أدب السجون قبل وبعد طوفان الربيع العربي 3
الحلقة الثالثة
الإسلاميون وأدب السجون
في مصر مما لا شك فيه أن الإسلاميين كان لهم قصب السبق في المحن المتتالية حتى قبل سقوط النظام الملكي .. فقد اعتقلوا أثناء مقاومة الاستعمار الإنجليزي وذاقوا مرارت القمع والتضييق كانت ذروتها في أول مصادمة بينهم وبين العسكر متمثلا في جمال عبد الناصر ومجلسه العسكري من {خمسينيات القرن الماضي ..}
هناك شهدوا كل الأهوال التي صاحبت القمع الأكبر في تلك المرحلة داخل المعتقلات المصرية وأظهرها سجن الليمان والسجن الحربي.. بل وقعت لهم من المجازر ما يندى لها جبين كل حر على مدار التاريخ.. دوّنها بتفاصيلها شهود عيان ممن قدّر لهم ان يعيشوا تفاصيلها الدقيقة وكانت نجاتهم من اخدودها بداية الحكاية التي عرفت يومها بمجزرة ليمان طرة ... وفي طليعة من وثقوا لذلك جملة من الكتاب من الاخوان السلمين... ثم زادت المحنة قوة وضراوة الى أن خرجوا من السجون في عهد السادات ثم هاجر منهم الكثيرون الى أرض الله الواسعة...
على نفس المنوال صار الحسن الثاني في المغرب بعد ان اتخد من قضية مقتل العلماني الشهير عمر بنجلون تكأة للنيل من الحركة الإسلامية الأم وشبيبتها فكانت الاعتقالات الضارية تنالهم في البدايات كمنهج استئصالي لإجتثاث الحركة من جذورها... ثم تواصلت المحنة تباعا,, تشتد حينا وتفتر أحيانا الى أن كانت احداث 16 ماي 2003 التي أدخلت المغرب في منعطف كبير من الاعتقالات العارمة التي شهد فيها الإسلاميون أعتى أنواع القهر والتنكيل والانتهاكات التي وثّقت من لدن منظمات محلية ودولية وحتى حكومية ....
مضت الجزائر وتونس على نفس ما حصل في مصر و المغرب فقد اتخدت طريقة عبد الناصر في التنكيل بالاسلاميين أنموذجا لكافة أنظمة الاستبداد.. فكانت الاعتقالات المهيمنة من السبعينيات في القرن الماضي هدفها استئصال الحركة الإسلامية في تونس والجزائر في تجربتيهما.. مع مجموعة الاخوان والاتجاه الإسلامي ثم مجموعة مصطفى بويعلي في ثمانينيات القرن الماضي .. ولم تزل المحن ضارية في الجزائر حتى بعد الانفراجة التي جاءت بالجبهة الإسلامية للإنقاذ للعمل السياسي حين حصدت أغلب المقاعد في البلديات قبل أن تجهض وتعود الحركة الاسلاميىة بين طريد وقتيل ومنكّل به في السجون وهارب يهيم على وجهه,,, أما ليبيا فقد اختار القدافي من البدايات الضرب في السودياء فكانت الاعتقالات والتصفيات العلانية للإسلاميين سمة حكمه زمنا مديدا..
لا فرق بين ما حدث في شمال افريقيا و الشام فقد كانت سوريا مقبرة للإسلاميين حتى انها شهدت أكبر اخدود لهم في مجازر حماة العام 1982م ولم تزل المعاناة مديدة حتى جاءت رياح الثورات بثورة جليلة لم تزل تنزف دما وألما تحت نطع الجلاد وبراميله القاتلة ... وفي العراق كانت الحكاية تعاد بكل تفاصيلها المريرة التي حدثت شرقا وغربا ... لم سيتثنى احد من الابتلاء في بلادنا العربية....
هذا الواقع المأزوم حمل لنا الكثير مما خطّه رواد السجون من التيار الإسلامي الكبير وكانت حصة الأسد منه في مصر وسوريا...
في هاته الشذرات العابرة نطرق لكتابات كانت محور اهتمام أدب السجون بل في الصميم منه... في كل تفاصيلها الكبيرة والصغيرة الدقيقة والجليلة...
فقد كان القهرالذي عنى منه الأسلميون وتيارهم الكبير وتضحياتهم الجمة اهم المنعطفات التي جاءت بريح الربيع العربي الذي بدأت عاتية شامخة وانتهت بفعل المؤامرات.. هزيلة .. شاردة...
