عندما تتحول المرأة الخائنة إلى قديسة
الأجنحة المتكسرة:
عندما تتحول المرأة الخائنة إلى قديسة!
محمود القاعود
سامحك الله يا جبران !
وجدتنى أهتف بها بعد قراءتى لرواية " الأجنحة المتكسرة " للمُبدع " جبران خليل جبران " (*) .. أبعد كل هذه الروعة وتلك الإجادة تقلب الحقيقة وتتحايل عليها من أجل حُبك الذى وُلد سريعاً ومات بنفس السرعة ؟!
لا تكاد تخلو صفحة من " الأجنحة المتكسرة " دون أن تتضمن حكمة بليغة أو عبرة عظيمة ، تشعر عند قراءتها أن جبران فيلسوف من الزمن الغابر .. ألمه يأسه ضجره ضيقه غضبه تمرده ثورته كل هذه الصفات جعلت منه حكيماً ، أخرج عملاً أدبياً فريداً ، قلما نجد مثله .
يُؤخذ على جبران تكراره لبعض المصطلحات من قبيل " الآلهة " ، " عبادة الجمال " ، " عبادة الحب " ، وذكر بعض العبارت التى تنم عن تطاول على الله ومحاسبته على ما يفعل فى البشر !
بدا تأثر جبران بالنصرانية – ديانته - واضحاً من خلال ألفاظه " الهيكل " و " المذبح " و " دم يسوع المصلوب " وغيرها ..
شخوص الرواية هم " فارس كرامة " ( صديق والد جبران ) ، " سلمى كرامة " ( ابنة فارس كرامة ) ، " المطران بولس غالب " ( صديق فارس كرامة ) ، " منصور بك " ( ابن شقيق المطران وزوج سلمى كرامة فيما بعد ) .
تدور أحداث الرواية فى بيروت ..
يبدو لى أن قصة – أو إن أردنا الدقة مأساة جبران – تتشابه إلى حد كبير مع فيلم " نهر الحب " الذى تدور أحداثه حول الصراع الدائم على النساء والزواج منهن رغم إرادتهن والتفريق بينهن وبين من يُحببن ، فقد تزوجت " فاتن حمامة " – رغم إرادتها – من الباشا العجوز " زكى رستم " وتعرفت – أثناء زواجها – على الضابط الشاب " عمر الشريف " وظلت تقابله وتخرج معه ، وهى على ذمة زكى رستم العجوز المتسلط ، مما جعل الناس يشعرون بتعاطفاً مع عمر الشريف ويطلقون على خيانة " فاتن حمامة " لزوجها ( خيانة مشروعة !! ) وتنتهى أحداث الفيلم بمصرع عمر الشريف فى حرب 1948م !
هناك تشابه كبير فى أحداث رواية " الأجنحة المتكسرة " وفيلم " نهر الحب " ، فجبران أحب " سلمى كرامة " لكن القدر لم يمهله ، حتى جاء المطران " بولس غالب " وخطب سلمى لابن أخيه " منصور بك " ووافق الأب " فارس كرامة " تحت ضغط المطران وتزوجت سلمى من منصور ، وظلت تقابل جبران على مدار خمس سنوات ( يحكى جبران أنها لقاءات فى معبد عشتروت وأقصى ما فيها قُبلة على يد سلمى ! ) وهى متزوجة !
وبعد عدم انجاب استمر خمس سنوات ، تُنجب سلمى طفلاً يموت بعد نزوله من رحمها بدقائق ، وسرعان ما تلحق به سلمى ويُوضع الاثنان فى كفن واحد وقبر واحد !!
الحقيقة أن ما تعرض له جبران مأساة ، ويُشعر القارئ بتعاطف مع مأساته وقصته ... لكن هل ما تفعله الزوجة المقترنة برجل عندما تقابل رجلا آخر يُعد عملاً نبيلاً ؟؟!! دعونا نعرض لبعض ما جاء فى الرواية ثم نرد .
