تَعْليقاتٌ عَلى مُتونِ الْكُتُبِ الْعَرَبيَّةِ 30
مَنْهَجٌ فِي التَّأْليفِ بَيْنَ كُتُبِ الْعِلْمِ وَبَيْنَ طُلّابِها ، بِوَصْلِ حَياتِهِمْ بِحَياتِها
[تَعْليقَةٌ عَلى مَتْنِ "ديوانُ الْبُحْتُريِّ عُنِيَ بِتَحْقيقِه وَشَرْحِه وَالتَّعْليقِ عَلَيْهِ حَسَنْ كامِلِ الصَّيْرَفيّ"]
د. محمد جمال صقر
قالَ |
قُلْتُ |
|||||||||
حُزْنَ مُسْتَعْمَلَ الْكَلامِ اخْتِيارًا وَتَجَنَّبْنَ ظُلْمَةَ التَّعْقيد وَرَكِبْنَ اللَّفْظَ الْقَريبَ فَأَدْرَكْنَ بِه غايَةَ الْمُرادِ الْبَعيد |
أتراه ألمح إلى مخالفته لديدن أستاذه أبي تمام ؟ |
|||||||||
إِنَّ لِلْبَيْنِ مِنَّةً ما تُؤَدّى وَيَدًا في تُماضِرٍ بَيْضاء |
لم أكن أعرف أن " تَمارَة " ، تدليل " تُماضِر " ؛ حتى درست عليَّ بكلية الإعلام من جامعة القاهرة ، فتاةٌ فلسطينية ، ذكرت أن اسمها " تَمارَة " ، ثم كان في الكشف " تُماضِر " ، فلما سألتها أَكَّدَتْ فَهْمي ، ثم سألتني عن معنى " تُماضِر " ! |
|||||||||
بِتَّها وَالْقُرانُ يَصْدَعُ فيهَا الْهَضْبَ حَتّى كادَتْ تَكونُ حِراء (...) الْقُرانُ في هذَا الْبَيْتِ يَجوزُ هَمْزُه وَتَرْكُ هَمْزِه ، وَتَرْكُ الْهَمْزِ أَقْوَمُ فِي الْغَريزَةِ |
عنى أن خبن " مستفعلن " الذي يأتي به تخفيف " القُران " ، أقوم في الغريزة من تسليمها الذي يأتي به تحقيق الهمزة . |
|||||||||
قَدْ سارَتِ الرُّكْبانُ بِالْخَبَرِ الْمُعَجِّبِ عَنْ وَفائِكْ |
هكذا كنت " أَعْجَبُ وَأُعَجِّبُ النّاسَ " ! إن الرجل لجريء على العربية ! |
|||||||||
|
عجبا لك ! تعرف أن المقاصير غريبة نادرة ، ثم ترى البحتري يلتزم قبل الألف ما ينبغي أن يكون الرويَّ لتكون الألف وَصْلَه ، ثم تتمسك بأَلِفيَّةِ الروي ! |
|||||||||
إِنْ جاوَرَ النّيلَ جارَى النّيلَ غالِبُه أَوْ حَلَّ بِالسّيبِ زُرْنا مالِكَ السّيب (...) النّيلُ هُنا بِسَوادِ الْكوفَةِ ، حَفَرَهُ الْحَجّاجُ ، وَسَمّاهُ بِنيلِ مِصْرَ . السّيبُ نَهَرٌ بِالْبَصْرَةِ فيهِ قَرْيَةٌ كَبيرَةٌ ، وآخَرُ في ذُنابَةِ الْفُراتِ . وَالسّيبُ كورَةٌ مِنْ سَوادِ الْكوفَةِ . |
وكذلك " السيب " - وإن كان بعيدا - كورة بمسقط عمان ربما سميت بسيب الكوفة ، كنا نرتادها لما نشتري من طعام وشراب وكساء وجهاز ، وكنا ننتهي إلى شاطئها على البحر ( الخليج العربي ) ، فنفترش حصيرا صار إلى بوابي عمارتنا الآن ، فترفه بذلك عقب العناء ! ثم لما افتتح كارفور انصرفنا إليه بذلك كله ! ثم لما عدنا ، وأقمنا على شاطئ نيل القاهرة - انصرفنا إلى كارفورها بمثل ذلك ! |
|||||||||
تَخَطّى رِقْبَةَ الْواشينَ وَهْنًا وَبُعْدَ مَسافَةُ الْخَرْقِ الْمَجوب |