في هذاالتطواف مع ادب السجون
لنا وقفة مع المرأة وكتابات السجون كمدخل للأدب الذي خطه ادباء عاشوا محن السجون وتلظّوا تحت جمرها وغطّاهم رمادها سنوات طوال...
المرأة كمبدعة في ادب السجون
عندما يتغول القهر ويتنمّر الإستبداد لاتصبح هناك حدود لقمع .. فهو في سبيل الحكم الأبدي السرمدي يغشى كل شيء.. وينتهك كل الحرمات والمقدسات ,سيّان عنده أن يهدم مسجدا فوق رؤوس عمّاره .. أو أن ينتهك الأعراض اغتصابا شنيعا ففي سجونه السرية والعلانية المقيتة الرجال والنساء والأطفال والشيوخ والعجزة أيضا ... ففي سجون الكراهية التي عشناها زمنا مديدا بما نقل عنها شهود العيان .. أصبحت تنقل الصورة ومعها الصوت.. والكاتب يروي الشهادة المريرة العنيفة يكتبها حروفا فتنقلب الى حمم وشظايا...
هناك كان للنساء نصيب وكانت للمرأة زانزانتها المنفردة .. ودورها للدخول على المحققين في مكاتب التحقيق وكان لها نصيب من جنايات الجلادين الذين تختلف أسماؤهم من مكان إلى مكان.. بينما تبقى جرائمهم نسخة طبق الأصل من الأخرى .. التي نقلتها الروايات ....
كانت المرأة هناك جسدا منكّلا به بتهم سياسية ... فارغة
وعندما قدّر لها النجاة والخروج الى الدنيا بعد مقت كانت مبدعة في نقل الصورة بكل أبعادها الوحشية الضارية ولحظاتها الإنسانية المليئة ألما ووجعا دفينا... من خلال الرواية والقصة والخاطرة والمقالة والسيرة الذاتية والغيرية
في هاته الشذرات ننقل جانبا من معاناة السجون نقلتها المرأة وإنضافت لخزانةأدب السجون... بل انها احتلت فيها مكانة لم تزل رفيعة...
هبة الدباغ
خمس دقائق و حسب: تسع سنوات في سجون سورية
هبـة الدباغ، كانت المرأة الوحيدة التي بقيت من أسرتها الحموية، فقد أبادوا عائلتها كاملة في مجزرة حماة العام 1982، كنت الناجية الوحيدة والسبب انها كانت مفقودة داخل سجن الداخل إليه مفقود...
قتل زبانية الأسد حوالي عشرة من أفراد أسرتها، {{من الأب إلى الأم إلى الأطفال الصغار والبنات الصغيرات، في مجزرة حماة الكبرى عام 1982 التي عجـز المغول والتتار والصليبيون والفرنسيون على أن يفعلوا مثلها}} هكذا تكلمت هبـة الدبـاغ وهي تقدم وثائق نادرة وحقيقية ضـد نظام قمعي وتروي القصة المؤلمة من تسع سنوات من التعذيب المتواصل... تعذيب و إذلال تقشعر منه الأبدان....
