قصة الأطفال "الشجرة الباكية" في اليوم السابع
ناقشت ندوة اليوم السابع في المسرح الوطني الفلسطيني في القدس قصّة للأطفال، بعنوان "الشجرة الباكية"؛ للكاتب والفنّان المسرحي المقدسي صقر سلايمة. جاءت القصّة في خمس عشرة صفحة، من الورق الخفيف؛ واحتوت على رسومات معبّرة، لم يُذكر فيها اسم الرسّام، كذلك لم يذكر اسم دار النشر .
بدأت النقاش رفيقة عثمان التي أدارت الأمسية فقالت:
القصة مرفقة بصور معبّرة وغير ملوّنة. عبّر الكاتب عن الخلاف بين الشجرة الباكية "سروة"، وبين المطر؛ لأن المطر لا يروي الشجرة لأوقات طويلة، حاول المزارع معرفة السبب، فأجابه المطر : " لأن الشجرة كسولة لا تعمل".
وضح المزارع للمطر ؛ بأنها تعمل مثله تماما. أصلح المزارع الخلاف بين المطر والشجرة، وفرحا معا، وكذلك المزارع.
في هذه القصّة أهداف تربوية، يقصد بها الكاتب إكساب الأطفال القيم التربوية الحميدة، منها: من يعمل ويجتهد؛ يستحق العطاء. كذلك الحديث عن المصالحة والمحبّة كقيمة إنسانيّة، أنسن الكاتب الشجرة، والمطر، وتحدّث معهما وكأنهما أشخاص آدميّين؛ ممّا جعل القصّة محبّبة ومقرّبة للأطفال؛ وتعامل مع الشجرة بإحساس ومحبّة؛ لكن تبقى هناك ملاحظة لا بدّ منها، وهي بأنّ الكاتب أدخل معلومة مغلوطة للأطفال الذين لا يُفرّقون بين الخيال والحقيقة؛ وهي بأن الإنسان " لديه القدرة على الطلب من المطر أن يهطل وفق رغبة الشجرة"؛ هذه الحقيقة مغلوطة؛ فالإنسان لا يتحكّم بالظواهر الطبيعيّة، ولا يستطيع أن يطلب من المطر الهطول متى يشاء؛ وأنّ الخالق وحده يتحكم بالظواهر الطبيعيّة. بالإمكان الحديث عن فصول السّنة، الأربعة، ومميّزات كل فصل على حِدة. لا بدّ للكاتب أن ينتبه إلى إكساب معلومات صحيحة في ذهن الأطفال؛ لأنها ترسخ في أذهانهم منذ الطفولة، ويصعُب تصحيحها لاحقا. الأطفال بحاجة الى قصص تغذّي الخيال، التي تكون مصدرا؛ للتنفيس عن الذِّات، والمتعة؛ لكن ليس على حساب الحقائق العلميّة المثبتة. في هذا العصر المتسارع في التطوّر، علينا ان نواكب التطوّر العلمي المتلاحق، ويتوجّب على كُتّابنا المحليين وغيرهم، الارتقاء بفكرهم وحسّهم، وانتقاء الأفكار بما يتلاءم مع تطوّرات المرحلة الآنيّة، وبما يتوافق مع المراحل العمريّة ، والنفسيّة والعقليّة. يبدو أنّ الكاتب صقر سلايمة اجتهد، وقام بطباعة القصة على حسابه الخاص، نظرا لعدم ذكر اسم دار نشر، ويظهر من الإهداء؛ لأطفال القدس، ممّا يشير الى محبّته للأطفال وخّاصة الأطفال المقدسيين. لم يذكر الكاتب اسم الفنّان المبدع في رسم أحداث القصّة. تبدو الرسومات معبّرة وجميلة؛ ولو كانت ملوّنة، لأصبحت أجمل؛ الرسومات واضحة، كترجمة دقيقة للعبارات في نصوص القصّة؛ لدرجة أنّها لم تُتِح للطّفل التخيّل، وتَصوُّره للأحداث وللأشياء في ذهنه، وتحجيم الخيال، وعدم إتاحة تطوّره. تعتبر القصّة خفيفة، وبإمكان جميع الاطفال امتلاكها، لثمنها الرّخيص، كما يبدو بأن رغبة الكاتب إيصال القصّة لكافّة الأطفال من مختلف البيئات في المجتمع. وردت بعض الأخطاء اللغويّة في القصّة، وهذا لا يجوز خصوصا عند الكتابة للأطفال، ومن المهم الاهتمام، بدقّة التعبير اللغوي.
