استقالة ريما خلف وانحيازات انطونيو غوتيريش المريبة
على عكس الدعاية الانتخابية المبشّرة التي سبقت انتخابه أمينا عامّاً للأمم المتحدة فقد أظهر أنطونيو غوتيريش، وخلال فترة قصيرة انحيازات واضحة وصريحة للأجندة الإسرائيلية ـ الأمريكية، وجاء تدخّله الأخير الفاضح في التقرير الذي أعدته لجنة الأمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية لغرب آسيا (إسكوا) حول «الممارسات الإسرائيلية تجاه الشعب الفلسطيني ومسألة الفصل العنصري (الأبارتايد)» ليكشف المخالب والأنياب التي تختفي وراء البروتوكول الدبلوماسي والابتسامات الناصعة البياض.
المديرة التنفيذية للجنة، ريما خلف، اكّدت أن الأمين العام طالبها خلال شهرين بسحب تقريرين أدانا إسرائيل، ولأن الأخيرة فضّلت مبادئها الإنسانية وضميرها بدلاً من المنصب الرفيع في الأمم المتحدة فقد قدّمت استقالتها أمس الجمعة لغوتيريش، وكان المتحدث باسمه قدّم تبريراته (لمن يهمّه الأمر) بأن ذاك التقرير نُشر دون تشاور مسبق مع أمانة الأمم المتحدة وأنه «لا يعكس وجهة نظر الأمين العام».
إحدى النقاط الشديدة الأهمية التي كشفتها خلف هي أن قلّة فقط طرحت سؤال إذا ما كانت إسرائيل نظام فصل عنصري واقع ماثل في تعاملها مع الفلسطينيين اليوم وذلك عبر وسيلتي تفتيت الشعب الفلسطيني سياسيا وجغرافيا لإضعاف قدرته على المقاومة وتغيير واقعه، وقمع الفلسطينيين كلهم بقوانين وسياسات وممارسات لفرض سيطرة جماعة عرقية عليهم وإدامة هذه السيطرة.
استنتاجات التقرير التي تحسم في أن إسرائيل هي دولة عنصرية وتوجّه البوصلة إلى شروط تحقيق السلام الحقيقي وهي كسر آليات العنصرية وقيام الشعب الفلسطيني بإنشاء دولته الديمقراطية الموحدة، وكونه صادرا عن الأمم المتحدة، سببان كافيان لجعله وثيقة شديدة الخطورة بسبب اكتسابها شرعيّة أممية، وإذا كان الأمين العام للأمم المتحدة قد تعرّض لضغوط أمريكية وإسرائيلية، كما تقول خلف، فإن استجابته لهذه الضغوط وتضحيته بخلف وسحب تقريرها، أدلة على إحساس بضعف لا يتناسب مع منصبه الكبير، أو بأن الضغوط لقيت هوى في نفسه، وهو الأغلب.
إضافة إلى مناصب عديدة رفيعة سابقة، بينها وزارات الصناعة والتجارة، والتخطيط، ونائب رئيس الوزراء في الأردن، كانت خلف قد تولّت منصب مساعد الأمين العام ومدير المجلس الإقليمي للدول العربية في الأمم المتحدة بين الأعوام 2000 و2006، كما كانت المسؤولة عن إصدار تقرير التنمية البشرية الذي أثار تقريراه لعامي 2002 و2003 جدالات موسعة، وقد تحدّى القيادات العربية للتغلب على ثلاث عقبات أساسية للتنمية البشرية: التضييق على الحريات، حقوق المرأة، وإشاعة المعرفة، وأدّت نتائج التقارير إلى هجمات كبيرة على المشرفة عليها.
ما يوضّحه انتخاب غوتيريش، وتصريحاته المستمرة التي تصب في الطاحونة الإسرائيلية، بما في ذلك تأكيده المفرط في تملقه لتل أبيب بقوله إن المسجد الأقصى كان «هيكلاً يهودياً»، وليس انتهاء بضغوط غوتيريش على خلف ودفعها للاستقالة وسحب تقريرها حول عنصرية إسرائيل، أن الأمين العام للأمم المتحدة سيقدّم الغطاء الأممي الشرعيّ للحراك الوحشيّ الجاري في العالم والذي يكاد يجعل من الكرة الأرضية حرباً أهليّة كبرى بين الأمم الغنية والفقيرة، وبين الغرب والعالم الإسلامي، بل وفي أغلب الأمم، سواء التي تقوم على أنظمة ديمقراطية، كما هو الحال في الولايات المتحدة الأمريكية (كما توضح ظاهرة ترامب)، أو التي تقوم على الثيوقراطية والاستبداد السياسي والديني (كما هو الحال في روسيا وإيرانوأغلب الدول العربية).
استقالة ريما خلف وانحيازات انطونيو غوتيريش المريبة
وسوم: العدد 712