{{ﺗﻨﺴﻠﺦ ﺳﻨﻮﺍﺕ ﺍﻟﻌﻤﺮ ﻣﻨﻲ ﻭﺗﺘﻔﻄﺮ ﺟﻮﺍﺭﺣﻲ ﻭﺗﺸﻴﺦ ﺭﻭﺣﻲ ﻷﺟﻞ ﻭﺷﺎﻳﺔ ﻛﺎﺫﺑﺔ ﻓﻨﺪﺗﻬﺎ ﺗﺤﻘﻴﻘﺎﺕ ﺍﻟﻈﻼﻡ ﺃﻧﻔﺴﻬﻢ ٬ ﻟﻜﻨﻬﻢ ﺍﺛﺮﻭﺍ ﺃﻥ ﻳﺘﺠﺎﻭﺯﻭﺍ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﺔ ﻭﻻ ﻳﺪﻋﻮﺍ ﺟﻬﻮﺩ ﻣﺨﺒﺮﻳﻬﻢ ﺍﻷﺟﺮﺍء ﻭﺟﻠﺒﺔ ﺳﻴﺎﺭﺍﺗﻬﻢ ﺍﻟﺘﻲ ﺷﻘﺖ ﻫﺪﻭء ﺍﻟﻠﻴﻞ ﻟﺘﻘﺒﺾ ﻋﻠﻲ ﺗﺬﻫﺐ ﺳﺪﻯ !ﻓﻠﺒﺜﺖ ﺃﺗﻨﻘﻞ
ﺑﻴﻦ ﺯﻧﺰﺍﻧﺔ ﻭﻣﻬﺠﻊ ﻭﺳﺠﻦ ﻭﺍﺧﺮ ﺗﺴﻊ ﺳﻨﻮﺍﺕ ﻋﺠﺎﻑ . .ﺃﻗﻔﻠﺖ ﻓﻴﻬﻦ ﻛﻞ ﺃﺑﻮﺍﺏ ﺍﻟﺮﺣﻤﺔ ﻟﺪﻯ ﺍﻟﺒﺸﺮ . .ﻭﻣﺎﺗﺖ ﻋﻠﻰ ﺃﻋﺘﺎﺑﻬﻦ ﺍﺧﺮ ﺍﻣﺎﻝ ﺃﻣﻠﺘﻬﺎ ﻭﺭﺟﺎءﺍﺕ ﺑﺄﺣﺪ ﻣﻦ ﺑﻨﻲ ﺍﻹﻧﺴﺎﻥ ﻋﻠﻘﺘﻬﺎ . . ﻭﻇﻞ ﺍﻟﺮﺟﺎء ﺑﺎﷲ ﻭﺣﺪﻩ ﺣﻴﺎ ﺑﻘﻠﺒﻲ ﻻ ﺗﻨﻄﻔﺊ ﺷﻌﻠﺘﻪ ﻭﺇﻥ ﺧﺒﺖ . .ﻭﻻ ﺗﺤﺪﻩ ﺣﺪﻭﺩ ﻭﺍﻥ ﺣﺠﺒﺘﻪ ﺍﻵﻻﻡ ﺑﺮﻫﺔ ﻣﻦ ﺯﻣﻦ . .ﻭﻛﺎﻧﺖ ﻣﻨﺎﺟﺎﺗﻲ ﻟﺮﺑﻲ ﻣﻨﺠﺎﻱ ﻭﻣﻼﺫﻱ ﺇﺫﺍ ﻏﻔﺎ ﺍﻟﺨﻠﻖ ﻭﺳﻜﻨﺖ ﺍﻟﺴﻴﺎﻁ}} .
الشهادة الدامية التي قدمتها الدباغ كتبت مقدمتها الحاجة زينب الغزالي وهي أحدى ضحايا نظام قمعي آخر لايختلف في شيء عن النظام الذي عانت تحت مقاصله هبة الدباغ ...
قالت الغزالي {{هﺬﻩ ﺳﻄﻮﺭ ﻣﻦ ﻛﺘﺎﺏ ﺍﻟﺤﻴﺎﺓ ﺍﻟﻤﻌﺎﺻﺮﺓ ٬ ﻋﺎﺷﺘﻬﺎ ﺻﺎﺣﺒﺘﻪ ﻭﺭﻓﻴﻘﺎﺕ ﺳﺠﻨﻬﺎ ﺃﻟﻤﺎ ﻭﻋﺬﺍﺑﺎ ٬ ﻭﻣﺮﺍﺭﺓ ﻭﺃﻫﻮﺍﻻ ﻳﺸﻴﺐ ﻟﻬﺎ ﺍﻟﻮﻟﺪﺍﻥ . .ﺇﻧﻬﺎ ﺳﻄﻮﺭ ﻛﺘﺒﺖ ﺑﺎﻟﺪﻣﻮﻉ ﻭﺍﻟﺪﻣﺎء ٬ ﻭﺍﻟﺴﻴﺎﻁ ﻭﺍﻟﻘﻬﺮ ﻭﺍﻟﻌﺬﺍﺏ ٬ ﺗﺤﻜﻲ ﻗﺼﺔ ﺍﻟﻈﻠﻢ ﺍﻟﻄﻐﻴﺎﻥ ﻓﻮﻕ ﺃﺭﺿﻨﺎ ﻭﻓﻲ ﺃﻭﻃﺎﻧﻨﺎ ﺍﻟﻤﺴﻠﻮﺑﺔ ﺍﻹﺭﺍﺩﺓ ٬ ﻭﺍﻟﺘﻲ ﻋﺸﻌﺶ ﻓﻴﻬﺎ ﺍﻟﻈﻠﻢ ﺯﻣﻨﺎ ﻃﻮﻳﻼ ﺣﺘﻰ ﺑﺎﺽ ﻭﺃﻓﺮﺥ ﻭﺻﺎﺭ ﻇﻠﻤﺎﺕ ﻓﻮﻕ ﻇﻠﻤﺎﺕ
ﻓﻤﺎ ﺃﻗﺴﺎﻩ ﻭﻣﺎ ﺃﺷﺪ ﻣﺮﺍﺭﺗﻪ ٬ ﺧﺼﻮﺻﺎ ﻋﻨﺪﻣﺎ ﻳﺘﺴﻤﻰ ﺍﻟﻈﺎﻟﻢ ﺑﺄﺳﻤﺎﺋﻨﺎ ٬ ﻭﻳﺄﻛﻞ
ﻣﻦ ﺃﺭﺿﻨﺎ ٬ ﻭﻳﺸﺮﺏ ﻣﻦ ﻣﻴﺎﻫﻨﺎ ! ﺛﻢ ﻳﻜﻮﻥ ﺃﺷﺪ ﻗﺴﻮﺓ ﻣﻦ ﺃﻋﺪﻯ ﺍﻷﻋﺪﺍء !ﻟﻘﺪ ﻗﺎﺳﻴﺖ ﻭﻋﺎﻧﻴﺖ ﻭﻋﺸﺖ ﻣﺮﺍﺭﺓ
ﺍﻟﺴﺠﻦ ﻭﺍﻟﺘﻌﺬﻳﺐ ﻓﻲ ﺳﺠﻮﻥ ﺍﻟﻄﺎﻏﻴﺔ ﻋﺒﺪ ﺍﻟﻨﺎﺻﺮ ٬ ﻭﻫﺬﺍ ﺍﻟﻜﺘﺎﺏ ﻫﻮ ﺻﻮﺭﺓ ﻣﺘﻜﺮﺭﺓ ﻭﻗﻌﺖ ﻓﻲ ﺳﺠﻮﻥ ﻃﺎﻏﻴﺔ ﺍﺧﺮ ٬ ﻭﻣﺎ ﺃﻛﺜﺮ ﺍﻟﻄﻐﺎﺓ ﻓﻲ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻌﺼﺮ . .ﻟﻜﻦ ﺍﷲ ﻳﻤﻬﻞ ﻭﻻ ﻳﻬﻤﻞ . .ﻭﻻ ﺃﺭﻳﺪ ﺍﻟﻤﺰﻳﺪ ٬ ﻓﻮﻗﺎﺋﻊ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻜﺘﺎﺏ ﺃﺑﻠﻎ ﻣﻦ ﺃﻱ ﺍﺳﺘﺰﺍﺩﺓ}}.
