الخمليشي والديالمي يعزفان على نفس الوتر في ندوة الدين والمرأة التي نظمتها حركة ضمير بالرباط
كلما حلت مناسبة اليوم العالمي لمناهضة العنف ضد المرأة الذي يصادف الخامس والعشرين من شهر نوفمبر إلا وأثيرت القضية النسائية ، وخاض فيها الخائضون من منطلقات مختلفة ولأصحابها أهداف يرومون الوصول إليها عن طريق الخوض في هذه القضية . ومن بين هذه المنطلقات التوجه العلماني الذي يريد فرض وجوده في مجتمع متدين . وهذا التوجه لا يقف أصحابه عند حدود الدعاية لتوجههم بل يتعدون ذلك إلى محاولة إيجاد مكان لتوجههم هذا داخل التوجه الإسلامي بحيث يطالبون بإجراء تعديلات على الدين ليساير توجههم . ويمثل هذا التوجه بعض دعاة العلمانية . ومن المعلوم أن حركة ضمير تتبنى وتحتضن كل الأنشطة الفكرية العلمانية ، وتستضيف المتحدثين باسمها . وغالبا ما يكون حديث هؤلاء هو وضع الدين والمتدينين في قفص الاتهام . وأشهر تهمة يوجهها العلمانيون للمتدينين هي احتكارهم للدين ووصايتهم عليه ، لهذا يقدم هؤلاء اقتراحات لوضع حد لهذا الاحتكار ولهذه الوصاية ، ويجعلون أنفسهم شركاء للمتدينين في التحدث باسم الدين ، والتعامل معه فهما وتأويلا وتنزيلا وفق النظرة العلمانية. والمتأمل لما نشر أمس وأمس الأول في الصحافة الرقمية لموقع معروف بالدعاية للفكر العلماني يلاحظ أن مفكرين مغربيين هما الدكتور أحمد الخمليشي مدير دار الحديث الحسنية ، والدكتور عبد الصمد الديالمي أستاذ الفلسفة ، وقد قدمه الموقع " كعالم الاجتماع " يجد هذا المتأمل عزف الرجلين معا على وتر واحد ذلك أن الخمليشي دعا إلى ثورة على تفسيرات الفقهاء للدين ، والديالمي دعا إلى إصلاح الإسلام قصد المساواة بين الجنسين . وقد جاءت الدعوتان في سياق المطالبة بالمساواة بين الرجل والمرأة بمناسبة اليوم العالمي لمناهضة العنف ضد المرأة . وتتكرر الدعوتان من الرجلين في كل مناسبة تتعلق بموضوع المرأة . وإذا كان الخمليشي يتحاشى التصريح بعلمانيته، فإن طروحاته تحيل على التوجه العلماني وتفوح منها رائحة العلمانية ، بالرغم من كونه على رأس مؤسسة دينية، بينما لا يجد الديالمي حرجا في التصريح بعلمانيته بل يذهب بعيدا في ذلك من خلال استفزازاته للمتدينين عن طريق طرح قضايا يعارضها الدين من قبيل الدعوة إلى حرية الجنس التي يشتهر بها ،والتي كان يجاهر بها خلال محاضراته في الجامعة ، ولا تفوته فرصة إعلامية دون أن يعيدها على الأسماع في كل مناسبة . وإذا ما وقفنا عند دعوة الخمليشي للثورة على تفسيرات الفقهاء للدين خطرت ببالنا أسئلة كالآتي : هل هذه التفسيرات التي يدعو الخمليشي إلى الثورة عليها تفسيرات خاطئة ومجانبة للصواب، الشيء الذي استدعى الثورة عليها ؟ وهل الثورة التي يقصدها الخمليشي ثورة متدين على تفسيرات متدينين أم أنها ثورة علماني عليها ؟ وهل ينسجم منطق الثورة مع منطق الحوار الذي يرفع شعاره الخمليشي ؟ وهل تفسيرات الفقهاء لا يجمع بينها إلتزام بضوابط تمنع إخراج الدين من إطاره؟ وهل هذا الدين مستغلق على الأفهام، الشيء الذي جعل التفسيرات منحرفة عن جادة فهمه الفهم الصحيح ؟ وهل كان الخمليشي، وهو مدير مؤسسة دينية جادا فيما يقول أم أنه كان يغازل مشاعر العلمانيين الذين استضافوه في ندوتهم ؟ ولا شك أن دعوة الخمليشي تشي بتوجه علماني تبقى لمن صدر عنه أن يقر أو ينفي ذلك إذا أمكنه النفي . أما إذا وقفنا عند دعوة الديالمي، فإننا سنلاحظ أنها أكثر جرأة وجسارة على الدين والمتدينين من دعوة الخمليشي ،ذلك أن هذا الأخير دعا إلى الثورة على تفسيرات الفقهاء للدين بينما دعا الأول إلى إصلاح الدين نفسه . والأسئلة التي تتبادر إلى الذهن بالنسبة لدعوة "عالم الاجتماع " العلماني كالآتي : هل فسد الدين بالفعل ، واحتاج إلى إصلاح ؟ ومن ذا الذي يستطيع إصلاح الدين إذا فسد ؟ وكيف يكون الإصلاح ؟ وهل يكون المصلح متدينا أم علمانيا ؟ وما حجم الزمن الذي قضاه المتدينون في السابق وهم يخضعون لدين يحتاج إلى إصلاح ؟ وما هو مصيرهم الأخروي وقد مارسوا التدين الفاسد لقرون ؟ ومعلوم أن الديالمي يصرح جهارا نهارا بتعطيل آية الميراث التي تنص على أن للذكر مثل حظ الأنثيين ، وهذا هو المقصود بإصلاح الدين عنده ، وهو إصلاح يمس القرآن الكريم مباشرة بالتعطيل .وإذا تم هذا التعطيل لآية الميراث فإن من يدعو إليه لا يجد حرجا في تعطيل غيرها، وقد فعل بالفعل حين طالب بتعطيل آيات الحدود خصوصا حد الزنا دافعا عما يسميه حرية الجنس . ويبدو أن طوابير العلمانية الغربية الخامسة المندسة بيننا يخوضون حربا ضد الإسلام نيابة عنها ، ولهذا نجد دعواتهم تساير الحرب التي تشن غربيا على الإسلام بذريعة مواجهة ما يسمى الإرهاب الذي يلصق بهذا الدين، وقد تم استئجار عصابات إجرامية من المتطفلين عليه وتوظيفهم لممارسة الإجرام والإرهاب باسمه لتشويهه ، ولتبرير استهدافه والتمويه على ذلك . ويرى طوابير العلمانية الخامسة عندنا أن الفرصة سانحة في ظل الحملة الغربية على الإسلام لتسويق فكرهم من خلال الدعوة مرة إلى الثورة على المتديين و أخرى لإصلاح الدين من خلال تعطيل نصوصه، وتأويلها التأويل المناسب للطرح العلماني أو على مقاسه . ومقابل هذه الحملة العلمانية نسجل غياب الرد عليها ومواجهتها لدى أهل الأقدام الراسخة في علوم الدين خصوصا في وسائل الإعلام الرقمي الذي يستحوذ عليه العلمانيون ، وقد أصبح الوسيلة الأكثر انتشارا والأكثر تأثيرا في الرأي العام خصوصا بين صفوف شباب لا يجيد فهم الدين ، ولا علم له بخبايا العلمانية وأهدافها الخبيثة ، وهو يعيش في أجواء الحياة العلمانية الوافدة والمغرية بدعارتها وخلاعتها وشعاراتها الداعية إلى الانحلال الخلقي باسم حرية الجنس المتمثلة فيما تسميه العلمانية الرضائية والمثلية ،ويسميه الإسلام مخادنة وزنا وفاحشة قوم لوط .فمتى سيستعمل المتدينون الوسائل التي يستعملها العلمانيون لإحباط المؤامرات التي تحاك ضد الدين تحت هذا الشعار أو ذاك ؟
وسوم: العدد 697