يقول جبران عن الحب الأول الذى هو قدر كل إنسان أن يُحب فتاة ويُمنى نفسه بالاقتران بها والعيش معها :
" أى فتى لا يذكر الصبية الأولى التى أبدلت غفلة شبيبته بيقظة هائلة بلطفها ، جارحة بعذوبتها ، فتاكة بحلاوتها ؟ " ( ص 11 )
يصف جبران جمال سلمى قائلاً : " فى تلك السنة شاهدت ملائكة السماء تنظر إلىّ من وراء أجفان امرأة جميلة " ( ص 19 ) .
يصف جبران عن حال الشيوخ الذين شارفوا على مغادرة الدنيا : " إن الشيوخ يرجعون بالفكر إلى أيام شبابهم رجوع الغريب المشتاق إلى مسقط رأسه ويميل إلى سرد حكايات الصبا ميل الشاعر إلى تنغيم أبلغ قصائده فهم يعيشون بالروح فى زوايا الماضى الغابر لأن الحاضر يمر بهم ولا يلتفت والمستقبل يبدو لأعينهم متشحاً بضباب الزوال وظلمة القبر " ( ص 22 ) .
يصف جبران المطران بولس حاملاً عليه ومندداً به : " رجل يأتلف فى شخصه الطمع بالرياء والخبث بالدهاء . وهذا الرجل هو مطران تسير قبائحه بظل الإنجيل فتظهر للناس كالفضائل . وهو رئيس دين فى بلاد الأديان والمذاهب . تخافه الأرواح والأجساد وتخر لديه ساجدة مثلما تنتحنى رقاب الأنعام أمام الجزار " ( ص 24 )
ويحمل جبران على ابن أخى المطران : " ولهذا المطران ابن أخ تتصارع فى نفسه عناصر المفاسد والمكاره مثلما تنقلب العقارب والأفاعى على جوانب الكهوف والمستنقعات . وليس بعيدا اليوم الذى ينتصب فيه المطران بملابسه الحبرية جاعلاً ابن أخيه عن يمينه وابنة فارس كرامة عن شماله ، رافعاً بيده الأثيمة إكليل الزواج فوق رأسيهما مقيداً بسلاسل التكهين والتعزيم جسداً طاهراً بجيفة منتنة ، جامعاً فى قبضته الشريعة الفاسدة روحاً سماوية بذات ترابية " ( ص 24 )
نلتقى بإحدى عظات جبران " لأن ذكر المصيبة يُدنيها مثلما يُقرب الموت الخوف من الموت " . ( ص 25 )
يحكى جبران عن لقائه الأول بسلمى وسلامه عليها وملامسة يده ليدها : " فأحسست عند ملامسة الأكف بعاطفة غريبة جديدة أشبه شئ بالفكر الشعرى عند ابتداء تكوينه فى مخيلة الكاتب " ( ص 28 ) .
يصوغ جبران مفارقة عجيبة أثناء حديثه مع والد سلمى : " كان ذلك الشيخ يحدق بى مسترجعاً أشباح شبابه وأنا أتأمله حالماً بمستقبلى " ( ص 29 ) .
