التناص مفهومه وتنويعاته وتفريعاته واصطلاحاته
عندما يتعلَّق الأمر بالتناص - سواء في الدراسات النقدية الغربية أم العربية - فإن المشكلة الاصطلاحية لا تكمن في التنويع الاصطلاحي على المفهوم الواحد، حيث يظل المفهوم واحدًا بينما تتنوع وتتعدّد مصطلحاته المختلفة. صحيح أن نقل أيّ مصطلح نقدي أجنبي مثلا إلى اللغة العربية يوقعنا في بلبلة كبيرة لأن النقاد والدارسين يقترحون له مقابلات كثيرة جدًا إلى حد التناقض والإرباك، ولكن مشكلة مصطلح "التناص" أنه مصطلح واحد بمفاهيم مختلفة. فهناك "زئبقية في التعريفات" سواء في المصادر الأجنبية أم في الشروح والكتابات النقدية. (مصطلحات النقد العربي السيماوي : الإشكالية والأصول والامتداد، مولاي علي بوخاتم، 2005، ص. 187). وسوف نحاول هنا في هاتين المحاضرتين أن نتتبع بالدرجة الأولى التنويعات الاصطلاحية "للتناص" (مع ربطها بمفاهيمها المناسبة في بعض الأحيان)، وكذلك تفريعاته وتشعباته المختلفة لدى مختلف النقاد الغربيين والعرب، لأن المطلوب في هذا المقياس هو التركيز على التنويع الاصطلاحي أكثر من الاهتمام بالمفهوم ذاته (هذا الاهتمام هو موضوع مقياس آخر يسمى : المفهوم النقدي).
أولا : تعريف "التناص" intertextualité :
لا بد أن نُقدم ولو تعريفا موجزًا ومقتضبًا للتناص، لأننا إذا أمسكنا "بالمفهوم" الأساسي صار من السهل بعد ذلك الإمساك بالمفاهيم الفرعية وتسمياتها الاصطلاحية المناسبة.
يَستخدم أغلب الدارسين والمنظّرين النقديين الغربيين مصطلح "التناص" في لغته الأصلية intertextualité تأسيًا بجوليا كريستيفا، باعتبارها الأولى التي اقترحت هذا المصطلح في تقديمها للترجمة الفرنسية لكتاب ميخائيل باختين حول "شعرية دوستويفسكي" (الصادرة عن دار لوسوي، سنة 1970). وكما هو معروف فإن مصطلح التناص جاء من ترجمة جوليا كريستيفا لمصطلح "الحوارية" الذي وضعه باختين، ومقولة التناص كلها انطلقت من فكرة باختين عن "الحوارية" وتنظيره لها : الحوار داخل الدائرة التواصلية، والحوار بين النصوص، والحوار بين الثقافات... إلخ. (ينظر : التيارات الكبرى للنقد الأدبي، جيرار جانجوبر، ص. 47 وما بعدها. ويُنظر كذلك : كتاب تودوروف حول المبدأ الحواري عند باختين، ص. 95 وما بعدها).
وبالنسبة إلى جوليا كريستيفا فإن كل نص هو صدى لنصوص أخرى، هو مكان تتقاطع فيه النصوص، والنصية نفسها هي مجموعة من النصوص المتداخلة، حيث يحيل النص بالضرورة إلى نصوص سابقة أو معاصرة له : "كل نص يتكوّن من فسيفساء من الاستشهادات، وكل نص هو امتصاص وتحويل لنص آخر". (ينظر : التيارات الكبرى للنقد الأدبي، جيرار جانجوبر، ص. 47).
يراد بمصطلح التناص "تقاطع النصوص وتداخلها ثم الحوار والتفاعل فيما بينها". وبذلك فإن التناص هو أسلوب لتشكيل "فضاء النصّ" و"للممارسة النصية" من وجهة نظر جوليا كرستيفا التي تقول بتقاطع نصين أو أكثر داخل النص الواحد. (مصطلحات النقد العربي السيماوي : الإشكالية والأصول والامتداد، ص. 187).
ويتكرّر هذا التعريف لدى الكثير من النقاد الغربيين بالمفهوم نفسه، حيث ذهب كلود ديشي Claude Duchet إلى أن "النصوص لا توجد إلا بعلاقاتها بنصوص سابقة مشابهة لـها أو مختلفة عنها". (مصطلحات النقد العربي السيماوي : الإشكالية والأصول والامتداد، ص. 187). وقد أشار ت. تودوروف أيضًا إلى المصطلح قائلاً "إنه من الوهم أن نعتقد بأن العمل الأدبي لـه وجود مستقل. إنه يظهر مندمجاً داخل مجال أدبي ممتلئ بالأعمال السابقة". أما ميشال أريفي M. Arrivé فقد حدّد المفهوم بالقول : "إنه مجموع النصوص التي تدخل في علاقة مع نص معطى. وهذا التناص يمكن أن يأخذ أشكالاً مختلفة". ومن أبرز هذه الأشكال أن النص الثاني يمكنه أن يكرّر أو يقلّد مضمون النص الأول، كما يمكنه أن يكرّر أو يقلّد النص الأول على مستوى التعبير أو العبارة. (مصطلحات النقد العربي السيماوي : الإشكالية والأصول والامتداد، ص. 188).