زينب الغزالي
أيام من حياتي
كتاب أيام من حياتي، لزينب الغزالي، وصف بأنه {{ جوهرة من جواهر أدب السجون}}، كتب هذا الكتاب بحروف من الآلام عاشتها وعايشتها الحاجة زينب الغزالي في سجون عبدالناصر و هو غيض من فيض ما لاقاه الإسلاميون في خمسينات وستينات القرن الماضي من تشريد واعتقالات وتعذيب... قرأته وأنا لا أزال في شرخ الفتوة ولا زال عالقا بذاكرتي .. ولازالت كبرى أحداثه بل الدقيق من تفاصيله عالقة في وجداني تحكي فيه الحاجة زينب الغزالي شذرات من سيرتها الذاتية {{في تلك الفترة وتجربتها مع الإخوان المسلمين وصلاتها ببعض القادة البارزين في الجماعة وبشباب الإخوان المسلمين، وتستعرض لنا سعيهم وأفكارهم خلال هذه الفترة من القرن الماضي، والطرق التي وضعوها لتحقيق هذه المساعي، وما حلّ بهم جراء السعي وراء هدفهم }}
تناولت الكاتبة في أيامها مأساتها السجونيةلتبين للقارئ حجم المعاناة والألم والتعذيب الذي لاقته في السجون مع غيرها من شباب الإخوان، {{فقد تعرضوا لكل أنواع السباب والإهانات والضرب والتجويع والاعتقال الفردي والتجريد من الملابس في بعض الأحيان، والتعذيب بشتى الطرق، ولتبين حجم الكراهية التي كان يحملها جمال عبدالناصر تجاهها وتجاه جماعة الإخوان،}}
اقسى مراحل الكتاب تكمن في رصدها الدقيق لمحاولات الاستمالة لها ولغيرها، مقابل الإفراج عنهم وهو نهج مشترك بين كافة أنظمة القمع والقهر .. الضرب في السويداء ثم تقمص دور الواعظ .. وهي نفسها سياسة العصا والجزرة .. ومسلك الأحتواء والإشتمال..