كأنها " مَسافَةِ " على المضاف إلى " بُعْدَ " ؛ إذ بعيدٌ في " بُعْدَ " معنى " ما أَبْعَدَ " ؛ فلا داعي إليه . |
|||||||||
يُشَقُّ الْجَيْبُ ثُمَّ يَجيءُ أَمْرٌ يُصَغَّرُ فيهِ تَشْقيقُ الْجُيوب |
كقولهم : مَصائِبُ يُرَقِّقُ بَعْضُها بَعْضًا ! |
|||||||||
وَقالَ لَعًا لِلْعاثِرينَ وَقَدْ رَأى وُثوبَ رِجالٍ فَرَّطوا فِي الْعَواقِب |
بمثل هذه العبارات المقصودة روايتها ، تَتَجَلّى بَدَويَّةُ البحتري ! |
|||||||||
وَلَوْلا تَلافيكَ الْخِلافَةَ لَانْبَرَتْ لَها هِمَمُ الْغاوينَ مِنْ كُلِّ جانِب إِذًا لَادَّعاهَا الْأَبْعَدونَ وَلَارْتَقَتْ إِلَيْها أَمانيُّ الظُّنونِ الْكَواذِب زَمانٌ تَهاوَى النّاسُ في لَيْلِ فِتْنَةٍ رَبوضِ النَّواحي مُدْلَهِمِّ الْغَياهِب |
كذلك تلافى الرئاسة المتلافي مخوفا من أن الناس إذا تسنموها ظلوا فيها أبدا ! |
|||||||||
لَيْسَ يَحْلو وُجودُكَ الشَّيْءَ تَبْغيهِ الْتِماسًا حَتّى يَعِزَّ طِلابُهْ |
إي والله ! قد صدقت ، فلم أملك لحكمك إلا أن أميزها بالخط والنجمة المدور عليها (*) ! |
|||||||||
وَالشَّيْبُ مَهْرَبُ مَنْ جارى مَنيَّتَه وَلا نَجاءَ لَه مِنْ ذلِكَ الْهَرَب (...) الْمُوازَنَةُ - أَمالِي الْمُرْتَضى ، وَالشِّهابِ - مُخْتاراتُ عَبْدِ الْقاهِرِ الْجُرْجانيِّ ( الطَّرائِفُ الْأَدَبيَّةُ 332 ) |
هذه طرائف مهمة ! |
|||||||||
وَسَمَّيْتُها مِنْ خَشْيَةِ النّاسِ زَيْنَبًا وَكَمْ سَتَرَتْ حُبًّا عَلَى النّاسِ زَيْنَب |
بدوي صريح ! قد يحفظ مثلهم " زَيْنَبُ سُتْرَةٌ " ! |
|||||||||
فَقَصْرُكَ إِنّي حائِمٌ فَمُرَفْرِفٌ عَلى خُلُقي أَوْ ذاهِبٌ حَيْثُ أَذْهَب (...) يُقالُ : قَصْرُكَ أَنْ تَفْعَلَ كَذا ، مِثْلُ قُصاراكَ أَنْ تَفْعَلَ كَذا . |
لكنه هنا يأمر بالقصر ؛ فينبغي أن تنصب الكلمة مفعولا مطلقا نائبا عن فعل أمره . |
|||||||||
إِنْ تَسَلْني عَنِ الشَّبابِ الْمُوَلّي فَهُوَ الْقارِظُ انْتَظَرْتُ إِيابَهْ (...) الْقارِظُ الَّذي يَجْتَني الْقَرَظَ ، وَهُوَ وَرَقُ السَّلَمِ أَوْ ثَمَرُ السَّنْطِ ، وَمَنابِتُهُ الْيَمَنِ . قَدْ خَرَجَ رَجُلانِ أَوَّلُهُما يُسَمّى يَذْكُرَ بْنَ عَنَزَةَ ، وَثانيهِما عامِرُ بْنُ رُهْمٍ ، في طَلَبِ الْقَرَظِ ، فَلَمْ يَرْجِعا ؛ فَقالوا : " لا آتيكَ أَوْ يَؤوبَ الْقارِظانِ " ، وَيُرْوى " حَتّى يَؤوبَ الْقارِظانِ " . وَذَهَبَ هذا مَثَلًا . |
وفي العنزي هذا العجز : " (...) إِذا مَا الْقارِظُ الْعَنَزيُّ آبا " ! |
|||||||||
