أنا من حلب
انا من بلد... قلعة حلب وجامع الكبير وأسواق المدينة والسويقة والنحاسين
وخان الوزير وخان الشونة
وباب الحديد وباب انطاكة وباب الفرج وباب قنسرين
والحديقة العامة وحديقة السبيل وساحة سعد الله الجابري
انا من بلد يعرف كل بيت في حاراتها القديمة :
المولود والمتزوج والمتوفى والمسافر
ونوع الطبخة لكل جيرانه :
هذا عنده كبة مقلية وصينية وآخر لبنية...و سماقية .... أو محاشي....أو ملوخّية ....أو لحمة بكرز
وتلك البيوت فيها :
رائحة مقالي بانجان و بطاطا .. أو كبة قراص وسمك ..أو عجة
وأطباق السلطات والتبولة والبابا غنوج والكواج والأرمان...والكارنيارق
وروائح كسر البطيخ والجبس ..؟؟
وعصائر البرتقال والليمون ...
أنا من بلد ... يتوجه الناس من صباح يوم الجمعة إلى الجديدة يقفون على محل الفوال لشراء فول بحمض
أو بطحينة وحمص ..مسبحة... فلافل مع الخضرة : بقدونس .. فجل .. نعناع .. رشاد... بصل..
والبعض إلى محلات الحلويات يعوددون إلى بيوتهم حاملين أطباق الشعيبيات والمامونية والمشكل...
والقمر فيه بالصيف يعني السمر وكؤوس الشاي أو الشرابات .....
وكل عرس يعني تلبيسة والصباحية للعريس والأقرباء في حمام النحاسين أو حمام يلبغا ....
وكتب الكتاب يعني ملبس وشراب اللوز وجوز الهند .... وبعد العرس مافي زردة ...
انا من بلد كانت أمي تقول يا ابني
“ غسل وجهك لأنك ما بتعرف مين بيبوسو، و كّنس بيتك لأنك ما بتعرف مين بيدوسو”
وأبي يقول:
“جارك أخاك.. إذا ما شاف وجهك بيشوف أفاك”
"والواحد إذا تألم بصرخ آخ يعني يا أخي"
انا من بلد لما بيندق فيه الباب منتحذر بين بعضنا مين وبنقول: يا ترى مين إجانا؟
هي نقرة الجارة.. سريعة وقصيرة، هي دقة عمتي...... ناعمة وخفيفة، وهي خشخشة المفاتيح وأبي ينادي: يالله .. تغّطوا يا نسوان عطونا طريق معي إخواتي أو رفقاتي ...
اانا من بلد أكياس السوس، والتمر هندي والمعروك وغزل البنات والحلويات في رمضان ......
والكرابيج والمعمول والناطف ع العيد
بلد كل شي يصبح فيه قصة أو خبريّة أو تاريخ .....
ولدت جارتنا ، تزوج ابن عمي.. نجح أخي..سافر خالي مع القافلة ع الحج.. نزلت العقابية والخس والتوت والفستق الحلبي ،
راح أبي على جب القبة لتموين جبنة مسنرة وجبنة شلل والفريكة....مونا البرغل العمقي والأصفر الخشن والعدس من الصفا...
بلد حتى حبال الغسيل تحكي القصص عن لقّاطات ونشر الغسيل ، والغسيل ناصع البياض حتى لا يقال ست البيت عفشة...
بلد كانت الست تقول: “لو كانت أسوارتي وقيّة ما لي عن جارتي غنيّة”
بيت الجيران أول باب يطرق لما يخلص الخبز على غفلة، ولّما نحتاج إلى ليمونة.....أو زيت أو بصلة..
بيت الجيران مصدر قالب البوظ بالصيف لما يحل الضيوف فجأة والبيت ما فيه بوظ...
وبيت الجيران يلي يتحمل ولدنتنا وقت ندق على سقّاطته ونهرب ....
ونرش عتبته بالمياه لما نرش الحارة بالصيف وكانت حنفيات شركة المياه تملأ الحارات مجانا
أنا من بلد نتهادى سكب الطعام عند كل مغرب في رمضان ... بيت جدي أو خالي ...عمي أو الجيران ... ...
في بلدي ما فيه قطة جوعانة.. وكلاب الشوارع شبعانة
وفي كل أرض دار... بحرة ونافورة ودالية وجب ماء جمع وقبو لسهرات الشتاء ...
وفي كل مطبخ أو غرفة المونة قطارميز جبنة وزيتون وعطون ومكدوس ومربيات المشمش والكرز والورد... وتنكات زيت الزيتون والسمنة العربي ...
في بلدي... كانت ايام الشتاء.... ياعيني على أيامها..
كانت الصوبا... ولهبها... لتقمير الخبزات وشوي الكستنا....
وكؤوس الشاي في كل إيد ... سهرات عامرة ... فيها نكتة وتعليق و حكايا ..وبسط وفرح .....
ودلة القهوة المرة يلي بالمضافة ماكانت تنآم من عالمنقل وطرطئت الفناجين بنغمة بين ايدين صباب القهوة ...
والله يحيي هل الجمعة ويحيي أصلكم ...
نسيت خبركم.. أنه بعد كل نزهة لازم نتحمم قبل ما نطلع ع التخت ﻷن الشراشف نظيفة وتلبيسات المخدات مغيرة..
وإذا طلعنا كانت أمي تقيم علينا الدنيا....
أنا من بلد كنا نروح أحيانا لبيت جدي من بكير لنأكل فطور مقلي بيض وسلطة.... والخبز سخن مع الزعتر والزيت .... أو نشرب كاسات حليب أو سحلب ....
وتقول نانتي (لاتجق جقو لي البلاط) هلأ خلصت شطف وعماتكم واعمامكم دعيتهم عالغدا بعد الصلاة
كانت أعمال نانتي لاتصدق فهي تغسل على إيدا وتعجن وتخبز وتطبخ وتروب اللبن وكانت ما تشتكي؟
أين تلك الأيام ....
ذكريات أغلى أيام العمر ....
إذا دمعت عينك بعد هالكلام ؟
إذن انت من بلدي .. انت من مدينة الشهباء حلب :
أم المعالي والرتب
أم المحاشي والكبب
أم العلوم والمعارف والأدب
أم العروس المشلشلة بالدهب
اللهم فرج عن بلادنا فرجا يليق بجلال وجهك و عظيم سلطانك يارب
وسوم: العدد 726