الاتجاه الاسلامي في شعر كمال عبد الرحيم رشيد
تزخر دواوين الشاعر كمال رشيد بكثير من الشواهد الشعرية التي يظهر فيها الأثر الديني واضحا جليا، يقول الشاعر متوجها الى الله بالدعاء وقبول التوبة:
ربي وحبك في روحي وفي خلدي
ربي وفيك يقيني فيك معتقدي
وجهت وجهي اليك اليوم ملتمسا
فيك الرضا وقبول التوب ياصمدي
مالي سواك مجير في زمان هوى
فجد علي، وكن عوني الى الرشد
واحفظ يقيني من زيغ ومن زلل
أقل عثاري في سيري، وخذ بيدي
وفي الأبيات يبرز التأثير الديني الواضح في المضمون الذي يبدو فيه الخشوع والتوبة والاستسلام التام، واليقين الثابت بالقدرة الالهية، لأن الله عز وجل هو المعين والمجير والهادي الى الخير والرشاد.
وتتكرر هذه الرؤية في أبيات أخرى اذ يقول:
عظيم صنيعك يا خالقي كثير عطاؤك يا رازقي
جلالك يلمع في مقلتي ونورك ينداح في خافقي
يطيب النداء ويحلو الرجاء وتهفو النفوس لراعي السماء
أتيت رحابك في توبة أجب دعوة العبد يا ذا الرجاء -
أشواق في المحراب: ص 54
ومن الأثر الذي تركته الجماعات الاسلامية في الشعر تمجيد الشهداء والقادة الذين فقدتهم هذه الحركات في مواقع مختلفة حتى أن بعضهم قد خصص ديوانا كاملا لذلك يقول الشاعر كمال رشيد في رثاء الشهيد عبد الله عزام:
لأنك في فم التاريخ معلوم ومشهود
لأنك عند رب العرش مرضي ومحمود
لأنك في قلوب الأهل والأحباب موجود
فما صح الذي قالوه، عبد الله مفقود
أحبك والذي أحيا، أمات وأبدع الصنعا
أحبك والذي أغنى الوجود وأخرج المرعى
حفظت الحب في قلبي حبست لأجلك الدمعا
نعوك فقلت في نفسي (شهيد الحق لا ينعى )
ويتفكر الشاعر كمال رشيد في هذا الوجود، فيدرك مقدار عجزه أمام القدرة الالهية ذلك أنها قدرة تفوق العقل، وتتجاوز حدوده:
كلما زاد للوجود التفاتي زاد عجزي أمام رب الوجود
وتراجعت اذ وجدت حياتي فوق علمي المضيع المكدود
أي سر في عالم العقل والروح وفي نداء الصغير الوليد ؟
ولغات العباد كيف تناهت واستقامت في اللفظ والترديد؟
حكمة الله أعجزت كل عقل عبر عقل مكابر وجحود
ونلحظ من خلال الأبيات الحجج التي يسوقها الشاعر ليدلل من خلالها على يقينه المطلق بالله عز وجل وبوحدانيته، فالعقل أعجز من أن يدرك كنه الله، فمن أياته التي ساقها الشاعر الروح والعقل والحكمة، واللغات التي أنطق بها الله عباده، وهي أيات بلغت لدى الشاعر مكانة ترفعه عن الشك وتدفعه لليقين ويحاجج بها كل مشكك ومرتاب.
ويرى الشاعر مرة أخرى أن لا طريق لمشكك أو مرتاب الا التسليم بوحدانية الله وقدرته، وان كل من خرج على هذا النهج فهو ضائع ذليل:
تعب الانسان فيها يشتهي دون تحقيق، فهل للأمر حل ؟
ان من يعبد ربا واحدا هو حر في دناه مستقل
والذي يعبد أربابا له لهفيف الريح يعنو ويذل
ثم أن الايمان هو طريق الطمأنينة والاستقرار النفسي الذي ينعم به الانسان، وهو كذلك طريقه الى الجنة التي هي غاية كل مؤمن:
ظمأ هذه الدنيا ومقام مستراب يجر للخسران
غير أن الايمان يجعل منها دار حب وواحة اطمئنان
فاعبدا لله مخلصا ومنيبا وتجنب وساوس الشيطان
واسأل الخير للعباد تجده لك نورا في جنة الرضوان
وهكذا فالمؤمن لا يرجو الخير لنفسه فحسب بل يرجوه للناس جميعا وذلك مما أوحته له عقيدته وأملته عليه دعوته.