وقد عرّف محمد مفتاح "التناص" في مؤلّفه "تحليل الخطاب الشعري : إستراتيجية التناص"، وانطلاقاً من آراء نقاد المدرسة الفرنسية - بأنه "فسيفساء من نصوص أخرى أدمجت فيه بتقنيات مختلفة". (مصطلحات النقد العربي السيماوي : الإشكالية والأصول والامتداد، ص. 190). بينما تمثّله الباحث عمر أوكان، نقلاً عن رولان بارط وم. باختين، في سياق حديثه عن كتاب "لذة النص" أو "مغامرة الكتابة" معتبراً التناص "تبادلاً أو حوارًا، رباطًا، اتحادًا، تفاعلاً بين نصين أو عدّة نصوص". (مصطلحات النقد العربي السيماوي : الإشكالية والأصول والامتداد، ص. 196). وقد عرّف عبد المالك مرتاض التناص بأنه "مفهوم فيه نصان أو أكثر يتعارضان أو يتضاربان أو يتنافسان". وقال أيضًا "إن التناص تفاعل وتبادل العلاقة بين نص وآخر إما على سبيل الاقتباس أو المعارضة أو التضاد". وكل نص هو في نظره "تشرّب وامتصاص وتحوّل لنصوص عديدة أخرى"، معتبراً الخطاب وحدة غير مغلقة داخل نسيجها الخاص، بل هو عمل يحيل إلى نصوص أخرى مضمنة. (مصطلحات النقد العربي السيماوي : الإشكالية والأصول والامتداد، ص. 196-97).
ويعرّف التناص أيضًا بأنه "يكوّن طبقات جيولوجية كتابية، [...]، بحيث تظهر مختلف مقاطع النص الأدبي، عبارة عن تحويلات لمقاطع، مأخوذة من خطابات أخرى، داخل مكوّن إيديولوجي شامل". (ينظر : معجم المصطلحات الأدبية المعاصرة، سعيد علوش، ص. 215).
أما فوكو فإنه يرى أنه "لا وجود لتعبير، لا يفترض تعبيرًا آخر، ولا وجود لما يتولد من ذاته". (ينظر : معجم المصطلحات الأدبية المعاصرة، سعيد علوش، ص. 215).
وبالنسبة إلى رولان بارت فإن التناص "لا-نهائي". (ينظر : معجم المصطلحات الأدبية المعاصرة، سعيد علوش، ص. 215).
ويعرّفه محمد عناني في معجمه بأنه "العلاقة بين نصين أو أكثر". (ينظر : المصطلحات الأدبية الحديثة، محمد عناني، ص. 46 من القسم الخاص بالمعجم).
ثانيا : المصطلحات العربية المقابلة للمصطلح الأجنبي :
- 1. التناص :
يتفق الكثير من النقاد والدارسين والمترجمين العرب على مقابلة اللفظ الأجنبي بمصطلح "التناص العربي"، ومن بينهم محمد مفتاح الذي استقرّ في البداية على مصطلح "التناصّ" كمقابل للمصطلح الأجنبي. (مصطلحات النقد العربي السيماوي : الإشكالية والأصول والامتداد، ص. 191). ولكنه مع مرور الزمن بدأ يُفكّر في استبدال مصطلح "التناص" بمصطلح آخر أكثر فعالية، فأوجد مصطلح "الحوار". ثم رجع به إلى مصطلح عربي آخر هو "التخاطب" الذي يعني في أبسط تعريفاته العلاقات الخارجية بين أنواع الخطاب والداخلية بين مستويات اللغة. (مصطلحات النقد العربي السيماوي : الإشكالية والأصول والامتداد، ص. 192).