هدى عثمان أبو غوش:
أوّل ما يشد القارئ لهذه القصة هو العنوان المميّز "الشّجرة الباكيّة"، وقد استخدم الكاتب هنا الاستعارة "الباكيّة"، ليثير في عقل الطفل التشويق والإثارة وليتساءل منذ البدايّة هل الشجرة تبكي ولماذا؟ وحين يبدأ الطفل بالقراءة، بالفعل سيجد أنّ تساؤلاته في محلها، وأنّ الطفل في القصة قد بادر إلى نفس الأسئلة منذ بدايّة القصة. في هذه القصّة يطرح الكاتب موضوع المصالحة والمحبّة بطريقة ذكيّة، حيث اختار الشجرة والمطر ليكونا محور الجدل، فالشجرة تكره المطر؛ لأنّه يأتي في غير موعده، والمطر يكره الشّجرة ظنّا منه أنّها كسولة لا تعمل. وقد حاول الكاتب حلّ الخلاف من خلال الإصغاء للطرفين وفضّ سوء الظنّ بينهما الذّي انتهى بالاعتذار من قبل المطر وأصبحا أصدقاء. ومن الجميل من النّاحيّة الإبداعيّة هو أنّ المطر موطنه السّماء، والشجرة موطنها الأرض، ورغم بُعد المسافات والخلاف فقد تحقق الصلح، وأيضا يمكننا القول، أنّ المطر رمز للذكر والشّجرة رمز للأُنثى، ومن هنا فإنّ الذكر والأُنثى يلتقيان في النّهايّة بسلام ومحبة، وهي دعوة للتصالح بين البشر. وقد وُفق الكاتب في اختياره للشجرة والمطر لكونهما قريبان لمخيّلة الطفل. جاء سرد القصة في البدايّة بضمير المتكلّم أنا، ثم انتقل لضمير الغائب هو أثناء سرد حكايّة الشجرة الباكيّة. وقد استخدم الكاتب أُسلوب الحوار بين الشّخصيّات من أجل تشويق القارئ. جاءت الرسومات مترابطة جدا مع القصة، جاء عدد الجمل في الصفحة مناسبا للطفل. من الملاحظ في القصّة، عدم وجود أسماء للشخصيّات (الطفل، الأُم والمزارع) عدا اسم الشجرة "سروة"، واسم الملك نعمان الذي لم يكن حاجة لذكر اسمه خاصة أنّه غير ظاهر بالرسومات، وقد يسأل الطفل عنه.
وكتبت نزهة الرملاوي:
إذا أردنا الخوض في تجربة الكتابة للأطفال، يجب علينا التأني، وأخذ الحيطة والحذر عند بث فكرة، أو تقديم معلومة، و إذا أردنا إدراج قيم تربوية واجتماعية، يجب اختيار الأسلوب والوقت المناسبين لذلك.. لماذا؟ لأن طفل اليوم، هو رجل المستقبل.
نحن المرشدون، المربون، بل نحن الزارعون .. إن قوينا جذورهم، واحتوينا فصولهم، واسقيناهم من ماء المكرمات والأخلاق.. قويت فروعهم، وانتشر عبق زهرهم.. وأينعت ثمارهم.. فكانوا القوة والعطاء في حلهم وترحالهم.
لذا يجب على الكاتب تكوين رؤية واسعة من الاطلاع على نفسية الطفل، والمشاكل التي يتعرض لها، والتغيرات المجتمعية المحيطة به، ومدى تأثره وتأثيره بالبيئة، وتأثره بما سنقدم له من مواد تربوية ومعلومات من خلال أدبيات مختلفة.