يواصل جبران وصف سلمى " أراها أجمل امرأة أمام الشمس " ( ص 30 )
" إن الجمال فى وجه سلمى لم يكن منطبقاً على المقاييس التى وضعها البشر للجمال ، بل كان غريباً كالحلم أو كالرؤيا أو كفكر علوى لا يُقاس ولا يحد ولا يتسخ بريشة المصور ، ولا يتجسم برخام الحفار . جمال سلمى لم يكن فى شعرها الذهبى بل فى هالة الطهر المحيطة به . ولم يكن فى عينيها الكبيرتين بل فى النور المنبعث منهما . ولا فى شفتيها الورديتين بل فى الحلاوة السائلة عليهما . ولا فى عنقها العاجى بل فى كيفية انحنائه قليلا إلى الأمام . جمال سلمى لم يكن فى كمال جسدها بل فى نبالة روحها الشبيهة بشعلة بيضاء متقدة سابحة بين الأرض واللانهاية . جمال سلمى كان نوعا من النبوغ الشعرى الذى نشاهد أشباحه فى القصائد السامية والرسوم والأنغام الخالدة ... كانت سلمى كثيرة التفكير قليلة الكلام ، لكن سكوتها كان موسيقياً ينتقل بجليسها إلى مسارح الأحلام البعيدة ، ويجعله يصغى لنبضات قلبه ويرى خيالات أفكاره وعواطفه منتصبة أمام عينيه " ( ص 35 )
ويتحدث جبران كحكيم عجوز : " إن النفس الحزينة المتألمة تجد راحة بانضمامها إلى نفس أخرى تماثلها بالشعور وتشاركها بالإحساس مثلما يستأنس الغريب بالغريب فى أرض بعيدة عن وطنيهما – فالقلوب التى تدنيها أوجاع الكآبة بعضها مع بعض لا تفرقها بهجة الأفراح وبهرجتها ، فرابطة الحزن أقوى فى النفوس من روابط الغبطة والسرور ؛ والحب الذى تغسله العيون بدموعها يظل طاهراً وجميلاً وخالداً " ( ص 36 ) .
ويبدو أن حكمة جبران قد خانته ، إذ قال : " فكر واحد أقام الأهرام وعاطفة واحدة واحدة خربت طروادة وخاطر واحد أوجد مجد الإسلام وكلمة واحدة أحرقت مكتبة الإسكندرية " ( ص 43 )
والحقيقة أنى لم أفهم مغزى تعرض جبران للإسلام ، ويُخيل إلىّ أنه يقصد أن الرسول صلى الله عليه وسلم هو الذى " اخترع الإسلام " كما هو اعتقاد عموم النصارى .
يحمل جبران على الذين يستخدمون مبدأ الاستهبال الأشهر" الحب بيجى بعد العشرة " عندما يزوجون فتاة من شخص لا ترغبه ، فيقول : " ما أجهل الناس الذين يتوهمون أن المحبة تتولد بالمعاشرة الطويلة والمرافقة المستمرة ، إن المحبة الحقيقية هى ابنة التفاهم الروحى وإن لم يتم هذا التفاهم بلحظة واحدة لا يتم بعام ولا بجيل كامل " ( ص 47 )
يحمل جبران على القساوسة والقمامصة والمطارنة : " إن رؤساء الدين فى الشرق لا يكتفون بما يحصلون عليه نفوسهم من المجد والسؤدد بل يفعلون كل ما فى وسعهم ليجعلوا أنسباءهم فى مقدمة الشعب ومن المستبدين به والمستدرين قواه وأمواله ، إن مجد الأمير ينتقل بالإرث إلى ابنه البكر بعد موته أما مجد الرئيس الدينى فينتقل بالعدوى إلى الإخوة وأبناء الإخوة فى حياته ، وهكذا يُصبح الإنسان كأفاعى البحر التى تقبض على الفريسة بمقابض كثيرة وتمتص دماءها بأفواه عديدة . " ( ص 56 )
ويُواصل الفيلسوف جبران قوله البديع واصفاً حال الأب الذى تتزوج ابنته وتتركه وحيداً :
" أى رجل لا ترتعش أعماق نفسه بالغصات عندما يفصله ناموس الطبيعة عن الابنة التى لاعبها وهذبها صبية ورافقها امرأة . إن كآبة الوالدين لزواج الابنة تضارع فرحهم بزواج الابن لأن هذا يكسب العائلة عضواً جديداً أما ذاك فيسلبها عضواً قديماً عزيزاً . " ( ص 57 )
ويواصل جبران تنديده بالقساوسة والقمامصة والمطارنة فى معرض حديثه عن ضغط المطران على والد سلمى ليُزوجها ابن أخيه منصور بك :
" ولكن أى مسيحى يقدر أن يُقاوم أسقفاً فى سوريا ويبقى محسوباً بين المؤمنين ؟ أى رجل يخرج عن طائفة رئيس دينه فى الشرق ويظل كريماً بين الناس ؟ أتعاند العين سهماً ولا تفقد أو تناضل اليد سيفاً ولا تُقطع ؟ وهب ان ذلك الشيخ كان قادراً على مخالفة المطران بولس والوقوف أمام مطامعه فهل تكون سمعة ابنته فى مأمن من الظنون والتآويل ، وهل يظل اسمها نقياً من أوساخ الشفاه والألسنة ؟ أوليست جميع العناقيد العالية حامضة فى شرع بنات آوى (*) " ( ص 57 )
والحقيقة أن كل ما قاله جبران عما يقوم به رؤساء الدين النصرانى ورضوخ الناس لهم ، لا ينطبق عليه إلا قول الحق سبحانه وتعالى :
(( اتَّخَذُواْ أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُواْ إِلاَّ لِيَعْبُدُواْ إِلَـهًا وَاحِدًا لاَّ إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ )) ( التوبة : 31 ) .