ومن الذين اختاروا مصطلح التناص، وهم كثيرون جدًا، الباحثة شريفة اليحيائي التي اختارت مصطلحين اثنين في الحقيقة هما "التناص" و"النصية". وكذلك الباحث غازي مختار طليمات الذي استعمل مصطلح "التناص" وهو "على وزن تفاعل، الدال على التشارك كالتجاذب والتخاطب"، إلى جانب مصطلح "البينصية"، ولكنه تأملاته التحليلية جعلته يميّز بينهما معتبرًا التناص تقارض النصوص وتبادلها (أي أخذها عن بعضها البعض)، في حين أن البينصية (بِنُون واحدة) هي وقوع النص بين النصوص بغية الدلالة على ما بينها من اشتراك في الأفكار والصور والتراكيب والمشاعر، ولذلك كان الأول أوضح وأفصح في نظره من الثاني. وهو ما يعني أنه يميل إلى مصطلح "التناص". (مصطلحات النقد العربي السيماوي : الإشكالية والأصول والامتداد، ص. 193).
ويستخدم سعيد يقطين مصطلح "التناص" ولكنه يخصص له مجالا خاصًا وضيقًا تاركا المجال الأعم لتبادل التأثير والتأثر بين النصوص لمصطلح/مفهوم آخر هو "التفاعل النصي". (مصطلحات النقد العربي السيماوي : الإشكالية والأصول والامتداد، ص. 194-95).
وقد استعمل أنور المرتجى هو الآخر مصطلح "التناص"، مستمدًا من الباحثة جوليا كرستيفا مبدأي النصّ الظّاهر Phénotexteوالنص المولّد Genotexte. (مصطلحات النقد العربي السيماوي : الإشكالية والأصول والامتداد، ص. 193-94). وقد اختار الناقد المغربي أحمد المديني هو الآخر الاستقرار على مصطلح "التناص"، وكذلك فعل صلاح فضل. (مصطلحات النقد العربي السيماوي : الإشكالية والأصول والامتداد، ص. 195). ومن النقاد الجزائريين الذين اختاروا مصطلح "التناص" الباحث السيميائي رشيد بن مالك في معجمه المختص. وكذلك عبد المالك مرتاض. (مصطلحات النقد العربي السيماوي : الإشكالية والأصول والامتداد، ص. 196).
ويستعمل محمد عناني هو الآخر مصطلح "التناص" كمقابل للمصطلح الأجنبي. (ينظر : المصطلحات الأدبية الحديثة، ط3، 2003، ص. 46 من القسم الخاص بالمعجم). كما استعمله سعيد علوش أيضًا. (ينظر : معجم المصطلحات الأدبية المعاصرة، سعيد علوش، ص. 215).
- 2. التفاعل النصي :
أما سعيد يقطين فقد اختار مصطلح "التفاعل النصي" بدل التناص، لأن التفاعل النصي أشمل وأعمّ من التناص في نظره. (مصطلحات النقد العربي السيماوي : الإشكالية والأصول والامتداد، ص. 194). وقد احتفظ سعيد يقطين بالفعل بمصطلح التناص، ولكنه خصص له حيزًا ضيقًا نقلا عن أفكرا وأطروحات جيرار جينات.
- 3. التداخل النصي :
تبنى هذا المصطلح عبد الله الغذامي القائل بمصطلح "التداخل النصي" والذي يعتقد أن "تداخل النصوص يتمّ عبر نصِّ واحدٍ من جهة، ويقابله في الجهة الأخرى نصوص لا تحصى". كما تبناه محمد بنيس متأثرا بمفهوم "النصية الموازية" عند جيرار جنيت، وتبناه كذلك فريد الزاهي الذي أضاف إلى مفهوم جوليا كرستيفا مصطلح "التصحيفية" الذي يعني تقاطع وتفسّخ عدّة خطابات دخيلة في اللغة الشعرية. بالإضافة إلى الباحثة لطيفة إبراهيم التي اقترحت مصطلح "النصّ المتداخل" مقابلاً لمصطلح "التناص" وجمعه "النصوص المتداخلة". (مصطلحات النقد العربي السيماوي : الإشكالية والأصول والامتداد، ص. 195).
- 4. المــُــتناص :
وهناك من اختار مصطلح "متناص" مقابلاً للفظتين : intertextualité وintertexte، معتقدين أنّ "المتناص هو نص يكمن في داخل نص آخر ليشكّل معناه". (مصطلحات النقد العربي السيماوي : الإشكالية والأصول والامتداد، ص. 196). (ينظر أيضًا : في الأدب وفنونه، علي بو ملحم، المطبعة العصرية للطباعة والنشر، صيدا بيروت، (د. ت.)، ص125).
وقد اختار سعيد الغانمي أيضًا مصطلح "المتناص" إلى جانب مصطلح "النصوص المتداخلة" لنقل المصطلح الأجنبي إلى اللغة العربية، وذلك في كتابه "السيمياء والتأويل". (مصطلحات النقد العربي السيماوي : الإشكالية والأصول والامتداد، ص. 198).
