قراءة في أعمال الأديبة السورية لبنى ياسين
قراءة في أعمال الأديبة السورية لبنى ياسين
زينة تاجا*
عندما تشعر بانسياب روحك على الورق,عندما تصرخ وتصرخ بأعلى صوتك علًًَََََ أحدا يلتفت لصراخك, عندما تنذر نفسك لقضية صماء,عندها فقط تكون قد ولدت .. تكون قد خرجت من تلك القوقعة المظلمة التي كادت تطبق على أنفاسك من غير أن تعي, إلا انك في اللحظة الأخيرة التي تقرر فيها النهوض نافضا عنك غبار سنين قضيتها على الهامش لتعود كما كنت"إنسانا" وتصرخ في وجوه آخرين رغبوا في إحالتك إلى اللا شيء فتقول لهم "عدت إنسانا".. عندها تكون قد نفذت بعض ما طلب منك ونذرت نفسك من اجله بكل جرأة وقوة ورهافة إحساس.
هذا ما فعلته " إنسانة" رفضت أن تكون كسابقاتها على هامش الحياة بل وصرخت بكل ما أوتيت من سبل الحياة من قلم ..وصوت ..ودموع لتقف في وجه من رغب في سحقها, وأثبتت نفسها روحا وجسدا وقلبا.
دخلت قلوب أناس تلفهم الأحزان, اجتازت حدودا لم يستطع أحد قبلها ان يتعداها, تميزت برهافة إحساسها, ورقة قلمها في مواساة أناس لم يحيوا الا القليل من الحياة والكثير من المصاب, تلك هي ـ لبنى ياسين ـ لبنى التي لم يستطع إنسان أن يقرأ ما نقشت يداها من غير أن تعلو وجهه مسحة الحزن والدهشة في آن معا,كيف لا وهي تذكر مصاب أناس وأحزانهم بأسلوب دافئ, ترسم آلامهم على طريق أشواك لكنها تسعى في اللحظة الأخيرة إلى نثر الزهور في ذاك الطريق الموحش,طرقت قلوبا وولجت إليها راجية إعانتها على غسل الهموم مذكرة إياها بان الإنسان لا يدوم, ولجت عالم الحياة القاسي بمجموعة من القصص الصغيرة التي كتبتها نفس مثقلة بهموم الآخرين والتي كان لها نصيب من شخصيتها الرافضة للواقع.
ضد التيار
كانت أولى مجموعاتها القصصية وقد ضمت بين دفتي كتاب خشن يحوي ارق الكلمات و أعذب القصص بأسلوب لا تقف أمامه إلا مندهشا لبراعة القلم وهدوء النفس, تعدت بذلك آفاقا خشي الكثيرون قبلها ولوجها من غير دعوات عديدة, وكأن ذاك الشاعر محمود ياسين ( والدها) منحها ـ بالإضافة إلى دمه ـ روحه ونبض قلمه والتي أقسمت بان تجعل شعلته مضاءة إلى آخر رمق للحياة.
قصص قصيرة تحمل بين طياتها وسطورها أناس تعذبوا وعانوا من قسوة الخيانة فلم يستطيعوا تجنبها أو اخذ الموقف الحاسم منها, أو عانوا من نقمة الجمال رغم احتلاله المرتبة الأولى لدى الأنثى,لم تنه كلماتها إلا وتجرك في النهاية من خلالها على البكاء لمصير شخصيات تحيا فيما بينها سنين ببضع صفحات عموما ومئات الجمل المخبأة بين السطور خصوصا,والتي تنتظر دورها بفارغ الصبر ليدعوها أحد إلى المجيء من مكان سباتها السرمدي.
إلا أن حبر قلمها لم يجف, ونبض قلبها لم يتوقف فهي لم تنهي ما أوكل إليها لذا فهي تكمل ما بدأت به في مجموعة ثانية بعنوان" أنثى في قفص"
أنثى في قفص
وهذه أيضا لم تكن اقل حظا من سابقتها بل وكانت الأكثر قوة وعمقا باستخدام ما وراء الأسطر فهي كسابقتها تجعلك تقف مدهوشا أمام كلماتها.. تذكرك بأشياء كنت تتناسها في غمة الحياة, وأناس كنت قد بعثت بهم إلى السبات الأبدي, لعدم وجود الوقت الكافي, فهاهي تطرح مصاب هذا, ومتاعب تلك, تصف النظرات الثكلى لتضعها في ميزان الحقد والكراهية لنظرات ذاك...
لا أحد يقرأ سطور إبداعها من غير أن يكون الصمت ناجعه الوحيد.. منقذه الأليم من الحقائق الموسومة من جهة وإكبارا لآلام شخصيات السطور من جهة أخرى, أناس عايشتهم بضع دقائق مقتضبة إلا أنهم حفروا لأنفسهم مكانا في كل مكان تلجأ إليه لتهرب من نظراتهم.
تلك هي الأديبة السورية لبنى ياسين وتلك ما بدعته كؤوس المرار التي تجرعها مقهورين ومذلولين فكانت هي بمثابة البلسم للجروح التي طال شفاؤها, فلن تخمد نيران قلمك يا لبنى إلا عندما تتأكدين من صدق توهج أقلام غيرك وتشعرين بوجود الصادق الذي أتى ليحمل راية النصر التي نذرت لها نفسك وعالمك وأحاسيسك.
* ناقدة سورية