المرأة في رواية إبراهيم نصر الله "شرفة الهذيان"
المرأة في رواية إبراهيم نصر الله
"شرفة الهذيان"
د.إسراء أبو عياش
في تصويره لحالة المهانة التي يعيشها الإنسان العربي في كل تفاصيل حياته، تظهر المرأة في هذه الرواية بأدوار محدودة، وفي حالات قليلة مما قد يعبر عن واقع المرأة في هذا المجتمع الذي لا دور لأحد فيه، فالجميع نكرات تسّير وفق خط مرسوم لها من قبل جهات أعلى، فما بالنا بالمرأة التي هي في الأساس مهمشة، فتهميش دورها هنا يأتي كنتيجة طبيعية لتهميش المجتمع ككل، يعيش رشيد النمر مع زوجته وأولاده في بيت تشيع فيه حالة من الفوضى في العلاقات والمفاهيم، وحالة من اللا تواصل تماما كما هي حالة المجتمع الذي تنتمي له هذه الأسرة، فلا أحلام تجمعهم ولا آمال ولا أهداف وكل يعيش عالمه الخاص.
ولكن ما يبعث على البهجة والأمل، ذلك التصوير الشجاع لإبراهيم نصر الله للمرأة المتمثل في شخصية ابنته الحكيمة-والذي قلما نجد تجسيدا مشابها له- التي تشعر بالتعاطف معه أحيانا كثيرة، وتحجم عن مؤازرته ومساعدته تاركة إياه يواجه هذيانه بنفسه، ففي خضم محاولاته المتكررة لاعتلاء سرج الحرية لا يجد مناصا من الخضوع والقبول بواقعه، لكن تبقى دائما ابنته حارسة أحلامه وأحلام ملايين المقهورين في الحرية والخلاص، نرى ذلك من خلال نظراته لتحديق ابنته في عينيه مباشرة، وطريقة إحجامها عنه بإدارة ظهرها له، وهي عاقدة يديها خلف ظهرها، مما يشير إلى أن رشيد النمر لا يزال يحلم، وقد يسعى لتحقيق حلمه، إن شخصية الابنة التي غردت بعيدا عن السرب، رغم صمتها الدائم اللا متناهي، قالت بهذا الصمت الكثير، ومثلت هؤلاء الذين لم يحن موعد حديثهم، ولكن على الأقل لا يزالون مصّرين على عدم المشاركة في المهزلة، وهنا نرى صورة حنظله المرافقة لظهورها والتي تحمل دلالة عميقة بحتمية الانتصار- رغم تفاهة الآخرين- وأن الأمل لم يمت بعد.
"التفت الى ابنته، كانت تنظر للداخل بصمت عاقدة يديها خلف ظهرها بما يذكر كثيرا بحنظلة – طفل رسومات ناجي العلي-..."(ص. 75)
" حرص على ترتيب اللحاف فوق جسدها.........لسبب ما كان يشك في مسألة موتها" (ص. 74)
هكذا أبقى لنا إبراهيم نصر الله باب الأمل مفتوحا، وجسده في شخصية المرأة أو الفتاة ولم يجسدها في شخصية الرجل أو الفتى على خلاف ما هو معهود، وهذا يعد قفزة نوعية، ونوعا من حسن الفطنة في تصوير المرأة ودورها، ودلالة واضحة على نزعة تجديدية في النظرة لها، ولقدراتها قد يراها البعض بعضا من هذيانه المتواصل.
وبينما يتعرض في روايته إلى الحالة المريعة التي وصل لها حالنا، والفراغ واليأس الفكري الذي أنتج تربة خصبة للتيارات الدينية، وما صاحبه من تراجع في دور المرأة، نرى في الرواية دور الفضائيات الرخيص في الترويج لصورة رديئة عن المرأة، كما برز في كلام رشيد النمر عن ابنه:
"أحيانا يبيعُ جواربَ نسائية وحمّالات صدور وغيارات داخلية، وقبل يومين قال له أحدهم: عليك أنْ تفهمَ أنّك لن تستطيع بيعَ أيّ قطعة من هذه القطع، وحين سأله: لماذا؟ أجابه: لأنك تبيعها فارغة، في حين تبيعُها الفضائيّات لنا طوال الوقت ممتلئة، وحين عاد الولد للبيت اختلى بغرفته سبعَ ليالٍ، وحين خرج قال لي: فعلا، إنّهم يبيعونها ممتلئة ويُعلّمون الناس كيفيّة استعمالها أيضا." (ص. 72)فما بين صورة الزوجة التي تقضي جُلّ حياتها نائمة مستكينة لحالها تعبيرا عن حالة لا فعل فيها، ولا قوة، ولا حتى وعي بما يدور حولها في إشارة إلى دورها المتراجع، وبين صورة البنت التي تمثل حالة من الوعي الذي قد ينذر بالتغيير، وبين صورة المحبوبة التي لا يستطيع حتى خيانة زوجته معها إلا في الحلم في إشارة إلى عجزه المفرط، يروي لنا إبراهيم نصر الله قصتنا مع القهر والذل وقلة الحيلة والهوان، وهل يعقل أن تصل الحال إلى ما آلت عليه إلا في الأحلام أو في بعض من الهذيان.