القرآن الكريم سبق علماء النفس
عزة الدمرداش |
أ.د/ جابر قميحة |
مقدمة الكتاب بقلم الأستاذ الدكتور جابر قميحة :
منهج البحث يجب أن يكون منهجًا أخلاقيًا قبل كل شيء؛ معتمدًا على الصدق في الرواية، والصدق في التثبُّت، والصدق في التفسير، والصدق في التكييف ، مع توافر حسن النية في كل مرحلةٍ من المراحل .
ولا أغلو إذا قلت إن تراثنا الإسلامي قد أرسى قواعد هذا المنهج العلمي الأخلاقي في نفوس المسلمين وضمائرهم, ويشدّني ما جاء في الأثر من أنَّ رجلاً أتى رسول الله- صلى الله عليه وسلم-، وقد أمسك بتلابيب رجل آخر، وهو يقول في غضب شديد وثورة عارمة "يا رسول الله إن هذا الرجل سرق مني كذا وكذا" فرد عليه النبي- صلى الله عليه وسلم- قائلاً: " لاَ تَقُلْ سَرَقَ، وَلَكِنْ قُلْ أَخَذَ" ، نعم لا تقل سرق، ولكن قل أخذ، إنها كلمات مشرقة عجيبة تكثـِّـف في بساطة ووضوح المنهج الأخلاقي في كل مناحي الحياة . فمن معطيات هذه الكلمات العلوية قاعدة قانونية إنسانية ، خلاصتها : ضرورة التثبت قبل الإدانة، فالمتَّهم بريء حتى تثبت إدانته، والأصل هو البراءة ، ولا جريمة ولا عقوبة إلا بنص .
والعطاء الذي تمنحه هذه الكلمات يمتد حتى تصبح "منهجًا علميًا" , من أهم ملامحه : التأنّي والتعمق ، والتمحيص، والترفع على مستوى الشبهات , والبُعدعن كل ما لا يطمئن إليه القلب والعقل والضمير.
واستقاءً من هذا المنهج العذب حرص أسلافنا- في كتابة التاريخ، وتدوين الحديث النبوي- على "السند" أو "الإسناد"، أي "العنعنة": حدثنا فلان عن فلان عن فلان، وظهرت كتب "الجرح والتعديل"، وهي الكتب التي تبحث في أحوال الرواة والمحدثين وأخبارهم، وتضع معايير الأخذ منهم أو رفض ما قدموا، فتُجيز مَن يُطمأَن إلى دينه وأخلاقه وحفظه، وترفض من يشك في يقينه وعقيدته، أو مروءته، أو سلوكه، أو حافظته.
وقد تأخذ الحيطة والأناة والحذر والتثبت العلمي عند بعض السلف صورةً تدعو إلى الدهشة والإعجاب، وفي هذا المقام يُروَى أن "أحمد بن حنبل"- رضي الله عنه- تجشَّم مشاق السفر إلى اليمن لأسابيع أو أشهر ليتحقق من صحة حديث نبوي، فلما عثر على العالِم المحدث المطلوب رآه يضم إليه أطراف ثوبه، ويدعو بغلته النافرة إلى طعام في حِجره، وحِجره فارغ، فتراجَع "أحمد بن حنبل"، ورفض أن يسأله عن الحديث الذي جاء من أجله؛ لأنه كذِب على بغلته بإيهامها أن في حِجره طعامًا؛ مما يشكك في مصداقيته ومروءته.
تلك هي الوجهة الأخلاقية التي يجب أن يتسم بها منهج البحث في كل العلوم، ، حتى لا نكون أدعياءَ وعالةً على تراثنا وتاريخنا البعيد والقريب، وحتى لا تتكرر في حياتنا قصةُ "الفيل والعميان"، وتصبح منهجًا له قواعده وكتبه ورجاله وحواريوه .
ولنذكر – باعتزاز – أن القرآن الكريم دعا البشر إلى النظر, والتأمل , والتبصر,والاعتبار . وجعل قيمة الحواس والمشاعر بقدرتحقيقها هذه القيم ".. إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسئولا " الإسراء 36 .