- 5. الحوارية :
فضّل حميد الحميداني مصطلح "الحوارية" في ترجمته للمصطلح الأجنبي، وذلك في كتابه "سوسيولوجيا النص الروائي". (مصطلحات النقد العربي السيماوي : الإشكالية والأصول والامتداد، ص. 198).
- 6 البينصية :
استخدمه الباحث غازي مختار طليمات إلى جانب مصطلح "التناص"، مع تفضيله للمصطلح الثاني، لأنه في نظره أوضح وأفصح من الأول. فالتناص "على وزن تفاعل، الدال على التشارك كالتجاذب والتخاطب"، أما "البينصية"، فهي في نظره وقوع النص بين النصوص بغية الدلالة على ما تشترك فيه من أفكار وصور وتراكيب... إلخ. (مصطلحات النقد العربي السيماوي : الإشكالية والأصول والامتداد، ص. 193).
البينصوصة :
اختار بسّام بركة في المعجم الألسني مصطلح "بينصوصة" كمقابل للمصطلح الأجنبي، ويعرّفه بأنه علاقة النص الأدبي بنصوص أدبية أخرى. (مصطلحات النقد العربي السيماوي : الإشكالية والأصول والامتداد، ص. 193).
وعلى العموم فإن واقع المنظومة المفاهيمية والاصطلاحية المتعلقة بمصطلح ومفهوم "التناص" لا يختلف عن واقع أي مفهوم ومصطلح نقدي آخر، حيث يمكننا دومًا ملاحظة وملامسة تلك التقلبات والاختلالات الكثيرة التي توقعنا في الحيرة والارتباك أمام معطيات الممارسة النقدية الغربية والعربية على حد السواء، ولكن هذا الواقع يجب ألا يثنينا عن عمليات التمحيص والتدقيق للنظر في هذه المفاهيم والمصطلحات عن كثب لمعرفة أيها أدق وأقرب إلى الصحة والسلامة.
ثالثا : المــُـتناص : l'intertexte
رولان بارث Roland Barthes وجوليا كريستيفا Julia Kristeva هما اللذان أدخلا مصطلح "المتناص" إلى حقل الدراسات النقدية في فرنسا. (ينظر : التيارات الكبرى للنقد الأدبي، جيرار جانجوبر، ص. 47). ويبدو أن المقصود به هو "ظاهرة حضور نص داخل نص آخر". إنه يشير إلى النصوص الموجودة في حضن النص الذي بين أيدينا، والتي يحيل إليها هذا النص بطريقة جلية أو ضمنية. ولذلك فإنه بإمكان هذا المصطلح، بالتعميم، أن يرادف مصطلح التناص نفسه، فهو يعني في النهاية "ظاهرة الإحالة إلى النصوص الأخرى"، ولهذا السبب هناك من يترجم l'intertexte إلى "المجال التناصي" (ينظر : معجم السرديات، محمد القاضي وآخرون، ط1، 2010، ص. 113). وقد يكون الفارق البسيط بين المصطلحين هو أن "التناصية" أو "التناص" l'intertextualité تعني بالتحديد ظاهرة استدعاء النصوص، بينما يعني "المتناص" أو "المجال التناصي" l'intertexte مجموع أو شبكة النصوص المستدعاة والموجودة داخل النص بشكل من الأشكال أو التي يحيل عليها بكيفية ضمنية أو غير مباشرة، وبالتأكيد فإن هذا المجال يتسع ويضيق بحسب كل نص بطبيعة الحال. وعلينا أن نلاحظ أن السابقة (inter) تعني "داخل" (حضور نصوص داخل النص) وتعني أيضًا "بين" (التفاعل بين النص ونصوص أخرى). ولهذا السبب كما قلنا نجد من يضع مصطلح "مُتناص" مقابلاً للمصطلحين : intertextualité وintertexte، مُعتقدين أنّ "المـُــتناص هو نص يكمن في داخل نص آخر ليُشكّل معناه". (مصطلحات النقد العربي السيماوي : الإشكالية والأصول والامتداد، ص. 196).
ويعرّف محمد عناني النص "المـُـتناص" بأنه "النص الذي تقع فيه آثار نصوص أخرى أو أصداؤها". (ينظر : المصطلحات الأدبية الحديثة، محمد عناني، ص. 46 من القسم الخاص بالمعجم). ولكن بالإمكان أن نعرّفه أيضًا بأنه النصوص الأخرى التي يستجلبها النص إليه ويستدعيها ويمتصها ويحوّلها، وهذا ما يشكل "المجال التناصي" الذي يتفاعل النص معه. وهذا التعريف يبدو أقرب إلى الصحة. لأن "المتناص" أو "المجال التناصي" يحدد بالإجابة عن سؤال مثل : ما هي النصوص التي يتداخل النص أو يتفاعل معها. وكما رأينا قبل قليل فإن المـُــتناص "هو نص يكمن في داخل نص آخر ليُشكِّل معناه". (ينظر : مصطلحات النقد العربي السيماوي : الإشكالية والأصول والامتداد، ص. 196).
