أدب السجون قبل وبعد طوفان الربيع العربي 2
الحلقة الثانية
نواصل رحلة الكتابة عن أدب السجون ... بما فيه من وجع ونحن نتفيأ ظلال الربيع العربي الذي فتح الباب على مصراعيه لتعاد رواية قصة وحكاية الوجع بكل ألوانها... منها ما كانت ذات ألم ووجع لكنها كانت تروى كحكايات لاتنسى لمن بذلوا التضحيات لترتفع شجرة الحرية في السماء باسقة بطلعة بهية
أثبتت لنا تلك المنعطفات الكبرى ما بين 2011 و2014 كم هي عزيزة هاته الحرية وغالية
ذلك أن الحرية وإرادة الحياة توأمان
وعلى ما في أدب السجون من غصص حرار إلا انه يشكل الوثيقة الأكثر شهرة لكل الانتهاكات الشنيعة في سجون السر والعلانية
وهذه شذرات من ذلك الهطول
سوق أدب السجون في أوجها مع منعطف الربيع العربي
مع إنبثاق فجر الحرية .. وسقوط الأنظمة المستبدة التي سقت شعوبها وأحرارها الغصص الحرار.. على مدى عقود طويلة سادت فيها لغة القهر وجو القمع وهيمن عليها الطابع البوليسي .. كان لزاما على ساكني العتمات أن يخرجوا منها.. ليعانقوا الحرية ..
وكان من الطبيعي ان تنتعش أجواء الحرية بعقد الندوات والمؤتمرات تناقش وتميط اللثام عن عهود من العسف والظلام...
في هذا المنعطف اللاحب كان للرواية والبوح بكل انماطه وفنونه حضور باهر واستطاعت الرواية أنتكون لها الكلمة والبصمة المؤثرة في هذه الواجهة الجديدة
هكذا وجدنا قفزة نوعية لأدب السجون .. فقد أصبحت سوقه رائجة
وكتبه مطلوبة ... وفنونه ذات بهجة وإن نقلت بين جوانحها من الألم والوجع الشيء الكثير والكثيف...
إبان معرض الكتاب الدولى في القاهرة و ضمن أجواء الفرحة بانتصار الثورة قال الدكتور محمود الضبع، وهو رئيس هيئة دار الكتب والوثائق القومية
{{معرض القاهرة الدولي للكتاب، في دورته الـ48 شهد مشاركة دور نشر عربية متنوعة بـ29 رواية حول «أدب السجون» أعيد طباعتها، بينما أصدر دار الشروق الطبعة الأولى لعمل جديد للكاتب الصحفي أحمد خير الدين....}}
ثم عدّد تلك الأعمال بعناوينها وكتابها ومطابعها...
كان ذلك أول الغيث ...
أبرزها: «العين ذات الجفن المعدنية» للمصري «شريف حتاتة»، و«القطار» لصلاح حافظ. وفي الوطن العربي كانت له موطئ قدم بارزة ففي فلسطين، صدرت رواية «العسف» للكاتب «جميل السلحوت»، وكتاب «أيام الرمادة، حكايات خلف القضبان» للكاتب نواف العامر، وبضع روايات كتبها الأسير عبد الله البرغوثي......
كلها روايات عن ادب السجون تنضاف لما صدر في العقدين الأخيرين قبل الربيع العربي كروايات «القوقعة» للسوري مصطفى خليفة، و«أحباب الله» للتونسي كمال الشارني، و«يا صاحبي السجن» للأردني أيمن العتوم، و«الكراديب» للسعودي تركي الحمد، ورواية السيرة المزدوجة للزوجين العراقيين رفعت الجادرجي وبلقيس شرارة بعنوان: «جدار بين ظلمتين».
شكلت بعض هذه الشهادات الأدبية وثائق رصدت كافة أساليب التعذيب ووسائله، كما فعل المعتقل السياسي السابق «فرج بيرقدار» في كتابه «خيانات اللغة والصمت»،{{ إذ خصص فصلاً كاملاً عدد فيه جميع وسائل التعذيب التي نسمع بها مثل «الدولاب والكرسي الألماني»، شارحاً كيف يتم التعذيب في كل واحدة منها}}
من أبرز روايات ادب السجون في منعطف الربيع العربي
"برج الرومي".. ذاكرة سجين إسلامي
في رواية"برج الرومي"، يروي سمير ساسي كل تفاصيل "الانتهاكات الوحشية" التي تعرض لها ورفاقه في فترة اعتقال استمرت عشرسنوات، ويفضح " فيها كل أساليب التعذيب القاسي والمنهجي" الذي كان يمارس في عهد الرئيس المخلوع بن علي.
