مصادر التنظير للأدب الإسلامي : المصدر الثاني

أ- السنة النبوية الشريفة (الأحاديث)

وسنة الرسول صلى الله عليه وسلم، هي التفصيل الأمين لمجمل القرآن الكريم، فما لم يُفصل من القرآن الكريم توضحه أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم، وفي قضية الأدب والشعر بشكل خاص جاءت أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم لتفصل الأمر في مجموعة من الأحاديث التي وجهت المعركة الأدبية التي كان يقودها الشعراء الصحابة ضد الشعراء المشركين، في (المرحلة المدنية) وفي هذه الأحاديث ما يكفي للإجابة على كثير من الأسئلة التي تطرحها نظرية الأدب أو نظرية الشعر كنوع أدبي متميز، وخاصة ما يُهم قضايا: غايات النظرية الأدبية وتفسير الظاهرة الأدبية، الالتزام في الأدب، قيمة الأدب وأثره في الحياة الإنسانية، ويمكن تصنيف الأحاديث الشريفة في قضية الأدب وبخاصة في فن الشعر إلى نوعين:

1- النوع الأول: وهو الذي يتناول قضية الشعر وتفاصيلها بشكل خاص ومباشر.

2- النوع الثاني: وهو الذي يتناول خطر الكلمة وأثر البيان وقيمة البيان والأدب بشكل خاص ومسؤولية الكلمة، ويمكن للسنة (الأحاديث) أن تكون مادة غنية للمنظر الأدبي، إذا جمع بين سعة الأفق والخبرة الكافية، في إدراك مقاصد النظرية الأدبية وأحسن الاستقراء والاستنتاج منهما، وسنفصل ذلك في المرحلة المدنية، وهي الوثيقة الشرعية الثانية بعد القرآن الكريم.

ب- الأحاديث الشريفة التي وجهت (قضية الشعر في المرحلة المدنية)(1)

أما الأحاديث الشريفة، التي فصلت مقاصد سورة الشعراء وخصصتها فهي كثيرة، والنبي ليس شاعراً، ولا يشبه حال الشعراء، لأن النبوة تنافي الشعر، كما بينّا سابقاً، وأحاديثه عليه السلام هي تشريع لشعراء الأمة وتفصيل لمقاصد القرآن الكريم في هذا المضمار، ويمكن تصنيفها في هذا المجال إلى نوعين:

1- النوع الأول: وهي الأحاديث التي فصلت مقاصد آيات سورة الشعراء، ووجهت شعراء الدعوة للنهوض بالفن الشعري خدمة لدين الله سبحانه وتعالى، كقوله عليه الصلاة والسلام:

1- عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ما قالت الشعراء بيتاً هو اصدق من قولهم إلا كل شيء ما خلا الله باطل)(2) حديث صحيح

2- عن أبي البراء قال: قال رسول الله عليه وسلم لحسان (اهج المشركين فإن جبريل عليه السلام معك)(3) حديث صحيح.

3- عن أنس بن مالك، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (جاهدوا المشركين بأنفسكم، وأموالكم، وألسنتكم) (4). حديث صحيح

4- عن البراء، قال: (رأيت سول الله صلى الله عليه وسلم ينقل التراب يوم الأحزاب وقد وأرى التراب بياض إبطيه وهو يقول:

والله لولا أنت ما اهتدينا ولا تصدقنا ولا صلينا......)(5) حديث صحيح.

5- عن أُبي بن كعب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إن من الشعر حكمة)(6) حديث صحيح.

6- عن سماك قال: قلت لجابر بن سَمُرة أكنت تجالس رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: نعم، فكان طويل الصمت، قليل الضحك، وكان الصحابة يذكرون عنده الشعر، وأشياء من إليهم، فيضحكون، وربما تبسم صلى الله عليه وسلم)(7) حديث صحيح.

7- عن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (اهجوا قريشاً فإنه اشد عليهم من رشق النَّبل، فأرسل إلى ابن رواحة، فقال اهجهم، فهجاهم، فلم يُرضِ، فأرسل إلى كعب بن مالك، ثم أرسل إلى حسان بن ثابت، فلما دخل حسان، قال: قد آن لكم ان ترسلوا إلى هذا الأسد الضارب بذنبه، ثم دلع لسانه، فجعل يحركه، ثم قال: والذي بعثك بالحق، لأفرينهم به فَرْي الأديم، فقال: رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تعجل، فإن أبا بكر أعلم قريش بأنسابها، وإن لي فيهم نسباً، حتى يُخَلِّصَ لك نسبي، فأتاه حسان، ثم رجع، فقال: يا رسول الله، قد خَلِّصَ لي نسبك، والذي بعثك بالحق، لأسلنك منهم كما تُسل الشعرةُ من العَجين)(8) حديث صحيح.

8- عن عبد الله بن عمرو قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (الشعر بمنزلة الكلام، حسنه كحسن الكلام وقبيحه كقبيح الكلام(9) حديث صحيح.

