حول دور المرأة في تنمية دول المنظمة
كلمة السيدة توكل كرمان في المؤتمر الوزاري السادس لدول منظمة التعاون الإسلامي ،
أيتها العزيزات:
أمامكن كفاح عظيم، ونضال بالغ الأهمية؛ من أجل القضايا المشتركة والتحديات الاستراتيجية التي تهدد حاضر ومستقبل أمتنا وشعوبنا، مناهضة الصراع الطائفي المتزايد الذي يبدد طاقات الأمة ويوظف إمكانات بلدانها للهدم والهدم المتبادل، عوضا عن التعاون والمساندة والبناء والتنمية ومناهضة الإرهاب والتصدي له فكرا وممارسة، و التصدي لتنظيمات شاذة تهدم استقرار البلدان وتقوّض أمنها.
مناهضة ظاهرة "الإسلام فوبيا" التي تنال من الإسلام كدين سلام، ومن أمته كأمة خير وحضارة، وتظهره كدين للإرهاب، وأمة تشكل خطرا ً على أمم وشعوب العالم.
وجّهْن جهودكنَّ لمناهضة القطيعة بين بلداننا وشعوبنا، واستبدالها بالتعايش والشراكة والتعاون؛ لتحقيق المصالح والغايات المشتركة.
وحدْن جهودكن لمناهضة الاستبداد والفساد، إن تقدّمَ المرأة في مسيرة الكفاح ضد الاستبداد والطغيان ليشير إلى أن كل التحديات التي تواجهها لن تتمكن من قمع روحها النبيلة، ففي ثورات الربيع العربي كانت النساء في تونس ومصر واليمن وسوريا وليبيا في مقدمة الصفوف، يشاركن في صنع المستقبل، غير مباليات بالأخطار المحدقة بهن.
لا تزال النساء يقدمن التضحيات الأكبر في سبيل الحرية والانعتاق من الاستبداد في هذه الدول وفي غيرها من البلدان،هنا في تركيا، شاركت المرأة التركية في معركة إسقاط الانقلاب بفاعلية وشجاعة نادرة؛ لأنها تدرك أن الانقلابات العسكرية تجلب الظلم والفساد، وتصادر حرية الشعوب.
-----------------------------
النص الكامل لكلمة توكل كرمان في المؤتمر الوزاري السادس حول دور المرأة في دول"منظمة التعاون الإسلامي"
2/نوفمبر:2016
السلام عليكم
أشكر وزارة الأسرة والسياسات الاجتماعية وسعادة الوزيرة د. فاطمة بتول سيان، ومنظمة التعاون الإسلامي على تنظيم هذا المؤتمر الهام، والذي نناقش فيه دور المرأة في بلدان دول "منظمة التعاون الاسلامي "، سعيدة للغاية أنني أتحدث إليكم، كقيادات نسائية ينتظركن دور ريادي كبير لقيادة مسيرة هذه الأمة، كي تأخذ مقعدها في مقدمة الأمم التي حققت الريادة والمجد.
السيدات والسادة:
عادةً ما تثير الفعاليات التي تناقش حالة المرأة ودورها المستقبلي الشكوك لدى ذلك القطاع المتحفظ على أي دور للمرأة في الحياة العامة، يحدث ذلك تحت حجج كثيرة، أبرزها أن هناك أجندة مشبوهة ومؤامرة دولية تريد تدمير قيم المرأة المسلمة وتفكيك أواصر المجتمع المسلم،
على الرغم من خطأ هذا المفهوم ، إلا انه مما يساعد في رواج مثل هذه الاتهامات انحراف بعض المنظمات والجمعيات التي تعمل في حقل حقوق المرأة من خلال تبني أفكار ومشاريع صدامية، مليئة بعبارات تخوين وإقصاء للرجل، وكأن تحصيل المرأة لحقوقها مرتبطة بفقدان الرجل لحقوقه!
إزاء هذه الطريقة المتشنجة، التي تحدث ضجيجا أكثر من أي شيء آخر، تبنيت وجهة نظر بسيطة للغاية، تتمثل في أنه يجب الدفاع عن حقوق الرجل وحقوق المرأة بذات القدر والحماسة، وأنه ليس صحيحا أن الرجل يتمتع بجميع حقوقه، أو أن ما يحصل عليه من حقوق ومزايا يجعله غير محتاج للمزيد.
