مواجهة نوايا إيران ومشاريعها التوسعية

الجزء الأول/ سلة كبيرة من التساؤلات

تدفعنا انجازات إيران ونجاحاتها الميدانية الأخيرة في سوريا والعراق واليمن ولبنان إلى طرح كثير من الأسئلة الملحة، عن عوامل نجاح إيران في تحقيق أهدافها السياسية على الرغم من أنها تعاني من ثقل عقوبات اقتصادية دولية مفترضة، وعلى الرغم من فتحها أكثر من جبهة حربية كان يمكن أن تستنزفها سياسيا واقتصاديا واجتماعيا إلى حدود بعيدة وتؤدي إلى عرقلة واحدة أو أكثر من تلك الجبهات، خاصة إذا عرفنا أن أكبر الدول وأقواها عسكريا وسياسيا مثل الولايات المتحدة لا تستطيع خوض أكثر من معركة واحدة في وقت واحد لاسيما إذا كانت الجبهات متباعدة ويؤدي ذلك إلى عرقلة للجهد اللوجستي وقد اعترفت الولايات المتحدة بذلك صراحة، وأهم من هذا لماذا لا تلقي إيران بالا لردود الفعل الدولية عموما والعربية خصوصا وأن مواقد النار الفارسية يشتد أوارها ليس على حدود الوطن العربي وإنما في الدواخل العربية بعد أن تخطت كل المداخل والحدود الجغرافية والمذهبية والقومية؟ أم أن إيران تعي جيدا أن غضب العالم مثل رغوة صابون سرعان ما يتلاشى إذا ما واجه إرادة مضادة، ولماذا يقبل الداخل الإيراني كل هذا التفرغ لهموم الخارج وتركه يموج تحت طائلة الفقر والبطالة والجوع والمخدرات والفساد المالي والأخلاقي وإشغال الشباب بأحلام التوسع الإمبراطوري الفارغ على الرغم من انعكاسات هذا المخطط التدميرية على حياتهم، هل تكفي سطوة الحرس الثوري لقمع كل الأصوات الرافضة وتكميم الأفواه لإطلاق يد إيران كليا في مشاريع التوسع وإهمال الداخل على هذا النحو الصارخ؟ أم أن دولة الفقيه استطاعت إقناع الشارع الداخلي كما فرضت وجهة نظرها على الدول الكبرى في اتفاقية البرنامج النووي فصار مقتنعا بقدسية التحرك الخارجي وأهمية ذلك لمستقبله بحيث بات على استعداد للتضحية برغيف الخبر مقابل انتفاخ الغطرسة الفارسية؟

ثم لماذا لا تظهر الدول الكبرى اكتراثا أو تحفظا ضد العبث الإيراني الذي تجاوز كل الحدود المقبولة في العلاقات الدولية وعلى الحافات الحادة لمصالحها الحيوية، حتى أوشك هذا العبث أن يفلت عن السيطرة ويتحول إلى كابوس مرعب، لا سيما في منطقة ذات أهمية استراتيجية للاقتصاد العالمي وخاصة اقتصادات الدول الكبرى؟ وهل فعلا أن أمريكا لو أرادت تحجيم الدور الإيراني بحاجة إلى إقامة تحالفات كبرى؟ وهل استطاع التحالف الروسي مع إيران كسر كل المعادلات الاستراتيجية الدولية بوجه الغرب على الرغم من أن روسيا تعاني أصلا من وطأة عقوبات اقتصادية بسبب القضية الأوكرانية ومن التورط المتزايد في المستنقع السوري؟

والأهم من كل هذا لماذا تحقق أحلاف إيران الدولية والإقليمية نجاحات ملموسة في كل المواجهات التي تدخلها، بمقابل صمت أو قبول دوليين لم نشهد له مثيلا في الماضي وخاصة مع الملف العراقي إذ تعرض العراق عام 1990 لأسوأ حملة كراهية ثم عدوان حشدّت فيه الولايات المتحدة أكبر تحالف دولي منذ الحرب العالمية الثانية استنادا إلى افتراءات صنعتها أجهزة مخابرات غربية بتعاون رخيص من جانب عملاء يحملون الجنسية العراقية ووقوف المعسكر الاشتراكي السابق موقفا مخزيا في خذلان العراق وتركه فريسة للعدوان الثلاثيني عام 1991 الذي انتهى باحتلاله عام 2003، يحصل هذا مع إيران وما يزال بصرف النظر عن طبيعة الأطراف التي تواجهها حتى صار الدور الإيراني وكأنه حصل على بطاقة الانتماء لنادي الأقوياء في العالم وأصبح الأكثر وضوحا في كثير من الساحات وخاصة العراق وسوريا ولبنان واليمن.

وهل أن العرب بكل ما يمتلكون من امكانات مادية وعلاقات خاصة مع الغرب، عاجزون حقا عن التصدي للمشروع الإيراني الذي يستهدفهم قبل غيرهم بالدرجة الأولى، وإيقافه تمهيدا لإعادته إلى النقطة التي انطلق منها أو أنهم ممنوعون من ذلك؟ أليس غريبا أن الثقل التركي عجز عن الوقوف بوجه التمدد الإيراني في سوريا والعراق وهما بلدان مجاوران لها مع كل ما يمثله ذلك من تهديد جدي لأمنها القومي، وهي التي كانت في المرة تلو الأخرى تعيد بلاد فارس إلى داخل حدود الجغرافيا السياسية بل وتتوسع داخل فارس مما يجبر شاهاتها على توقيع اتفاقيات ثنائية وإن كانت لا تصمد طويلا، أم أن العالم يريد مزيدا من الغرق الإيراني في مستنقع أزمات المنطقة؟ وما هي الأهداف المرجوة من تعميق المأزق الإيراني؟ وهل أن إيران قادرة لوحدها في مواجهة تحالف عربي متين فيما لو تم وضع خطة عمل متكاملة وعلى مراحل مدروسة هدفه إعادة إيران إلى حجمها الحقيقي وبلد يحمل في أحشائه من المشاكل ما يرشحه لأزمات أكثر تعقيدا من أي بلد آخر؟ أم أن إيران اعتمدت مبدأ عسكريا ناجحا معظم الأحيان وهو الهجوم خير وسيلة للدفاع؟

 

د.نزار السامرائي                                                                              

مركز أمية للبحوث و الدراسات الإستراتيجية

 

وسوم: العدد 721