونا الأستاذ محمد ناصر البرقاوي في الأسبوع الماضي بموضوعه الشيق بالنموذج المتميز لسيد المعلمين محمد بن عبد الله صلوات الله وسلامه عليه ، معلم البشرية الأول ومربيها رغم أميته وهي منقبة ومعجزة . وطاف بنا المحاضر الأستاذ البرقاوي جزاه الله خيرا في طرق التعليم في السنة النبوية وغيرها . وكنت معه في محاضرته ، كما كان شريط حياتي التعليمية لمدة خمس وثلاثين سنة يدور في مخيلتي والتي كانت أحلى وأمتع سنوات حياتي على ما كان فيها من متاعب وصعوبات ومشاق ومنغصات ، كان يسهلها وييسرها بأن لنا قدوة وأسوة بسيد المعلمين والمربين محمد صلى الله عليه وسلم ، قال تعالى في محكم التنزيل : (( هو الذي بعث في الأميين رسولا منهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة وإن كانوا من قبل لفي ضلال مبين )) { الجمعة 2} .

والعلم في الإسلام أيها الأخوة يشمل كل أنواع العلوم التي تفيد البشر ولا تتعارض مع العقيدة الإسلامية ، بحيث يؤخذ العلم عن صاحب العلم وليس عن صاحب الأهواء ، وقد ورد فضل العلم والمعلمين في أكثر من آية في كتاب الله تعالى ، وكانت أول آية نزلت على الرسول صلى الله عليه وسلم : (( اقرأ باسم ربك الذي خلق )) { العلق 1 } ، وقال جل وعلا : (( يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات )) { المجادلة 11 } ، فالعلماء ورثة الأنبياء ، والأنبياء لم يورثوا درهما ولا دينارا ولكن ورثوا هذا العلم ، فمن أخذ به أخذ بحظ عظيم ، ولما كان المعلمون هم حماة الثغور ، ومربوا الأجيال وعمّار المدارس ، المستحقون لأجر الجهاد ، وشكر العباد ، والثواب من الله يوم المعاد ، ولما كان حديث العلم والمعلمين ذو شجون ، ولهم هموم وشؤون ولهم آمال وآلام وعليهم واجبات وتبعات .

فتحية إلى المعلم ذاك الجندي المجهول الذي ينفق من مشاعره وأحاسيسه قبل أن ينفق من أوقاته ، تحية إلى المعلم الذي ينفق من دمه ونفسه أضعاف ما ينفق من تعليمه وتوجيهاته .

تحية إلى المعلم الذي يعمل ويجاهد ليرد المعوج إلى طريقه ، والمنحرف إلى سبيله ، والناد إلى جادته ، والعاق إلى بره ، والجافي إلى عقله ، والمفرط إلى صوابه ، والفاسق إلى دينه .

تحية إلى من فجر في قلوبنا وحياتنا ينابيع القرآن دفاقة ، وأجرى في صحارى العقول أنهار الحكمة رقراقة ، تحية إلى معلم القرآن في كل زمان ومكان ...

                  يا من إلى الله تدعو          وترتجي منه أجرا  

                  لك المدائح تترى            شعرا وإن شئت نثرا

                 إنا نعيش بعصر             يموج ظلما ونكرا

                 الخير فيه توارى            وأنت بالعصر أدرى

أيها الأخوة الفضلاء :

التعليم والتدريس رسالة شخصية تنظر إلى دورها في التعليم على أنه رسالة تؤدى ، وليست وظيفة مقابل أجر ، وشخصية تضع نصب عينيها أن هذه المهمة هي مهنة الأنبياء والرسل ، وحاملوا هذه الرسالة هم ورثة الأنبياء الذين يرفعون عن الناس الجهل فينقلونهم من ظلمات الجهالة إلى نور العلم والإيمان والمعرفة ، وحسب المعلم شرفا أنه دال على الله تعالى يرشد الناس إلى الطريق الموصلة إلى خالقهم وبارئهم ، ويدلهم على معبودهم ومربوبهم ، والغاية التي من أجلها خلقوا ، علاوة على تعليمهم الخلق القويم ، ويعلمهم السبل التي تكفل لهم حياة طيبة .

 العلم ميراث النبي  كما أتى    :      في النص والعلماء هم ورّاثه    

 ما خلّف المختار غير حديثه   :      فينا   فذاك   متاعه   وأثاثه

أيها الأخوة الأفاضل :

يجب أن نعلم أن حضارة الغرب وثقافتها ومذاهبها المتعددة أفلست ، وسوف يتحقق ذلك إن عاجلا أو آجلا ، وأن الإسلام شرع رب العالمين وحده هو الذي يستطيع أن يقوم بعملية الإنقاذ وأن يحقق كل ما تريده الإنسانية .

