خمسُ نقاطٍ مشرقة في هبّة الأقصى

منذ صباح الجمعة الماضي في 14-7-2017 وبعد العملية البطولية التي قام بها الشبان الثلاثة من عائلة جبارين، وما تلاها من تطورات متلاحقة، ابتداءً من إغلاق المسجد الأقصى والتدنيس الممنهج لمصلياته ومكاتب الأوقاف، والاعتداء على حراسه وسدنته، وتمديد الاحتلال لإغلاق المسجد يومين بعد العملية، والصور التي انتشرت عن انتهاكات بالجملة طالت كل مساحات المسجد، بدأ الحراك في القدس بالتصاعد، وبدأت الصدمة الأولى التي لحقت بالمقدسيين بالتلاشي، وتحول المقدسيون للإمساك بزمام المبادرة من جديد...

خلال إغلاق الأقصى كان المرابطون والمصلون يؤدون الصوات على تخوم أبوابه، رافضين بشكل قاطع التأقلم مع إغلاق المسجد المبارك، ومع قيام الاحتلال بمحاولة امتصاص الغضب المقدسيّ، عبر فتح أبواب الأقصى في 16-7-2017، وفرضه شروطًا جديدة، من خلال نصب بوابات إلكترونية للكشف عن المعادن، بحجة ضبط الوضع في المسجد، والحيلولة دون وقوع العمليات "الإرهابية" على زعم الاحتلال، والتي اعتبرها المقدسيون محاولة لفرض قواعد جديدة على المسجد، وقيودًا أخرى ستنضم للقيود الحالية التي يمارسها الاحتلال، وقد دفعت التجربة التي عايشها المقدسيون خلال السنوات الماضية، لرفض أي خطوات من جانب الاحتلال، حيث ستتحول هذه البوابات لأداة جديدة يتحكم من خلالها الاحتلال بالدخول للأقصى، وتصعب من الدخول للمسجد، عدا عن انتهاكها للحصرية الإسلامية للأقصى.

انطلاقًا من هذه الحيثيات بدأ رفض هذه الإجراءات منذ اللحظة الأولى لتركيب أول بوابة الكترونية، واتخذ المقدسيون محيط الأبواب مصليات لهم، وبدأت المطالب بإعادة الأقصى كما كان عليه قبل الرابع عشر من تموز، هذه الاحتجاجات المتجددة خمس مرات في اليوم، حولت البلدة القديمة ومحيط أبواب الأقصى لساحات متفاعلة من الحراك، بدأت موجتها تتصاعد كل يوم لتحمل طابعًا ثوريًّا، إن بالحشد والهتافات، أو الكلمات التي ترافقها...

هذه الأحداث المتتالية والقدرة الكبيرة لأهل القدس على مواجهة الاحتلال دفعت لإعادة رسم الحالة المقدسية من جديد، وأظهرت جانبًا إيجابيًا لما يحدث، امتد تأثيره لخارج القدس المحتلة والقدس حتى، وفي هذا السياق نسجل الملاحظات الآتية:

1-    عودة حالة الرباط للواجهة من جديد وبشكل أكبر، فمع قيام الاحتلال بتجريم المرابطين والمرابطات في أيلول/سبتمبر 2015, وما تقوم به شرطة الاحتلال خلال الاقتحامات والاعتقالات المتتالية، تراجعت حالة الرباط وتضاءل دورها أيضًا، ولكن الحراك المقدسي اليوم، يعيد للرباط ألقه من جديد، فهي حالة تتجدد يوميًا خمس مرات في اليوم كما أسلفنا، إضافة لما يرافقه من جهود تضامنية وتكافلية ممتنوعة، انطلاقًا من توزيع الماء والطعام، وصولًا للاشتباكات مع جنود وشرطة الاحتلال، وهي التي سمحت بانخراط مئات الشباب فيهاـ وستدفع الرباط ليعود حالة لا يعيشها المرابطون فقط، بل الآلاف من سكان البلدة القديمة و من خارجها.

2-    تمسك المقدسيين بمطالبهم وعدم الرضوح لإجراءات الاحتلال، وهي التي ستدفع نحو عمل سياسي وعملي أكثر فاعلية في القدس، إن تم اسثمارها بالشكل الأمثل.

3-    عدم تأثر المقدسيين بحملات الاحتلال المتتالية من تهويد وأسرلة، وأدلجة العقل الفلسطيني بما يناسبه، وهو ما يتجلى في الشرائح التي ترابط أمام الأقصى والتي يغلب عليها الشبان، الذين ولدوا في كنف الاحتلال وفشل في تحويل انتمائهم الوطني، أو تحويره. ومن جهة أخرى عدم تأثر الحراك بالتنازلات المتتالية للسلطة الفلسطينيّة، وهي التي تريد ركوب موجة الحراك لأهداف تلميع صورة السلطة بعد سلسلة من المراوحة السياسيّة والتنازلات الكارثية.

4-    تفجير الأقصى لموجة جديدة من انتفاضة القدس،  ومع أن الأخيرة لم تتوقف منذ انطلاقتها، إلا أن مساحات المواجهة مع الاحتلال تضاءلت بشكل كبير، ولكن الاحتلال اليوم يواجه مئات الشبان في عشرات نقاط المواجهة، ومع سقوط الشهداء تشتعل هذه المواجهات بشكل أكبر. وإلى جانب العملية البطولية التي قام بها عمر العبد وسقوط عدد من القتلى في صفوف الاحتلال، وهي التي ستؤكد عودة المعادلة مع الاحتلال إلى مربع المواجهة الأول، بأن الاعتداء على الأقصى ثمنه باهظ.

5-    استطاعة الأقصى تحريك الأمة من جديد، وبشكل لم نره منذ العدوان الأخير على قطاع غزة، فإلى جانب فلسطين، والتي شهدت حشودًا ضخمة في القدس من المقدسيين وفلسطينيي الأراضي المحتلة عام 1948، والتحركات التي أقيمت في جميع المدن الفلسطينية، شهدت جمعة الغضب في 21-7-2017، مظاهرات واعتصامات ووقفات تضامنية في مدن عديدة في الأردن ولبنان واليمن وسورية وتركيا وتونس وأندونيسيا وماليزيا ودول أوروبية مختلفة، إضافةً للتفاعل الكبير على وسائل التواصل الاجتماعي ووصول الوسوم التي تتعلق بالأقصى للمرتبات الأولى في غالبية الدول العربية.

هذه السمات الإيجابية الأساسية التي يمكن ملاحظتها، حيث يقف المقدسيون حائط الصد الأول في وجه الاحتلال، ليستعيدوا الحق الإسلامي الخالص في المسجد.

وفي المقابل يسجل نقطة بالغة السلبية، ألا وهي بؤس الموقف العربي والإسلامي الرسمي من أحداث الأقصى، والذي لا يرقى حتى لحظة كتابة هذه الأسطر، لما يمكن أن يقوم به العرب والمسلمون في المنظومات والمساحات الدولية، بالإضافة للانشغال بالخلافات الداخلية العربية وجعلها أولوليّة عن كل القضايا العربية الأخرى وعلى رأسها القدس والمسجد الأقصى.

وسوم: العدد 731