و قد لقيت الرواية، رواجا كبيرا في تونس، وهي أول رواية تونسية{{ يتم إصدار ثلاث طبعات منها في ثلاثة أشهر ونصف، وقد شرع الناشر في طبع النسخة الرابعة}}
اذ انها شهدت النور مع انبثاق طلائع فجر الربيع العربي من تونس
"برج الرومي"، الرواية التي تم حظر بيعها قبل ثورة 14 يناير/كانون الثاني تعتبر أول عمل روائي يصدر في البلاد يروي تفاصيل التعذيب الذي طال المعتقلين السياسيين في تونس، منذ الإطاحة بابن علي الذي حكم تونس طيلة 23 عاما.
وتحمل الرواية اسم أشهر السجون التونسية وأسوئها سمعة "برج الرومي"، لما مورس فيه من تعذيب وتجاوزات غير إنسانية. ويقول سمير ساسي قال عنها{{ "الأجواء داخل السجن كانت تفرض علي أن أضع تفاصيلها، ليقف القارئ على حجم المعاناة وحتى تظل هذه التجربة المريرة راسخة في الذاكرة وترتقي إلى مصاف التجارب الإنسانية}}".
ويضيف عن هذه الفترة: {{"هي تجربة قاسية جدا انطلقت خلال الأيام الأولى للاعتقال بوزارة الداخلية، حيث مورست علينا أنواع من التعذيب لا يمكن تخيله، واستمرت داخل السجن". وشبه بعض الانتهاكات بما كان يحصل في سجن "أبو غريب" في العراق بعد سقوط نظام البعث}}.
ويروي السجين السابق كيف كان السجانون يجبرون المعتقلين على {{"مفاحشة بعضهم بعضا"، وتكبيل الجسد في كتلة طيلة ساعات كما "الدجاج المشوي"، والضرب وحمام الماء البارد والحرمان من النوم والشتم والحرق ببقايا السجائر}}.
ويحكي كيف إنهم كانوا يتفننون في طرق التعذيب النفسي، ومن بينها "تجريد السجين من الثياب أمام زوجته أو أمه"، والأمر ذاته كان يطال الزوجة "إن لم ينصع السجين إلى أوامر السجان"، "من الصعب محوها من المخيلة".
وكلها ألوان متعددة لمعاناة السجون التي لاتنتهي...
يقول المنذر الشرياني المحامي والناشط في الدفاع عن ضحايا التعذيب {{إن كل أساليب الانتقام والتعذيب كانت مسموحة ضد الخصوم السياسيين، رغم أن القوانين الدولية تعطي لهم أفضلية وامتيازا لأنهم يدخلون السجن بسبب أفكارهم}}.. وقد وثقت رواية برج الرومي لكل تفاصيل تلك الانتهاكات الجسيمة.
سجن برج الرومي الذي حمل عنوان الرواية بناه الاستعمار الفرنسي لتعذيب المقاومين لاستعماره، ثم بعد الاستقلال ورثته السلطات التونسية وبدأت تنكل بمعارضيها.
ما اشبه اليوم بالبارحة ففي الامس البعيد كان المستعمر يبني سجونه للقمع والقهر ثم ورثها بنو جلدتنا ليواصلوا إبادة الانسان واهذار آدميته وقهره..
يسمعون حسيسها
رواية غيرية يروي فيها أيمن العتوم مأساة لمعتقل عاش في جهنم {{ التي يمكن أن تتخيلها فقط عندما }}تقرأ رواية عنوانها "يسمعون حسيسها" ، تعيشها بلظالها وحرها وزمهريرها وعذاباتها المهولة.
انها جنهم فوق ارض سوريا بل في بقعة منها في السجن العتيد تنضاف لمعاناة آلالاف المارين من لظى المعتقلات في عهد الأسد {{ابنا وأبا..}}.
العتوم في الرواية يصوغ شهادة الطبيب إياد سعد (السارد) رواية تكشف حجم المأساة، فتتحول الشهادة (الرواية){{ تقريرا صحفيا، بل عملا أدبيا رغم ما بين جنباتها من وجع رهيب في سجن تدمر... يرويها احد الناجين منها.
.
