ما الذي أفسد ألسنة هؤلاء هل معاشرتهم للقرآن الكريم أم هجرانهم له ؟؟؟
في إطار نقض زعم من زعم أن نصوص القرآن والحديث هي من العوامل الرئيسة لتدني مستويات المتعلمين في اللغة العربية، نعرض نموذجا من نماذج فساد اللسان التي تزخر بها اللوحات الإشهارية المرفوعة في شوارعنا أو يافطات أو لوحات تثبت فوق المحلات التجارية وغيرها . ويتعلق هذا النموذج بيافطة وضعت فوق باب محل تجاري كتبت عليها كلمة : " طخفيظاط " والمقصود طبعا هو كلمة : " تخفيضات " ويتعلق الأمر بخفض أسعار السلع ، فما الذي جعل كاتب هذه اليافطة يلحن في كتابة هذه الكلمة العربية ؟ هل معاشرته للقرآن الكريم أو هجرانه له ، وجهله به ؟ هذا سؤال يوجه للذين يتهمون نصوص القرآن والحديث بأنها وراء ضعف مستويات المتعلمين في اللغة العربية، والذين أوصوا بشطب هذه النصوص من كتب اللغة العربية المدرسية . وهذا النموذج من الخطإ في رسم الكلمات والعبارات العربية على لوحات أو لافتات أو يافطات الإشهار أو المحال التجارية أو غيرها كثير جدا ، ولا وجود لقانون يحمي اللغة العربية ،وهي اللغة القرآن الكريم الذي هو الدين الرسمي للدولة ، كما أنها اللغة الرسمية أيضا بموجب دستور البلاد من ابتذالها كل هذا الابتذال . ولا وجود للجان مراقبة تراقب ما يرفع من عبارات إشهارية أو مسميات في الأماكن العمومية خارجة عن إطار قواعد اللغة العربية رسما أو كتابة ونطقا . وكثيرا ما يلتفت المواطنون إلى تلك العبارات للسخرية منها في الغالب دون أن تتحرك غيرتهم على لغة القرآن، وهي مقوم من مقومات هويتهم الدينية والوطنية والقومية . ولا شك أن الاكتفاء بالسخرية من الأخطاء المرتكبة في اللوحات واليافطات الإشهارية هو عبارة عن موقف سلبي يكرس الاعتداء على اللغة العربية ،وهو في الحقيقة اعتداء على كرامة أصحابها . إن الذي خط كلمة :" طخفيظاط " لو قدر له أن يدرس بكتّاب لتحفيظ القرآن الكريم للقنه شيخه ومعلمه الأول الفرق بين الطاء والتاء ،والضاد والظاء نطقا ورسما من خلال آيات القرآن الكريم، وذلك في صباه ليشب على ذلك ويشيب عليه وفق الحكمة التي تقول : " من شب على شيء شاب عليه " .وإن معاشرة نصوص القرآن الكريم في مرحلة الصبا فضلا عن كونها بركة كما أثر ذلك عن ابن خلدون رحمه الله، فهي عبارة عن عملية تصحيح جهاز النطق لدى الصغار من كل عيب محتمل . ويمكن قياس مدى الاحتكاك بالقرآن الكريم لدى الناطقين بالعربية من خلال درجة فصاحتهم ، فكلما تتعتع أحد في نطق العربية إلا ودلّ ذلك على هجرانه لنصوص القرآن التي تمتح منها فصاحة الألسنة . وإن النطق بنصوص القرآن الفصيحة تجعل الذين ليست العربية لغتهم الأم من الأعاجم وغيرهم فصحاء ، ذلك أن نطقهم بالقرآن قلما تلابسه رطانة عجمتهم الغالبة عليهم حين ينتقلون من الحديث بلغاتهم إلى الحديث بالعربية . وقد يوجد من العرب من يرطن وهو يتحدث بلغته الأم لأنه لم يستفد من بركة القرآن الكريم ، وقد يلحن اللحن الفظيع حتى وهو يتلو آيات من القرآن الكريم التي لم يألف قراءتها ، وهو أمر مؤسف جدا ، وفي المقابل قد ينطلق لسان الأعجمي بقراءة القرآن قراءة سليمة بل مضبوطة بقواعد القراءة المعتمدة في تلاوة كتاب الله عز وجل .ومن العار أن يتفنن المرء العربي في نطق اللغات الأجنبية وهو يحرص أشد الحرص على تقليد أصحابها مزهوا بذلك في متابعة حركات شفاههم وألسنتهم، وليس ذلك من العيب بل من الاتقان، لكنه حين يستعمل اللغة العربية وهي لغته الأم التي رضع ألبانها مع ألبان أمه الطبيعية يتلكأ في نطقه ويبدو عييا كأن به لكنة العجمة ، وقد يرطن رطانة الأعاجم حين يتحدثون بالعربية بل منهم من يزهو بتلك الرطانة أيضا لأنها من تقليد الأعاجم الذين يعتبر تقليدهم بالنسبة إليه مؤشرا على الحذو حذوهم في الرقي والتقدم ، وهو في الحقيقة يأخذ بالرقي والتقدم من ذيل لا من ناصية .ومن الناس من يرطن من خلال الخلط بين العربية ولغة أجنبية في حديثه ، فلا يكاد ينطق ببضع كلمات بالعربية حتى ينصرف عنها إلى لغة أجنبية وكأن العربية التي وسعت كتاب لفظا وغاية، وما ضاقت عن آي به وعظات كما قال شاعر النيل رحمه الله لا تسعفه فيما يريد التعبير عنه . وإذا ما صدر هذا عن غير مسؤول فإنه لا يضير إلا أن الطامة الكبرى هي أن يصدر ذلك عن مسؤول كبير يدير وزارة أو إدارة أو حزبا أو جمعية . ولا شك أن ظاهرة إغراق الشوارع وواجهات المحلات التجارية باللوحات واليافطات الإشهارية التي ترسم عليها عبارات بالعامية أمر مقصود ومتعمد من أجل خلق هوة بين اللغة العربية وأهلها وبينهم وبين الكتاب المنزل عليهم والذي بات له أعداء كثر في عالم اليوم. ولا شك أن تلك اللافتات واللوحات واليافطات تكرس الدعوة إلى استبدال اللغة العربية باللغة العامية ، وهي دعوة نبذها الشعب المغربي المعتز بلغة القرآن الكريم أيما اعتزاز . وفي الأخير نأمل أن يلتفت ممثلو الأمة في البرلمان إلى آفة الزراية باللغة العربية ، وذلك بسن قوانين تمنع من ذلك ، كما نأمل أن تجري عملية تصحيح الأخطاء المرتكبة في العبارات التي تتضمنها اللافتات واليافطات سواء كانت الأخطاء عفوية دون قصد مبيت أو كانت متعمدة وراءها نية خبيثة ومكر يستهدف لغة القرآن التي تقوّم الألسنة خلاف ما يزعم البعض بهتانا وزورا. وعلى كل غيور على هذه اللغة أن يعبر عن غيرته بموقف مشرف بشجاعة وجرأة وألا يخذلها بالسكوت عن ابتذالها نطقا ورسما .
وسوم: العدد 707