**********
تذكرت هذه الكلمات وأنا أقرأ كتاب الأستاذه عزة الدمرداش :
" القرآن الكريم سبق علماء النفس " . فمن المنطلق الإسلامي كتبت عزة الدمرداش كتابها . وإذا وقفنا مع الكتاب لمسنا بوضوح أهم معطيات منهج الكاتبة فيما كتبت ويتلخص في إيجاز شديد فيما يأتي :
1- الاعتزاز بالتراث الإسلامي والعربي في غير إسراف . وبعيد عن التزييف والحماسة المشتطة .
**********
2- المزاوجة بين قوة العقيدة ، وحرارة الإيمان من ناحية ، والأفكار الناضجة من ناحية أخرى .
فمما يدل دلالة واضحة على قوة العقيدة الكلمات الآتية التي وردت في الكتاب إذ تسأل الكاتبة : لماذا أمرنا الله بالخشوع في الصلاة ؟ وتقول الكاتبة في جوابها :
" إن "ظاهرة" الخشوع في الصلاة أصبحت شبه منعدمة في عصرنا هذا، ربما بسبب ضغوط العصر والمشاكل والتطورات والأعباء المادية التي يعاني منها معظم الناس. والسؤال: لماذا أمرنا الله بالخشوع، وما فائدة ذلك؟ وماذا يحدث إذا فكر الإنسان بأكثر من شيء في آن واحد؟
في دراسة نشرها معهد " راين فيستفاليا " للدراسات التقنية في مدينة " آخن " الألمانية تبين أن العقل البشري يحتاج إلى وقت أطول في ردة الفعل، فيما إذا حاول الإنسان أن يقوم بعملين مختلفين في آن واحد؛ والنتيجة ستكون زيادة الأخطاء الناجمة عن تشتت الذهن في أكثر من عمل. إن المؤمن ينبغي عليه أن يفكر بكل اكتشاف جديد ويحاول تسخيره لفائدته في الدنيا والآخرة، فنحن نعلم أن الله تعالى أمرنا بالخشوع أثناء الصلاة، والخشوع يعني أن نركز كل انتباهنا إلى الآيات التي نقرؤها والتسبيح والتكبير والأذكار التي نؤديها أثناء الصلاة. وقد مدح الله تعالى المؤمنين بسبب صفة تميزوا بها عن غيرهم وهي صفة الخشوع في الصلاة .
( وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ(الاعراف 204 )
وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له أيها الناس وأنصتوا, لتعقلوه رجاء أن يرحمكم الله به .
( لَوْ أَنْزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُتَصَدِّعًا مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَتِلْكَ الأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ) (الحشر21 ) " .
**********
3- الربط القوي بين المعطيات العلمية ، والمعطيات الإسلامية . مع الارتكاز الطاهر النقي على كتابنا السماوي ، فهو : " لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ " فصلت (42) .
**********
4- نقض الخرافات السائدة في المجتمع الإسلامي مثل الإيمان بخرافة الأبراج ، وقدرتها على تسيير حاضر الإنسان ومستقبله . تقول عزة الدمرداش عن هذه الأكذوبة " الأثر السئ لأكذوبة الأبراج : " يقول أحد الخبراء إن ملايين الدولارات تُصرف على برامج التنجيم والتنبؤ بالغيب وتحليل الشخصية ومعرفة المستقبل من خلال ما يسمى الأبراج، وملايين أخرى يتكبدها الناس نتيجة تصديقهم لهذه الأكاذيب. وقد يظهر أحياناً من يسمي نفسه "عالم فلك" ويحاول أن يقنعنا بتأثير النجوم باعتبار أن هذه النجوم تبث أشعة تخترق الغلاف الجوي للأرض ، وتؤثر على البشر كل حسب تاريخ مولده! .
لقد دارت وتدور كل يوم أحاديث كثيرة عن التنجيم والأبراج ومحاولة
التنبؤ بالمستقبل الذي لا يعلمه إلا الله سبحانه وتعالى. فالتنجيم هو عمل
يحاول من خلاله المنجمون أن يخبروا الناس بمستقبلهم ويدعون أنهم
يعلمون الغيب. ويستعينون ببعض الكواكب والنجوم لإقناع الناس
بصدق نبوآتهم. إنهم يدعون أن هذه النجوم والأبراج تؤثر في سلوك
البشر وتحدد مستقبلهم . فماذا يقول الحديث في هذا الشأن؟
( من أتى عرافا فصدقه لم تقبل صلاته أربعين يوما ) .
