إيران : احترق طاقم ناقلة النفط في عشق الوطن
احترق جميع طاقم الناقلة في عشق الوطن ، نار في روح إيران .....عناوين رنانة رومانسية تصدرت صفحات جريدة أبرار وإيران بالأمس ، ،للتعبير عن الحالة المأساوية لغرق ناقلة النفط "ساتشي" في مياه بحر الصين الشرقي بعد اصطدامها بسفينة شحن صينية هناك ، وتحميل إيران المسئولية كاملة للسلطات الصينية في عدم إنقاذ الضحايا ، ثم تراجعت بعد التصريح الرسمي الصيني الذي تحدث عن عدم وجود أبسط وسائل السلامة العامة لضمان حياة البحارة ، مما أدى إلى تراجع الإيرانيين عن تصريحاتهم ، وليحترق طاقم الناقلة كاملاً في عشق إيران .
نستغل هذه الحادثة المأساوية للتذكير بسياسات نظام الملالي المأساوية هي الأخرى و التي أسهمت في غرق الشعب الإيراني كله في أتون الأزمات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والأخلاقية نتيجة لسياسات إيران العبثية التي أدت إلى نشر الفتن و الخراب والقتل والتدمير، واستنزاف قدرات الدولة في أتون الأزمات الإقليمية التي أشعلها .
سياسة نظام الملالي التدميرية القائمة على نشر الخراب والقتل والدمار الممنهج استهلكت وما زالت تستهلك- ثروات الشعب الإيراني المغلوب على أمره ، و الذي يعاني تداعيات الأزمات، وخاصة الاجتماعية منها؛ كالفقر، الذي بات يطال أكثر من 34 مليون مواطن إيراني ، إلى جانب معاناة أكثر من 12 مليون إيراني من الفقر الغذائي ، وانهيار عملة الدولة " التومان " ، هذا عدا عن ارتفاع نسبة البطالة إلى مستويات غير مسبوقة تصل إلى أكثر من 23% ، وانتشار الأمراض السارية ، وانعدام الرعاية الصحية الكافية، وتفشي ظاهرة الإدمان على المخدرات، و انتشار الدعارة بشكل غير مسبوق ، كل هذه المشاكل والتي يتخبط فيها المجتمع الإيراني وغيرها الكثير تُفسر شيئاً واحداً وهو الفشل الذريع في سياسات الدولة داخلياً وخارجياً، وهي نتيجة حتمية لهيمنة الملالي والحرس الثوري على مفاصل القرار السياسي والأمني و الاقتصادي الإيراني.
ما جرى اليوم ينبغي ربطه بتصريحات سابقة للنائب عن مدينة طهران في البرلمان الإيراني علي رضا زاكاني في العام 2015 الذي فاخر أمام جلسة مجلس الشورى الإيراني بسيطرة طهران على أربع عواصم عربية (صنعاء ودمشق وبغداد وبيروت) تبعه تصريحات حبيب الله سياري الذي كان قائداً للبحرية الإيرانية والذي بات الآن مساعداً للجيش الإيراني الذي تحدث في العام 2016 عن إحكام سيطرة إيران على مضيقي هرمز وباب المندب ، لدرجة جعلت صناع القرار في إيران يطالبون بتسريع وتيرة الإنتاج الصاروخي وتطوير مدياته ، وتطوير برامج إيران التسليحية حتى تستطيع الدولة الإيرانية الحفاظ على هذه المنجزات .
يبقى السؤال الأهم هو إلى أي حد أثر هذا النفوذ الإيراني على احتراق روح ومصير الشعب تحت حكم الملالي وأثر سلباً على تحقيق الأمن والازدهار الاقتصادي والاجتماعي ؟
لا شك بأن الأزمات الإقليمية وانخراط إيران بها حتى النخاع قد شكّل عبئاً اقتصادياً هائلاً عليها وأن عدم تدخل الولايات المتحدة في الحرب السورية واليمنية ودعم حزب الله وإنشاء ودعم المليشيات الشيعية الموازية طوال السنوات الماضية، شكل فرصة لاستنزاف إيران اقتصادياً متوقعة تعويضاً اقتصادياً يليق بحجم تضحياتهم في هذه الأزمات ، وهذا ما يبدو أنه لم و لن يتحقق في ظل دخول الروس والأميركيين في نهاية المشهد . وبما أن الدولة الإيرانية على حافة الإفلاس لا يبقى أمامها سوى تصعيد وتيرة الحروب الأهلية في هذه الأزمات من خلال تأهيل «القاعدة» للدخول على خط المواجهة بعد القضاء على داعش بهدف إجبار الخصوم والمنافسين الهروب بخفي حنين من الأزمات ، وترك الغنيمة، على غرار النموذج الأفغاني ، من هنا سيتعين على إيران تمويل حرب جديدة، ، بموازاة ذلك تلعب واشنطن بسلاح العقوبات بشكل تصاعدي ، وربما سنشهد لعبة جديدة لخفض أسعار النفط ، لتلقي هذه المعطيات بتحديات جمة وخطيرة لإجبار إيران لوقف نفوذها والانسحاب ، ومنعها من الحصول على موارد إضافية لتمويل حروب قد يطول أمدها.