هَمَّ عَنْ دَعْوَتي وَمَنْ ساءَ سَمْعًا في مَواضي أَمْثالِهِمْ ساءَ جابَهْ (...) " جابَهْ " بِمَعْنى إِجابَةٍ ؛ وَهذا مَثَلٌ " أَساءَ سَمْعًا فَأَساءَ جابَةً " ، وَيُرْوى " ساءَ سَمْعًا ... " . قالَه سُهَيْلُ بْنُ عَمْرٍو وَكانَ تَزَوَّجَ صَفيَّةَ بِنْتَ أَبي جَهْلٍ ، فَوَلَدَتْ لَه أَنَسَ بْنَ سُهَيْلٍ ، فَخَرَجَ مَعَه ذاتَ يَوْمٍ وَقَدِ الْتَحى ، فَأَقْبَلَ الْأَخْنَسُ بْنُ شُرَيْقٍ الثَّقَفيُّ ، فَقالَ : مَنْ هذا ؟ قالَ : ابْني ! قالَ الْأَخْنَسُ : حَيّاكَ اللّهُ يا فَتى ! قالَ : لا - وَاللّهِ - ما أُمّي فِي الْبَيْتِ ، انْطَلَقَتْ إِلى أُمِّ حَنْظَلَةَ تَطْحَنُ دَقيقًا . فَقالَ أَبوهُ : أَساءَ سَمْعًا فَأَساءَ جابَةً ! ( الْمَيْدانيُّ 1: 242 ، وَالْفاخِرُ 72 ) . |
كيف ترضى هذا العبث المضطرب ! كيف يلتبس ذان الكلامان المتدابران ! ثم كيف يُطْحَن الدقيق ! إن الذي أفهمه من المقبول هنا - وأظنه ورد بمظان أخرى - أن يكون سأله : أين أَمُّكَ ؟ أي إلى أين تتجه ، وأُمّ ملتبسة بأَمّ ! أما المذكور هنا فلا وجه له ، ولا سوء سمع بل عَدَم ! |
|||||||||
لا تَخَفْ عَيْلَتي وَتِلْكَ الْقَوافي بَيْتُ مالٍ ما إِنْ أَخافُ ذَهابَهْ |
هذا في أيامك ! أما في أيامي فبَيْتُ فَقْرٍ ! |
|||||||||
قالَ يَمْدَحُ الْحَسَنَ بْنَ وَهْبٍ : ما أَنْتَ لِلْكَلِفِ الْمَشوقِ بِصاحِب فَاذْهَبْ عَلى مَهَلٍ فَلَيْسَ بِذاهِب عَرَفَ الدِّيارَ وَقَدْ سَئِمْنَ مِنَ الْبِلى وَمَلِلْنَ مِنْ سُقْيَا السَّحابِ ا لصّائِب |
هو في هذه القصيدة تمامي الطريقة ! |
|||||||||
وَلَوْ لَمْ تُدافِعْ دونَها لَتَفَرَّقَتْ أَيادي سَبًا عَنْها سَباءُ بْنُ يَشْجُب (...) أَصْحابُ السِّيَرِ يَقولونَ : اسْمُه عامِرٌ ، وَإِنَّه سُمِّيَ سَبَأً لِأَنَّه أَوَّلُ مَنْ سَبَا السَّبْيَ . وَلَوْ كانَ الْأَمْرُ عَلى ما يَقولونَ لَوَجَبَ أَلّا يُهْمَزَ ، وَلا يَمْتَنِعُ أَنْ يُدَّعى أَنَّ أَصْلَ السَّبْيِ الْهَمْزُ ، لا أَنَّهُمْ فَرَّقوا بَيْنَ سَبَيْتُ الْمَرْأَةَ وَسَبَأْتُ الْخَمْرَ ، وَالْأَصْلُ واحِدٌ . |
كذلك يمكنهم أن يقولوا مع وحدة الأصل ، بحاجة العربي إلى التفريق ، التي حملته على قلب همزة أحدهما . |
|||||||||
أَبْلِغْ أَبَا الْفَضْلِ تُبْلِغْ خَيْرَ أَصْحابِهْ في فَضْلِ أَخْلاقِهِ الْمُثْلى وَآدابِهْ اَلْحَمْدُ وَالْمَجْدُ يَحْتَلّانِ قُبَّتَه وَالرُّغْبُ وَالرُّهْبُ مَوْجودانِ في بابِهْ |
فكرة زوال التصريع من فكرة ملاءمة التفعيلة سالمة ومغيرة لموقع العروض بحيث لا تعوق تدفق البيت . |
|||||||||
وَتَبَسُّماتِكَ لِلْعَطاءِ كَأَنَّها زَهْرُ الرَّبيعِ خِلالَ رَوْضٍ مُعْشِب |
مولع أنا بالتنبيه على الألفظ والتراكيب الحديثة في شعره ، وهذا منها ! |
|||||||||
تَكَرَّهَ لِلتَّسْليمِ حَتّى حَسِبْتُه يَلوكُ اسْمَه مِنْ حَنْظَلٍ هُوَ هائِبُهْ |