وأترككم مع أمير الشعراء : أحمد شوقي في بعض أبياته من قصيدة طويلة كرّم المعلم وأثنى عليه وأعلى من شأنه ...

يقول أحمد شوقي :

قُـمْ للمعلّمِ وَفِّـهِ التبجيـلا .......... كـادَ المعلّمُ أن يكونَ رسولا

أعلمتَ أشرفَ أو أجلَّ من الذي ..... يبني وينشئُ أنفـُساً وعقولا؟

سـبحانكَ اللهمَّ خـيرَ معـلّمٍ .......... علَّمْتَ بالقلمِ القـرونَ الأولى

أخـْرَجْـتَ هذا العقلَ من ظلماتهِ ....... وهديْتَهُ النـورَ المبينَ سـبيلا

وطبعتَـهُ بِيَدِ المعلّـمِ ، تـارةً ........ صَدِيء الحديدِ ، وتارةً مصقولا

أرسَلتَ بالتـوراةِ موسى مُرشداً ......... وابنَ البَتـولِ فعلَّمَ الإنجيـلا

وفجـرتَ ينبـوعَ البيانِ محمّداً.......... فسقى الحديثَ وناوَلَ التنزيلا

مِن مشرقِ الأرضِ الشموسُ تظاهرتْ ...... ما بالُ مغربها عليه أُدِيـلا

يا أرضُ مُذْ فَقَدَ المعلّـمُ نفسَه ....... بين الشموسِ وبين شَرْقِكِ حِيلا

ذَهَبَ الذينَ حمَوا حقيقـةَ عِلمِهِم ....... واسْتَعْذَبوا فيها العذابَ وبيلا

سُقْراطُ أَعْطَى الكـأسَ وهي مَنـِيّةٌ...... شَفَتَيْ مُحِبٍّ يَشْتَهِي التَّقْبـِيـلا

عَرَضُوا الحيـاةَ عليْهِ وهي غباوَةٌ            فَأَبَى وآثَرَ أن يَمُوتَ نبيـلا

إن الشجاعةَ في القلوبِ كثيرةٌ ........ ووجدتُ شجعانَ العقولِ قليلا

رَبُّوا على الإنصافِ فِـتْيانَ الحِمـى .....تَجِدوهُمُ كهفَ الحقوقِ كُهـولا

فهوَ الـذي يبني الطباعَ قـويمة ....... وهوَ الذي يبني النفوسَ عُـدولا

ويقيم  منطقَ كلِّ أعـْوَجِ  منطـِقٍ ....ويُريهِ رَأياً في الأمـورِ أصيـلا

وإذا المعلّمُ لم يكـنْ عدلاً، مَشَى ...... رُوحُ العدالةِ في الشبابِ ضـئيلا

وإذا المعلّمُ سـاءَ لـَحـْظَ بَصيـرةٍ ... جاءتْ على يدِهِ البَصائِرُ حُـولا

وإذا أتى الإرشادُ من سَبَبِ الهوى .... ومن الغرورِ فَسَمِّهِ التضـليلا

وإذا أصيـبَ القومُ في أخلاقِـهمْ ........ فأقِـمْ عليهـِم مَأتَماً وعَـويلا

ما أبعـدَ  الغايـاتِ إلاّ أنّنـي ......أجِدُ الثباتَ لكم بهنَّ كفيـلا

فكِلُوا  إلى اللهِ  النجاحَ  وثابـروا        فاللهُ   خيرٌ   كافِلاً     ووكيـلا

بعض المعلمين والشعراء عارضوا وخالفوا أمير الشعراء في قصيدته هذه ، ومن أشهر وأول هؤلاء الشاعر الفلسطيني : إبراهيم طوقان ، الذي عاش في النصف الأول من القرن العشرين ، ودرس النحو والأدب في الجامعة الأميركية ، ومات في ريعان شبابه رحمه الله .