17 سنة قضاها سعد وكثير من رفاقه في المعتقل بشبهة تهمة انتماء إلى الإخوان المسلمين}}
رواية سلطت الضوء مرة أخرى على عتمات السجون في تاريخ سوريا، داراكولا مصاص الدماء وجناياته على البشر والإنسانية وبشاعة المستبد
رواية أنشودة البرد والحرية
الكاتب السوري "سمير قنوع" في روايته عالم السجن، يقارب هذه الأمكنة المغلقة بما فيها من أسرار وانتهاكات.. العجيب أنه رصد تجربة سجونية مؤلمة ورصيده من عالم العتمة لايتعدى الأيام الثلاثة. صور فيها بدقة مراحل السجن والدخول لهذا العالم أولا في الحجز وهي الضيافة بقسم الشرطة، وللضيافة هناك لون الذل ثم مكاتب بلون العتمة عند {{ التحقيق الأولي}}، ورحلة الذهاب إلى المحكمة، وفيها رصد لعدة مظاهر تشكل الوجع والانتهاك الآدمي خاصة في أمكنة يصعب ان تتحقق فيها أي عدالة أو أن ينطق فيها أي ضمير من خلال رصد عمليات التفتيش الدقيقة التي تجري للمتهمين ...
الرواية {{تقدّم صورة عن الفساد المستشري في ذلك المكان المعتم، صورة مصغّرة عن واقع أكبر يقع خارج القضبان في بلاد يحكمها قانون "الرشوة}}
انها شهادة من عالم العتمة بلون آخر بعيد عن السياسة من جهة قريب منها من كل الجهات الظاهرة والغابرة..
زغرودة الفنجان لحسام شاهين
زغرودة الفنجان لحسام شاهين وأدب السّجون
صدرت عن دار الأهلية للنّشر والتوزيع في العاصمة الأردنيّة الطبعة الأولى لرواية "زغرودة الفنجان" للأسير الفلسطيني حسام زهدي شاهين
- إعتقل العام - 2004، وحكم عليه 27 عاما
داخل السجن- كتب روايته هذه "زغرودة الفنجان
يقول جميل سحلوت في مقالة له عن الرواية {{التقط حسام شاهين اسم روايته من الصّوت المنبعث عن صبّ فنجان القهوة من الدّلّة النّحاسيّة، والذي يشبه صوت الزّغرودة}}
و أضاف {{أحداث الرّواية ترتكزعلى الصّراع مع المحتلّ، فهناك مقاومون وهناك محتلّ يحارب المقاومة بجبروته وقوّته وتعدّد أساليبه، ومنها تجنيد عملاء لرصد حركات ومخطّطات المقاومين، وللاحتلال أساليبه في اسقاط المتعاونين معه، ترتكز في غالبيّتها على المال والجنس وحبّ الانتقام في التّربية العشائريّة}}
تشكّل هذه الرّواية إضافة جديدة للمكتبة الفلسطينيّة والعربيّة، وللمهتمين بأدبيّات السّجون....
ادب السجون في الواجهة الجديدة للربيع العربي
{{عمر السجن ما غير فكرة}}.. كان هذا الهتاف يتردد في الوقفات الاحتجاجية بعد ثورة 25 يناير... فقد ظلت السجون تلقي بظلالها على المشهد بعد فترة غير قليلة من الربيع العربي... وفي مخيال الثوار والأحرار ذلك السجن الذي يروم به الطغاة اسكات كل صوت حر عبر السوط الذي يكرس القهر
كان انتعاش ادب الحرية والسجون في أجواء فريدة من نوعها مع احساس مدهش يتولد من الشعور بذهاب أيام الطغاة وليالي السهاد لهذا قال عن هذا المنعطف مدير دار الشروق، «أحمد بدير»: «المناخ السياسي العام منذ ثورة يناير عام 2011، يستدعي الشباب والمثقفين للاهتمام بما يوجد خلف القضبان .. وقد كان المنعطف الكبير مغريا باعدة نشر كل الإصدارات التي مرت وتطرقت لمعاناة السجون وأدوات القهر والقمع في معتقلات السر والعلانية....
ذلك ان نسائم الربيع العربي عندما هبت انتشرت في كل الأقطار العربية
التي عانت طويلا من كل ألوان المقت السجوني...
في هذا المنعطف ومع انفراجة ادب السجون الكبرى التي أنعشته وأمدته بالحياة من نبض تلك الثورات المنادية بالحرية وإرادة الشعوب في ان تسقط أنظمتها المستبدة ..
