النماذج النسائية المذكورة في القرآن الكريم بين التأسي والاعتبار
دأب الناس في عالم اليوم على اعتبار الثامن من شهر مارس كل سنة مناسبة لإثارة موضوع المرأة ، وقد اتخذ من هذا اليوم عيدا لها . ومعلوم أن بعض الأعياد لدى بعض شعوب المعمور سببها هو حصولها على استقلالها بعد احتلال أرضها من طرف محتل . وعلى ما يبدو يشبه عيد المرأة أعياد استقلال تلك الشعوب لأن طرح موضوع المرأة بهذه المناسبة في شتى دول العالم ،ومن طرف شتى الجمعيات والهيئات يوحي بمظلمة نسائية كانت هي السبب في إيجاد يوم تحتفل فيه المرأة للتعبير عن نهاية مظلمتها أو عن استمرار نضالها من أجل وضع حد لهذه المظلمة . وعدم تخصيص يوم يعتبر عيدا بالنسبة للرجل يوحي بأنه لم يتعرض لمظلمة كما هو الشأن بالنسبة للمرأة ، بل قد يوحي بأنه هو المسؤول عن مظلمتها علما بأن الظلم لا يميز بين ذكر وأنثى بل يقع عليهما معا ، وأن التظالم مشترك بينهما ، ولا يخلو العالم قديما وحديثا من مظالم الرجال الذين يتعرضون لظلم النساء . ولما كان القرآن الكريم هو أصدق حديث لا يأتيه باطل من بين يديه ولا من خلفه ، وليس فيه من خيال المؤرخين شيئا ، ارتأيت أن انطلق منه لطرح قضية المرأة كما قدمها الوحي في هذه المناسبة علما بأن بعض الجهات المعادية لهذا الوحي تحمله مسؤولية المظلمة النسائية في العالم الإسلامي قديما وحديثا . وأبدأ بإثبات ظلم المرأة للرجل الشيء الذي يؤكد وجود مظلمة رجالية كذلك منذ القديم ، ويتعلق الأمر بظلم امرأة العزيز لنبي الله يوسف عليه السلام وهو ظلم كلفه العيش وراء القضبان بضع سنين حتى حصحص الحق وأقرت الظالمة بظلمه . وما سرد الله عز وجل قصة ظلم نبيه يوسف عليه السلام إلا ليؤكد أن هذا النوع من الظلم الصادر عن المرأة في حق الرجل قد يتكرر في كل عصر ومصر إلى قيام الساعة ، والله وحده يعلم كم عدد الرجال الذين افترت عليهم النساء الكذب فسجنوا وعذبوا بسبب ذلك ، وكم عدد الذين قضوا بسبب ذلك عدوانا وظلما . ومقابل مظلمة يوسف عليه السلام نجد في القرآن الكريم مظلمة امرأة فرعون التي ذاقت الظلم والعذاب على يد زوجها الطاغية حين اختارت الإيمان بالله عز و جل على الكفر . وما ذكر الله عز وجل قصتها أيضا إلا ليؤكد أن هذا النوع من الظلم الصادر عن الرجل في حق المرأة سيتكرر أيضا في كل عصر وفي كل مصر إلى قيام الساعة. والمتأمل في كتاب الله عز وجل يلاحظ أن النماذج النسائية التي ذكرت فيه تتسم العلاقة بينها وبين الرجال بنوع من الظلم المتبادل بين الجنسين ، فقصة خروج آدم وزوجه عليهما السلام من الجنة بسبب أول خطيئة بشرية تعكس من جهة ظلم كل منهما لنفسه بمخالفة أمر الخالق سبحانه ، ومن جهة أخرى ظلم كل منهما للآخر حين لم يمنع كل منهما الآخر من الوقوع في الخطيئة ،وقد وقعا فيها معا كما ورد ذلك في كتاب الله عز وجل . وقد تتكرر حكاية اشتراك الأزواج مع الزوجات في الخطايا إلى قيام الساعة ، ولهذا وردت قصة آدم وزوجه في القرآن الكريم ، وهي قصة فيها عبرة وإسوة ، أما العبرة فهي وقوع الزوجين في الخطيئة دون تدخل أحدهما لمنع الآخر ، وأما الإسوة فهي توبة الزوجين معا بعد الخطيئة . ومن نماذج ظلم النساء للرجال الواردة في كتاب الله عز وجل ظلم زوجتي نوح ولوط عليهما السلام لهما حيث خانتاهما كما ذكر الله عز وجل ، وسر خيانتهما عند الله عز وجل ، وقد رجح المفسرون أنها خيانة في العقيدة حيث كانتا على اعتقاد وملة قومهما لا خيانة أخلاقية تنزيها لعرض النبيين