قلبٌ من وطنْ
أسماء ياقتي
في تلك الظهيرة لم أحاول أن أتذكر أشياء كثيرة
فيما الخفقان يعترك في قلبي
ويزيد توتر الوقت من أمامي
فألهث على إسفلتِ الشارع
أتقاطع مع ما تعبره السيارة من مسافة لأصل إليه
فأراهْ
ما استطعتُ لحظتها تخيل ما جرى..
خمنتُ فقداً
فاستطرتُ مني!
لم أكن بالتي تتقن رسم شكلها وهي تتأقلمُ مع ما سيكون..
كنتُ كالمفزوعةِ من كابوسٍ (حقيقيٍّ)
نفرَتْ مني حواسي حتى جحظت بشكلٍ يلمسه العيان
ولا أحسهُ أنا..
فلذتُ برضيعيَ الصغيرِ
أتشبث به من مجهولٍ يخنقني قبل أن أعرفه
كنت لا أريد أن أعرف شيئاً عما أحسسته
سوى أن أعرف كل شيءْ
...
في تلك الهنيهات العنيفة الخطى
مشوتُ أرتجي أملا
منهُ، إليهِ، بهِ
حيث لم يكن يوماً سوى أملْ
سألتُ روحي أسئلةً طويلةً
متقطعة الكلمات
متنافرة المعاني
لم أكن لأرتب حافظتي وقتها
حتى الآنَ... لا يأتيني استيعابٌ لما كان..
أفقتُ
إذ ارتطمتُ بهِ
طوداً من وطنٍ عاصفْ
لوهلةٍ خلت الأوطانَ تترتبُ هكذا كما الأبجدية
من ألفٍ إلى ياءْ
خلتُ الأوطانَ تُصابُ بوعكةٍ في قلبها
فاستطرتُ مني مجدداً
وتأملتُ...
أيشيبُ الوطنُ بكثافة ما يحملُ من أشباهنا في روحه؟!
أم أنّ الوهن هو الذي شيَّبَ تضاريسه الداخلية؟!
أيتعبُ الوطنُ من منفاهُ....
وتشابكت اللغةُ في حلقي.. حتى اشتاك بي..
تحوصلت حنجرتي فجفَّ كل حنينٍ إلى سواهُ
كما تجف السواقي عن ناعورةٍ لم تعد تقوَ على رتق حكاية زمانها
بعتابا الألم...
خفتُ..
ما الكلام هُنا سلعة..
ما الصمتُ هنا حياةْ
تلوحتُ في جسدي مثل بندول
واشتعلت شراييني باصفرار أرضهِ
علَّ جسراً يمتد من روحي
يعيدُ الخصبَ إليهِ
أخضراً
كغصنِ زيتونٍ
متورداً
كزهرةِ لوزٍ
لم تعد احتمالاتيَ الجذلى تتزايدُ
فخرجتُ من وعيي أبحثُ عنهُ فيهِ
كالثكلى..
أثكلني العمرُ يا وطني و أنا أرتعُ فيكَ غياباً
أثكلني الصبرُ على ضعفي
ما كنتُ أنثاكَ التي ترضى
وما عدتُ.. لتكونَ بكَ كما ترضى!
أثكلني العجزُ
ففقأتُ كل عيوني
وبكى قلبي
أملاً
أنسيتَ بأني أختصر الحبَّ بعينيكَ ليصير قصيدة؟!
أنسيتَ بأني أتتبعُ فجر الحلمِ لأنير بجبينكَ أيامي؟!
فلماذا تنسى
طفلتك الـ ما كبُرت إلا لتصغر في وجهك أكثر..
ما زلتُ صغيرة
وما زال هناك الكثير لأحصده منك يا - أبيـ - وطني..
فهل أُفرِطُ في العشقِ؟..
ومنذ سنينٍ لم ترقد خاطرتي
لم يشغل بالُ الغربةِ أوطانا أخرى
تجمع أوصافكَ في أكثر من أرضٍ..
وهُنا
بين الجنبينِ أروقةٌ منكَ
قد يتخثر دمها لحظة فقدٍ...
لكني أوقنُ مذ أمّلتَ جبيني بضياكَ
أنْ ما دام القلبُ يحنُّ إليكَ
لن يخذل دمهُ في نزوةِ عهدٍ أبدية
أن مادام القلبُ يسيرُ منكَ
لن يحيد دمه في طرقٍ مسدودة
أن مادامَ القلبُ منكَ منكَ
لن يهوي سقماً
لحظة بُعدٍ..
فتعالَ إليَّ
هذه المرةَ
وحسبْ
أدري بأن الأوطان تؤتى ولا تأتي!
تعال أوقد الأملَ في قلبي
فكلُّ الأملِ أنتْ
الحسنى أسماء