9- عن عائشة قالت: كان رسول الله يضع لحسان منبراً في المسجد، يقوم عليه قائماً، يفاخر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أو قال ينافح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويقول رسول الله صلى الله عليه وسلم (إن الله يؤيد حسان بروح القدس ما يفاخر أو ينافح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم)(10) حديث صحيح.

10- عن بريدة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (من قال في الإسلام شعراً مقذعاً فلسانه هدر)(11) حديث صحيح.

11- عن أبي صالح قال: قيل لعائشة رضي الله عنها: إن أبا هريرة يقول: (لأن يمتلئ جوف أحدكم قيحاً خيرٌ من أن يمتلئ شعراًَ) فقالت عائشة رضي الله عنها: يرحم الله أبا هريرة، حفظ أول الحديث ولم يحفظ آخره، إن المشركين كانوا يهاجمون رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: لأن يمتلئ جوف أحدكم قيحاً خيرٌ من أن يمتلئ شعراً من مهاجاة رسول الله صلى الله عليه وسلم)(12). حديث صحيح

ونلاحظ أن هذه الأحاديث، التي اخترنا منها ما لم يتكرر، كلها تركز على اهتمام الرسول عليه السلام بالشعر وتوجيه الشعراء للأخذ بمعاني آيات سورة الشعراء، وحيث أخذ الرسول على عاتقه قضية الأشراف على تدريب الشعراء، وتوجيههم إلى معالم الطريق التي يريدها الله سبحانه من هذا الفن، إنها مرحلة توجيه الأدب للالتزام بمبادئ الدعوة، وأجرهم في ذلك على الله سبحانه وتعالى ونلاحظ أن التشريع للحياة وضبطها، هو من سمات المرحلة المدنية، لأنها مرحلة تقنين حياة المجتمع الإسلامي وضبطه على شريعة القرآن الكريم بعد أن استقامت عقيدته لله في المرحلة المكية.

أما الحديث الأخير وغيره من الأحاديث (لأن يمتلئ جوف أحدكم قيحاً....) فقد أوضحه علماء التفسير، وتبينت مقاصده في تربية الأمة، قال الإمام القرطبي (13/151) من تفسيره: وهذا الحديث، أحسن ما قيل في تأويله (أنه الذي غلب عليه الشعر وامتلأ صدره منه، دون علم سواه، ولا شيء من الذكر، ممن يخوض في الباطل، ويسلك مسالك لا تحمد له كالمكثر من اللفظ، والهذر والغيبة، وقبيح القول، ومن كان الغالب عليه الشعر، لزمته هذه الأوصاف المذمومة الدنية لحكم العادة الأدبية)(13).

وقال أبو عبيد في (غريب الحديث): (ولكن وجهه عندي أن يمتلئ قلبه من الشعر حتى يغلب عليه، فيشغله عن القرآن، وعن ذكر الله، فيكون الغالب عليه من أي الشعر كان، فإذا كان القرآن والعلم الغالبين عليه، فليس جوف هذا عندنا ممتلئاً شعراً)(14).

وقال الحافظ في الفتح (10/550):(مناسبة هذه المبالغة في ذم الشعر، أن الذين خوطبوا بذلك، كانوا في غاية الإقبال عليه والاشتغال به، فزجرهم عنه، ليقبلوا على القرآن الكريم، وعلى ذكر الله تعالى، وعبادته، فمن أخذ من ذلك ما أمر به، لم يضره ما بقي عنده مما سوى ذلك)(15).

ومما يؤكد هذه المعاني التي ذهب إليها العلماء هو أحاديث الرسول عليه السلام في النوع الثاني.

2- النوع الثاني: وهي الأحاديث التي تكلم فيها الرسول عليه السلام عن أَهمية الكلمة وخطرها، ومنها قوله صلى الله عليه وسلم:-

1- عن ابن عباس رضي الله عنهما: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن الذي ليس في جوفه شيء من القرآن، كالبيت الخرب)(16) حديث صحيح.

2- عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعاً لما جئت به)(17) حديث حسن صحيح.

3- قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن الله تجاوز لي عن أمتي الخطأ والنسيان، وما استكرهوا عليه، ما لم تعمل به أو، تتكلم)(18) حديث صحيح.

4- وقوله عليه السلام في حديث طويل عن معاذ بن جبل رضي الله عنه (وهل يكب الناس في النار على وجوههم.. أو قال على مناخرهم - إلا حصائد ألسنتهم)(19) حديث صحيح.

5- عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:

(إن أخوف ما أخافه على أُمتي كل منافق عليم اللسان)(20) رواه احمد.

6- وعن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

(من تعلم صرف الكلام ليَسْبِيَ قلوب الرجال أو الناس لم يقبل الله منه يوم القيامة صرفاً ولا عدلاً)(21) أبو داوود.

وسوم: العدد 820