ولإنجاح مثل هذا العمل .. لوحظ أن الكاتب قام بتهيئة الشخوص في أبطال قصته، وذلك من خلال محاورة دواخلهم، واستنطاق خيالهم، والاطلاع على بيئتهم. بالإضافة إلى ذلك، أن المادة العلمية والأدبية والتربوية التي قدمت، كانت مدروسة ومناسبة لتخيلهم، ونضجهم الفكري لتقبلها أو رفضها حسب درجة الاقناع في الأسلوب أثناء طرحها في القصة. إذن ليس من السهولة الإقدام على الكتابة للأطفال، أو الاقتراب من عالمهم الطفولي، وخاصة بعد أن غزت تكنولوجيا المعلومات، والأفلام التربوية والعلمية، كل بيت، فبدت المادة المصورة والملونة أقرب إلى الطفل من كتاب يقرأه.
من هنا.. كان من الواجب أن نعيد للحياة الثقافية وهجها القرائي، ونشجع في أطفالنا حب القراءة، فيكون اقتناء مكتبة في غرف نومهم، من أولويات اهتمامهم، بعد أن همشت وكادت تخلو من البيوت إثر اقتناء الهواتف النقالة، وإبحارهم في الشبكة العنكبوتية لأهداف شتى.. ونعيد للإنسانية بعض العواطف التي بدأت تتلاشى، فشعرنا بفقدانها في مجتمعنا يوما بعد يوم.. كعواطف الحب والشعور بالآخر، وعاطفة الانتماء والإخاء.. ويمكننا تعزيز ذلك من خلال التواصل الاجتماعي الحقيقي، كصلة الأرحام، والزيارات البيتية والميدانية للأهل.. وعيادة المرضى في المشافي.. والحث على الإحسان إلى الجار وزيارة دور الأيتام، والإقدام على الأعمال التطوعية المختلفة.
الشجرة الباكية.. عنوان يوحي بالأنسنة، عواطف متدفقة، عيون ودموع .. فهل حقا الشجرة تبكي؟ أم هو مدخل لتربية وتعليم الأطفال بعض القيم أو المعلومات التي سينهلون منها في حياتهم الاجتماعية، وقيمهم التربوية؟ لقد صادفنا أشخاصا قالوا لنا: بعد موت فلان ذبلت زهرة كذا، أو ماتت شجرة التين أو اللوز حزنا على فلان.. زرعها بيديه، وأسقاها من عرقه .. فأثمرت حبا ووفاء.. كانت رفيقته وحبيبته التي تؤانسه في الحياة.. لا تستغربوا.. فما دام الشجر من الأحياء، إذن يمكن أن يتأنسن.. وذلك وفق مشاعرنا وما نراه باديا عليها.. فربما نحس بنضارتها، أو نحس بغضبها.. وذلك ما لمسناه في القصة، وبطريقة لافتة وحبكات مدروسة، أطلعنا الكاتب وهو ضليع في أدب الأطفال والاخراج المسرحي، على سبب غضب الشجرة، وكيف اهتم زارعها بها وحاورها؛ لكي يعلم سبب حزنها وبكائها.. وقدم اقتراحا بأن يجمع ما بينها وبين والمطر.. وهنا تجلت القيمة الدينية والتربوية ( إصلاح ذات البين )، لأن الشجر لا يعيش بلا ماء، فكيف ستبقى على غضبها من المطر وهو مصدر الخير والرزق؟ هنا تجلت قيمة الحث على العمل في القصة.. لأن المطر يعتقد أن الشجرة كسولة.. تبقى في مكانها.. ولا تتحرك مثله، فهو كثير التحرك والتجوال، أضف إلى ذلك المبادرة إلى الاعتذار من الآخر، إذا أحس أنه أخطأ بحقه، وهو فضيلة لتصفية القلوب، وإزالة الحقد من الصدور، وهذا ما لمسناه بين المطر والشجرة، حينما عرف قيمتها وعطائها وخيرها.
ومن المهارات التي تناولتها القصة.. أن يتعلم الطفل مهارة الإصغاء، ومهارة الحوار والاقناع اذا ما أراد تمرير فكرة أو طلب ما من الآخرين.
وأن لا ييأس من محاولة تقصي الحقائق، والهدف من ذلك إدخال البهجة للمتلقي، فقد لوحظ ذلك من خلال الحوار الذي دار بين المزارع والشجرة الباكية والمطر من المضامين والقيم التربوية الموجة في القصة، غرس قيم التعاون والإخاء، والانتماء للأرض، والتقارب الفكري بين المتنازعين، والعمل على حل النزاع لتعم الفائدة للجميع.
