وقفات على الغصن
وقفات على الغصن
جراح بلا ساحل .. بلاغة العنوان
طلال سالم الحديثي
يعد عنوان النص الأدبي بلغة النقد الحديث (ثريا النص) والثريا اسم استعاري من تسمية (النجم المعروف) عند العرب، وقد استعيرت الكلمة لتطلق على مجموعة من المصابيح الكهربائية مجتمعة بإشكال هندسية شتى تضيء حجرات البيوت ودهاليزها وممراتها. ولعل إضفاء هذه المعاني على عناوين النصوص يوضح لنا مدى أهمية العنوان في الكشف عن مضمون الكتاب أو القصيدة أو الرواية وما إلى ذلك من أنواع أدبية أخرى، وقديما كان يقال : الكتاب يُـقرأ من عنوانه.
و(جراح بلا ساحل) عنوان المجموعة الشعرية الأولى للشاعر خلف دلف، وأول ما يلفتنا أن الشاعر شبه الجراح بالبحر ولا يذهب بنا الظن إلى انه شبهها بالأنهار أو البحيرات لان الأنهار لا سواحل لها ولها شواطئ، والبحيرات لا سواحل لها ولها ضفاف، إذن فجراح الشاعر بحر وبحر بلا ساحل علماً بأن البحار على اتساعها لها سواحل، فنقول ساحل البحر الأبيض المتوسط وساحل البحر الأحمر وما إلى ذلك، وقد وقفت يوما على ساحل البحر الأبيض المتوسط وداعبت بأناملي حصوات كانت تتلألئ عبر ماء الساحل.
جراح الساحل لا ساحل لها فهي في هذه الحال أوسع مدى من البحر، وهذه دلالة على عمقها واتساعها في نفس الشاعر ومشاعره، ولهذا ستكون مهمة الشاعر شاقة في التعبير عن معاناته والآمه وهواجسه وتمنياته، فالجرح الممض يؤلم صاحبه ويشتكي سائر جسده من جرحه.
هي جراح (معنوية) لا تلتئم كجراحات السنان .. هي كجراحات اللسان التي وصفها القائل :
جراحات السنان لها التئام ولا يلتام ما جرح اللسان
وإذا لم يلتئم الجرح يبقى ممضاً على الدوام فيصير كالمرض المزمن، معاناة دائمة وأوجاع مستديمة.
ووجع الشاعر وجراحه من مخلفات احتلال بلده، ولقد ترك المحتل في النفوس أوجاعا لا يمحوها الزمن، معاناتها دائمة ونزيفها مستديم.
وأحسب أن الشاعر خلف وفـّق التوفيق كله بعنونة (قصائده) بهذا العنوان الذي يشكل في الذهن بعداً عميقاً لمعان تتدفق كالفرات أيام شبابه.
ولي قراءة أخرى في وقفة أخرى.