إستراتيجياً وسياسياً وأمنياً، الصورة ليست أكثر إشراقاً بالنسبة لإيران ، فقد تحولت سورية واليمن إلى دول فاشلة لمصلحة نفوذ أميركي وإلى حد ما روسي ، وباتت تشكل عبئاً هائلاً على إيران بكل المقاييس، أما العراق ولبنان التي قطعت أوصالهما المحاصصة الطائفية ، فقد باتت هاتان الدولتان تعيشان كبرميل برميل الذي يتوقع انفجاره في أية لحظة .
وللحفاظ على الموضوعية في الطرح والتحليل، يجب القول إن من الممكن للجانب السياسي للسيطرة على العواصم العربية الأربع، دعم المصلحة إستراتيجية إيران القومية بشكل عاجل لتوظيف دبلوماسية تخادم الملفات في حال قرب مواجهة عسكرية بين أميركا "ترامب " وإيران، بحيث يمكن الأخيرة استخدام أوراقها ومخالبها كقوى فاعلة في المواجهة المفترضة ، وهذا ما تفكرفي توظيفه إيران فعلياً ، ولكن في الوقت ذاته يمكن الافتراض على أن المواجهة لن تحصل مطلقاً ، استنادا للتجربة التاريخية لعلاقات واشنطن مع طهران ، لا الآن ولا مستقبلاً، وعليه فإن الأمر قد ينتهي بإيران إلى أن تزرع في العواصم الأربع دون أن تحصد أي مردود سياسي. وللدلالة على ذلك فلم تستطع إيران ترجمة زراعتها في العواصم الأربع لتحسين وضعها التفاوضي بخصوص عدم وجود ملحق جديد للاتفاق النووي ، مع الوصول إلى تفاهمات بخصوص البرنامج الصاروخي وعمليات التفتيش المفاجئ لمنشآتها العسكرية ، إلى جانب تحقيق تسوية عادلة بخصوص نظرية توقيت ومديات التخصيب ، أو ما اصطلح الأمريكيين تسميته بنظرية" الغروب " .
وللموضوعية أيضاً، فهناك مجموعة من الخسائر التي مُنيت بها إيران من خلال سيطرتها على العواصم الأربع، وأهمها عدم كسر حالة العزلة السياسية التي تعايشها إيران في المنطقة بعد أن خسرت أميركا والعرب معاً، لكنها ربحت الاتحاد الأوروبي وروسيا والصين للمفارقة ، من هنا تبنت إيران اليوم إستراتيجية خاطئة تقوم على زيادة نفوذها من خلال أزمات المنطقة من أجل كسر عزلتها الإقليمية ، وهو تفكير ساذج ينم عن سطحية إستراتيجية في التفكير ، لأن الرهان على موسكو وبكين وعواصم صنع القرار الأوروبي لا يمكن الرهان عليها استناداً على ما جرى مع عراق " صدام حسين " سابقاً .
علاقات طهران الصراعية باتت تُشكل عبئاً كبيراً استنزف الاقتصاد الإيراني ، وهذا أسهم بكل تأكيد في استنزاف قدرات العالم العربي ، و دخول دول المنطقة العربية؛ لا سيما الخليجية ، في تحالفات سياسية وأمنية تحقق مصالحها .
لا شك بأن السيطرة عنوة على العواصم الأربع لن تحقق المصلحة الوطنية الإيرانية، ستشكل عبئاً اقتصادياً وسياسياً وأمنياً ، لن تستطيع إيران معه الاستمرار بدعمه أو المحافظة عليه لمدة طويلة، من هنا فإن المشروع الإيراني في المنطقة العربية يحمل بذور فنائه.
من الواضح أن إيران لم تتعلم شيئاً من تجربة ألمانيا " هتلر " ولا الاتحاد السوفياتي الذي حاول بناء مجال حيوي واسع على حساب قدراته وإمكاناته الاقتصادية والعسكرية والسياسية ، لكن كلا النظامان قد انهارا ؛ الأول عسكرياً والثاني اقتصاديا ، وتم تفكيكهما معاً ، فهل من متعض .
د. نبيل العتوم
رئيس وحدة الدراسات الإيرانية
مركز أميه للبحوث والدراسات الإستراتيجية
وسوم: العدد 755