إن مسألة حقوق الإنسان تخص المرأة كما تخص الرجل، وكما تخص الأطفال أيضا، ولذا يجب الاهتمام بقضية أساسية وهي: ضمان وجود دول المواطنة المتساوية، دول ديموقراطية، ومجتمعات متسامحة، ففي هذه الحالة يمكن أن نصل لحقوقنا رجالاً ونساءً دون تمييز، أما الرهان على الأنظمة الاستبدادية في هذا الشأن، فمسألة غير مفهومة.
السيدات والسادة:
لقد أثبتت التجارب المختلفة أن خيارات المرأة هي ذاتها خيارات الرجال، وهي بناء دولة مدنية تعلي من مبادئ المواطنة وحكم القانون. لقد امتلأت الشوارع والساحات بالرجال والنساء في سبيل هذا الحلم، هناك حكمة تختصر ما أود قوله في هذا الشأن: يبدأ تاريخ الدول في قلب رجل أو قلب امرأة.
إن مساعدة المرأة على التخلص من إرث يتسم بالظلم والتهميش هو في حقيقة الأمر مساعدة للرجل ومساعدة للمجتمع، هذا ما يجب أن يستقر في أذهاننا ونحن نتعاطى مع هذه المسألة، إذ لا يجدر بنا أن نناقش قضية الحقوق والحريات والتنمية بطريقة التجزئة، فمن المتعذر أن يكون لدينا مجتمع نصفه يحصل على حقوقه كاملة، والنصف الآخر لا يحصل على شيء.
في هذا الإطار، أود التأكيد على ضرورة إرساء مبادئ المواطنة وسيادة القانون والعدالة في دولنا، لأن هذا هو الطريق الوحيد الذي يضمن حقوق الرجال والنساء على حد سواء، لا طريق آخر.
السيدات والسادة:
في كل دول العالم تواجه النساء تحديات متعددة، وتزيد هذه التحديات أو تنقص حسب قدرة هذه الدولة أو تلك في إلغاء التمييز بكل أشكاله وأنواعه ضد المرأة وتشجيعها على التواجد البنّاء في المجال العام.
و في معظم دول العالم الإسلامي بشكل خاص .
هناك جملة تحديات تواجه النساء المسلمات، وينبغي مواجهتها الآن وتجاوزها لما فيه مصلحة مجتمعاتنا وعافيتها، ويحتل موضوع "التمييز ضد النساء" صدارة هذه التحديات، وأعني بالتمييز كل ما من شأنه التعامل مع المرأة كمواطن من الدرجة الثانية والثالثة، ابتداء من القوانين والتشريعات التي تتعامل مع المرأة باعتبارها كائنا تابعا وغير موثوق فيه، ومرورا بالموروث الثقافي والاجتماعي اللذين يحتويان على قدر كبير من المشاعر السلبية والمجحفة تجاه المرأة، وليس انتهاء باستبعاد المرأة من مؤسسات صنع القرار السياسي.
ويعد تسرب الفتيات من التعليم والحرمان منه أحد أبرز التحديات التي تواجه مجتمعاتنا اليوم، إذ سيكون متعذرا المضي قدما نحو المستقبل، فيما أكثر من نصف المجتمع متخلف عن الركب. إن تعليم المرأة ليس ترفا كما قد يخيل للبعض، وليس انحلالا كما قد يتصور البعض الآخر، تعليم المرأة كتعليم الرجل، أمر لا غنى عنه، فالمرأة المتعلمة تكون أكثر قدرة على مواجهة ظروف الحياة الصعبة، وأكثر استيعابا للفرص من غيرها.
لا يجب حرمان النساء من التعليم تحت أي ظرف، وأني أدعو حكومات الدول الإسلامية لإعطاء أولوية خاصة لتعليم المرأة في الأرياف والمناطق البعيدة، لا يوجد أعظم من هذا الاستثمار، صدقوني لست أبالغ عندما أقول أن بناء مدرسة أهم من بناء معسكر، وتأثيث مدرسة أهم من شراء سلاح.
إن استيعاب المرأة ضمن برامج التنمية مسألة يجب الالتفات إليها، فالتجارب والسوابق التاريخية تشير إلى أن المجتمعات التي حققت قدرا هائلا من الرفاه الاجتماعي تميزت بمشاركة أعلى للمرأة في مجالات الحياة الاجتماعية والاقتصادية، بعكس المجتمعات التي لم تحقق أي نجاح على هذا الصعيد، فقد تبين أنها قامت بتهميش وتعطيل قدرات النساء لاعتبارات خاطئة.
في هذا السياق، أود الإشارة إلى معضلة تتعلق بالنظرة الدونية إلى المرأة ودورها في المجتمع، وهي تلك الآراء المتشددة من بعض رجال الدين الذين يمارسون احتقارا للمرأة باسم الإسلام، في حين أن الإسلام يعظم من المرأة ويتعامل معها باعتبارها إنسانا كاملا ومسؤولا كالرجل تماما، يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: النساء شقائق الرجال.
