بعد داعش وأزمة الانفصال: الحكومة في مواجهة الفساد

مركز الفرات للتنمية والدراسات الاستراتيجية

في المناهج العلمية المعروفة لدراسة حالة معينة لابد من توافر شروط الدراسة لإخضاعها للبحث، الامر ينطبق عند اجراء المقارنة ما بين شيئين والتي من شروطها تقارب وتشابه الحالتين بنفس البيئة والظروف والمدخلات وقياسهما بالنتائج وبالتالي امكانية افراز ايهما الأفضل.

 وعلى سبيل المثال: الحكومة العراقية الحالية وقياساً بسابقاتها تعد افضل من حيث المخرجات وهذا لا يعني وصولها لحالة الكمال او المثالية فلا تزال تشهد اخفاقات في مجالات عدة وعلى رأسها موضوع مكافحة الفساد المستشري بمؤسسات الدولة، فالفساد يعرف على انه: ظاهرة من الظواهر الاجتماعية الخاطئة، وهي منتشرة بكثرة في جميع المجتمعات وخاصة المجتمعات العربية، وهي من الأساليب الخاطئة التي يتبعها فرد من أفراد المجتمع، من أجل تحقيق مكاسب ومصالح شخصية على حساب الآخرين، وبذلك فهي خروج عن القانون والعرف السائد في المجتمع الذي يعيش فيه الأفراد الفاسدين، واستغلال للمناصب الرفيعة وذات السلطة والسيادة في الحصول على ممتلكات الغير، سواء كان هذا الاستغلال لصالح فرد أو لصالح جماعة، مع غياب القوانين والعقوبات الرادعة لمثل هؤلاء الأفراد، وبطبيعة الحالة للفساد ظواهر منها الرشوة والمحسوبية والواسطة والمحاباة والاستغلال والتزوير وغيرها من الامور المعروفة.

فالحكومة العراقية اليوم هي امام اختبار صعب لا سيما بعد القضاء على تنظيم داعش الارهابي عسكرياً بعد قرابة الثلاث سنوات من المعارك العنيفة التي اسفرت على مئات الشهداء والاف الجرحى وخسائر مالية قدرها السيد العبادي بما يعادل المئة مليار دولار خسائر الحرب مع التنظيم الإرهابي، وتتوزع هذه الخسائر ما بين تكاليف ادامة المعركة من آليات واعتدة ودعم لوجستي وتطويع وغيرها وما بين الاضرار الناجمة عنها من تهديم البنى التحتية والاملاك العامة والخاصة اضافة الى ملف النازحين والمهجرين وكل ما يتعلق بتوفير الاحتجاجات لهم.

مع ذلك فقد تكللت المساعي الحكومية والشعبية بالظفر بالنصر على الارهاب وتحرير كامل اراضي العراق، الامر الآخر تمكنت الحكومة العراقية من مواجهة مشاريع الانفصال خصوصاً بعد الخطر الذي اعقب استفتاء الانفصال الكردي في 25 ايلول وكان الهدف منه اعلان استقلال اقليم كردستان العراق بدولة كردية مستقلة تضم اراضي الاقليم اضافة الى المناطق المتنازع عليها كمحافظة كركوك ومناطق عدة، فقد تمكنت حكومة السيد العبادي من ادارة المرحلة بشكل فعال لا سيما بعد ان فرضت السلطة الاتحادية على كامل المناطق المتنازع عليها وابعاد مشروع الانفصال في المرحلة الحالية.

لذلك وبعد تمكن الحكومة العراقية من بسط نفوذها على كامل الاراضي العراقية سواء بعد طردها لتنظيم داعش او اعادة انتشارها في المناطق المتنازع عليها مع الكرد لم يتبقى امام حكومة السيد العبادي سوى محاربة الفساد وهذا ما صرح به السيد العبادي مرجحاَ البدء به قريباَ، والجميع اليوم ينتظر ويطالب بهكذا خطوة الا ان الموضوع ليس بالسهولة التي يتصورها البعض فنحن اليوم نتحدث عن فساد متغلغل منذ 2003 تقف خلفه جهات متنفذة مشاركة بالحكومة.

 ايضاَ اصبح الفساد ظاهرة شائعة لدى فئات كبيرة كما وان مظاهر الفساد متنوعة كالرشاوى بمختلف مؤسسات الدولة او ابتزاز اصحاب رؤوس الاموال او وضع العراقيل امام المستثمرين لأخذ نسبة من تلك المشاريع او المبالغة في الروتين الحكومي وترويج المعاملات لغرض دفع الاخرين على الرشا وغيرها من الأساليب.

 الا ان أخطرها التي تتعلق بكبار المفسدين والذين يتبوؤون مناصب عليا في الدولة وفي نفس الوقت متنفذون سياسياً وبعضهم يملك اجنحة مسلحة او يرتبط بعلاقات مع دول اخرى او ممن هم في المناصب الامنية كما هو الحال في ملف سقوط مدينة الموصل والذي اهم اسبابه الفساد والاهمال، لذلك يتوقع بعض المراقبين البدء بحملة كبيرة للتصدي للفساد بشتى اشكاله وبصورة تدريجية، خصوصاً اليوم موقف الحكومة يعتبر الاقوى منذ 2003 لاعتبارات عدة منها التأييد الشعبي وخروجها منتصرة بعد هزيمة التنظيم وادارتها لملف استعادة المناطق المتنازع عليها، اضافة الى الدعم الدولي الكبير وسياسة الانفتاح الخارجي وقبول سياسي وحضور قوي في العملية السياسية، ايضاً تأييد من بعض المراجع الدينية واهم ما في الامر قبول كبير للسلطة في بغداد من لدن اغلب سكان المناطق السنية.

خلاصة القول كما نجحت الحكومة في ملفي داعش والانفصال ربما تنجح في ملف مكافحة الفساد وان كان بنسبة مقبولة وذلك عن طريق:-

1- اجراء مراجعة شاملة لآليات مكافحة الفساد السابقة واهم الاسباب التي حالت دون تحقيق مبتغاها والعمل على وضع معالجة حقيقية لها.

2- اختصار جهات مكافحة الفساد وحصرها بجهة واحدة مع اعطائها صلاحيات واسعة وذلك تجنباً لتعارض القرارات وبطئها وبالتالي ضياع الهدف المرسوم.

3- محاسبة من تثبت صلاتهم بمشاريع الفساد وأيا كانت مناصبهم.

4- الزام مسؤولي الدولة والدرجات الخاصة بتقديم ذممهم المالية ومتابعة اية تحركات مشبوهة.

5- التعاقد مع شركات او مستشارين حتى وان كانوا من دول اخرى بغرض كشف ومتابعة الاموال المهربة وملفات الفساد بصورة عامة.

6- تسهيل الاجراءات الحكومية وتقليل الروتين الحكومي وتفعيل الحكومة الالكترونية لإضاعة الفرصة على من يستغل الموضوع لأغراض مادية.

7- متابعة المنافذ الحدودية لا سيما الجمارك مما يسهم برفد موازنة الدولة بدل ذهابها للمفسدين.

وسوم: العدد 752