الإرهابي أبو تريكة بين فاطمة كشري .. وحلمي النمنم!
تعاطفت مع السيدة فاطمة كشري التي تقوم بأدوار ثانوية في مجال التمثيل والغناء. وحين أقارن كلامها بما يقوله السيد حلمي النمنم وزير الثقافة أو العلمانية، فإني أرى فيها نوعا من الفطرة البسيطة التي تبحث عن فائدة أو منفعة شخصية أو اجتماعية لا تتجاوز الأفق الذي تعيش فيه وتعمل، وهو الأفق الذي منحها ثقافة تتسق مع حياتها وإمكاناتها. أما السيد النمنم فله باع طويل في الادعاء الفكري والثقافي المعادي للروح الإنسانية، والمخاصم للحياة الوطنية.
فاطمة كشري ظهرت في برنامج تلفزيوني وطلبت منها المذيعة أن توجه كلمة إلى الجنرال فدعته ليحذر البرد ويرتدي كلسونا لتدفئته، وأن يزور هو أو أحد المسئولين شارع شبرا مصر الذي تسكنه وتختفي فيه الخدمات، لأن هناك ناسا فقيرة جدا وناسا غنية جدا. هذا ما قالته فاطمة كشري بحسن نية وطريقة عفوية لقيت تعليقات كثيرة وتفسيرات متباينة ومواقف غريبة منها موقف محام معروف عنه رغبته في الشهرة وخدمة الأجهزة الأمنية، حيث أعلن أنه تقدم ضد كشري ببلاغ إلى النائب العام بتهمة الإساءة إلى الجنرال الحاكم وتشويه صورة مصر. وكان الأولي به أن يتهم الذين استضافوها واستجوبوها على شاشة التلفزيون .
وإذا كان أمر السيدة كشري قد طوته الأحداث فإن أمر السيد النمنم لم يطو ولم يغلق ، لأنه تعبير عن مرحلة من الانحطاط الحضاري والهبوط الثقافي لم تعرفها مصر من قبل. فقد زعم أمام ما يسمى مجلس النواب أن قادة الإرهاب تخرجوا جميعا من الكليات العملية مثل الطب والهندسة والصيدلة والعلوم(أبو تريكة من خارجها)، وعلل ذلك بأن هذه الكليات لا تهتم في مناهجها بالمواد النظرية التي تتعلق بالفكر والعلوم الإنسانية .. وهو كلام ردده كثير من خدام الاستبداد العسكري الفاشي، فضلا عن أعداء الإسلام وخصومه من المتنصّرين واليساريين والليبراليين والانتهازيين.
إن كلام النمنم الذي يفترض فيه أنه يقود حركة الثقافة ويعمل على تأصيل حرية الفكر وحق الاعتقاد ومنهج الحوار وفق أسس منهجية علمية، لا يبشر بخير، ولا يصب في الاتجاه الصحيح لخدمة البلاد والعباد. وكلامه يشير إلى عدة أمور :
منها أن المستوى الثقافي الرفيع الذي يحققه طلاب الكليات العملية وخاصة الطب والهندسة غير مطلوب، لأنه موصوم سلفا بالإرهاب والتوحش ومعاداة الإنسانية . وبناء عليه فالمطلوب أن يكون أبناؤنا من أصحاب المستوى الثقافي المنخفض، وحبذا لو كانوا مثل طلاب المدارس المهنية التي تقبل الحاصلين على أقل الدرجات في الإعدادية العامة كي لا يكونوا إرهابيين (الإرهابي أبو تريكة بكالوريوس تجارة).
ومنها أن الطالب في الكليات العملية ضيق الأفق لا يفهم الأمور والقضايا إلا من خلال المعادلات والنتيجة الحاسمة للتجربة، ولذا يزن الأمور بميزان لا مكان فيه للحوار أو المرونة أو الإبداع. ويبدو أن وعي النمنم بحركة التاريخ – ويقال إنه متخصص فيه – محدود للغاية. فقد عرفت حركة الفكر والأدب والفلسفة والدين أجيالا متتابعة كتبوا وأبدعوا وفكروا. هل نذكّره على سبيل المثال بأحمد زكي أبو شادي وعلى محمود طه وإبراهيم ناجي ونجيب الكيلاني وعبد السلام العجيلي ويوسف عيسى ومصطفى محمود ويوسف إدريس وغيرهم .. بل نذكّره أن الحركة الشيوعية المصرية التي ينتسب إليها أفرزت عددا كبيرا من المفكرين والكتاب والشعراء وكان في مقدمتهم مصطفى محمود الذي استطاع بعد الهداية أن يربط بين العلم والدين بطريقة فريدة ومتميزة.
