المسجد بين شعراء العربية والفارسية والتركية والأوردية

قراءة في كتاب

"المسجد بين شعراء العربية والفارسية والتركية والأوردية"

د. نعيم محمد عبد الغني

[email protected]

كتاب "المسجد بين شعراء العربية والفارسية والتركية والأوردية" يعد واحداً من المؤلفات الكثيرة للدكتور حسين مجيب المصري الذي تخصص في الأدب المقارن بصفة عامة، والأدب الإسلامي المقارن بصفة خاصة.

والكتاب يحاول أن يجلي للقارئ العربي صورة المسجد في الشعر العربي والفارسي والتركي والأردي، وذلك رغبة من المؤلف في تجلية دور المسجد الحضارية في التراث الإسلامي الذي لا يتركز في الثقافة العربية وحدها بل هو موجود في الثقافة الغربية والإنسانية، ومن ثم فقد بدأ الدكتور المصري مقدمة طويلة عن مكانة المسجد الحضارية من حيث اختصاصه بالعبادة والذكر وتنظيم شئون المجتمع الصحية والثقافية والاجتماعية والسياسية، مستشهدا على ذلك بنصوص وأحداث في تاريخ الإسلام، حيث إن الدراسة المقارنة اقتضته أن يخوض في كثير من حقائق التاريخ، وأن يلم إلمامة موجزة بالشعراء الذين جعلوا المسجد موضوعا لشعرهم خاصة من غير العرب الذين لا يعرف عنهم القارئ العربي شيئا إلا إذا كان متخصصا في الدراسات الشرقية الإسلامية.

ومن هنا تأتي الرغبة الثانية للمؤلف في أن يكون هذا الكتاب رحما بين الآداب، ينبغي أن توصل بترجمتها ودراستها دراسة مقارنة، فالدراسة المقارنة هي المنهج الأمثل الذي يستطيع أن يبين سمات التراث الإسلامي، ويحدد خصائصه، بحيث يكون واضح المعالم بين القسمات..

 ومن أجل تحقيق هذه الغاية خط المؤلف لنفسه منهجا تاريخيا تتبع فيه ما قاله الشعراء القدماء والمحدثون في المسجد؛ للوقوف على مدى تطور المسجد في العطاء الحضاري، باعتبار أن الشعر يعد وثيقة تاريخية من أصدق الوسائل وأهمها، وهذا المنهج سبب تداخلا كان مرده أن فهم الشعر الفارسي والتركي في الأدب افسلامي لا يتحقق إلا إذا كانت هناك خلفية إسلامية متعددة العناصر، ومن ثم فمنبع الشعر عند أولئك الشعراء واحد، ولكن المصب يختلف باختلاف الرؤى والأفكار.

وتنقسم هذه الدراسة غلى أربعة ابواب، وكل باب يحوي فصلين، فتناولت في الباب الأول المسجد في الشعر العربي من خلال دراسة المسجد في الشعر العربي القديم فبدأ بما قيل من شعر في المسجد النبوي الشريف وتأثرهم بتعاون النبي لهم وقولهم:

لئن قعدنا والنبي يعمل ...لذاك منا العمل المضلل

ثم يذكر الدكتور المصري ما دون من شعر بالعربية في المساجد المشهورة، من حيث بنائها وزخرفتها، وما فيها من قصص وأحداث، كالبيت الحرام، والمسجد الأموي بدمشق، ومسجد أبي أيوب الأنصاري في إستانبول بتركيا وجامع قرطبة، ونأخذ مثلا ما نقله عن بعض شعراء الأندلس في قرطبة قوله:

بأربع فاقت الأمصار قرطبة

منهن قنطرة الوادي وجامعها

هاتان ثنتان والزهراء ثالثة

والعلم أعظم شيء وهو رابعها

وفي الفصل الثاني يتحدث الدكتور مجيب المصري عن المسجد في الشعر العربي الحديث والمعاصر، فيبدأ بالجامع الأزهر، ويذكر ما قاله شوقي من أبيات شهيرة فيه مطلعها:

قم في فم الدنيا وحييّ الأزهرا

وانثر على سمع الزمان الجوهرا

ويأخذ الجامع الأزهر من المؤلف حظا موفورا باعتباره مصدر إشعاع حضاري على مدى قرون عديدة، لينتقل بعدها للحديث عن جامع الزيتونة بتونس باعتباره قلعة أخرى من قلاع العلم، ويذكر بأنه أعظم معهد فيقول:

ولتونس في العلم أعظم معهد

غمر البلاد مكارما وصنائعا

فلجامع الزيتونة المجد الذي

أضحى لمختلف المفاخر جامعا

ويمضي المؤلف في الحديث عن المساجد وما ارتبطت به من أحداث، دونها الشعر، وما يحدث فيها من شعائر ومشاعر، استولت على خيال الشعراء فترجموها شعرا.