الكتاب مع مرور الزمن لايزداد إلا تألقا وبريقا.. وتزداد الشهادة صدقا مع تكرار التجربة في سجون أخرى وانظمة شتى متعددة شرقا وغربا شمالا وجنوبا...
حميدة قطب
رحلة في أحراش الليل
كتبت الأخت الفاضلة حميدة قطب عن تجربتها الأليمة في سجون مصر في قالب قصصي (رحلة في أحراش الليل) وأهدتها لأخيها الشهيد بإذن الله سيد قطب .. {{أخي الحبيب… سيّد إليك في عالمك العلوي الذي اصطفاك الله له ، بفضله سبحانه… أهدي هذه المجموعة القصصية الأولى ، تحكي قصة معاناة عشناها معاً ؛ والفضل فيها - بعد الله سبحانه - راجع إليك فأنا وما أنتج ما حييت - بفضل من الله - إنتاج من إنتاجك}}
انه الوفاء للشيخ المعلم المربي .. الذي غرس الفسيلة ثم مضى شامخا جسورا نبيلا .. رغم كل الويلات والمشقات والابتلاءات كتبت مجموعتها القصصية وقالت عنها {{لم يكن في نيتي طوال السنوات التي انطوت منذ انتهاء مرحلة من مراحل عهد القهر الكبير الذي ابتلي به المسلمون تُعد قمة من قممه الرهيبة ؛ ثم خروج من تَبَقّى في سجونه إلى عالم الأحياء ؛ لم يكن في نيتي أن أحكي شيئاً مما دار هناك في المجزرة ، فقد أحببت من كل قلبي أن أحتفظ بها لي ، ولنا عند الذي يقدر الأقدار ، ويزنها بقدرها.. . ولكن أصواتاً كثيرة عارضتني في أمر ذلك القرار ، وألحت علي أن أكتب وكان رأيها يستند أساساً إلى اعتبار أن التجربة - مع أنها شخصية - إلا أنها في الحقيقة ملك للمجموع ، خاصة هؤلاء السائرين في الطريق الوعر ، يعانون حتى الآن ، وحتى الغد الممتد في علم الله ؛ من أشواكه ودمائه وآلامه وآماله . هذه باختصار قصة هذه المجموعة وإخراجها من مخابئها العميقة في القلب إلى الوجود}}
هي نقل دقيق للتجربة ورواية للحكاية التي شهدت بعض التفاصيل من المجزرة الرهيبة هناك في سجن الليمان.. اضافت الكاتبة في مقدمتها {{ولست أدري - حقيقة - في أي خانة من خانات « الكتابة » أضعها ، فأنا حتى الآن ، وبعد أن أتممتها ، لا أستطيع أن أضعها يقيناً في تصنيف معين من تصانيف الأدب… بل أكثر من ذلك ، فإني لا أملك أن أقحمها على عالم الأدب أصلاً ! فقانون الأدب ذاته يدعوني أن أترك ذلك للمتَلَقّي ؛ يقيمها بما تحمل في كيانها من ملامح الأدب وشروطه الحقة ، ويضعها في الخانة التي تصلح لها}}… عن نقلها للوقائع ولتفاصيل ونتوءات القهر تقول {{والحق أنني لم أتدخل كثيراً في اختيار الثوب الذي تخرج فيه تلك الحقائق ، ولكني تركتها هي تملي عليّ ، وتتخذ طريقها الذي تريده من خلالي ! والحق أن أشد ما حرصت عليه في كتابتها كان هو الصدق ، صدق الحدث أولاً ، فهي تاريخ ، نعم ، فهي تحكي قطاعاً من مسيرة العمل الإسلامي بصوابه وخطئه ومعاناته .. وصفتها بأنها {{، تعبير إنساني عن « الإنسان » من خلال معاناة قد تكون ليست شائعة الحدوث لفرد إنساني أو أفراد }} وأنها {{محاولة للتعبير عن الإنسان المسلم ، بوجهته الخاصة ورؤيته الخاصة ومعرفته الخاصة