فتح الأندلس في ثلاث قصائد من الشعر المعاصر

شهاب غانم

لاشك أن معارك فاصلة مثل القادسية واليرموك وفتح الأندلس وعين جالوت أهم في تاريخ الإسلام من فتح عمورية ومن معارك سيف الدولة مع الروم، ولكن فتح عمورية حظي بوجود أبي تمام بقرب المعتصم فخلد المعركة بقصيدة عصماء من عيون الشعر العربي وكذلك حظيت معارك سيف الدولة بوجود أبي الطيب المتنبي مشاركاً فيها فخلدها بتلك الخرائد. يقول أبو تمام في قصيدته:

"فتح الفتوح تعالى أن يحيط به     نظم من الشعر أو نثر من الخطب"

فإذا كانت معركة عمورية – على أهميتها- هي فتح الفتوح فماذا يمكن أن نقول عن المعارك الفاصلة المذكورة أعلاه.

وقليلة هي المعارك العظيمة التي تكتب عنها القصائد المهمة بعد عصرها ويمكننا أن نستشف من ذلك غزوة بدر الكبرى التي ما فتئ الشعراء المسلمون ينظمون فيها القصائد عبر القرون عاماً بعد عام تأثراً بعظمتها فهي أهم معركة في تاريخ الإسلام وقد قادها الرسول الأعظم بنفسه عليه أفضل الصلاة والسلام.

ومن المعارك العظيمة في تاريخ الإسلام التي اجتذبت شعراء القرن العشرين العرب معركة فتح الأندلس فهي تذكر بقوة المسلمين أيام عنفوان دولتهم، وتذكر بآلام فقدان ذلك الفردوس المضاع وهي تبعث على مقارنة الماضي المجيد بالحاضر المتخاذل أمام جبروت الغرب. وسنتناول هنا ثلاث قصائد لثلاثة شعراء عرب احتكوا بالغرب وزاروه وعرفوا جبل طارق عن كثب، وهناك شيء آخر يجمع بين هؤلاء الشعراء هو تأثرهم بالتيار الرومانسي. أما الشعراء فهم علي محمود طه (1901 – 1949م) من مصر، ود. محمد عبده غانم (1912 – 1994م) من اليمن، وفاضل خلف (1927م) من الكويت.

* قصيدة علي محمود طه "من قارة إلى قارة":

علي محمود طه من رواد الاتجاه الرومانسي في الشعر العربي الحديث ومن شعراء مدرسة أبولو وهي الحركة التجديدية في الشعر والأدب التي ظهرت عام 1932م في مصر واستمرت حتى نهاية الحرب العالمية الثانية ومن أقطابها أحمد زكي أبو شادي، ود. إبراهيم ناجي ومصطفى السحرتي... إلخ. وقد نال طه شهرة واسعة بعد أن غنى الموسيقار محمد عبد الوهاب قصائد له مثل "الجندول" و"كليوباترا" و"فلسطين".

تبدأ القصيدة بوصف سفن الفتح وهي تمخر في جنح الليل:

أشباح  جن  فوق  صدر الماء        تهفو بأجنحة من الظلماء

أم تلك عقبان السماء وثبن من        قنن الجبال على الخضم النائي

لا بل سفين لمن تحت    لواء        لمن السفين ترى وأي لواء

تقول نازك الملائكة في كتابها "الصومعة والشرفة الحمراء":

"ومن روائع شعر البطولة في ديوان علي محمود طه قصيدته العظيمة "طارق بن زياد" وقد سماها "من قارة إلى قارة" فجاءت صورة رائعة الحسن من صور البطولة العربية بكل ما وراءها من روحانية وفداء ومجد.

