من أخبار معن بن زائدة الشيباني ..

حلم معن:

قيل: إنّ جماعة من العرب اختلفوا: هل مَعْن بن زائدة الشيباني أحلم من معاوية بن أبي سفيان أم معاوية كان أحلم من معن؟ فقال رجل من أذكياء العرب: أنا اختبر لكم حِلم معن، فدخل عليه ولم يُسلّم، وقال شعرًا:

أتذكرُ إذْ فراشك جِلْدُ شاةٍ ***وإذ نَعْلاكَ من جِلْدِ البعيرِ

فقال معن: أذكر ذاك ولا أنساه أبدًّا، فقال الأعرابي:

فسُبْحَان الذي أعطاك مُلكًا *** وعلّمكَ الجلوسَ على السريرِ

فقال له معن: سبحانه وتعالى يُعطي ولا يبخل، فقال الأعرابي:

فلا واللهِ ما أنْ عشتُ دهرًا *** على معنٍ أُسلّمُ بالأميرِ

فقال له معن: السلام سُنّةُ المؤمن، إنْ سلّمتَ أُثبتَ. فقال الأعرابي:

ولا أسكنُ بلادًا أنتَ فيها *** ولو حُزْتُ العراقَ مع الثغورِ

فقال له معن: إنْ سكنت لم تلقَ إلا خيرًا، وإنْ رحلت مع السلامة. فقال الأعرابي:

فجُدْ لي يابن ناقصة بشيء ***فإني قد عزمتُ على المسيرِ

فقال معن لغلامه: أعطه ألف دينار يستعين بها على وقته وبُعده عن الديار. فقال الأعرابي:

عطاؤكَ يا خَسيسُ عطاءَ نَذْل ***فإني لستُ أقنعُ باليسيرِ

فقال معن لغلامه: أعطه ألفًا أخرى. فقال الأعرابي:

سألتُ الله أن يُبقيكَ دهرًا *** فما لك في البرية من نظيرِ

ثم قال: يا ملك الزمان لا تعتب عليّ، فإني قللت الأدب وبالغت بالكلام في هذه الأبيات، لكنني مختبر بحلمك الذي شاع في الآفاق، فوجدته على حِلم أهل الأرض قد فاق. فقال معن لغلامه: كم دفعت له على نظمه؟ قال ألفي دينار. قال: اِدفعْ له على نثره مثلها، فأخذها الأعرابي وانصرف، وهو داع شاكر، فقال له رفيقه: ويلك لو قلت له: لا يرضيني هذا، ولا أرضي به لأعطاك شيئًا أعجزُ أنا وأنت عن حمله، فقال الأعرابي: والله قد استحيتُ من مكارم أخلاقه ولطافته وحلمه.

صفح معن بن زائدة عن أسارى:

حُكِيَ أنه قدم إلى معن بن زائدة أسارى فعرضهم على السيف، فقام إليه رجل منهم وقال: أيها الأمير، ونحن أسراك، ونحن والله جياع من أثر الطريق، فإن رأيت أن تُطعمنا فلكل كبد حرّى أجر. فأمر بإطعامهم، فأُحضرت الموائد وعليها الطعام، فاجتمعوا وأكلوا ومَعْن ينظر إليهم؛ فلما فرغوا قام رجل منهم وقال: يا أميرُ، كنا أسراك فبقينا ضيوفك، فانظر ما يصنع مثلك بأضيافه، فخلّى سبيلهم.

معن بن زائدة والمنصور:

كان معن بن زائدة من أمراء والي العراق يزيد بن عمر بن هبيرة، فلما تملك بنو العباس، اختفى معن مدّة ، والطلب عليه حثيث، فلما كان يوم خروج الريوندية والخراسانية على المنصور، وحمي القتال، وحار المنصور في أمره، ظهر معن، وقاتل الريوندية فكان النصر على يده، وهو مقنع في الحديد، فقال المنصور: ويحك ، من تكون ؟ فكشف لثامه، وقال : أنا طلبتك معن، فسرّ به، وقدّمه وعظّمه ، ثم ولاه اليمن وغيرها . قال بعضهم: دخل معن على المنصور، فقال: كبرت سنك يا معن.! قال : في طاعتك . قال : إنك لتتجلد . قال : لأعدائك . قال : وإن فيك لبقية . قال : هي لك يا أمير المؤمنين.!

ولمعن أخبار في السخاء ، وفي البأس والشجاعة ، وله نظم جيد. ثم ولي سجستان. وثبت عليه خوارج وهو يحتجم، فقتلوه، فقتلهم ابن أخيه يزيد بن مزيد الأمير في سنة اثنتين وخمسين ومائة وقيل : سنة ثمان وخمسين .

راجع: سير أعلام النبلاء للذهبي. سرور الصبا والشمول لابن الطويل الدمشقي..

وسوم: العدد 708