بالله}}, لأن الكتابة عن عالم العتمة يدور بين الصمت والصبر والخوف والضعف قالت {{ في الكيان البشري أمر فطري مقبول مادام في حدوده المأمونة التي لا تسقط الإنسان في مهاوي الخطأ ، والألم في أعمق حالاته هو شعور إنساني نبيل ، ما لم يتخط حدود الألم إلى شفا الانهيار وقدرة الإنسان الإيمانية تقاس بمدى قدرتها على مقاومة هذا الضعف ، والتغلب على هذا الألم ثم الثبات بعده على الطريق ؛ وكلما ازداد الشعور بالألم وتم - رغم ذلك - الثبات على المعاناة ، كان الانتصار أقوى تحققاً من أجل ذلك قد آثرت أن أترك التعبير يأخذ طريقه إلى « الإنسان » كما هو ، بصدق كامل وبغير تزيين}} في مقدمة المجموعة القصصية تطرقت حميدة قطب لتصنيفها اذ تراوح التوصيف بين كونها قصة .. لأنها تحمل نفس القصة ولكن بلون اقرب للسيرة الذتية ... نترك لها مساحة لتحليل ماهية الرحلة التي قطعتها تحت جنح الليل واحراشه المظلمة..في قولها {{قلت إني لا أستطيع أن أصنف هذه المجموعة التي نطلق عليها تجاوزاً « قصصاً قصيرة » في خانة القصص فذلك موكول إلى المتلقّي الناقد ؛ وأنا لست بناقد ؛ … فقد يكون فيها ما يدخلها حقاً في باب القصص ، وقد يكون فيها ما يخرجها منها ؛ وقد يكون فيها ما يضعها في خانة السير الذاتية ، وقد لا تنطبق عليها شروط السير الذاتية بكاملها ؛ وهي قد تجمع بين ملامح القصة الطويلة والأقصوصة معاً ؛ وهي قد تخرج من ذلك كله إلى شيء آخر جديد… وهي قد تدخل ساحة الأدب من بابها الواسع وقد لا يقبلها أصلاً في رحابه أبرز شيء في ملامح هذه الأقاصيص - إن أعطيناها هذا الاسم ، ولو مؤقتاً - هو طغيان المساحة الداخلية بكل أنواعها - شعورية وفكرية وتخيلية - على الحدث كذلك ندرة الحوار « الديالوج » ؛ وقلة « التعامل » مع « الخارج » ويبدو لي أن هذا أمر منطقي مع طبيعة الوضع والموضوع الذي تعالجه هذه الأقاصيص ؛ ففي السجن عموماً ، بله « السجن الحربي » - وإن زدنا على هذه الوضعية ، أن الإقامة فيه بالنسبة لي كانت انفرادية أكثر الوقت –
فلا مجال إطلاقاً لكلمة الخارج إلا ما يتراءى في الخاطر ويهجس به القلب ! أي ما يأتي من الداخل}}
انها تباريح أسيرة تبوح فيها بما بين الجوانح من ذاكرة تحمل كل تشظيات الوجع... والوجع وحده هي الاقدر على وصفها
{{والسجين بين الجدران الأربع ، لا يدخل « الحدث » في حياته كثيراً ، بل لا يصادفه إلا نادراً !… والحدث في ذلك المكان كان يتمثل أساساً في ألوان التعذيب التي استعملت فيه بكثرتها وبشاعتها وتفننها في الإيلام ، وفي عدد ضحاياها ؛ ولم يكن هدفي في هذه الأقاصيص ، تسجيل ذلك رغم كل أهميته التاريخية ، وإنما كان هدفي الأكبر هو تسجيل حالة إنسانية ، للإنسان المسلم صاحب الطريق المتميز ، في مواجهة الحرب الحاقدة التي يشنها الباطل دوماً ضد الحق وتتعدد فيها الطرائق والسبل ؛ فتصل إلى درجات من التوحش تذهل العقل وتدمي القلب