لا أريد الخوض في سرد الأحاديث المكذوبة على الرسول صلى الله عليه وسلم، والتي لا يزال كثير من رجال الدين وخطباء المساجد يرددها دون علم ، وهذا ما يوجب الوقوف عنده وتصحيحه، فاتخاذ الدين مطية لعادات جاهلية ومصالح ضيقة أمر غير مقبول.
إلى المرأة في جميع أنحاء العالم بشكل عام ، وإلى المرأة المسلمة بشكل خاص، إلى الحاضرات هنا بشكل أخص:
الغاية واضحة، والدرب سالك، الكفاح من أجل الوطن والأمة والإنسانية الواحدة، لتِجلبْنَ الرفاه والسلام للمجتمعات برجالها ونسائها
النضال من أجل القضايا العادلة التي ينعم بخيرها الجميع رجالا ونساء
ليس هناك كفاح يخص المرأة دون الرجل، وليس هناك ميدان يخص الرجل ولا شأن للمرأة به
، الشأن العام هو شأن المرأة كما هو شأن الرجل.
سيكون عليكن، وعلى نحو مستمر، رفض أن يتم حشركُنَّ في زاوية ضيقة لا تتسع لغير قضايا المرأة وأدوارها التي تم توصيفها وفق مفهوم تقليدي يحصر المرأة في أدوار هامشية لا ترقى إلى قيادة المجتمع والدولة، بمستوياتها القيادية المؤثرة والحاسمة.
أيتها العزيزات:
الفرص أمامكن مفتوحة دون حد؛ للتأثير وقيادة التغيير على المستوى الوطني والإقليمي والدولي.
سيكون عليكن ، فحسب، أن تمتلكن أدوات التغيير ووسائل التأثير وهي مجالات متعددة وميادين هامة، تبدأ بقيادة العمل التطوعي الأهلي بكافة مجالاته وموضوعاته وأهدافه وغاياته. أسّسْنَ الجمعيات والمؤسسات الوقفية وغير الربحية الخيرية والتنموية والسياسية والفكرية والثقافية، ستوفر هذه المؤسسات نافذة كبيرة لخدمة المجتمع وقيادته على السواء ، حين تطل المرأة من هذا الموقع فإنها تكون قد امتلكت زمام أحد أهم وسائل التأثير الاجتماعي العابر للحدود والقارات والأوطان.
يمكن القول في هذا السياق إنه يمكن للمرأة أن تحقق الريادة والسبق في قيادة وإدارة مؤسسات العمل الأهلي بكفاءة الرشد والفاعلية وثقة الناس، نحن في عصر التغيير بالمؤسسات، فليكن لكل واحدة منكن مؤسستها الأهلية الخاصة لحشد الجهود، وإعادة توظيفها لخدمة المجتمع.
أيتها العزيزات :
من أجل أوطان معافاة وإنسانية رشيدة، ومن أجل سلام عالمي تختفي معه كل أنواع الصراعات والحروب، تغدو مشاركتكن الواسعة في قيادة الشأن السياسي والعام ضرورة غير قابلة للتأجيل أو التهاون.
الخوض في الشأن السياسي وقيادة الشأن الحكومي العام والإطلال على المجتمع والعالم من تلك المقاعد يمنحكن قوة وقدرة هائلة للتأثير والتغيير الإيجابي، واجبكن من أجل المرأة والرجل على السواء أن تفعلن ذلك ، لن تحلّق الأوطان بجناح واحد، لن تبلغ مجدها بالرجل دون المرأة، وحين تحاول عبثا أن تفعل ذلك؛ فإنها لا تجني غير الفشل والتخلف عن الركب.
من أجل تأثير واسع انخرطن في قيادة الأحزاب والتنظيمات السياسية وأسسنها وامتلكن الحلم في شغل أعلى المناصب.
المجتمع يرى فيكن الخلاص، وأنكن جديرات بالاحترام والثقة، فكُنّ عند مستوى مراهنات الناس عليكن، هناك كذبة كبيرة وجدت فرصة للانتشار في بلدان كثيرة، وهي أن هناك تمنعا مجتمعيا يحول دون مشاركة المرأة ويحرمها من فرص الريادة والقيادة! ربما يكون الأمر صحيحا من قبل النخب التي تحتكر وتتوارث المراكز والمناصب،أما المجتمع فلا، فالشعب سرعان ما يمنح المرأة الثقة حين تثق بنفسها وتقدم نفسها كقائدة ورائدة. أفعلْنَ ذلك من أجل الناس، من أجل أوطانكن وأمتكن العظيمة.