يقول إبراهيم طوقان رحمه الله تعالى:   

شَوْقي يقول وما دَرَى بمُصيبَتي : ... قـُمْ  للمعلمِ وَفِّه  التَّبْجيلا  

أُقْعُدْ، فَدَيْتُكَ،هل يكون مُبَجَّلا.. مَن كان للن الصغارخَليلا

ويكادُ  يَفْلِـقُني  الأميُر    بِقولهِ..........  كادَ المعلمُ أنْ يكونَ  رسولا  

لـَوْ جَرَّبَ التعليمَ شوقي  ساعةً......... لقَضَى الحياة َشقاوةً وخُمولا

حَسْبُ  المعلمِ  غُمَّةً  وكَآبةً............. مَرْأَى الدَّفاترِ بُكرَةً وأَصيلا

مائةُ على مائةٍ إذا هي صـُـلِّحَتْ........ وَجدَ العَمَى نَحْوَ العيونِ سبيلا

ولَوْ أنَّ في التَّصْليحِ نَفْعاً يُرْتَجَـى........ واللهِ لَمْ أَكُ بالعيونِ بَخِيـلا

لكنْ أُصَلِّح غلطـــةً نحويـةً...... مثلاً، وأتَّخِذُ الكتاب دَليــــلا

مُسْتَشْهِداً بالغُرِّ مِنْ  آياته.......... أو بالحديثِ مُفَصِّلاً تفصيلا

وأغوصُ في الشعرِ القديمِ وأنْـتَـقي....... ما ليس مُلْتَبـِساً ولا مَبْذُولا

وأكادُ أَبْعَثُ سِيبَوَيْهِ مِنَ البَلـَى........ وذَوِيهِ مِنْ أَهْلِ القُرونِ الأولى

فَأرَى "حِمـاراً" بَعدَ ذلكَ كُلــّــهِ.... رَفَعَ المُضافَ إلَيْهِ والمَفْعُولا

لا تَعْجَبُوا إنْ صِحْتُ يَوْماً صَيْحَةً......... ووقَعْتُ ما بينَ البُنُوكِ قَتيلا

يا مَنْ يُريدُ الانتحار وَجَدْتـــَهُ............ إن المعلمَ لا يعيشُ طويلا

ولعل قصيدة شوقي المشهورة :

قم  للمعلم   وفه  التبجيلا   :     كاد المعلم أن يكون رسولا

أثارت زوبعة من الاحتجاجات وخصوصا من المعلمين أنفسهم ، فتعليم الأمس غير تعليم اليوم ، وأول من عارض شوقي هو الشاعر الفلسطيني : إبراهيم طوقان، فحين رأى شوقي ربيب القصور يتحدث عن التعليم والمعلم حديث من لم يجرب المهنة ، وإنما هو يطل عليها من إحدى شرفات تلك القصور ، ويتناول التعليم بلغة الوعاظ والنساك ، ثارت ثائرته ولو أمعنا النظر بمعارضة طوقان فهي لا ترقى للمستوى اللغوي لقصيدة شوقي ، فطوقان لم يكن حريصا على عدد الأبيات في المعارضات ولا على المجاورة البلاغية .

أيها الأخوة الأفاضل :

حقيقة المعلم يعيش بين عناء الوظيفة وشرف المهنة ، ومهمة المعلم لاشك أنها صعبة وعصيبة جدا ، ولكن الشاعر المرحوم إبراهيم طوقان غالى كثيرا في هذه الصعوبات ، وأرجو ألا يقتنع أحد بكل ما قاله ، فالتعليم وظيفة صعبة ومهمة وهي مهمة وتراث الأنبياء والرسل ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين ، وما وجدنا أحدا من المعلمين سقط قتيلا في فصول العلم والتعليم كما يقول الشاعر ابراهيم طوقان:  وغير صحيح مايقوله: بأنها وظيفة من يريد الانتحار وأن صاحبها لا يعيش طويلا .

فوظيفة التعليم هي وظيفة الأنبياء والرسل ، وهي وظيفة الناس كبار العقول والنهى و هي وظيفة رواد المعالي، وقد وصفها الله بأنها من أحسن القول ، قال تعالى : (( ومن أحسن قولا ممن دعا إلى الله )) { فصلت 32 } ، فالمعلم داع إلى الله وحامل لواء المسلمين ، فعليه أن لا يؤتى الإسلام من قبله ، وهنيئا للمعلم على صبره على أذى المتعلمين ، وله في رسول الله صلى الله عليه وسلم أسوة وقدوة ، فيروي أنس بن مالك رضي الله عنه قال : ( كنت أمشي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وعليه برد نجراني غليظ الحاشية ، فأدركه أعرابي فجبذه بردائه جبذة شديدة ، فنظرت إلى صفحة عاتق النبي صلى الله عليه وسلم وقد أثّرت بها حاشية الرداء من شدة جبذته ، ثم قال : يا محمد مر لي من مال الله الذي  عندك ، فالتفت إليه فضحك ثم أمر له بعطاء ) متفق عليه .