في مقدمتها التي تناولنا شذرات منها لنقل نفس ومضمون المجموعة القصصية للأخت الفاضلة حميدة قطب رحمها الله لأنها من خلالها قالت كل ما يمكن لقلم ان يبوح به وهو بين جوانح الرحلة المؤلمة تحت جنح الظلام وفي احراش العتمة {{وفي السجن لا مجال للحوار ؛ غير الكلمات القلائل التي تفرضها مقتضيات العيش الضيقة أما ما يقع من نقاش أثناء دورات التحقيق التي استمرت عاماً كاملاً ، فلم يكن تسجيلها هدفاً من أهدافي أيضاً ؛ فلقد كان أكثره أقرب إلى الهزل الملفق... وإن كان من الأهمية بمكان أن يسجل فلقد كانت القضية كلها مهزلة كبرى}}
حسيبة عبد الرحمن
"الشرنقة
في سجون القهر العربية كانت المرآة .. تحت نير القهر وقيد الزنزانة الكاتمة للصوت .. وقد سقنا شذرات من معاناة المرأة التي سجنت واعتقلت لسنوات تقل أو تطول لأسباب سياسية ذات صلة بالتوجه الإسلامي .. ولأن السجون الخاضعة لمنطق الاستبداد كانت تطال كل الاتجاهات على اختلاف مشاربها نسوق هنا تجربة سجونية للمرآة التي اعتقلت على خلفية الانتماء لليسار...
حسيبة عبد الرحمان التي اعتقلت على خلفية انتمائها الأيديولوجي في سورية وهي تتحدث عن تلك الأيام العصيبة
تصف تجربة اعتقالها بأنها: {{"كانت أغنى تجربة أعيشها"
وتضيف:" إنها تجربة العالم السفلي}}..
تقول عن الشرنقة{{ بأن جميع أبطال الرواية دخلوا مستنقع تفاصيل السجن، و{{هذه من وجهة نظري قانون عام للسجناء أيا كان اتجاههم السياسي}}
وتتحدث حسيبة في روايتها عن السجن {{الذي له شروطه المكانية التي تؤثر على البنية، البيئة، النفسية، وعلى حركة السجناء وانعكاساتها في بنية كل سجين}}.
لتلخص تلك التجربة قائلة :{{" كان عليّ أن اكتفي بتناول ما يتعلق بالجانب الإيجابي من حياتنا الداخلية وبعلاقتنا اللاصراعية مع السجان، هكذا اعتادوا}}
وتشير حسيبة إلى أنها كتبت الرواية {{لأنها لا تريد أن ترمي تجربة السجن،بمرها وحلوها، وراء ظهرها، وأنها كانت مهتمة بالتفاصيل، وبأكثر الحالات النفسية سوءاً.
بأنها كانت تحرص على الصراحة في أن السجين هو ضد كل شيء.. ضد نفسه وضد الآخرين}}.
وتشبه حسيبة عبد الرحمن روايتها التي كتبت من السجن وعنه{{، كـ"البصقة" لرفعت السعيد، و"اللجنة" لصنع الله ابراهيم، وهي روايات حاولت الابتعاد عن الحياة الداخلية للسجن، "أي كاتب يحاول أن يبتعد عن الناس الأحياء عندما يكتب عن السجن"..}}
وتضيف بأنه عندما يكتب عن السجن، يكتب عن الجانب المضيء، مع أن ما ليس مضيئاً هو من حقائقنا.
في ورقة تعريفية بحسيبة عبد الرحمن كاتبة روائية سورية من مواليد 1956، {{وهي مجهولة في عالم الرواية، لكنها إحدى النساء اللواتي لهن تاريخ في عالم المعتقل السياسي، فقد خضعت لمجموعة من الاعتقالات، الأول كان عام 1987 وامتد إلى 1991 والثاني من 1994 / إلى 1995 وكان آخر اعتقال لها عام 1997 حيث أفرج عنها في الشهر الأخير من نفس العام}}
يحضر السجن والاعتقال وعندما يحضران ينبثق البوح.....
