بَرَاعَةٌ لُغَوِيَّةٌ فَائِقَةٌ
من آثار ظاهرة النص القصيرِ البراعةُ اللغوية الفائقة، أي أن يجدَه متلقُّوه قد بلغ من تحديد العناصر اللغوية وترتيبها وتهذيبها، ما لا زيادة عليه لمستزيد، حتى إنهم ربما حاولوا ذلك، فعجزوا، واعترفوا بالإتقان لصاحب النص القصير، الذي اضطُرَّ إلى مَضايقه، ثم خرج منها سالمًا ظَافِرًا!
هذا نص قصير يعبر عن اشتباه الكائنات بالمحبوب المفتقد، بثمان وثلاثين كلمة، في ثلاث عشرة جملة، على ثلاثة أبيات:
أَجَلْ أَنْتِ لَا بَلْ أَنْتِ لَا فَمَنِ الَّتِي تَخَاطَفُ ظَنِّي كُلَّمَا كِدتُّ وَلَّتِ
تَمَثَّلْتَها يَا سِرُّ مِثْلِي فَمَا أَرَى سِوَاهَا فَهَلَّا الْتَعْتَ لِي مِثْلَ لَوْعَتِي
فَمَاذَا تَرَى أَلَّا أَرَى غَيْرَ مَا تَرى تَلِفْتُ وَلَكِنْ لَمْ يَزَلْ بِي تَلَفُّتِي
أما أبيات هذا النص القصير الثلاثة، فطويليّة الأوزان الوافية المقبوضة الأعاريض والأضرب، تائيّة القوافي المكسورة المجردة الموصولة بالياء:
1) أَجَلْ أَنْـ-- ددن دن، فعولن، سالمة،
2) ـتِ لَا بَلْ أَنْـ-- ددن دن دن، مفاعيلن، سالمة،
3) ـتِ لَا فَـ-- ددن د، فعول، مقبوضة،
4) ـمَنِ الَّتِي-- ددن ددن، مفاعلن، مقبوضة،
5) تَخَاطَـ-- ددن د، فعول، مقبوضة،
6) ـفُ ظَنِّي كُلْـ-- ددن دن دن، مفاعيلن، سالمة،
7) ـلَمَا كِدْ-- ددن دن، فعولن، سالمة،
8) تُ وَلَّتِ-- ددن ددن، مفاعلن، مقبوضة، والقافية: وَلَّتِ.
9) تَمَثَّلْ-- ددن دن، فعولن، سالمة،
10) ـتَها يَا سِرْ-- ددن دن دن، مفاعيلن، سالمة،
11) رُ مِثْلِي-- ددن دن، فعولن، سالمة،
12) فَمَا أَرَى-- ددن ددن، مفاعلن، مقبوضة،
13) سِوَاهَا-- ددن دن، فعولن، سالمة،
14) فَهَلَّا الْتَعْـ-- ددن دن دن، مفاعيلن، سالمة،
15) ـتَ لِي مِثْـ-- ددن دن، فعولن، سالمة،
16) ـلَ لَوْعَتِي-- ددن ددن، مفاعلن، مقبوضة، والقافية: لَوْعَتِي.
17) فَمَاذَا-- ددن دن، فعولن، سالمة،
18) تَرَى أَلَّا-- ددن دن دن، مفاعيلن، سالمة،
19) أَرَى غَيْـ-- ددن دن، فعولن، سالمة،
20) ـرَ مَا تَرى-- ددن ددن، مفاعلن، مقبوضة،
21) تَلِفْتُ-- ددن د، فعول، مقبوضة،
22) وَلَكِنْ لَمْ-- ددن دن دن، مفاعيلن، سالمة،
23) يَزَلْ بِي-- ددن دن، فعولن، سالمة،
24) تَلَفُّتِي-- ددن ددن، مفاعلن، مقبوضة، والقافية: لَفُّتِي.
قد جرت في أوزانها وقوافيها جميعا، على نحو عروضي معروف مألوف لا خلل فيه ولا ثقل. ولم تكن القوافي أقدر على التراكيب اللغوية من الأوزان؛ ففي حين استولت قافيتا البيتين الأولين، على تركيبيهما اللغويين المستقلين (66.66%)، استولت ثلاثة الأبيات كلها، على تراكيبها اللغوية المستقلة (100%)، وإن لم تستول على مثلها من داخلها تفعيلاتُها الأربع والعشرون غيرَ ثماني مرات (12، و13، و17، و18، 21-24-- 33.33%)!
والطويل وزن كثير الاستعمال من قديم إلى حديث، لا يفتأ يُخْطِرُ لمستعمله أمثلته التي لا تحصى، أما التائية المكسورة المجردة الموصولة بالياء فقافية أكثر حديثًا منها قديمًا، قد اختارهما صاحبُ هذا النص القصير، ليزيد بهما دلالته على اشْتِبَاهِ الكائنات بالمحبوب المفتقد، من غير تَشَابُهٍ!
وأما جمل هذا النص القصير الثلاث عشرة -ومتوسط كلمات الواحدة منها "2.92"- فقد تَنَمَّطَتْ كلٌّ منها بمنزلة أركانها من التعريف والتنكير، على النحو الآتي:
1) ضمير مخاطبة ومحذوف-- أَجَلْ أَنْتِ،
2) حرف جواب ومحذوفان-- لَا،
3) ضمير مخاطبة ومحذوف-- بَلْ أَنْتِ،
4) حرف جواب ومحذوفان-- لَا،
5) نكرة واسم موصول-- فَمَنِ الَّتِي تَخَاطَفُ ظَنِّي كُلَّمَا كِدتُّ وَلَّتِ.