فهنيئا لك أيها المعلم تعلم الناس الخير ، وهنيئا لك أيها المعلم فالله في عليائه وأهل السماوات وأهل الأرض حتى النملة في جحرها وحتى الحيتان في البحر والطير في الهواء يصلون على معلم الناس الخير .

والعملية التعليمية لا بد وأن تنبثق من الشريعة الإسلامية ، ويجب أن يكون لها أهداف وغايات عظمى لا يمكن تحقيقها _ بعد توفيق الله تعالى _ إلا من خلال معلم ذي شخصية سوية في صفاتها وخصائصها ، في آمالها وتطلعاتها ، في مقاييسها وموازينها ، لم تمسخ فطرتها ولم تنحرف أفكارها .

أيها الأخوة الأفاضل :

لست بشاعر ولكني أحب الشعر ، كيف لا وقد قيل إن من الشعر لحكمة وإن من البيان لسحرا ، وأحب الشعراء الملتزمين بالقافية والشعر الفصيح والذين استثناهم الله تعالى في آيات آخر سورة الشعراء ، حيث قال تعالى : (( والشعراء يتّبعهم الغاوون * ألم تر أنهم في كل واد يهيمون * وأنهم يقولون ما لا يفعلون * إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وذكروا الله كثيرا وانتصروا من بعد ما ظلموا وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون )) { الشعراء 224 – 227 } .

وأختم محاضرتي بقصيدة لشاعرة كويتية آلمها حال الشباب المسلم وانصرافه إلى اللهو والمجون وتركه لمعالي الأمور ، والقول الحسن ، وترك ما خلقه الله وكلفه فيه ، ، إنها الشاعرة الكويتية : ريوف الشمري  ، التي سميت قصيدتها : قصيدة من ذهب ، خرجت من قريحتها السوية المؤمنة الصادقة والصافية ، وهي معارضة لقصيدة أمير الشعراء أحمد شوقي ، ماتت الشاعرة ريوف الشمري في ريعان فتوتها بعد أن قاست آلام مرض السرطان لفترة طويلة ، رحمها الله تعالى وعوّض الأمة الإسلامية بالكثير من أمثالها ...

قالت ريوف الشمري رحمها الله تعالى :          