وقد استعمل ميشال أريفيه Michel Arrivé هو الآخر هذا المصطلح (intertexte). ومن خلال تعريفه له يتبيّن لنا أن المقصود به هو "المجال التناصي" بالفعل، أي مجموع النصوص التي يحيل عليها النص. إنه يعرّفه بوصفه "المكان الذي يتجلى فيه محتوى الإيحاء [النصي]". إن النص يدل برده إلى نصوص أخرى. (يُنظر : التيارات النقدية الكبرى، جيرار جانجوبر، ص. 47). وبتعميم المعنى يصير المصطلحان (intertextualité) و(intertexte) مترادفان كما أسلفنا، مع إمكانية تخصيص المصطلح الأول للدلالة على ظاهرة "التفاعل بين النصوص"، والثاني للدلالة على "النصوص" التي يتفاعل معها النص بالتحديد.
ويتّضح لنا من تعريف ميشال ريفاتير Michael Riffaterre للنص (بوصفه علاقة تناصية في الأساس) أن المقصود بمصطلح intertexte هو النصوص التي يستدعيها النص ويتفاعل معها، حيث يقترح علينا "إدراك النص بوصفه صورةً تحويلية لمــُـــتناصٍ أو لمجالٍ تناصي مُعيّن le transformé d'un intertexte". (يُنظر : التيارات النقدية الكبرى، جيرار جانجوبر، ص. 47).
رابعًا : المقابلات العربية لمصطلح l'intertexte :
- 1. المــُــتناص :
يضع بعض الدارسين مصطلح "المتناص" للمصطلحين الأجنبيين (intertextualité) و(intertexte) كليهما دون التمييز بينهما. وهذا يعني أنهم يتعاملون مع مصطلح التناص والمتناص وكأنهما مصطلحين اثنين لمفهوم واحد. (ينظر : مصطلحات النقد العربي السيماوي : الإشكالية والأصول والامتداد، ص. 196).
- 2. النص المــُـتناص :
أما محمد عناني فقد اختار إضافة كلمة "نص" إلى المصطلح ليصير مصطلح "النَّصُ المتناص" ترجمةً لهذا المصطلح الأجنبي. ينظر : المصطلحات الأدبية الحديثة، محمد عناني، ص. 46 من القسم الخاص بالمعجم).
- 3. النصوص المتداخلة :
بعض الدارسين يترجمون مصطلح intertexte إلى "النصوص المتداخلة". (ينظر : مصطلحات النقد العربي السيماوي : الإشكالية والأصول والامتداد، ص. 195-96). ولكن سعيد الغانمي مثلا يخصص - في كتابه السيمياء والتأويل" - هذا المصطلح العربي (النصوص المتداخلة) للمصطلح الأجنبي intertextualité (ينظر : مصطلحات النقد العربي السيماوي : الإشكالية والأصول والامتداد، ص. 198). وهو ما يدعّم فكرة أن الكثير من الدارسين والنقاد والمنظّرين يعتبرون المصطلحين الأجنبيين (intertextualité) و(intertexte) مصطلحين مختلفين لمفهوم واحد، كما أسلفنا.
- 4. المجال التناصي :
وهناك من يترجم المصطلح الأجنبي intertexte إلى "المجال التناصي". (ينظر : معجم السرديات، محمد القاضي وآخرون، ص. 113).
خامسًا : منظومة جيرار جينات الاصطلاحية الخاصة بالتناص :
وأخيرًا نصل إلى تعريف جيرار جينات Gérard Genette المخصوص جدًا "للتناص" في مقابل المصطلحات القريبة منه.