طافي ناز كاظم
عن السجن والحرية
من سنوات عديدة اطلعت على هذا الكتاب ما هو إلا تجميع لمقالات كتبتها صافي ناز كاظم في عدة موضوعات وفي مناسبات مختلفة وبالتالي فهو يفتقد لوحدة الأفكار والتسلسل ولكن لا بأس به للتعرف على جانب من مشاهد السجون من خلال تجربة الكاتبة في الثمانينيات. في إحدى تلك المقالات لا انسى رونق وجاذبية مقالها الذي تروي فيه عن لقائها بوالدة خالد الإسلامبولي... وايامه الأخيرة قبل الإعدام
الكتاب اختارت له عنونا سجونيا لافتا{{ عن السجن والحرية}}
وهو ما استدعاني لاستحضاره في هذه القطوف من كتابت المرأة عن السجن والاعتقال السياسي...
صافي ناز كاظم كاتبة إسلاميّة وصحفيّة كانت ذات يوم يسارية التوجه قبل ان تحسم امرها بالخيار الإسلامي الذي طبع {{كتاباتها وآرائها في الوسط الصحفي والثقافي، وهي حالة نسائية متفرّدة جمعت تجربة اليسار ثم الخيار الاسلامي {{من مواليد أغسطس عام 1937، حاصلة علي ليسانس الآداب قسم صحافة عام 1958، ثم علي الماجستير في النقد المسرحي من جامعةكانساس. قامت في سنة 1959 بإجراء مغامرة صحفية حيث قامت وهي لا تزال طالبة في الجامعة وعمرها 18 عاما بجولة في سبع دول أجنبية مع شقيقتها بطريقة الأوتوستوب ولم يكن معها إلا عشرون جنيها فقط، واستغرقت تجربتها سبعين يوما زارت خلالها لبنان واليونان، وإيطاليا وألمانيا وفرنسا وكتبت تجربتها المثيرة في حلقات نشرت في مجلة الجيل اعتقلت صافي ناز مرات عدة،{{ الأولي كانت عام 1973، والثانية عام 1975، أما المرة الثالثة فكانت عام 1981، في اعتقالات سبتمبر الشهيرة، كذلك منعت من الكتابة عام 1972، وأيضا في عام 1979. سافرت صافي ناز كاظم للعمل في العراق (هرباً من التضييق عليها في مصر لانتقادها النظام السياسي) ، فقامت بتدريس مادة الدراما بكلية الآداب – جامعة المستنصرية (1975- 1980م)، "
هي ذي شذرات من حياتها العاصفة التي كانت تتخللها اعتقالات سياسية في مراحل مختفلة من العمر....
الكتاب هو جملة من {{حكايات وذكريات وخواطر أدبية واجتماعية وسياسية بأسلوب جميل وكلمات مختارة بعناية}}
كان فيها هجس السجن حاضرا ولون الحرية أملا... ومطلبا أقوى وأجرأ فصول الكتاب هو الذي تتحدث فيه الكاتبة عن حوارها مع أم خالد الإسلامبولي المتهم بقتل السادات. رغم ان قراءتي لكتاب الذي يتضمن المقالات عن السجن والحرية من زمن بعيد إلا انه احتل في ذاكرتي مكانة لاتنسى رغم فوضى العناوين والقراءات هنا وهناك......
هكذا هو أدب السجون ما بين الرواية التي تربع على عرشها وكان لها الصدارة في كل حديث عنه.. او في القصة القصيرة .. او الخواطر السجونية او المذكرات والسير الذاتية والغيرية ...
رغم كل ما كتب قبل الربيع العربي بعقود وبعد ه والشعوب قيد الحرية
لا يزال ما كتب عن السجون وعوالمها المغلقة نزرا يسيرا ان قورن بأثقال من جبال القهر والقمع والعنت والمقت والسجون...
ولأن للحرية اطلالة عابرة فقد شهدنا بعد سنتين من انبثاق فجر الربيع العربي وطوفانه الهائل الباهر .. ما يشبه بالإجهاض عن عمد لهذا لجنين الذي ولد ولادة قيسرية ...و لم تسعفه الشهور التي تنسم فيها الهواء ان يقوى عوده أو أن يشتد ويخرج من المهد....
وهكذا شهدنا عودا جديدا للاستبداد باشكال ووجوه متعددة توذن بأزمنة مديدة قادمة من أدب السجون الذي تكتب صفحاته الآن في السجون للعبرة رغم القهر والألم من المحيط الى الخليج...
لعل قادم الأيام يمكّنه من الخروج من الشرنقة والقوقعة الى العلانية وهي المتاهة مرة أخرى أوالاخدود الكبير للحرية والأحرار......
{{يتبع بمقالة أخيرة هي الجزء الرابع...}}
وسوم: العدد 812