قٌـمْ للمغنِّـي وفِّـهِ التصفـيـرا كاد المغنِّـيْ أن يكـون سفيـرا

يا جاهلاً قـدر الغنـاء و أهلِـهِ اسمع فإنك قـد جَهِلـتَ كثيـرا

أرأيتَ أشرفَ أو أجلَّ من الـذي غنَّى فرقَّـصَ أرجُـلاً و خُصُـورا

يكفيهِ مجـدا أن يخـدرَ صوتُـهُ أبنـاء أُمـة أحـمـدٍ تخـديـرا

يمشي و يحمل بالغنـاء رسالـةً من ذا يرى لها في الحياة نظيرا

يُنسي الشبابَ همومَهم حتى غدوا لا يعرفـون قضيـةً و مصيـرا

الله أكبـر حيـن يحيـي حفلـةً فيهـا يُجعِّـرُ لاهيـاً مـغـرورا

من حوله تجدِ الشباب تجمهـروا أرأيت مثل شبابنـا جمهـورا؟

يا حسرةً سكنت فؤاديَ و ارتوتْ حتى غَدَتْ بين الضلوعِ سعيـرا

يا عين نوحي حُقَّ لي و لكِ البُكا ابكـي شبابـا بالغنـا مسحـورا

يـا لائمـي صمتا فلستُ أُبالـغُ فالأمرُ كان و ما يـزالُ خطيـرا

أُنظر إلى بعض الشبـابِ فإنـك ستراهُ في قيـد الغنـاءِ أسيـرا

يا ليت شعري لو تراهُ إذا مشـى متهزهـزاً لظننتـهُ مخـمـورا

ما سُكرُهُ خمـرٌ و لكـنَّ الفتـى من كأسِ أُغنيـةٍ غـدا سِكّيـرا

أقْبِح بهِ يمشي يُدنـدنُ راقصـاً قتلَ الرجولـةَ فيـهِ و التفكيـرا

لولا الحياءُ لصحـتُ قائلـةً لـهُ (يَخْلفْ على أم) قد رعتكَ صغيرا

في السوقِ في الحمامِ أو في دارهِ دوماً لكـأس الأُغنيـاتِ مُديـرا

إنَّ الـذي ألِـفَ الغنـاءَ لسانُـهُ لا يعـرفُ التهليـلا و التكبيـرا

حاورهُ لكنْ خُـذْ مناديـلاً معـك خُذها فإنك سوف تبكـي كثيـرا

مما ستلقى مـن ضحالـةِ فكـرهِ و قليـلِ علـمٍ لا يُفيـدُ نقيـرا

أما إذا كان الحـوارُ عـن الغنـا و سألتَ عنْ ( أحلام ) أو (شاكيرا(

أو قلت أُكتب سيرةً عن مطـربٍ لوجدتِـهُ علمـاً بـذاك خبيـرا

أو قلتَ كمْ منْ أُغنيـاتٍ تحفـظُ سترى أمامـك حافظـاً نحريـرا

أمـا كتـابُ الله جـلَّ جـلالـه فرصيدُ حفظهِ ما يـزالُ يسيـرا

لا بيـتَ للقـرآن فـي قلـبٍ إذا سكن الغناءُ به و صـار أميـرا

أيلومني مـن بعـد هـذا لائـمٌ إنْ سال دمعُ المقلتيـن غزيـرا

بلْ كيف لا أبكي و هـذي أمتـي تبكـي بكـاءً حارقـاً و مريـرا

تبكي شبابا علَّقـتْ فيـهِ الرجـا ليكونَ عنـد النائبـاتِ نصيـرا

وجَدَتْهُ بالتطريـبِ عنهـا لاهيـاً فطوتْ فؤاداً في الحشا مكسـورا

آهٍ..و آهٍ لا تــداوي لوعـتـي عيشي غــدا مما أراه مريـرا

فاليومَ فاقـتْ مهرجانـاتُ الغنـا عَدِّي فأضحى عَدُّهـنَّ عسيـرا

في كـل عـامٍ مهرجـانٌ يُولـدُ يشدوا العدا فرحاً بهِ و سـرورا

أضحتْ ولادةُ مطربٍ فـي أُمتـي مجداً بكـلِ المعجـزاتِ بشيـرا

و غـدا تَقدُمُنـا و مخترعاتُنـا أمراً بشغلِ القومِ ليـس جديـر ا

ما سادَ أجدادي الأوائـلُ بالغنـا يوماً و لا اتخذوا الغناء سميـرا

سادوا بدينِ محمدٍ و بَنَـتْ لهـمْ أخلاقُهمْ فـوقَ النجـومِ قُصُـورا

و بصارمٍ في الحرب يُعجِبُ باسلاً ثَبْتَ الجنانِ مغامـرا و جسـورا

مزمـارُ إبليـس الغنـاءُ و إنـهُ في القلبِ ينسجُ للخرابِ سُتُـورا

صاحبْتُـهُ زمنـاً فلمـا تَرَكْـتُـه أضحى ظلامُ القلبِ بعـدَهُ نـورا

تبـاً و تبـاً للغنـاءِ و أهـلِـهِ قد أفسدوا في المسلميـن كثيـرا

يا ربِّ اهدِهِـمُ أو ادفـع شَرَّهُم         إنَّا نـراك لنـا إلهـي نصيـرا

أيها الإخوة الفضلاء : إن أول معلم لنا هوسيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو الذي علم أصحابه رضوان الله عليهم : آيات القرآن  الكريم وغرس فيهم أصول الدين الحنيف وأرشدهم إلى المواقف المعبرة ما على أساسه بنوا حياتهم الشريفة والكريمة فسادوا في دنياهم وآخرتهم وفتحوا قلوب العباد قبل أن يفتحوا البلاد وعلموا البشرية نور الشرع المبين الذي آب الناس إليه فصلحت أحوالهم في دنياهم وأخراهم . وقد نقل هؤلاء الأصحاب الكرام ذلك إلى من بعدهم من التابعين وتابع التابعين وهكذا وصل إلينا هذا العلم بالتواتر ليتابع معلمونا الكرام مسيرة قافلة نور العلم  والمعرفة والإصلاح والتربية الهادفة والمستنيرة بنور الشرع الحكيم . أعان المولى معلمينا ومدرسينا على قيامهم بهذه المهمة الكريمة والشريفة وجزاهم الله كل خيروأثابهم على ما يبذلونه في تحقيق هذا الهدف النبيل .        وختاما أشكركم على حسن استماعكم ، وأعتذرإليكم إن كنت أطلت عليكم . والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

محاضرة للدكتور صلاح الدين عباس شكر

ألقيت يوم الجمعة الموافق / 7  / 11 / 1431 هـ

موافق 15/10/2010م

في منتدى الشاعر الشيخ : / خالد النعمان 

وسوم: العدد 690