6) ماض وضمير مخاطب-- تَمَثَّلْتَها مِثْلِي،
7) محذوفان ونكرة-- يَا سِرُّ،
8) مضارع وضمير متكلم-- فَمَا أَرَى سِوَاهَا،
9) ماض وضمير مخاطب-- فَهَلَّا الْتَعْتَ لِي مِثْلَ لَوْعَتِي.
10) مضارع وضمير مخاطب-- فَمَاذَا تَرَى،
11) محذوفان ومصدر مؤول-- أَلَّا أَرَى غَيْرَ مَا تَرى،
12) ماض وضمير متكلم-- تَلِفْتُ،
13) جار وضمير متكلم ومضاف إلى ضمير متكلم-- وَلَكِنْ لَمْ يَزَلْ بِي تَلَفُّتِي
فظهرَت الاسميةُ على ثلاث جمل منها (1، 3، 5)، والفعليةُ على سبع جمل (6-12)، وحارت ثلاثُ جمل بين الاسمية والفعلية (2، 4، 13)، وتكررت مرتين من الثلاث عشرة هذه الأنماطُ الثلاثة ("ضمير مخاطبة ومحذوف"، و"حرف جواب ومحذوفان"، و"ماض وضمير مخاطب")، دون سائر الأنماط.
لا ريب في أن من البراعة اللغوية الفائقة في هذا النص القصير، أن يُدير صاحبُه الحِوار المتداخل الذي أداره، ويتحرى من الملامح الأسلوبية الشديدة الملاءمة، زيادةَ الجملة الفعلية التي تلائم الحركة، ثم كون الجملتين الحائرتين بين الاسمية والفعلية بما أصاب أركانهما من الحذف من كلام طرف متوهم بالحوار لا وجود له في الحقيقة! ومن وادي هذا الملمح نفسه أن كان نمطانِ اثنانِ من الأنماط الثلاثة المكررة، نمطَيْ جُملٍ مرسَلة إلى هذا الطرف المتوهَّم نفسِه؛ فإن محاورةَ الأوهام مقيّدةٌ مهما انطلقت، محدودةٌ مهما انفتحت!
من آثار ظاهرة النص القصيرِ البراعةُ اللغوية الفائقة، أي أن يجدَه متلقُّوه قد بلغ من تحديد العناصر اللغوية وترتيبها وتهذيبها، ما لا زيادة عليه لمستزيد، حتى إنهم ربما حاولوا ذلك، فعجزوا، واعترفوا بالإتقان لصاحب النص القصير، الذي اضطُرَّ إلى مَضايقه، ثم خرج منها سالمًا ظَافِرًا!
هذا نص قصير يعبر عن اشتباه الكائنات بالمحبوب المفتقد، بثمان وثلاثين كلمة، في ثلاث عشرة جملة، على ثلاثة أبيات:
أَجَلْ أَنْتِ لَا بَلْ أَنْتِ لَا فَمَنِ الَّتِي تَخَاطَفُ ظَنِّي كُلَّمَا كِدتُّ وَلَّتِ
تَمَثَّلْتَها يَا سِرُّ مِثْلِي فَمَا أَرَى سِوَاهَا فَهَلَّا الْتَعْتَ لِي مِثْلَ لَوْعَتِي
فَمَاذَا تَرَى أَلَّا أَرَى غَيْرَ مَا تَرى تَلِفْتُ وَلَكِنْ لَمْ يَزَلْ بِي تَلَفُّتِي
أما أبيات هذا النص القصير الثلاثة، فطويليّة الأوزان الوافية المقبوضة الأعاريض والأضرب، تائيّة القوافي المكسورة المجردة الموصولة بالياء:
والطويل وزن كثير الاستعمال من قديم إلى حديث، لا يفتأ يُخْطِرُ لمستعمله أمثلته التي لا تحصى، أما التائية المكسورة المجردة الموصولة بالياء فقافية أكثر حديثًا منها قديمًا، قد اختارهما صاحبُ هذا النص القصير، ليزيد بهما دلالته على اشْتِبَاهِ الكائنات بالمحبوب المفتقد، من غير تَشَابُهٍ!
وأما جمل هذا النص القصير الثلاث عشرة -ومتوسط كلمات الواحدة منها "2.92"- فقد تَنَمَّطَتْ كلٌّ منها بمنزلة أركانها من التعريف والتنكير، على النحو الآتي:
فظهرَت الاسميةُ على ثلاث جمل منها (1، 3، 5)، والفعليةُ على سبع جمل (6-12)، وحارت ثلاثُ جمل بين الاسمية والفعلية (2، 4، 13)، وتكررت مرتين من الثلاث عشرة هذه الأنماطُ الثلاثة ("ضمير مخاطبة ومحذوف"، و"حرف جواب ومحذوفان"، و"ماض وضمير مخاطب")، دون سائر الأنماط.
لا ريب في أن من البراعة اللغوية الفائقة في هذا النص القصير، أن يُدير صاحبُه الحِوار المتداخل الذي أداره، ويتحرى من الملامح الأسلوبية الشديدة الملاءمة، زيادةَ الجملة الفعلية التي تلائم الحركة، ثم كون الجملتين الحائرتين بين الاسمية والفعلية بما أصاب أركانهما من الحذف من كلام طرف متوهم بالحوار لا وجود له في الحقيقة! ومن وادي هذا الملمح نفسه أن كان نمطانِ اثنانِ من الأنماط الثلاثة المكررة، نمطَيْ جُملٍ مرسَلة إلى هذا الطرف المتوهَّم نفسِه؛ فإن محاورةَ الأوهام مقيّدةٌ مهما انطلقت، محدودةٌ مهما انفتحت!
وسوم: العدد 869