إسرائيل إذ تفكر وتقترح للعرب

لا تتوقف إسرائيل عن التصرف بوصفها مصدرا نشطا وحيويا للأفكار والمقترحات الجماعية في شئون المنطقة ، أي في شئون العرب تحديدا ، محاولة توكيد وترسيخ كونها جزءا طبيعيا من المنطقة ، أو خيطا في نسيجها  مثلما قال وزير خارجيتها الأسبق المستشرق أبا إيبان عشية عدوانها على العرب في 5 يونيو 1967. وتربط دائما هذه الأفكار والمقترحات بما تسميه السلام الإقليمي . وأحدث هذه المقترحات ما تقدم به وزير نقلها يسرائيل كاتس عارضا فيه ربط  سكة الحديد الإسرائيلية ابتداء من ميناء حيفا بسكة حديد تصل إلى ميناء الدمام السعودي ، امتدادا إلى بقية دول الخليج ، ومرورا بالأردن . والهدف من بدء السكة بميناء حيفا استخدامها في نقل البضائع من وإلى الأردن ودول الخليج ، ويبين أن من مزايا اقتراحه منح دول الخليج منفذا إلى البحر المتوسط . وهو بالقطع ليس من بنات أفكاره ، إنه العارض بداية للاقتراح ، والجهات التي تفكر وتخطط في الخلف ، في الظل . إسرائيل تصول وتجول حرة في المنطقة على المستوى العسكري العدواني والاستخباري العدواني ، وعلى مستوى الأفكار والمقترحات والمشاريع . وكل هذه الأنشطة بداهة لمصلحتها ، وتهتم خاصة في ميدان الأنشطة الاقتصادية بإظهار مصلحة الدول العربية والفلسطينيين في هذه الأنشطة لإغرائهم بها  . حرية إسرائيل في الصولان والجولان على مختلف المستويات في المنطقة يحددها بتركيز كبير واضح  قول الشاعر طرفة بن العبد لقبرة : " خلا لك الجو فبيضي واصفري * ونقري ما شئت أن تنقري ! " . حقا خلا الجو العربي والإسلامي لها لرداءة وتخاذلية وتبعية القوى الحاكمة في هذا الجو ، وخنوع الشعوب المطلق لبطش هذه القوى التي تستصدر أسس بقائها وشرعيتها الباطلة من الغرب وإسرائيل . هذه القوى وأدت قدرات ومواهب ومهارات الإنسان العربي والمسلم في كل ميادين الحياة الإنتاجية والحضارية ، وتختصر وظيفتها في خدمة مصالح الغرب وإسرائيل ومطامعهما أجرا للمحافظة على كراسيها ومصالحها المنفصلة انفصالا كاملا عن مصالح الشعوب العربية والإسلامية . وهذه المقايضة الشيطانية المحكمة قضت مثلما قلنا على قدرات ومواهب ومهارات الشعوب العربية والإسلامية ، وصار مواطنو هذه الشعوب لا غاية لهم إلا لقمة العيش ولو في أحط ظرف لإنسانيتهم . وكذا تجد إسرائيل نفسها سيدة الميدان الحرة القوية ، تفعل ما لاءمها وأدام بقاءها قوية لا تعصى لها إرادة ، ولا يصد لها مشروع . ما حاجة دول الخليج ، حتى لا نقول الأردن إلى هذه الطريق الحديدية ؟! وكيف كانت تستورد بضائعها دونها ؟! كانت مستغنية عنها ، فلماذا لا تواصل هذا الاستغناء ؟! وألا تصلح موانىء سوريا ولبنان وميناء العقبة الأردني وميناء بورسعيد المصري إلى هذه الوظيفة ؟! وماذا تم في مشروع الجسر الذي قالوا إنه سيربط مصر والسعودية ودول الخليج خلال جزيرة تيران ؟! هل انقطعت قدرة العرب على الاهتداء إلى سبل التواصل المتفاعل المتنوع بين بلدانهم ؟! هل عجزت الجغرافيا العربية عن صنع هذه السبل ، فوقع الاضطرار إلى استخدام الجغرافيا العربية الفلسطينية المسروقة لصالح السارق الصهيوني الأثيم ؟! لم نسمع حتى الآن ردا من دول الخليج على هذا المقترح الإسرائيلي ، ولا نتوقع أن نسمع ، فكل شيء يبقى سرا مكتوما في الجانب العربي ، وما سمعناه أن أميركا ترامب تؤيد المقترح بقوة ، وهذا يعني أنه قد يأخذ مساره للتنفيذ في الوقت المناسب . المقترحات الإسرائيلية دائما مجهزة مدروسة ، وتنتظر فقط الوقت المناسب  في ظل العجز العربي الكامل المترسخ . ومثلما قلنا ، الأنظمة العربية هي صانعة هذا العجز ؛ لأن سبل التواصل المتفاعل المتنوع بين الشعوب العربية ليس في مصلحتها ولا في مصلحة حماتها الغربيين والصهاينة ، ويجب أن يكون التواصل مع إسرائيل هو التواصل الوحيد المسموح به . وكذا يقترح الإسرائيليون هذه السكة ، وسيقترحون سواها لخلق حقائق اتصال متنوع مع العالم العربي لمصلحتهم فقط ، وفي الوقت عينه يقطعون صلة مليوني مواطن فلسطيني مع العالم إلا في أضيق نطاقا . كل شيء في المنطقة يحب أن يفصل على مقاس مصلحتهم مهما كانت طاغية الأنانية ، ولماذا لا وحال العرب والمسلمين هو ما نرى من التردي والانهيار والتبعية للغرب وإسرائيل  ؟!