(قُلْ لا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزَائِنُ اللَّهِ وَلا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلا أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ إِنْ
أَتَّبِعُ إِلا مَا يُوحَى إِلَيَّ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الأَعْمَى وَالْبَصِيرُ أَفَلا تَتَفَكَّرُونَ)
(الانعام 50 ) .
**********
5- شمولية الاستقراء ، ومدارسة المراجع المعتبرة التي ساعدت الكاتبة على إقرار حقيقة قاطعة وهي السبق القرآني لعلم النفس بكل مدارسه وخصوصا في مجال تقييم الشخصية الإنسانية . فالعلمانيون يؤمنون بأن العلوم المختلفة ــ ومنها علم النفس ــ تسبق ما جاء به الإسلام ، بل تتفوق على ما جاء به ، بل إن كثيرين منهم ينكرون الحقائق الدينية ويتهمونها بالرجعية ، وعدم صلاحيتها في عصرنا الذي نعيشه الآن .
وتأتي قيمة باحثتنا عزة الدمرداش في إثبات أن القرآن سبق علماء النفس في تقييم الشخصية الإنسانية وتوجيهها التوجيه الصحيح .
**********
وفي كل أولئك اعتمدت الكاتبة على مصادر إسلامية وعلمية أصيلة . وفي ختام كتابها تأتي الكلمات الآتية :
وأخيرا ........
إن معجزات القرآن في عالم الأنفس لا تنتهي، ولذلك قال تعالى: (وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ) [الذاريات: 21]. فالهدف من هذه المعجزات ليس مجرد أن نقول إن القرآن سبق علماء النفس، نعم هذا هدف عظيم، ولكن هناك هدفا أعظم ألا وهو أن نتفكر ونبصر هذه الآيات لنقوّي إيماننا ونزداد ثقة بالله عز وجل ، عسى أن نكون من الذين قال الله تعالى في حقهم: (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آَيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ * الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ * أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَهُمْ دَرَجَاتٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَمَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ) [الأنفال: 2-4].
**********
ومن حق الكاتبة علينا في كتابها ــ حتى يؤمن القارئ بقيمة كتابها ــ أن نورد في السطور الآتية أهم المراجع التي رجعت إليها في كتابها :
المرجع الاول:
القرآن الكريم . تفسير الجلالين .التفسير الميسر.تفسير السعدي.
مراجع التنمية البشرية:
1. مقالة حول تعريف البرمجة اللغوية العصبية : www.selfleadership.com.au
2. مجموعة من المقالات على موقع البرمجة اللغوية العصبية: www.nlpu.com/index.htm
3. كتاب "قوة عقلك الباطن: تأليف الدكتور جوزيف ميرفي ترجمة وطباعة دار جرير للنشر.
4. كتاب "لا تهتم بصغائر الأمور" للدكتور ريتشارد كارلسون، ترجمة وطباعة دار جرير للنشر.
5. كتاب "كيف تكون الشخص الذي تريد" للكاتب ستيف تشاندلر، طباعة وترجمة دار جرير للنشر.
6. كتاب: "قوة التحكم بالذات" للدكتور إبراهيم الفقي، المركز الكندي للتنمية البشرية.
7. مقالة بعنوان البرمجة اللغوية العصبية: www.en.wikipedia.org
8. مجموعة مقالات على موقع الطريق إلى التعلم: www.thelearningpath.co.uk
9. موقع الدكتور "جون غرندر" مؤسس علم البرمجة اللغوية العصبية: www.quantum-leap.com
موقع الدكتور ريتشارد باندلر مؤسس مشارك في علم البرمجة.......
تم بعون الله عرض الأيات القرآنية وتفسيرها لتثبت لنا أن القرآن الكريم سبق علم التنمية البشرية لتقويم النفس البشرية وتهذيبها ...... من اكثر من 1431 سنة هجرية.
**********
لقد صدرتُ هذا الكتاب بالسطور السابقة ، ملتزما الإيجاز بقدر ما أستطيع ، فالكتاب يستحق تقديمات وتقديمات . بل إن الكتاب في ذاته ناطق عن نفسه . وهو يعد ضميمة حية للبحوث الجادة في عصرنا الحديث . والحمد لله رب العالمين .