ونلمس هذا التوجه لدى الشاعر مرة أخرى عندما يتوجه الى أخيه الانسان في كل مكان، داعيا اياه للتفكر والعودة لله:
يا أخي في الوجود فيم تعاني
وتمني الفؤاد كل الأماني ؟
وتظن الحياة عمرا طويلا
يستحق الابداع في الحسبان
أنت حرف من الحروف اللواتي
سطرتها أصابع الرحمن
فيم تشكو وأنت بالغ علم
واختراع وكاشف الأكوان
فيم تسعى الى ضلال وكفر
وحياة تجر للخسران
كن مع الله تلقه لك عونا
ان ربي أبر بالانسان
تعب كلها الحياة ولكن
هي روح في عالم الايمان
ومن الملاحظ على هذا الشعر أنه لا يغرق كثيرا في الفلسفة ولايذهب الى أبعد من محاورة العقل بما هو محسوس قريب، ومرد ذلك الى أن العقيدة الاسلامية قد نهت عن التساؤل عما يفوق القدرة العقلية للانسان وتركت له مجال حرية التفكير بحدود العقل الانسان وما تجاوز ذلك فهو في علم الله لا يسأل عنه المؤمن بل يسلم به ويؤمن به جزءا من عقيدته.
المديح النبوي:
لقد تغنى الشاعر الاسلامي كمال رشيد بصفات النبي عليه الصلاة والسلام، ويتجلى حبه للنبي بصور عدة في شعره ، ذلك أن النبي عليه السلام قد جاء ليخرج الناس من عبادة الأوثان الى عبادة رب العباد فهو الهادي والبشير رسول الاسلام العظيم، حيث يقول الشاعر كمال رشيد:
سيدي يا مرشد الناس الى
نبعة الخير الى الرأي الرشيد
جئت والدنيا ظلام ممعن
وعباد الله في عيش العبيد
ورؤوس الكفر لجت في الأذى
حقروا الانسان زادوا في الجحود
جئت بالاسلام نورا هاديا
كنت كالفرقد في ليل الوجود
نحن أتباعك في درب الهدى
ودعاة الحق خفاق البنود - أشواق في المحراب: ص 50.
ويقول الشاعر كمال رشيد كذلك:
يارسول الهدى وخير الأنام لك من مسلم أعز سلام
وصلاة تزيد قلبي يقينا وحنينا لعزة الاسلام
نعمة الله للوجود وقد أغطش ليل وزاد في الاظلام
وقلوب العباد غلفها الجهل فلجت في الغي والاجرام
فأتى أحمد الحبيب بدين
يخرج الناس من سدوف الظلام - أشواق في المحراب: ص 35.
قضايا العبادات:
تحتل العبادات والطقوس الدينية مكانة هامة في حياة الفرد المسلم فمن خلال الالتزام بها والتقيد بأدائها يقاس ايمان الفرد ويحكم عليه من خلالها، ولعل نداء الله أكبر وهو يدعو الناس للصلاة، ويخرج من المأذن داعيا المسلمين، لتلبية النداء كان أحد المظاهر الاسلامية والشعراء التي يهتز لها وجدان المسلم، فيتفاعل معها ويتجاوب، وفي ذلك يقول الشاعر كمال رشيد:
دم لنا للوجود صوتا حبيبا ياهتافا ينداح في كل أفق
يرحل الظلم حيث كنت ويعنو يانداء لكل دعوة حق
بك طابت حياتنا واستقامت واستراحت من الهوى والرق
كن سميري في يقظتي وادكاري
كن سبيلي الى الرضا والعتق
وأنر قلبي الصغير بفيض
من معاني الجلال ياصوت صدق - أشواق في المحراب: ص61.
فالأذان اذن يرتبط بالحق، ورفعه دليل عافية في المجتمع المسلم فضلا عما له من انعكاس ايجابي على نفسية المسلم.
وله شعر اجتماعي اهتم فيه بفئة الشباب والمعلمين وشؤون التربية، وتركز قصائده في هذا المجال على النصح والارشاد والدعوة الى الأخذ بأسباب العلم وجوانب المعرفة، يقول كمال رشيد:
أوصيك يا ولدي أن تحسن الأدبا
أن تألف الدرس والتحصيل والكتبا
وأن تكون تقيا نابها يقظا
وأن تقدم للأوطان ما وجبا
أن نجعل القدس في عينيك ماثلة
ألا تكل اذا ما المعتدي غلبا - عيون في الظلام: ص 45 .