ومن اللافت للقصة أن الكاتب تعمد إبقاء الرسومات بالأبيض والأسود.. حتى يشارك الطفل في إنتاج هذه القصة وذلك من خلال تلوينها، فتكون الكلمة مع الألوان تغذية راجعة له في أي وقت رأى فيه شجرة تشكو إليه حالها.. تميزت القصة باللغة البسيطة، والرسومات الهادئة المناسبة للنص والهدف الموجه لجيل الطفولة.. وأثارت تأمل الأشياء والطبيعة من حولنا.. فهي المحفز الأول لإطلاق خيال الطفل نحو الأعماق ومكنونات الأشياء.. للبحث والتقصي ودمج الخيال بالواقع.. لإثرائه لغويا وفكريا، وإرشاده في كيفية استنباط المعلومات، وايجاد حلول مقنعة للتساؤلات التي تثار من حوله.
وقالت نزهة أبو غوش:
في قصّته هذه يعقد الكاتب مصالحة مع الطّبيعة الّتي تنكّرت بمطرها لشجرة السّرو ( السروة) ولم تسقط المطر؛ بسبب عدم حبّها للشّجرة؛ لأنّها تدّعي بأنها تقف ثابتة دون حركة وليس لها فائدة. اتّفق المزارع مع الشّجرة بعقد صلحة مع المطر، فوافقت الشجرة ، واقتنع المطر بحديث المزارع حين شرح له فائدة الشّجرة فهي تجلب الخير تماما كما يفعل هو.
في القصّة رموز ومفاهيم أراد الكاتب أن يوصلها للطّفل أوّلها أهميّة الشّجرة في حياتنا وفوائدها الكثيرة للإنسان، كذلك أهميّة الأمطار وضرورتها؛ من أجل الحياة.
اكتفى الكاتب بأن قال للمطر" ص14": " كلاكما يعمل وكلاكما مصدر العطاء والخير" وعلى الفور اقتنع المطر وأصبح صديقًا للشّجرة – السّروة –
كان على الكاتب أن يذكر للطّفل منافع الشّجرة للإنسان بقليل من التّفصيل، مثل ظلّها، خشبها، وأوراقها، وثمارها وتنقيتها للبيئة..الخ. ولا أعتقد بانّ الجملة أعلاه ستقنع الطّفل بأهميّة الشّجرة وعظمتها.
لفت الكاتب نظر الطّفل بأنّ صعود الأولاد على أغصان الشّجرة ممكن أن يسبّب لها ضررا، سأل المزارع في صفحة 9:
" هل صعد طفل على أغصانك وآلمك؟"
استخدم الكاتب أُسلوب الحكايات في بداية القصّة" كان ياما كان في قديم الزّمان..."
استخدم الكاتب في لغته أُسلوب التّجسيد، أو التّأنيس؛ فقد جسّد الشّجرة فهي تضحك، تبكي، تحزن، تتكلّم، تتألّم، وتفرح؛ هذه اللغة يحبّها الأطفال ويتماهون معها، وتساعدهم على تطوير الخيال ولعب الأدوار وتطوير لغتهم.
من خلال عطف المزارع على الشّجرة وتردّده عليها، وتأثّره بها حين تبكي، ومدى اهتمامه بحزنها وفرحها واروائها بالماء، وعمله على عقد المصالحة ما بين المطر والشّجرة؛ يعلّم الطّفل بضرورة حبّ الانسان وعطفه على باقي المخلوقات.
إِنّ قول الكاتب في صفحة 10: " إِمّا أن يغيب عنّا المطر مدّة طويلة...أو ينزل بقوّة وغزارة ونختنق من البرد وسرعة الرّياح.."
هذه العبارات يمكنها أن تعلّم الطّفل بأنّ الطّبيعة دائمة التّقلّب ولا تثبت على حال؛ فهذا شيء طبيعي.
إِنّ طلب المزارع قدوم المطر ليس شيئًا غريبا، يمكن أن نربط هذا مع استغاثة المسلم بعد انقطاع طويل للمطر بصلاة الاستسقاء الّتي يؤدّيها في الخلاء.
هناك حاجة لتصحيح الحركات وعلامات في الكتاب.
وسوم: العدد 786