العنقاء أبدا سيرة ذاتية وسيرة شعب
رفيقة عثمان
أقدِّم أجمل التهاني للدكتورة الكاتبة إلهام أبو غزالة بإصدار كتابها بعنوان "العنقاء أبدّا".
السيرة الذاتيَّة، سيرة شعب:
يُعتبر كتاب المؤلِّفة عبارة عن نوع من الأدب الذي يُسجل السيرة الذاتيّة- Narrative.
أسهبت كاتبتنا في سرد تفاصيل سيرتها الذاتيّة، منذ طفولتها، ولغاية الوقت الحاضر، حيث تعتبر هذه السيرة الذاتيّة بمثابة وصف للواقع، وسِجل مُوثَّق لسيرة الشعب الفلسطيني بكل أحداثه، وأمكنته، ونضاله، على مدى فترة زمنيَّة تتراوح ما قبل النكبة، ولغاية الآن؛ ليكون هذا السجل مصدرًا تاريخيًّا للأجيال الفلسطينيَّة الشابة في المستقبل.
عكست الكاتبة حياة الشعب الفلسطيني، من خلال رؤية ذاتيّة بشكل صريح وصادق، ولم تبخل على قُرَّائها في عرض التفاصيل الخاصَّة جِدًا، والدقيقة عن حياتها الخاصَّة، وحياة المُقرَّبين منها، والحافلة بالأحداث المُفرِحة، والمحزنة على حدٍّ سواء، ولم تُخفِ مشاعرها في كافَّة الأمور، وكذلك نقدها لذاتها أحيانًا سواء كان سلبيًّا‘ أم إيجابيًّا.
إن َّ التمحور حول الذات، والولع بالذات، ونبش تفاصيل أحداث الماضي بحذافيرها، يُعتبر ثورةً حقيقيَّة على الشجن، ودعوة إلى العودة إلى الحاضر الحقيقي خارج ذواتنا، بأن نسعى نحو المستقبل.
البحث عن الجنَّة المفقودة في سراديب الماضي: ستظل يافا في القلب دائمًا وأبدًا:
نوستالجيا- Nostalgia:: مُصطلح يوناني
حلَّقت أديبتنا في خيالها الممتع، ورجوعها بالذكريات للماضي البعيد، واستثارتها عند كل موقف، ومكان، وزمان، وعبَّرت عن حنينها إلى مدينة يافا، ورسمت لنا صورةً ورديَّة علقت في روحها وعقلها، على حقبة زمنيَّة مضت، وهربت من الواقع المرير إلى خيالات الجنَّة الضائعة، والمفقودة، في اجترار الأحزان، وبث الشجون.
يُعتبر شجن التغيُّب داخل الذات، والحنين إلى الجنَّة المفقودة (يافا)، نقدًا للواقع المؤلم، ورفضه لما هو عليه، ويطرح من خلاله تصوُّرات ذاتيَّة للكاتبة، عن الواقع المستقبلي للشعب الفلسطيني.
الحوار الذاتي- Monolog-
أكثرت الأديبة من عبارات الحوار الذاتي - المونولوج، الذي أثرى من النصوص الأدبيَّة جمالا، وإقناع القارئ بصدق مشاعرها، ومواقفها.
نموذج للمرأة المتمرُّدة، والصامدة والمتحدِّيَّة:
ضربت لنا الكاتبة فلسطينيَّة الأصل، مثالا يحتذي به، في التحدِّي أمام المواقف الحياتيَّة الصعبة، والتحدي، والتمرُّد على القوانين والسلطة بكافَّة أنواعها، كل هذا صقل فيها إنسانة صلبة تواجه العقبات، وتصمد في أحلك الأوقات، وخاصَّة السياسيَّة منه.
تصوير الكاتبة المرسوم في الصمود، والشعور بالعلويَّة، والشموخ، والاعتزاز بشخصيَّتها، وثقافتها، وتحصيلها العلمي، ومواقفها الإنسانيَّة، والسياسيَّة، والشخصيَّة، تُمثِّل نموذجًا رائعًا للمرأة الفلسطينيَّة في كل مكان وزمان، في الحاضر والمستقبل.
إلا إنني أعتب على الكاتبة، عندما اعتزَّت بصمودها وخروجها منتصرةً من السجن، بعد ثلاثة أشهر، صلبةً وقويَّةً، وتتمنَّى لكل فتاة أن تُسجن؛ كي تتخرَّج من السجن مع شهادة انتصار، وشخصيّة صامدة، كم ذكرت في النهاية صفحة 262: "أتمنى على كل فتاة عربيَّة أن تخوض هذه التجربة لما تحمله من إثراء وقوَّة لها"، لم يَرُق لي هذا التعبير، حبَّذا لو تمنَّت كاتبتنا أمنية أفضل من السجن للنساء الفلسطينيَّات، كأمنية التعليم العالي لفتياتنا من كافَّة الطبقات الاجتماعيَّة، وخوض معركة الحياة من أوسع أبوابها، والتسلح بالعلم والعمل، في كافَّة الميادين، والمجالات التي لا يُسمح للفتاة خوضها بسبب أنوثتها فحسب، وحصرها على الرجال فقط، كمهنة القضاء، الطيران، وما إلى ذلك، وكما لم يرُق لي التمرُّد على العادات الاجتماعي، والقيم الاجتماعيَّة، أرى بأن هذا التحدِّي لم يساهم في صقل شخصيَّة الفتاة، لصورة مُرضية اجتماعيًّا. (كما ورد صفحة 117، "في تلك المرحلة أيضًا بدأت في التدخين. لم يكن الفعل بحد ذاته إلا محاولة لتحدي القيم الاجتماعيَّة"، وما إلى ذلك.
يُستشفُ من قراءة النصوص، بأن الكاتبة تنحدر لأسرة غنيَّة، في الجاه، والمال، والعلم، والنضال، فهي تُصوِّر واقع فئة معيَّنة من النساء الفلسطينيَّات، بعيدًا كل البعد عن النساء ذوات الطبقة الوسطى وما دونها، فهذا ليس عيبًا، بل يعكس فئة أو طبقة محدودة في المجتمع الفلسطيني.
اللغة:
لقد عبَّرت الكاتبة عما يجول في خاطرها، بلغة سلسة وسهلة، تتضمَّن بعض الكنايات والتشبيهات، إلا أنها أكثرت من استعمال، "لفيف دماغي" في معظم النصوص.
تخلّلت النصوص بعض التشويشات في الأحداث، غير المتسلسلة.
الأسلوب:
استخدمت الكاتبة أسلوب الإضاءة الراجعة –Flesh back - يُعتبر أسلوبًا شيِّقًا ومثيرًا.
العنوان:
العنقاء أبدًا : الخروج من يافا بدأً
حبّذا لو لم تستعمل الكاتبة، الخروج من يافا بداً، أرى بأنه لا ضرورة لذلك، وأن تدع القارئ يستنتج لوحده ما يقرأ. كذلك العنقاء أبدًا، يستحق العنوان إعادة نظر، إذا قصدت الكاتبة، بالعنقاء ومعناه الطير الذي لا يموت أبدًا، فهذا التشبيه لا يلائم، لأن الطيور كلها فانية، لأنها نفس حيَّة، وأن يافا، وحبَّها باقٍ إلى الأبد.
في النهاية: أتمنى للدكتورة الأديبة مزيدًا من العطاء، ومديد العمر، أرجو من الله أن يجمعنا معها قريبًا، في قدسنا الحبيب.