أيتها العزيزات:
أمامكن كفاح عظيم ونضال بالغ الأهمية؛ من أجل القضايا المشتركة والتحديات الاستراتيجية التي تهدد حاضر ومستقبل أمتنا وشعوبنا، مناهضة الصراع الطائفي المتزايد الذي يبدد طاقات الأمة ويوظف إمكانات بلدانها؛ للهدم والهدم المتبادل، عوضا عن التعاون والمساندة والبناء والتنمية ومناهضة الإرهاب والتصدي له فكرا وممارسة وتنظيمات شاذة تهدم استقرار البلدان وتقوض أمنها.
مناهضة ظاهرة "الإسلامو فوبيا" التي تنال من الإسلام كدين سلام ومن أمته كأمة خير وحضارة، وتظهره كدين للإرهاب، وأمة تشكل خطر على أمم وشعوب العالم.
وجّهنْ جهودكن لمناهضة القطيعة بين بلداننا وشعوبنا، واستبدالها بالتعايش والشراكة والتعاون، لتحقيق المصالح والغايات المشتركة، وحْدنَ جهودَكن لمناهضة الاستبداد والفساد.
إنّ تقدم المرأة في مسيرة الكفاح ضد الاستبداد والطغيان ليشير إلى أن كل التحديات التي تواجهها لن تتمكن من قمع روحها النبيلة، ففي ثورات الربيع العربي كانت النساء في تونس ومصر واليمن وسوريا وليبيا في مقدمة الصفوف، يشاركن في صنع المستقبل، غير مباليات بالأخطار المحدقة بهن.
لا تزال النساء يقدمن التضحيات الأكبر في سبيل الحرية والانعتاق من الاستبداد في هذه الدول، وفي غيرها من البلدان. هنا في تركيا، شاركت المرأة التركية في معركة إسقاط الانقلاب بفاعلية وشجاعة نادرة، لأنها تدرك أن الانقلابات العسكرية تجلب الظلم والفساد، وتصادر حرية الشعوب.
في هذا السياق، أود أن أتوجه بتحية خالصة للمرأة في العالم الإسلامي على صبرها وشجاعتها وقوة إرادتها، ونضالها لتغيير واقعها نحو الأفضل.
لا يفوتني أن أتقدم بتحية خاصة للمرأة الفلسطينية التي تناضل وتكافح، بطريقة مثيرة للإعجاب، دون ملل أو كلل؛ لتحقيق الاستقلال ضد الاحتلال.
صديقاتي الغاليات :
قدَرُ هذه الأمة أن تصطفَّ بين الأمم رائدة وقائدة، وقدركُنَّ أن تسهمن في تحقيق هذا الحلم، نعم نحن نستطيع، لدينا أحلام عظيمة، والأحلام لا تموت.
دعوني باسمكن أُدِنْ ، وبأشد عبارات الإدانة والاستنكار، المحاولة الانقلابية التي استهدفت الديموقراطية التركية وما حققته من تنمية مستدامة في هذا البلد العظيم، نبدي أسفنا على كل حالات الصمت والرضا والمباركة للانقلاب من قبل بعض الحكومات الغربية التي تنكرت لمبادئها وتخلت عن التزاماتها تجاه الديمقراطية وحقوق الإنسان، فباركت انقلاب العسكر وتمنت تقويض أهم ديموقراطية رائدة في المنطقة والعالم، فألحقت بنفسها وصمة خزي ستظل عالقة في جبينها، فلا أسوأ أن تكون في الجانب الخطأ من التاريخ في لحظات فارقة مثل هذه.
في الختام:
لن تقوم لأوطاننا قائمة إذا لم تقم النساء. فلنعمل بكل قوة من أجل مجتمع متماسك وصحي لا يوجد تمييز فيه بين الرجال والنساء، لا يوجد استبعاد أو تهميش!
دعونا نمشِ جنباً إلى جنب، رجالا ونساء، نكافح معا في سبيل أوطان حرة، ومواطنة متساوية، فبغير ذلك لن نحصل على شيء، وسنظل نتحدث في ذات الموضوعات كل عام، وهذا ما لا يجب أن نقبل بأن يحدث.
أيتها العزيزات أحيي مبادرتكن من أجل تحالف نساء منظمة العالم الإسلامي، وأتمنى لها النجاح، وأن يكون رافدا لتعزيز دور هذه المنظمة المهمة.
و السلام عليكم
وسوم: العدد 693