ومنها الإقرار أن تعليم الدين الإسلامي لا وجود له في الكليات العملية. فضلا عن التعليم العام، وهو ما كان يفرض على النمنم وليس على فاطمة كشري – محدودة الثقافة – أن ينادي بتوسيع دائرة تعليم الإسلام في المدارس والجامعات، وقبل ذلك المناداة بحرية الشعب وكرامته وحقه المشروع في اختيار قياداته وطريقه ومستقبله. ولكن سيادته لا يستطيع أن ينادي أو يطالب، لأنه يخدم الاستبداد العسكري الدموي الفاشي. لقد تفوقت كشري على النمنم في مطالبتها بزيارة المسئولين لشارعها كي ينظروا في أمر الفقراء، في الوقت الذي تجاهل فيه المطالبة بالحرية .. أليست فاطمة أكثر تقدمية منه ومن حظيرته التي بشمت ثعالبها من كثرة السرقة بالقانون؟
إن الإرهاب - يا سيد نمنم - تصنعه الحكومات المستبدة الفاشية القمعية، وتجعل من طلاب القمة التعليمية و طلاب الحضيض إرهابيين ثأريين من خلال ما يلاقونه في السجون والمعتقلات من هوان وتعذيب وحشي ترفضه الوحوش وتأباه الحيوانات. إن ربط الإرهاب بالإسلام جريمة فكرية تدل على التخلف والغباء المستحكم الذي يأبى أن يعترف بأسبابه الحقيقية، وهي الطغيان والتجبر والفكر العنصري الذي لا يسمح للإسلام بالتعايش، ويحول أهله إلى جالية مستباحة وأبا تريكة إرهابيا.
ستون عاما والإسلام مطارد، والمتمسكون به دينا ودنيا مطاردون ومعتقلون ومحكومون بالموت والإقصاء والتهميش والحرمان من المساواة والعدل والحرية والأمل. النمنم الذي قال ذات يوم يجب أن تُفرض العلمانية بالدم؛ لا يعترف بقبول الآخر المسلم، ولا يؤمن بحقه في المواطنة، ويراه مواطنا غير مرغوب فيه، ونشاطات وزارة الثقافة برعايته تصب كلها في احتقار الإسلام وأهله وازدرائهم والتحريض عليهم وإدانتهم في كل المناسبات. فهل هذه هي الاستنارة التي ينادي بها أم إنها استنارة الغرب الصليبي الذي مات ضميره واستباح المستعمرات والضعفاء والفقراء والبؤساء والسود والملونين باسم الحداثة والتنوير؟
أعلم أن السيد النمنم وحظيرته يعملان بتوجيه السلطة، ويتحركان من منطلق الولاء للمناصب والمنفعة قبل أي اعتبار، ومن هنا فإن طلاب الكليات العملية لا يروقون له ولا لحظيرته؛ حتى لو بدا ذلك مخالفا لقواعد المنطق والأخلاق والعرف الدولي !
من أطرف أخبار السيد النمنم أنه " خاطب السيد "الهلالي" وزير التعليم لتدريس أغاني ومؤلفات عبد الرحمن الابنودى في المناهج الدراسية! ويبدو أن أبناءنا سيحفظون من العام القادم أغنية " تحت الشجر يا وهيبة يا ما كلنا برتقان"!
صار تدريس الأغاني التافهة والبذاءات والشتائم التي ينظمها اليساريون ممن يجلسون على حجر الأجهزة الأمنية واجبا وطنيا يتخاطب من أجله الوزراء والكبراء بحجة تدريس الأدب الشعبي في مقررات اللغة العربية. لم نسمع أحدا يطالب بتدريس منظومات بيرم التونسي الفائقة أو غيره من الموهوبين الحقيقيين، ولكن خدام القمع يريدون أن تكون لهم الكلمة والشهرة والدعاية ، واقتحام محاريب العلم الطاهرة !
يبدو أن الاستمساك بحبل الله المتين من خلال دين الإسلام الحنيف؛ يعد إرهابا وتطرفا وتشددا، أما القمع والتصفية في البيوت، والقتل في الشوارع والميادين، والثأر الأعمى، واعتقال الأبرياء والشرفاء والمتظاهرين من أجل تيران وصنافير، فهو الوداعة والمواطنة والسلام والمحبة والحداثة والتنوير والأمن للجميع!
الله مولانا. اللهم فرّج كرب المظلومين . اللهم عليك بالظالمين وأعوانهم!
وسوم: العدد 704