- 1. التعالق النصي la transtextualité :
يقترح علينا جيرار جينات مفهومًا جديدًا أكثر وضوحًا وأكثر تعميمًا هو مصطلح "التعالق النصي" la transtextualité. (ينظر : معجم السرديات، محمد القاضي وآخرون، ص. 100). وهو من حيث المفهوم أعم بكثير من مفهوم "التناص" l'intertextualité كما شاع في الدراسات النقدية المعاصرة، ويصير "التناص" في منظومة جينات الاصطلاحية الجديدة نوعًا واحدًا فحسب من بين أنواع عديدة تنطوي كُلها تحت المفهوم الكبير الذي اقترحه جينات والذي يتمثّل في "التعالق النصي" الذي يعرفه بأنه "كل ما يربط بين نصوص ونصوص أخرى، بكيفية واعية أو غير واعية". وفي المقابل يعطي جينات، في كتابه "أطراس" (1982)، تعريفًا ضيّقًا جدًا "للمُتناص" intertexte فجعله يقتصر على "الحضور الفعلي لنص مُعيّن داخل نص آخر". (يُنظر : التيارات النقدية الكبرى، جيرار جانجوبر، ص. 47). وبالتالي لا يكون لدينا "تناص" intertextualité بالمعنى الدقيق للكلمة إلا إذا كانت النصوص المشار إليها حاضرة بالفعل داخل النص الموجود بين أيدينا بواسطة الاستشهاد أو السرقة أو التلميح... إلخ. (يُنظر : التيارات النقدية الكبرى، جيرار جانجوبر، ص. 47).
- 1. 1. التناص l'intertextualité :
يتفرّع هذا المصطلح-الشامل وضعه جيرار جينات ("التعالق النصي" transtextualité) إلى خمسة أنواع من التعالقات النصية إن صح التعبير، وأولاها هو "التناص" l'intertextualité الذي يعني به جيرار جينات "علاقات الحضور المشترك [حيث يُذكر نصٌ أو نصوصٌ كثيرة داخل نص آخر] بواسطة الاستشهاد أو السرقة أو الإيحاء". (يُنظر : التيارات النقدية الكبرى، جيرار جانجوبر، ص. 47). إن ما يميّز "التناص" إذن هو "الحضور المشترك" للنصوص الأخرى المحال عليها أو المشار إليها داخل النص نفسه، وهو ما لا يُشترط في الأنواع الأخرى من التعالقات النصية، ومن هنا يكتسب التناص خصوصيته المفهومية عند جيرار جينات، ولكنه - على عكس المتوقع - لن يحظى بأي اهتمام من قِبل جيرار جينات الذي يهتم أكثر ما يهتم بالمفهوم الرابع الأثير لديه، وهو مفهوم "التناصية اللاحقة" l'hypertextualité، حيث يحاول الاشتغال على "كيفية الانتقال" من النص الأول إلى الثاني، أو "كيف" يمتص النص الثاني النص الأول ويحوّله. (يُنظر : التيارات النقدية الكبرى، جيرار جانجوبر، ص. 47-48).
- 1. 2. "النصية الواصفة" أو "الميتا-نصية" la metatextualité :
النوع الثاني من "التعالقات النصية" هو "النصية الواصفة" أو "الميتا-نصية" la metatextualité. ونكون أمام هذا النوع من التعالق النصي عندما يكون النصُ الذي بين أيدينا "تعليقًا على نص سابق". أي شرحًا أو تفسيرًا له، كما هو الأمر بالنسبة للنصوص النقدية. (يُنظر : التيارات النقدية الكبرى، جيرار جانجوبر، ص. 47).
- 1. 3. "النصية اللاحقة" l'hypertextualité :
وعندما يولد النص من نص آخر من دون أن يكون تعليقًا عليه أو شرحًا له، فإننا نكون أمام النوع الثالث من التعالقات النصية، ويسميه جيرار جينات "النصية اللاحقة" l'hypertextualité. حيث يحاكي النص الثاني ويقلّد النص الأول أو يحوّله. (يُنظر : التيارات النقدية الكبرى، جيرار جانجوبر، ص. 47).
- 1. 4. "النصية الأجناسية" l'architextualité :
أما "النصية الأجناسية" l'architextualité فتشكّل نوعًا رابعًا من التعالق النصي يُعرّفه جينات بأنه يمثّل "الوضع الجنسي لنص معيّن"، أي أنه يحدّد لنا علاقة النص بجنسه. (يُنظر : التيارات النقدية الكبرى، جيرار جانجوبر، ص. 47). وقد أوضح جينات أن "النصية الأجناسية" هي "النمط الأكثر تجريدًا والأكثر ضمنية من بين أنماط التعالق النصي الخمسة"، (ينظر : معجم السرديات، محمد القاضي وآخرون، ص. 455). وبالتأكيد فإننا هنا أمام نوع مخصوص من أنواع التعالق النصي، لأن النص لا يحيل هنا على نص أو نصوص أخرى، وإنما على المقولات العامة للجنس ككل، ومن هنا جاءت تسمية هذا النوع من التعالق النصي (النصية الأجناسية)، أي من علاقة النص بجنسه، علاقة (المحاكاة والتقليد أو التحويل والتغيير) بين الظاهرة المفردة (النص) والجنس الذي تنتمي إليه هذه الظاهرة أو تمثله أو تصدر عنه... إلخ.