ثم يتحدث المؤلف في الباب الثاني عن المسجد في الشعر التركي القديم فبين أن الشاعر الإيراني بهاء الدين العاملي في كتابه الكشكول الذي يعد موسوعة معرفية عقد فصلا عن المسجد في العصر التركي فبين أنه يقسم إلى ثلاثة أقسام، الأول يخص الكنائس التي حولت إلى مساجد مثل جامع أيا صوفيا، ومساجد أقامها السلاطين العثمانيون مثل مسجد السلطان سليمان القانوني، والقسم الثالث متمثل في المساجد التي أقامها غير السلاطين العثمانيين، وبين أنه سيحصر الدراسة في هذا الباب عن الشعر الذي قيل في مسجد إسطانبول، ولن يستطيع دراسة ما قيل في كل المساجد التركية، نظرا لأنه لم يستطع العثور على أمثلة يدرسها في كل مساجد تركيا، ثم يذكر عناية الأترك بالمساجد وزخرفتها، فيذكر الترجمة باللغة العربية في أصل الكتاب والأصل التركي في الهامش، في لفتة من المؤلف للأمانة العلمية من ناحية، وليمكن الدارسين للتركية من الاطلاع على الشعر التركي في مصادره من ناحية أخرى، ولنعلم أخيرا مدى التعب الذي واجهه المؤلف في سبيل جمع هذه الشواهد من منبعها الأصلي، ومثال ذلك ينقل عن شاعر قوله في زخرفة عمود المسجد الذي يسمى في التركية (قيزطاش) بمعنى "حجر الفتاة"   وهو عمود أقيم في القسطنطينية على عهد الدولة البيزنطية، فيقول: "كأنما تحسب هذا العمود وهو من خالص المرمر، فقد أصبح لفلك السماء المحور ونثرت الفتاة محتوى الكنز على الإنس والجن نثرا، لطاق عمود إياه ما حمل"

ونأخذ أيضا ما نقله عن يحيى كمال الذي يصور فيه جموع المصلين التي هزت كيانه، وملكت جنانه فيقول: "يزيد قلبي نورا على نور في دوام في جامع السليمانية صباح يوم من أسعد الأيام في تلك اللحظة تحت قبة سمائنا يبدو ما كان في تسعة قرون ببلادنا وعبادنا إنها صورة بنفسجية الأوان في كل حين يرتفع عنها الأغبر من سدول الزمان"

وللنتقل لحديث المؤلف عن المسجد في الشعر الفارسي قديمه وحديثه، فيبدأ بما قاله الشعراء الفرس في المساجد مقارنا بينهم وبين الشعراء الترك، ويمتعنا بقصيدة من الشعر الفارسي التي تشبه المسجد بفتاة مليحة ويذكر المصري أنه وجدها في متحف في أيا صوفيا وكان قبل قد كتب هذا المعنى فقال في ديوانه شمعة وفراشة:

ضاقات كسرى أشبهت لك حاجبا

ولو أنه من حسنه لم يوصف

وتصففين غدائرا مجدولة

معقودة كزخارف في مصحف

ويشير إلى حقيقة مهمة تتمثل في أن شعراء مدينة دلهي في الهند جرت عاداتهم بنظم أشعارهم التي تكتب تاريخا على المساجد بالفارسية ولم ينظموها بالأردية؛ لأن الفارسية كانت لغة البلغاء في عصرهم؛ فرغبوا بالتعبير بها للتعظيم، وذهابا منهم للتفنن.

وفي الباب الرابع والأخير يتناول المؤلف المسجد في الشعر الأوردي مبينا أن الشعر الفارسي قد أثر في الشعر الأردي تأثيرا كبيرا خاصة فيما يتعلق بالتصوف ومدائح السلاطين والملوك، وقد تأسى شعراء الأردية بشعراء الفارسية في كثير مما قالوا ونسجوا على منوالهم، ومن ثم فإن تناول المسجد في شعرهم لن يختلف كثيرا عن تناوله في الشعر الفارسي، ويذكر أمثلة على هذه المقولة فيبين مثلا تأثير الصوفية في الشعر الأردي فيقول: (اليوم في مسجدك المصلون، عن وعيهم غائبون)، وفي هذه المقولة إشارة إلى نظرية الفناء الصوفي التي يسببها الحب الإلهي.

ويتحدث في هذا الفصل عن محمد إقبال وشكيب أرسلان الذي رأى أوجه شبه بينهما، إلا أنه يعقب عليهما في تناولهما للمسجد بأن إقبال قد خص حديثه للمسجد، أما شكيب فإنه قد تحدث عنه عرضا، ونختار بعض ما قاله إقبال في المسجد، فينقل مخاطبة إقبال للمسجد بأنه رمز للإيمان بقول:

وإنك رمز لإيماننا

وليلا وصبحا لتسبيحنا

تمثل مجدا لنا في العلا

وترفع قدرا لنا في الملا

وختاما فإن هذا الكتاب قد برع مؤلفه في إحكام خطته، فانتقل من العموم إلى الخصوص، وربط بين الفصول ربطا جيدا، واختار مادة يصعب الوصول إليها ويعد لبنة من لبنات الثقافة الإسلامية والأدب العالمي.