الكريمين . وقد ورد ذكر هاتين الزوجتين في القرآن الكريم للدلالة على أن خيانة الزوجات للأزواج واردة في كل عصر ومصر إلى قيام الساعة . و من ظلم النساء للرجال أيضا كما جاء في القرآن الكريم مشاركة أم جميل العوراء زوجها أبا لهب في ظلم النبي صلى الله عليه وسلم وإذايته . وتضمن الوحي أيضا قصصا لظلم الرجال للنساء منها فضلا عن قصة ظلم فرعون لزوجته قصة خولة بنت ثعلبة التي سمع الله عز وجل قولها وهي تشتكي إلى ربها ظلم زوجها لها كما جاء في سورة المجادلة . وستظل هذه القصة تتكرر في كل مصر وعصر إلى قيام الساعة ، وهي بذلك عبرة لمن يعتبر . ومن ظلم الرجال للنساء كما جاء في القرآن الكريم ظلم قوم مريم بنت عمران عليها وعلى ابنها السلام لها من خلال قذفها والطعن في عرضها . وهذا النوع من الظلم سيظل يلاحق النساء أيضا إلى قيام الساعة . وعلى غرار الظلم الذي وقع على مريم العذراء وقع ظلم مثله على أم المؤمنين عائشة الصديقة بنت الصديق رضي الله عنهما ، وقد برأها الله تعالى من فوق السبع الطباق كما برأ من قبل مريم البتول عليها السلام .
وباعتماد كتاب الله عز وجل يمكن القول أن المرأة ليست مظلومة على الإطلاق كما يزعم الذين خصصوا لها يوم مظلمة جعلوه عيدا لها . ولا يوجد تصنيف للنساء أعدل من تصنيف الله عز ولج لهن في كتابه الكريم فهن صنفان: خيرات وشريرات ، أما صنف الخيرات فنجد ضمنه حواء أم البشر عليها السلام وقد كانت نموذجا في التوبة والإنابة بعد الخطيئة ، ويجدر بكل أنثى أن تتأسى بها كلما زلت بها قدمها ، ووقعت في معصية . ومن هذا الصنف أيضا امرأة عمران وبنتها مريم البتول عليهما السلام ، وفيهما إسوة للنساء اللواتي يردن التبتل . ومن هذا الصنف أيضا زوجة فرعون التي أعلنت إيمانها أمام طغيان كفر الزوج ، وفيها إسوة لكل امرأة مؤمنة تواجه طغيان الأزواج كفرا أو شركا أو غير ذلك . ومن هذا الصنف أيضا امرأة العزيز التي أقرت بظلمها لرجل برييء ،واستغفرت ربها لذنبها ، ولم تمنعها مكانتها الاجتماعية في قومها من الاعتراف بالخطيئة بل خافت من عقاب ربها ، ولم تخش قالة قومها ، وفيها إسوة لكل امرأة تراجع نفسها إذا أخطأت مخافة خالقها . ومن هذا الصنف أزواج النبي الكريم صلى الله عليه وسلم خصوصا عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها التي تعرضت للقذف وصبرت واحتسبت حتى جاءتها البراءة من فوق السبع الطباق ، وفيها إسوة لكل امرأة ترمى وتقذف زورا وبهتانا ، وتتوجه إلى خالقها جل وعلا ليدفع عنها القذف بالبراءة . ومن هذا الصنف صحابيات كثيرات رضوان الله عليهن لا يتسع المقام لاستعراض مواقفهن، وفيها للنساء ما تتأسى به . أما من الصنف الآخر ، صنف الشريرات ،فنذكر زوجتي نوح ولوط، وفيهن عبرة ووعيد لكل امرأة تخون الزوج مهما كانت الخيانة خلقية أم عقدية أم غير ذلك . ومن هذا الصنف امرأة العزيز قبل توبتها وإقرارها بالذنب هي وصويحباتها اللاتي قطعن أيدهن ، وفيهن عبرة لكل امرأة ترمي بريئا بتهمة أو تساهم فيها بشكل أو بآخر . ومن هذا الصنف أيضا زوجة أبي لهب ، وفيها عبرة لكل زوجة تجاري وتشارك زوجها الظالم في الظلم والعدوان مهما كان ظلمه .
وأخيرا نأمل ألا تكون وقفة المرأة المسلمة في الثامن من مارس مجرد تقليد لغيرها بل عليها أن تستحضر صنف الخيرات الصالحات من النساء اللوتي ذكرن في القرآن الكريم ، وفي الحديث الشريف من أجل التأسي بهن ، كما تستحضر أيضا صنف الشريرات الطالحات ليكن لها عبرة .
وسوم: العدد 711