- 1. 5. "النص الموازي" le paratexte :
أما النوع الخامس والأخير من التعالقات النصية فيسميه جيرار جينات "النص الموازي" le paratexte الذي يتمثّل في المواد المصاحبة للنص أو المحيطة به كالعنوان والمقدّمة والملاحظات والتصديرات والرسوم والبيانات التوضيحية... الخ. (يُنظر : التيارات النقدية الكبرى، جيرار جانجوبر، ص. 47).
سادسًا : ترجمة منظومة جينات الاصطلاحية إلى العربية :
- 1. la transtextualité :
يترجم محمد القاضي ومجموعته البحثية هذا المصطلح إلى "التعالق النصي"، وهذا المصطلح قريب جدًا من المعنى المراد من المصطلح الأجنبي. (ينظر : معجم السرديات، محمد القاضي وآخرون، ص. 100).
وقد اختار أنور المرتجى ترجمة مصطلح transtextualité إلى "المابعد نصية"، ولكنها ترجمة بعيدة عن المراد. (ينظر : مصطلحات النقد العربي السيماوي : الإشكالية والأصول والامتداد، مولاي علي بوخاتم، ص. 194).
أما محمد عناني فإنه يترجم هذا المصطلح إلى "عبر النصية". (ينظر : المصطلحات الأدبية الحديثة، دراسة ومعجم إنجليزي-عربي، محمد عناني، ص. 47 في القسم الخاص بالمعجم).
- 2. l'intertextualité / l'intertexte :
هذا المصطلح أفضنا فيه كثيرًا. انظر الصفحات السابقة أعلاه.
- 3. la metatextualité / le metatexte :
يترجم محمد القاضي ومجموعته البحثية مصطلح metatextualité إلى "النصية الواصفة" وكذلك "النص على النص" .(ينظر : معجم السرديات، محمد القاضي وآخرون، ص. 116).
أما مولاي علي بوخاتم فهو يترجمه إلى "ما وراء النصوصية"، ولكنها ترجمة غير موفقة كما يبدو. (ينظر : مصطلحات النقد العربي السيماوي : الإشكالية والأصول والامتداد، مولاي علي بوخاتم، ص. 189).
بينما فضّل أنور المرتجى ترجمة مصطلح métatextualité إلى "الميتانصية"، وهي ترجمة موفقة لأنها اعتمدت التعريب، أي نقل المصطلح الأجنبي كما هو، وفي هذا النوع من النقل محافظة على كل الحمولات الدلالية للمصطلح في لغته الأصلية. (ينظر : مصطلحات النقد العربي السيماوي : الإشكالية والأصول والامتداد، مولاي علي بوخاتم، ص. 194).
- 4. l'hypertextualité / l'hypertexte :
يترجم محمد القاضي ومجموعته البحثية مصطلح hypertextaulité إلى "النصية اللاحقة". بينما يترجمون hypertexte إلى "النص اللاحق". (ينظر : معجم السرديات، محمد القاضي وآخرون، ص. 116 وص. 461).
ويترجم مولاي علي بوخاتم hypertextualité إلى "النصوص الشاملة". وهي ترجمو بعيدة جدًا عن روح المصطلح ومفهومه الذي وُضع له. (ينظر : مصطلحات النقد العربي السيماوي : الإشكالية والأصول والامتداد، مولاي علي بوخاتم، ص. 189).
- 5. l'architextualité / l'architexte :
يترجم محمد القاضي ومجموعته البحثية مصطلح architextualité إلى "النصية الجامعة". ويترجمون architexte إلى "النص الجامع". (ينظر : معجم السرديات، محمد القاضي وآخرون، ص. 116 وص. 455). ولكن لأن هذه الترجمة بدت مبهمة وغير مفهومة في نظرنا ولا تؤدي المعنى المراد من المصطلح الأجنبي، ولأننا لاحظنا أن محمد القاضي وجماعته لا يعتمدون في ترجمة بقية المصطلحات على معناها الحرفي وإنما على "المفهوم" الذي تؤديه، أي بالنظر إلى معناها العميق أو الاصطلاحي، فقد ارتأينا الاعتماد على الترجمة بالمعنى وليس الترجمة الحرفية فاخترنا ترجمة هذا المصطلح الأجنبي إلى "النصية الأجناسية"، لأن المقصود به على وجه الدقة هو "علاقة النص بالجنس الذي يمثّله أو ينتمي إليه".