أحسن من هذا - وإن في الثناء - قولنا : " يَأْتي بَراءٌ إِلَى الدُّنْيا عَلى فَرَسٍ مِنَ اسْمِه فَيُبيدُ الْهَمَّ وَالْوَجَعا " ! |
|||||||||
قال - وتروى لبعض الأعراب - : يا أُمَّتا أَبْصَرَني راكِبٌ يَسرُ في مُسْحَنْفِرٍ لاحِب ما زِلْتُ أَحْثُو التُّرْبَ في وَجْهِه طَوْرًا وَأَحْمي حَوْزَةَ الْغائِب قالَتْ لَها ضاحِكَةً أُمُّها أَنْتِ كَمِثْلِ الْأَمَلِ الْخائِب اَلْحُصْنُ أَدْنى لَوْ تَأَيَّيْتِه مِنْ حَثْوِكَ التُّرْبَ عَلَى الرّاكِب |
ألم أقل من بعدك : " قالَتْ لَها لَمّا رَأَتْ حُسْنَها كَأَنَّكِ السّاعَةَ مَخْطوبَهْ اَلْغُصْنُ لَدْنٌ وَرِمالُ الْكَثيبِ بَضَّةٌ وَالدّارُ مَرْغوبَهْ يا بِنْتَ أُخْتي حَيَّرَتْ أَهْلَها خَبيئَةُ الْأَسْرارِ مَرْهوبَهْ خالَتُها تَقْرَأُ في وَجْهِها آيَةَ عِشْقٍ ثَمَّ مَكْتوبَهْ " ! |
|||||||||
أُريدُ لِأَدْعو غَيْرَها فَيَرُدُّني لِساني إِلَيْها بِاسْمِها كَالْمُغالِب |
أولم يقل من قبلك كُثَيِّرٌ : " أُريدُ لِأَنْسى ذِكْرَها فَكَأَنَّما تَمَثَّلُ لي لَيْلى بِكُلِّ سَبيل " ! |
|||||||||
مَنْ إِذا قُلْتُ يا أَبا زَكريّا سالَمَتْنِي الْأَيّامُ وَهْيَ حَروب |
أثم لم يقل من قبلك منصور النمري : " إِذا أَخْلَفَ الْغَيْثُ لَمْ تُخْلِفْ مَخايِلُه أَوْ ضاقَ أَمْرٌ ذَكَرْناه فَيَتَّسِع " ! |
|||||||||
أَسيتُ لِأَقْوامٍ مَلَكْتُ أُمورَهُمْ وَكانَتْ دَجَتْ أَيّامُهُمْ فَاسْوَأَدَّت (...) هذِهِ الْقَصيدَةُ عَلى مَذْهَبِ جُلِّ النّاسِ رَويُّها تاءٌ ، وَقَدْ لَزِمَ فيها ما يَلْزَمُ وَهُوَ الدّالُ - هكذا وصوابه : ما لا يلزم - وَفي قَوْلِ بَعْضِهِمْ إِنَّ الدّالَ هِيَ الرَّويُّ ، وَهُوَ قَوْلٌ مَرْفوضٌ |
مثلها سابقتها ، ولم ينبه المعري عليها ، وكأن لم يروها . وربما قويت التاء بتحركها فعدها الروي . |
|||||||||
وَعِنْدَ بَنِي الْفُراتِ عَتيدُ نَصْرٍ إِذَا اسْتَنْجَدْتُ نَصْرَ بَنِي الْفُرات |
منذ أسبوعين رزقت ابني الثاني ووليدي الخامس فراتا ! ذاك إذن تاريخ تدفق فرات من بئر إلى نهر ، العاشرة وخمس وخمسين دقيقة ، من مساء الأربعاء السابع عشر من ربيع الآخر سنة ست وعشرين وأربعمئة وألف الهجرية ، الخامس والعشرين من مايو سنة خمس وألفين الميلادية - وهو تاريخ عجمي خاص . ولقد كنت عثرت على اسمه لسُرى ابنتي الثالثة ووليدتي الرابعة - لو كانته - فكان يعاب علي ! وفي أمسيتنا بشاطئ القرم بمسقط ، التي دعانا إليها على شرف الدكتور حماسة ، الدكتور أحمد درويش - ذكرت الاسم المنوي ، فقال الدكتور حماسة : " بَطَّلْ تَدْجيلَْ " ! من بعد ما حذرني الدكتور علي مدكور أن أُعَقِّدَ الولد ! ولكنني ما زلت أُقَدِّرُ إحساسي اللغوي تقديرا " فَوْقَ ما تَرْتَقِي النُّفوسُ وَتَغْنى " ! |