الحذاء المبلول
في رثاء الأخوين الغريقين إيلان و غالب الكردي
لا تحزن أيا ولدي ... ولا تبك ... ولا تغضب ...
أعطيتَ ظهرك للناس والدنيا معاً ...
ورفعت في وجهنا ...
حذاءك المبلول ...
يئست من لقاء أمك الحنون ...
وحضنها الأمين ...
لم تدر أين اختفى الأصحاب ...
والفُلك المتين ...
فرأسك الصغير ...
لم يدرك المصير ...
لازلتَ بعدُ برعمٌ صغير ...
لا تقرأ السطور ...
لا تحسن التقدير للأمور ...
فلا تحزن أيا ولدي ... ولا تبك ... ولا تغضب ...
..................................................................
فأنت خيرة الرحمن من عباده ...
والبحر قد سقاك من شرابه ...
كيما تناجي الله في عليائه ...
شهيداً على دنياه في سمائه ...
فأنت الآن مشغول أيا ولدي ...
فحث خطاك للفردوس ... لا تكسل ...
ودع عبث الطفولة من خيالك ...
فهناك حفل في انتظارك ...
وازدانت الجنات حبا في لقائك ...
فلا تحزن أيا ولدي ... ولا تبك ... ولا تغضب ...
..................................................................
إياك أن تبكي وأن تخجل ...
من ثوبك المشقوق ...
وحذائك المبلول ...
فهناك في الجنات ...
سوف تُصحح الأحوال والأمور ...
وتُجدد الثياب والنعال ...
وتُغسل الأدران ...
وتَرقصُ العطور ...
ويلتقي الأصحاب والأحباب والخِلَّان ...
وتُشرق الوجوه من جديد ...
ويرجع السرور والحبور ...
فلا تحزن أيا ولدي ... ولا تبك ... ولا تغضب ...
..................................................................
ولا تسلني عن أحد ...
عن قريب أو بعيد ...
عن عدو أو صديق ...
عن المجرم ...
عن الجبار و الظالم ...
عن السفاح والقاتل ...
ألم تسمع مني مراراً ...
في حكايات السرير ...
قصة الزعيم ...
والخنجر المسموم ...
أبطالها أبو جهل ...
الفارس الصنديد ...
وأمن قريش القومي ...
يقضي على سميه ...
زعيمة الإرهاب ...
ألم أحكي ...
حكاية شهيدنا عثمان ...
وخباثة الإعلام ...
يقوده ابن سبأ ...
من خلفه يهود ...
ألم أخبرك ...
بابن العلقمي ...
وبيعه بغداد ...
وغيرهم كثير ...
نعم لقد ماتوا جميعا من دهور ...
لكن رأسك الصغير ...
لم يدرك المصير ...
لازلتَ بعدُ برعمٌ صغير ...
لا تقرأ السطور ...
لا تحسن التقدير للأمور ...
صحيح أنهم ماتوا جميعاً من دهور ...
لكنهم خلَّفوا من فاقهم في الغدر والخيانة ...
والقتل والإجرام والشرور ...
فدمروا البيوت ...
وأغلقوا الحدود ...
وتعودوا ثقب المراكب خلسة ...
كي يغرقوك في لجاجة البحور ...
فلا تحزن أيا ولدي ... ولا تبك ... ولا تغضب ...
..................................................................
ولا تسلني عن أحد ...
عن عدو أو صديق ...
عن قريب أو بعيد ...
عن المجرم ...
عن الجبار و الظالم ...
عن السفاح والقاتل ...
فالغرب مشغول بحربه على الإرهاب ...
والعُربُ مفتونون بالقدود والسباب ...
والفرس يلطمون وجههم لمقتل الحسين ...
ويبحثون عن يزيد من قرون ...
بالفتيل والسراج ...
والروم خائفون على أرزاقهم ...
من أعين الحساد ...
فالكل مشغول ومعذور أيا ولدي ...
فلا تعتب ...
فرأسك الصغير ...
لا يقرأ السطور ...
لا يحسن التقدير للأمور ...
فلا تحزن أيا ولدي ... ولا تبك ... ولا تغضب ...
..................................................................
من ذا الذي يهمه منهم ...
حذاؤك المبلول ...
هل يترك الزعيمُ عرشَه ...
هل يترك القوَّادُ جندَه ...
هل يترك المحتالُ شعبَه ...
هل يترك الفنانُ حفلَه ...
هل يترك الدجالُ وِردَه ...
هل يترك الدكتورُ بحثَه ...
هل يترك الشيعيُ لطمَه ...
هل يترك الروميُّ رزقَه ...
من أجل حذائك المبلول ...