و هكذا تعددت الفنون التي تطرقت للسجون والمعتقلات ليس غريبا ان تكون في تلك الفترة مشاهد اشبه ما تكون بالسباق الادبي بين دور النشر اذ أصدرت دار النشر «الشروق» أحد أهم إصدارتها القصصية لأدب السجون، للكاتب الصحفي «أحمد خير الدين»، والتي تتناول مجموعة من القصص الإنسانية داخل «عربة الترحيلات» للتتعبها بعدد كبي من اصداراتها السابقة التي جدد الربيع العربي فيها الحياة ومنحها مساحة جديدة كبرى لتعود من جديد كأنما هي وليدة اللحظة
في روايته تلك نجح الكاتب «خير»{{ في أن يلتقط بمهارة عدة لقطات شديدة الإنسانية ربما لم ينتبه إليها من قبل من خلال مشهد الترحيلات.. بما تحمله من ذاكرة سجونية موغلة في القساوة.. فعربة الترحيلات سجن متنقل تصحبه مشاعر شتى من القهر والذل}}.
كما أعادة الشروق إصدار رواية «فرج» للكاتبة رضوى عاشور، وصدرت الرواية في 2008، وتقدم رضوى في هذه الرواية سيرة ندى عبد القادر،{{ الفتاة المناضلة المثقفة التي تواجه السجن عبر ثلاثة أجيال، أبوها، ثم هي نفسها، ثم أخوها الذي كان في عمر ابنها، وبذلك تعرض رضوى مختصر 60 عامًا لحكايات مثقفين واجهوا السجون والسلطة}} وقد عرفت رضوى بنفسها الطويل في كتابة من لون فريد ارتبطت بمعاناة السجون ومعتقلاتها المظلمة...
كما قامت دار الهلال بإعادة إصدار رواية «شرف»، لـ«صنع الله إبراهيم»، ويدخل شرف – بطل الرواية –{{ السجن بعد أن قتل سائحًا أجنبيًا حاول الاعتداء عليه، وعبر 4 فصول يستعرض الكاتب اليساري الحياة داخل السجن وطريقة تعامل السجناء مع بعضهم البعض، والتأثيرات السياسية المختلفة من عبد الناصر للسادات على المصريين.}} الرواية احتلت المركز الثالث في قائمة أفضل الروايات المصرية،{{ و قد سبق ان صدرت عام 1997 عن دار الهلال}}.
في نفس السياق قامت المؤسسة العربية للنشر بإصدار رواية «يا صاحبي السجن» للروائي الأردني أيمن المعتوم، صدرت عام 2012، يروي فيها الفترة التي قضاها في سجون الأردن في مطلع التسعينات، كما يناقش الأحداث والقضايا السياسية للأردن آنذاك....
لهذا لا مناص ان نميط اللثام عن المشهد الكبير في تلك المرحلة وهو يشبه الى حد كبير العرس الادبي من خلال تصريح المسئول الإعلامي لـ«المؤسسة العربية للنشر» ضي عباس، الذي اكد {{أن الرواية السجونية عليها إقبال كبير في الوطن العربي بعد انتهاء ثورات «الربيع العربي»، وحققت نجاحا كبيرا}}
تجلت تلك النجاحات في الاقبال على ادب السجون في المعارض الدولية للكتاب ثم في عدة ندوات ومؤتمرات عقدت هنا وهناك وكان موضوعها عن ادب السجون....
يقول الكاتب والباحث يوسف زيدان في احدى حواراته{{ إن للتطور السياسي والثوري بالوطن العربي له تأثير كبير على تطور النتاج الأدبي وتطور وعي الشباب الثقافي، مشيرا إلى أن رواية فرج للكاتبة رضوى عاشور، حققت أرباحا مرتفعة بعد ثورة 2011 رغم إصدارها عام2008م }}.
بينما يرى أستاذ النقد الأدبي، مدحت الجيار،{{ أن ما فعلته ثورة 25، هو إعادة صياغة الوعي الاجتماعي والسياسي والثقافي، وما ترتب عليه هو انتشار الأدب السياسي وضمنه «أدب السجون}}
في ذروة الربيع العربي و خلال السنتين شكلتا تجربته الكبرى في عالمنا العربي تحركت فيها الأقلام لتكتب والمطابع لتطبع ثم تنشر اصداراتها جديدة وقديمة أعيد إحياؤها لتواكب مشهد الحرية من جديد...
كان ادب السجون لونا فريدا رغم ما اكتنف الربيع العربي من البدايات من كبوات كبرى ...
كانت ثورات الربيع العربي صرخة غايتها البلاغ...
من تونس انطلقت الشرارة ربما من لحظة احتراق البوعزيزي التي أحيت كلمات أخرى كانت منسية للأديب التركي ناظم حكمت {{ إذا لم أحترق ولم تحترق فمن يضيء ظلمات العالم ؟}}
ثم انتقلت الشرارة الى مصر وليبيا واليمن والشام...
رغم كل ما بذل من أجل الحرية لازالت شجرة الحرية شديدة الظمأ........
وسوم: العدد 812