ويتحدث كمال رشيد عن معاناته وفراقه لأهله طلبا للرزق، واصفا الحال التي أل اليها والمعاناة التي يحس بها يقول:
من أجل دينارين في اليوم
أبعدت عن أهلي وعن قومي
وتركت أطفالا يؤرقهم
حرمانهم من نظرة لأم
لكنما ضيق الحياة دعا
لفراقنا بالكره والرغم
حبي لكم للبعد أسلمني
أقضي ليالي السهد في الهم - عيون في الظلام: ص 49.
وأما النقد الاجتماعي فقد ركز الشاعر على جوانب سلوكية وخلقية فهذا كمال رشيد يشير الى أحد أصدقائه الذي التقاه، وقد تغيرت سيرته التي عرفه بها حيث يقول:
تبسم في وجهي وأبدى لي الودا
فلما نأى عني تنكر وارتدا
وكنا صديقين ولا غبن بيننا
وان شاء أمرا لا أطيق له ردا
وجاء زمان صار في الأمر علة
فلم أر من ترك الذي بيننا بدا
تغيرت الأحكام في رأي صاحبي
وصار ضلالا كل ما كان لي رشدا
غدرت كأني علقم لا يطيقه
وكنت قبيل اليوم في كأسه شهدا
وصرت بخيلا لا يرى الناس مثله
وقد كنت مثل الغيث في الجود أو أندى
ثم يبين أن سبب انقطاع الصداقة هو اتباع الصديق سلوكا لا يرتضيه الشاعر ولا يقره:
صديقي رعاك الله لست مجاملا
اذا صرت يوما بالفواحش معتدا
وداعا صديقي والليالي مواعظ
سيبدو الذي قلناه نصحا هو الأجدى
ستنقلب الأيام تسقيك مرها
كما انقلب الود الذي بيننا بعدا
وينتقد كمال رشيد المجتمع بشكل عام اذ يراه سخيفا روتينيا مملا وينتقد المجتمع الذي أتاح للمنافقين أعلى المراتب وأرغد العيش في الوقت الذي يعاني به كرام الناس ذل الفقر وقطع الرزق:
عالمي يحمل أشياء سخيفة
جل ما يعرض في المذياع في التلفاز أشياء سخيفة
والصحيفة
والوظيفة
وسويعات الدوام
تتمطى دون جدوى، مثل يوم مثل شهر مثل عام
عامر فيها الكلام
والذي ينكر ما يفعله الناس يلام
عالمي يحمل أشياء سخيفة
كلنا يرجو رغيفه
كلنا يحلم بالجمع، وبالنفع وبالدار المنيفة
وليمت في أم درمان ألوف
وليكن في قلب لبنان زحوف وحتوف
ولتكن فينا الحرائق
وليمت في القدس في غزة في البصرة
في الصحراء في صيدا ألوف وألوف
وليمت فينا الشريف
ولينم في القصر في الحانة في الماخور سوقي وسمسار منافق
وليعش أهل الخنا والذل في أغلى الفنادق
أيها اللائم هذا الكون في الأثام غارق
يوأد الفكر ونغضي
يقتل الأحرار في كل مكان، كل أرض
ثم نغضي ...القدس في العيون: ص 79 .
ومن الملاحظ في هذه المقطوعة أن الشاعر ينعى على المجتمع استسلامه للروتين، وعدم احساسه بالمعاناة التي تعيشها المجتمعات التي تواجه المجاعات والحصار والحروب المختلفة، فهو يربط بين السياسي والاجتماعي، ويضع المجتمع أمام مسؤولياته تجاه المجتمعات الأخرى.
استلهام التاريخ الاسلامي:
وأما القادة والفرسان الذين تركوا أثرهم في التاريخ الاسلامي فقد خلد الشعراء مواقفهم، وسجلوا بطولاتهم في معرض حديثهم عن قضايا العالم الاسلامي ومعاناته، يقول الشاعر كمال رشيد متحدثا عن معركة القادسية وقائدها سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه:
أقبل فأنت المرتجى سعد ان البناء يكاد ينهد
أقبل فخيل الروم عادية وخيولنا أزرى بها القيد
نامت فوارسها وما برحت مربوطة في القيد لا تعدو
وبيارق النصر القديم غدت مطوية اذ ودع الأسد
لم يبق في ساح الوغى أحد
يدعو فيصدق عنده الرد - القدس في العيون: ص 63 .
مصادر البحث:
1- مقالات في الأدب الاسلامي: د. عمر عبد الرحمن الساريسي - دار الفرقان.
2- ديوان شدو الغرباء : كمال رشيد.
3- ديوان القدس في العيون: كمال رشيد.
4- شعر الاتجاه الاسلامي في الأردن: دراسة موضوعية وفنية - عطا الله الحجايا - رسالة ماجستير في جامعة مؤتة عام 1997م.
وسوم: العدد 946