لا تحلّوا مشكلات روسيا
لم تقدّم روسيا أي مقابلٍ لمشاركة المعارضة السورية في لقاءات أستانة، المكان الذي لم يذكر في أي قرار دولي، ولم تتوافق عليه أطرف الصراع السوري، وترغب روسيا في جعله بديلا لجنيف، مكان المفاوضات الشرعية قانونيا ودوليا الذي تحمل اسمه وثيقة دولية، تقدم خريطة طريق لحل سياسيٍّ، ينهي حكم الأسد.
ولم تفهم روسيا معنى "المرونة" التي أبدتها المعارضة في أستانة، على الرغم من أنها لم تكن صحيحة أمس، وليست صحيحة اليوم أيضا، لأنها لم تقيد الروس بما التزموا به، سواء تعلق الأمر ببدء تطبيق قرار مجلس الأمن 2254، أم بالوقف التام لإطلاق النار، أم بالقضم الروسي/ الأسدي لمناطق المعارضة، أم بكبح مخطط روسيا الزاحف الذي يستخدم القوة لإرغام المعارضة على القبول باحتوائها داخل النظام الأسدي، من خلال الانخراط في "حكومة وحدة وطنية"، هي بحد ذاتها مخالفة لوثيقة جنيف، وللقرارات الدولية الخاصة بتطبيقها.
حوّل الروس لقاءات أستانة عن وظيفتها المعلنة، وقلبوها إلى مكان لتطويع الفصائل وفصلها عن مرجعيتها السياسية التي يعملون لاستبدالها بمنصاتٍ، يمكن أن تصير بديلا للائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية ولهيئة التفاوض العليا، يتخلى عن وثيقة جنيف، بحجة قبول القرار 2254، الذي تعطله موسكو بدوره، لكي تمرّر بديلها الذي يبقي على الأسد ونظامه، ويحتوى المعارضة في إطاره.
لهذه الأسباب، كان من الطبيعي أن يقاطع وفد الفصائل لقاء أستانة الثالث، ردا على إعلان روسيٍ ينكر وجود علاقة بين أستانة ووقف إطلاق النار، الأمر الذي يجعل اللقاء هدفا منفصلا عن نتائجه أو جدول أعماله، ويتنكّر لالتزام روسيا والأسد في لقاء أستانة السابق بوقف زحفهما نحو مناطق المعارضة، وبوقف الحرب بدل تصعيدها. ويعني أن انعقاده صار إلزاميا، وأن المعارضة فقدت الحق في مغادرته أو الاعتراض على حق روسيا والأسد في مخالفة قراراته.
من الواضح أن روسيا مارست الخداع، حين قالت إن هدف أستانة هو إيجاد الأجواء المساعدة على بلوغ حلولٍ تلبي مصالح جميع الأطراف، بدءا بفرض وقف إطلاق نار شامل، يلتزم الجميع به، مع المحافظة على الأوضاع القائمة لدى الطرفين السوريين، غير أن استمرار الحرب، وانخراط طيران وجيش روسيا المكثف فيها، وما ترتب عليها في سوق وادي بردى والقابون وبرزه وحرستا ووعر حمص، أكدا أن موسكو ليست معنيةً بتنفيذ أي قرار دولي، وأن هدفها إلزام المعارضة بقبول انفرادها بحل يترجم قراءتها القرار 2254، المخالفة لنص بيان جنيف1 وروحه، إذ تنقذ النظام، وتمنع سقوط الأسد، وتقوّض أي مشاركةٍ دولية في المفاوضات، وأي مخرج متوازن يلبي مطالب الشعب السوري. بعد انفراد جيشها بممارسة قدر من قوة بدل موازين القوى، تريد دبلوماسيتها من لقاءات أستانة فصاعدا الانفراد بفرض حلّ يبدل القرارات الدولية، ويلغي حقوق السوريين.
أربك رفض الفصائل الذهاب إلى أستانة حسابات روسيا، وأكد أنها لم تنجح في وضعها تحت إبطها، وذكّرها أنها لن تحقق أهدافها بالوقوف على ساق النظام وحده، وتحتاج بشدة إلى ساق المعارضة أيضا، خصوصا بعد تكثيف حضور أميركا العسكري في الشمال السوري، الذي يصير أكثر فأكثر عقدة الصراع المحلي والإقليمي والدولي، ويتصاعد الصراع من خلالها على المنطقة وقواها من عرب وكرد وترك، ويدخل إلى مرحلة جديدة يدير الجباران فيها رهاناتهما بواسطة قواتهما العسكرية، الأمر الذي يزيد حاجة روسيا إلى المعارضة، ويمكّنها من إضعاف الموقف الروسي، إن نجحت في وضع الخطط والبرامج الضرورية لتحقيق ذلك، وصمدت في رفض الانصياع لأية ضغوط إقليمية تخدم موسكو، وترغمها على اتخاذ مواقف تتعارض مع مصالح الشعب السوري.
إذا كان هناك معارضون ذهبوا إلى أستانة، فليغادروها حالا، لأن دورهم ليس حل مشكلات روسيا السورية، ولأنه ليس من حقهم إدارة ظهورهم للوقائع التي تخدم قضيتنا، بقدر ما نعد أنفسنا للإفادة منها، بينما يعني تفاعلنا الإيجابي مع روسيا تخلينا عن دورٍ يستطيع جعل أيدي فلاديمير بوتين في وطننا أقصر من أنفه.
*كاتب سوري.
وسوم: العدد 712