فلا تحزن أيا ولدي ... ولا تبك ... ولا تغضب ...
..................................................................
لا يعلمون أن دمعة قد أبكت السماء ...
من ناقة عجماء ...
قد أهلك الله بها ثمود ...
ولو أنهم فهموا ...
لسُلَّتِ السيوف ...
كي لا يذوق حذاؤك الجديد ...
مرارة البحار ...
فبقاء عرشهم مرهون ...
بحذائك المبلول ...
فلا تحزن أيا ولدي ... ولا تبك ... ولا تغضب ...
..................................................................
فأنت اليوم صلب كالرجال ...
بطل تكلل بالشهادة والجلال ...
فامسح دموعك عن خدودك ...
فهناك حفل في انتظارك ...
وازدانت الجنات حبا في لقائك ...
وستلتقي بمحمد خير الأنام ...
وبصحبه الغر الميامين الكرام ...
ألا تذكر حكايات السرير ...
عن إبراهيم جده الخليل ...
وابنه الذبيح إسماعيل ...
عن الصدِّيق وصُحبة الأسفار ...
عن عمر الفاروق ...
وسيف علي البتار ...
عن خديجة ... عائشة ...
عن أمهاتك الأطهار ...
وبنيهم الأبرار ...
فلا تحزن أيا ولدي ... ولا تبك ... ولا تغضب ...
..................................................................
قد أخبر الأملاك عن وصولك ...
فامسح دموعك عن خدودك ...
وارسم رضاك على شفاهك ...
واروِ لهم ما شئت من عذابك ...
في كل شبر فوق كوكب الأحزان ...
في الجبال وفي القفار ...
في البراري والبحار ...
في الديار ...
وفي الحدود ...
فأنت اليوم في عز الخلود ...
فاصدع بما شئت ...
وبالغ في تفاصيل الردود ...
ولا تحزن أيا ولدي ... ولا تبك ... ولا تغضب ...
..................................................................
واحك لهم عن بيتك الحلو الودود ...
من أحرق الأغصان فيه والورود ...
من أطلق الشبيحة الأنجاس ...
وجند الجنود ...
حفاتهم قد خربوا الديار ...
وشوهوا القباب والأفكار ...
وعن حكامك القرود ...
عن القنابل و السموم ...
عن شيخ الضلالة ...
يهجر القرآن ...
ويعبد التلمود ...
عن الشيطان ...
حين أسس حزباً فاجراً ...
وادعى نسبته إلى الرحمن ...
إسألهم عن أولاد حارتك ...
عن لعبة الصبية جارتك...
عن بائع الخبز ...
وعن دماء جارك الطبيب ...
ولا تحزن أيا ولدي ... ولا تبك ... ولا تغضب ...
..................................................................
اكتم نحيبك ...
واحك لهم ...
عن جوعك المجنون ...
وخوفك المدفون ...
والدموع ...
تختبي في مقلتيك ...
عن البراري والقفار ...
أشواكها ...
كم داعبت قدميك ...
عن هروبٍ من حراب القاتل الزنيم ...
والتخفي عن عيون الحاجز اللئيم ...
عن المُهَرِّبِ ...
وعن قذارة السمسار ...
والقارب الغدار ...
والبحر والأمواج والأخطار ...
ولا تنس أن تحكي لهم ...
حكاية السمكات ...
بأنهم لا يشربون ...
دموع الصِبيَة الشهداء ...
ولا تحزن أيا ولدي ... ولا تبك ... ولا تغضب ...
..................................................................
واحك لهم أصل الحكاية ...
بين لهم كل الرواية ...
وأخبر الجميع كل شيء ... كل شيء ...
وأظهر لهم دليلك الدامغ ...
حذاءك المبلول ...
ولا تحزن أيا ولدي ... ولا تبك ... ولا تغضب ...
..................................................................
سيسمعون ...
صوتك المكتوم ...
و صدرك المكلوم ...
وتفرحون بالنجاح والنجاة ...
وترشفون من عبير جنة النعيم ...
فقد نجوتم من دنايا الفاسدين ...
وما خسرتم أي شيء ...
بل أنتمُ والله نِعمَ الفائزون ...
وإننا والله ... لنحن الخاسرون ...
فلا تحزن أيا ولدي ... ولا تبك ... ولا تغضب ...
..................................................................
واترك حذاءك المبلول عندنا ...
وصمة عار على رؤوسنا ...
ننسج الألحان من همومنا وحزننا ...
وغب - رحمك الله - عن عيوننا ...
بعد ما أدميت بالفراق قلبنا ...
المرهف الإحساس ... والرقيق ...
ولا تحزن أيا ولدي ... ولا تبك ... ولا تغضب ...
وسوم: العدد 632