أما مولاي علي بوخاتم فإنه يترجمarchitextualité إلى "النصوص الشمولية"، وهذه الترجمة بعيدة جدًا عن المصطلح والمفهوم الذي يدل عليه. (ينظر : مصطلحات النقد العربي السيماوي : الإشكالية والأصول والامتداد، مولاي علي بوخاتم، ص. 189).
وقد اختار أنور المرتجى ترجمة مصطلح architextes إلى "النصوص الشاملة"، وترجمة مصطلح architexetualité إلى "الشامل النصي"، ولكنها ترجمة بعيدة تمامًا عن روح المفهوم الذي وضع له المصطلح. (ينظر : مصطلحات النقد العربي السيماوي : الإشكالية والأصول والامتداد، مولاي علي بوخاتم، ص. 194).
- 6. le paratexte / la paratextualité :
يترجم محمد القاضي ومجموعته البحثية هذا مصطلح إلى paratextualité إلى "النصية الموازية". ويترجمون paratexte إلى "النص الموازي" (ينظر : معجم السرديات، محمد القاضي وآخرون، ص. 115 وص. 462).
بينما يترجم مولاي علي بوخاتم paratextualité إلى "النصوصية المرادفة". وهي ترجمة بعيدة جدًا عن الدلالة المرادة من المصطلح. (ينظر : مصطلحات النقد العربي السيماوي : الإشكالية والأصول والامتداد، مولاي علي بوخاتم، ص. 189).
أما أنور مرتجى فإنه يترجم مصطلح paratexte إلى "المابين نصية"، وهذه الترجمة غير موفقة تمامًا. (ينظر : مصطلحات النقد العربي السيماوي : الإشكالية والأصول والامتداد، مولاي علي بوخاتم، ص. 194).
سابعًا : المصطلحات المتَّصلة بمصطلح التناص :
- 1. hypertexte و hypotexte :
وضع جينات مصطلحين اثنين للدلالة على النص السابق والنص اللاحق، أولهما هو hypertexte وثانيهما هو hypotexte. ويفضّل محمد عناني ترجمة الأول إلى "النص المتأثِّر" والثاني إلى "النص المؤثِّر". (ينظر : المصطلحات الأدبية الحديثة، محمد عناني، ص. 47 من القسم الخاص بالمعجم). بينما اختار محمد القاضي ومجموعته البحثية ترجمتهما إلى "النص السابق" و"النص اللاحق". (ينظر : معجم السرديات، محمد القاضي وآخرون، ص. 456 وص. 461).
- 2. Phénotexte و Genotexte :
وفي المقابل اختارت جوليا كريستيفا (1969) مصطلحين آخرين للدلالة على النص السابق والنص اللاحق، وهما Phénotexte وGenotexte. وقد ترجمهما أنور المرتجى إلى "النصّ الظّاهر" و"النص المولِّد". (مصطلحات النقد العربي السيماوي : الإشكالية والأصول والامتداد، ص. 193-94). بينما اختار محمد القاضي ومجموعته البحثية ترجمتهما إلى "النص الظاهر" و"النص المنجــِــب". (ينظر : معجم السرديات، محمد القاضي وآخرون، ص. 460).
- 3. hypograme :
أما ريفاتير فقد اقترح مصطلح l'hypograme للدلالة "النص السابق" أو "الكتابة السابقة" التي تظهر بين ثنايا النص اللاحق أو الكتابة اللاحقة، معتبرًا أن "النص المقروء يُخفي نصًا آخر" بالضرورة. (يُنظر : التيارات النقدية الكبرى، جيرار جانجوبر، ص. 47).
المصادر والمراجع :
أ - باللغة الأجنبية :
1- Gerard Gengembre, Les grands courants de la critique littéraire, éd. Seuil, Coll. Memo, 1996. pp. 47 et suite.
2 -Tzvetan Todorov, Mikhaïl Bakhtine : le principe dialogique, suivi de : Ecrits du cercle de Bakhtine, éd. Seuil, Paris, 1981, pp. 95-115.
ب - باللغة العربية :
1 - مصطلحات النقد العربي السيماوي : الإشكالية والأصول والامتداد، مولاي علي بوخاتم، منشورات اتحاد الكتاب العرب، دمشق، 2005.
2 - المصطلحات الأدبية الحديثة، دراسة ومعجم إنجليزي-عربي، محمد عناني، الشركة المصرية العالمية للنشر، لونجمان، القاهرة، ط3، 2003.
3 - معجم المصطلحات الأدبية المعاصرة، سعيد علوش، دار الكتاب اللبناني، بيروت، سوشبريس، الدار البيضاء، ط1، 1985.
4 - معجم السرديات، محمد القاضي وآخرون، دار محمد علي للنشر، تونس، ودور أخرى، ط1، 2010.
وسوم: العدد 909