وفي هذه القصيدة يرسم علي محمود طه لطارق بن زياد تخطيطاً بطولياً عميق التأثير:

ومن الفتى الجبار تحت شراعها        متربصاً بالموج والأنواء

يعلي بقبضته     حمائل  سيفه        ويضم تحت الليل فضل رداء

وينيل ضوء النجم عالي جبهة        من وسم إفريقية السمراء

يقول علي محمود طه في أبياته أن البحر المتوسط لم يتطامن قبل طارق لابن الواحة فهو بحر أساطير الخيال:

أبطال يونان   على  أمواجه        يطوون كل مفازة وفضاء

ومعابد   شم   وآلهة   على        سفن ذواهب بينهن جوائي

من علم البدوي نشر شراعه        وهداه للإبحار والإرساء

ثم يقول:

ووقفت  والفتيان  حولك iiوانبرت
هذي  الجزيرة  إن  جهلتم iiأمرها
البحر   خلفي   والعدو   iiإزائي
وتلفتوا   فإذا   الخضم  iiسحابة
قد   أحرق  الربان  كل  iiسفينة
ألقى  عليه  الفجر  خيط iiأشعة
وأتى  النهار  وسار  فيه iiطارق







لك   صيحة  مرهوبة  الأصداء
أنتم   بها   رهط   من  iiالغرباء
ضاع الطريق إلى السفين ورائي
حمراء   مطبقة   على  الأرجاء
من   خلفه   إلا   شراع  iiرجاء
بيضاء  فوق  الصخرة  iiالشماء
يبني   لملك  الشرق  أي  iiبناء

وهكذا أعطى الشاعر للرجاء شراعاً بعد أن أحرق الأشرعة الحقيقية وهي صورة جميلة ولكن هل كان طارق يبني "لملك الشرق" أم لنشر الإسلام؟ وقبله قال شوقي مخاطباً السوريين العرب:

نصحت ونحن مختلفون داراً     ولكن كلنا في الهم "شرق"

* قصيدة د. محمد عبده غانم "قصة الجبل":

يقول د. عبد العزيز المقالح: "يعتبر الدكتور غانم أول جامعي في الجزيرة العربية" ويقول: "إنه – بدون شك - مؤسس المدرسة الرومانسية في شعر اليمن المعاصر.." ود. غانم أستاذ جامعي كان واسع الاطلاع على الثقافة العربية التراثية والحديثة والثقافية الغربية وحصل على ست جوائز شعرية في مسابقات عالمية خلال سنوات الحرب العالمية وحصل على عدة أوسمة.

يقول الأستاذ إبراهيم العريض: وقد يهم الدارس أن يقلب بعض صفحات تاريخه القومي فلا يفوته أن يجد أنصع هذه الصفحات في مثل (قصة الجبل) أو (قصة الأمواج)".

قصيدة غانم طويلة تقع في ثمانية مقاطع يتناول في المقاطع الأربعة الأولى القصة المعروفة لحرق السفن وخطاب طارق للجيش بعد تهيئة الجور لقصة ملحمية النفس في المقطع الأول الذي يستهله كما يلي:

شطان    بينهما   العباب   iiيمور
جثمت وأرست في المحيط أصولها
أصلاد  أطلس في الجنوب شوامخ
ونثاد    تجتحن   الشمال   iiكأنما
وعلى  المضيق  اللج  طود iiسامق
يروي    لناظره    حديث   iiبطولة






فتصده   في   الضفتين   iiصخور
وفروعها    خلل    الغمام   iiتغور
شمسان    قاع    عندها    iiوثبير
هي  للخضم  من  الجنادل  iiسور
جلد     البناء    موثق    iiمعمور
ملأ   الزمان   جلالها   iiالمسطور

وبعد أن يتناول الشاعر القصة المعروفة في المقاطع الثلاثة التالية يصف المعركة في المقطع الخامس وصفاً ديناميكياً وكأن أمامنا مقطعاً من فلم سينمائي.

