الرماح في ديوان العرب
أ.د/
جابر قميحةمن الحقائق التي حملها إلينا التاريخ ، وسرت مسرى الأمثال قولهم " العرب أمة شاعرة " ، وكذلك قولهم " الشعر ديوان العرب " . ولا مبالغة في ذلك : فالشعر هو الذي حفظ تاريخهم، وأيامهم ومسيرة حياتهم .
**********
فما رأيك يا عزيزي القارئ أن نعيش هذه الحلقة مع سلاح عربي أصيل هو الرماح ؟
في كتب اللغة ككتاب فقه اللغة للثعالبي نجد أسماء متعددة للرماح ، على النحو الأتي:
إذا كان الرمح أسمر فهو " أظمى " ، فإذا كان سنانه نافذا قاطعا فهو " لهْذم " . فإذا نسب إلى أرض يقال لها الخط فهو " خطي " . فإذا نسب إلى امرأة يقال لها ردينة كانت تعمل الرماح ، ( ويقال بل تباع عندها الرماح ) فهو " رديني " . فإذا نسب إلى ذي يزن فهو " يزني " . فإذا أريد نبات الرماح قيل " الوشيج والمُرّان " .
**********
ومن شعر المتبني :
كلما أنبت الزمان قناة ركب المرء في القناة سنانا
أما ابن سناء الملك فإنه يثني على الرماح إلى درجة المغالاة فيقول:
ملوك يحوزون الغنائم عنوة بسمر العوالي أو ببيض القواضب
رماح بأيديهم طوال كأنما أرادوا بها تثقيب در الكواكب
**********
ولبعض الشعراء في القرن التاسع الهجري أبيات كانت تكتب على الرماح ، وكأن الرمح هو الذي ينطق بها . من ذلك الأبيات التالية للفتح بن الشهيد :
إذا الغبار علا في الجو عِثيرُه فأظلم الجو ما للشمس أنوار
هذا سنان نجم يستضاء به كأنه علم في رأسه نارُ
إن الرماح لأغصان وليس لها سوى النجوم على العيدان أزهار
ونظم الرئيس شمس الدين بن المزين :
وإذا تفاهمت الكماة بجحفل كلمتهم فيه بكل لسان
ونظم المقر المرحومي وهو كاتب السر بمدينة حمص الأبيات التالية ، وفيها يظهر تأثره بالقرآن الكريم :
عروس سناني حين تُجْلى على العدا وتظهر تبدي ما لهم من بواطن
وقد صيغ من همِِّ فبين صدورهم مجال لهمِِّ رحْب فسيح المواطن
سيلقون يوم الجمع غبنا لموتهم بطعن ويوم الجمع يوم التغابن
وإن شهدوا بالجور فيّ وعدَّلوا فإني قد بينت فيهم مطاعني
ونظم قاضي القضاة صدر الدين بن الآمدي :
النصر مقرون بضرب أسنة لمعانها كوميض برق يشرق
سّبِكت لتسبك كل خصم مارد وتطرقت لمعاند يتطرق
زرق تفوق البِيض في الهيجاء إذ يحمر من دمه العدو الأزرق
ينسخن يوم الحرب كل كتيبة تحت الغبار فنسخهن محقق
وقال تقي الدين أبو بكر الحموي :
أنا رمح ورامح الأفق يخشى من سموي إليه يوم الطعان
وإذا أنكروا عدالة قدِّي يوم حكم جرحتهم بلساني
وسناني كالبرق بل صار منه قلب سيف البروق في خفقان
رمحه للردين ينسب لكن صاح لما علاه : يا للسنان
وقال مجير الدين بن تميم :
لو كنت تشهدني وقد حمي الوغى في موقف الموت فيه بمعزل
لترى أنابيب القناة على يدي تجري وما من تحت ظل القسطل
وقال الشاعر الأموي أبو العطاء السندي :
ذكرتك والخطي يخطر بيننا وقد نهلت منا المثقفة السمر
فوالله ما أدري وإني لصادق أداء عراني من حبابك أم سحر
فإن كان سحرا فاعذريني على الهوى وإن كان داء غيره فلك العذر
وقال قطري بن الفجاءة المازني :
لا يركننْ أحد إلى الإحجام يوم الوغى متخوفا لحِمامِ
فلقد أراني للرماح جريئة من عن يميني مرة وأمامي
حتى خضبت بما تحدر من دمي أكناف سرجي أو عنان لجام
وقال الشاعر الجاهلي قيس بن الخطيب :
طعنت ابن عبد القيس طعنت ثائر لها نفذ لولا الشعاع أضاءها
ملكت بها كفي فأنهرت فتقها يرى قائم من دونها ما وراءها
وقال عنترة مخاطبا عبلة :
ولقد ذكرتك والرماح نواهل مني وبيض الهند تقطر من دمي
فوددت تقبيل السيوف لأنها لمعت كبارق ثغرك المتبسم
وقال كذلك :
يدعون عنتر والرماح كأنها أشطان بئر في لبان الأدهم
مازلت أرميهم بغرة وجهه ولبانه حتى تسربل بالدم
قال المتنبي :
جهلوني وإن عمرت قليلا نسبتني لهم رءوس الرماح
ومن شعر لبكر بن النطاح في أبي دلف :
قالوا " وينظم فارسين بطعنة يوم اللقاء ولا يراه جليلا "
لا تعجبوا لو كان مد قناته ميلا إذن نظم الفوارس ميلا
**********
عزيزي القارئ : قدمنا قليلا من الأبيات عن الرماح في ديوان العرب ، ونأمل أن نلتقي بك في موضوع آخر في المستقبل القريب بمشيئة الله .
والحمد لله رب العالمين .