هل تكون خان شيخون سربرنيتشا سورية
تتطابق تفاصيل المشهد بينهما إلى حدّ المماثلة، فكلتا المدينتين: ( سربرنيتشا )، و ( خان شيخون ) تنشد الحرية، و تودّ الانعتاق من ربقة الظلم، بعد طول سنين أسلمت فيها أمرها إلى أنظمة شمولية ديكتاتورية و أمنية، تعيش خارج الزمان، و يمسك بزمام المقاليد فيهما أقلية: عرقية في الأولى، و طائفية في الثانية، إلى حدّ الهوس المطلق.
إنّ الذي يجعل الصورة فيهما إلى هذا الحدّ من التماثل جملة أمور، منها:
1ـ وضوح الجور على ثُلّة من الأبرياء، هربوا من آلة الموت، حيث قام البوسنيون المدافعون عن أنفسهم، بتسليم أسلحتهم إلى الوحدة الهولندية، عندما أعلنت الأمم المتحدة بلدة سريبرينيتشا الواقعة في وادي درينا في شمال شرق البوسنة منطقة آمنة، في نيسان 1993، فقامت وحدات من الجيش الصربي، معروفة باسم ( العقارب )، تحت قيادة الجنرال راتكو ملاديتش باقتحامها، في تموز: 1995، و ارتكبت أسوأ جريمة على الأراضي الأوروبية منذ الحرب العالمية الثانية، كما وصفها ( بطرس غالي )، الأمين العام للأمم المتحدة.
و كذلك هي الحال في خان شيخون؛ حيث اطمأنّ السوريون، إلى صدق تقارير لجان الأمم المتحدة، بأن النظام قد أوفى بالتزاماته في تسليم ترسانته من الأسلحة الكيميائية، من أجل تدميرها في عرض البحر، بموجب قرار مجلس ( 2118 ) في: 26/ 10/2013، ليفاجأهم النظام بعدها، بأربع سنوات، في صبيحة يوم الثلاثاء: 4/ 4/ 2017، بأنّه ما زال يحتفظ على حدّ قول عدد من الخبراء، بأكثر من ( 1800 طن ) من مجموع ( 3000 طن ) كان يملكها من تلك الغازات المحرمة دوليًا، التي من بينها غاز الأعصاب ( السارين )، الذي كان أداة الجريمة بحق ما يربو على ( 100 قتيل )، و ( 400 مصاب ) جلهم من العزّل من النساء و الأطفال، في تلك البلدة في شمال غرب سورية، التي وصفها (أنطونيو غوتيريش )، الأمين العام للأمم المتحدة بأنّها ( جريمة حرب ).
2ـ حجم التمادي الروسي في حماية الجناة في كلتا الحادثتين، حيث قاموا باستخدام حق النقض ( الفيتو )، في: 8/ 7/ 2015، ضد قرار لمجلس الأمن يصف مذبحة سربرنيتشا بالإبادة الجماعية، و هو ما كانوا يتهيؤون له أيضًا ضد مشروع القرار، الذي تقدّمت به كلّ من: أمريكا، و فرنسا، و بريطانيا، لإدانة استخدام هذا النوع من الأسلحة المحرمة، التي لم تستخدم منذ الحرب العالمية الأولى، بحق المدنيين في مدينة خان شيخون.
3ـ كلتا الحادثتين جعلت الأمريكان ينخرطون في أزمات أداروا لها ظهورهم، فقام الرئيس بيل كلنتون بتوجيه ضربات جوية إلى الصرب، جعلتهم يأتون إلى قاعدة ( رايت بيترسن الجوية )، قرب مدينة دايتون الأمريكية، ليقعوا مع الكروات، و المسلمين، اتفاقية إنهاء الحرب البوسنية في: 21/ 11/ 1995.
و هو الأمر ذاته الذي كان مع الرئيس دونالد ترامب في: 7/ 7/ 2017، حيث وجد نفسه يساق إلى الانخراط في الملف السوري، بعدما استفز الأسدُ المجتمعَ الدولي بتلك الحادثة، و هو الذي وثق بالتقارير التي تشير إلى تسليمه ترسانته الكيميائية، بموجب القرار ( 2118 )، و قد كانت أجلى صور المفاجأة لدى رئيس الوزراء الإسرائيلي ( بنيامين نتياهو )، الذي سارع بإدانة الحادثة، و هاتف الرئيس الروسي ( بوتين )؛ ليعبر له عن خيبة أمله منه، إزاء وجود هذا النوع من الأسلحة، التي تعهدت روسيا بإخراجها من سورية، في مقابل كف اليد عن ضرب النظام، حينما استخدمها في: 21/ 8/ 2013، ضد المدنيين في الغوطة الشرقية، و هو الأمر الذي أراح إسرائيل و جعلها تطمئن إلى خلوها من هذا النوع من الأسلحة، الذي كان يقضّ مضجعها، و كانت تنتظر الفرصة لتشليحه منها، على غرار ما كان مع أسلحة الدمار الشامل، في العراق عقب حرب 1991.
4ـ إنّ إدارة الظهر التي قام بها الأمريكان لصراعات الشرق الأوسط، و في مقدمتها الصراع السوري، نحو المحيط الهادئ، حيث الصين الصاعدة بقوة، التي تهدد الرمزية الاستعمارية تتمتع بها أمريكا، منذ مطلع القرن العشرين، قد أرسلت رسائل خاطئة إلى حكام المنطقة بأنّهم بمنجاة عمّا يفعلون، و تركت أمرها لقوى دولية ( روسيا )، و أخرى إقليمية ( تركيا، إيران، إسرائيل )، و هو الأمر الذي نال من الهيبة الأمريكية، و جعلها في موضع نقد و استغراب شديدين، و قد كان من نتائجه طغيان الرؤية الروسية في محالفة الأنظمة الاستبدادية، على حساب تطلّعات الشعوب، و رسم خارطة لها لا تتناسب و مصالح الآخرين.
فكان لزامًا عليهم بعد سنوات من حكم الديمقراطيين، الذي اِلتفتوا إلى المشاكل الداخلية، على حساب الحضور الخارجي، و لاسيّما في عهد رئيس جمهوريّ، أعلنها صريحة في حملته الانتخابية، قبيل أشهر، بأنه سيعيد الصورة النمطية لـ ( أمريكا القوية ) إلى أذهان الآخرين.
و عليه يرى كثيرٌ من المراقبين، أنّ الضربة الأمريكية، التي أتّتْ على مطار الشعيرات في وسط سورية، بواقع ( 59 ) صاروخ كروز ( توماهوك )، و بتكلفة تقديرية تصل إلى ( 94 مليون، و 400 ألف ) دولار؛ ستجعل ـ بكلّ تأكيد ـ الملف السوريّ وفق رؤية، غير التي كان عليها قبل: 7/ 4/ 2017م
وسوم: العدد 715