وتخطف السيف الرؤوس فما ترى     إلا رؤوساً في الفضاء تطير

وفي المقطع السادس يصف ساحة القتال بعد المعركة وصفاً آخاذاً وفلسفياً:

والجو مصطخب الجوانب مائج
قد  شاق  فرحتها  وهاج مراحها
وهي  التي  للجوع في iiأحشائها
لو  كان  يمكنها  البيان iiلعبرت
أو  كان  يمكنها  التأمل iiفكرت





بالطير   في  أصواتهن  iiحبور
إن    الطعام   موفر   iiميسور
ألم   على  مر  السنين  iiمرير
عن  شكرها  ما  أمكن iiالتعبير
كيف  الحياة  من الممات iiتمير

ويتحدث في المقطع السابع عن الحضارة العظيمة التي أسسها المسلمون في الأندلس:

كم ظل   فيه  العدل  مرفوع اللوا        والعلم تحت ظلاله منشور

والفن   مؤتلق   الصحيفة  ماله        فيما يشع من البهاء نظير

والأرض روض والمجالس بهجة        والماء راح والولائد حور

كزن الذي دعا الشاعر لكتابة قصيدته مروره على باخرة أمام الجبل ويعود في آخر القصيدة إلى البداية:

جبل   أعاد  الذكريات  iiكأنما
فرويتها   عنه  حديثاً  خالصاً
وأعدت  يوماً  كان فيه ليعرب
ولطارق  فيه  الخلود  فكم  له




لم  تطوها  نوب الزمان iiالعور
ما   شابه  التعديل  iiوالتحوير
ذاك   المقام  الرائع  iiالمشهور
ذكر على جبل المضيق يسير

والحقيقة أن غائماً قد أعاد يوماً مجيداً ليس ليعرب والعرب فقط، بل للحضارة الإسلامية العربية كلها، وعلى كل فالقصيدة تتحدث في أبياتها عن الفاتحين أي المسلمين وليس العرب فقط.

* قصيدة فاضل خلف "جبل طارق":

قول خالد سعود الزيد: "وفاضل من أبرز الكتاب الكويتيين وأكثرهم شهرة على امتداد الوطن العربي.. لقد بدأ حياته ناثراً ثم تحول من النثر إلى الشعر". وفي عام 1964م حصل على الجائزة الأولى في المسابقة الشعرية التي أقامتها هيئة الإذاعة البريطانية.

يقول د. سليمان الشطي: "فاضل خلف كان يعيش عصره كما يجب أن يعيشه الأديب المخلص فهو يقرأ الأدب الغربي فتشده اللمسات الرومنتيكية" يقول مطلع القصيدة:

صرح مدى الأزمان ناطق        يروي أقاصيص البواشق

يروي أقاصيص     العلا        والمجد من أيام طارق

ولا أدري لماذا قال "صرح" وهو البناء العالي ولم يقل "طود" أو "جبل" ويقول في قصيدته:

يا شامخاً في الأفق حدث فالحديث العذب رائق

حدث عن الأبطال للأجيال والعصر اللواحق

حدث ولا تبخل فقد حدثت أجيالاً سوابق

ويتناول القصة المعروفة في قصيدته:

وبطولة  ابن  زياد  تلهب iiفي
يذكي     النفوس     iiبخطبة
قد   أحقر   السفن   iiالمنيعة
إن        العدو       iiأمامكم
والبحر      صار     iiوراءكم
هيا     فليس    لكم    سوى
وأنا     أقود    الصف    iiلا







الجنود      قوى      iiبواسق
شماء     حطمت    iiالعوائق
وانبرى   في   الجند   iiناطق
متربص      بكم      المآزق
والبحر     صخاب    iiودافق
الصبر الجميل على الضوائق
أخشى    النوازل    والخوارق

ويقول:

فانقض جند الغالبين على
فغدا    الخصيم    iiممزقاً
وإذا     بصخرة    iiطارق
وإذا      بطارق     iiخالد




الجحافل      iiكالصواعق
رغم التحصن في الخنادق
تزهو    برايات    iiخوافق
متلألئ   في  كل  iiخافق