فعبادة رؤساء الدين عند النصارى هى سبب كل الكوارث والنوازل ..
يحكى جبران على لسان سلمى : " لقد ذهب والدى إلى منزل الرجل الذى سيكون رفيقاً لى حتى القبر – قد ذهب الرجل الذى اختارته السماء سبباً لوجودى ليلتقى بالرجل الذى انتقته الأرض سيدأً على أيامى الآتية " ( ص 63 )
" أنا لا أحب هذا الرجل لأننى أجهله وأنت تعلم أن المحبة والجهالة لا تلتقيان ولكننى سوف أتعلم محبته ، سوف أطيعه وأخدمه وأجعله سعيداً سوف أهبه كل ما تقدر المرأة الضعيفة أن تهب الرجل القوى " ( ص 65 ) .
ويشرح جبران بإبداع طبيعة قلب المرأة :
" إن قلب المرأة لا يتغير من الزمن ولا يتحول مع الفصول ، قلب المرأة ينازع طويلا ولكنه لا يموت ، قلب المرأة يشابه البرية التى يتخذها الإنسان ساحة لحروبه ومذابحه ، فهو يقتلع أشجارها ويحرق أعشابها ويلطخ صخورها بالدماء ويغرس تربتها بالعظام والجماجم ولكنها تبقى هادئة ساكنة مطمئنة ، ويظل فيها الربيع ربيعاً والخريف خريفاً إلى نهاية الدهور .. " ( ص 67 ) .
مرة أخرى يخون الذكاء جبران فيكتب على لسان سلمى ما يُمكن اعتباره إساءة أدب فى مخاطبة خالق الكون :
" ماذا فعلت المرأة يارب فاستحقت غضبك . ماذا أتت من الذنوب لتبعها سخطك إلى آخر الدهور . هل اقترفت جرماً لا نهاية لفظاعته ليكون عقابك لها بغير نهاية ؟ أنت قوى يارب وهى ضعيفة فلماذا تبيدها بالأوجاع ؟ أنت عظيم وهى تدب حول عرشك ، فلماذا تسحقها بقدميك ؟ أنت عاصفة شديدة وهى كالغبار أمام وجهك فلماذا تذريها على الثلوج ؟ أنت جبار وهى بائسة فلماذا تحاربها ؟ أنت بصير عليم وهى تائهة عمياء فلماذا تهلكها ؟ أنت توجدها بالمحبة فكيف بالمحبة تفنيها ؟ بيمينك ترفعها إليك وبشمالك تدفعها إلى الهاوية وهى جاهلة لا تدرى أنى ترفعها وكيف تدفعها . وفى فمها تنفخ نسمة الحياة وفى قلبها تزرع بذور الموت على سبل السعادة تسيرها راجلة ثم تبعث الشقاء فارساً ليصطادها . وفى حنجرتها تبث نغمة الفرح ثم تغلق شفتيها بالحزن وتربط لسانها بالكآبة . بأصابعك الخفية تمنطق باللذة أوجاعها وبأصابعك الظاهرة ترسم هالات الأوجاع حول ملذاتها ، فى مضجعها تخفى الراحة والسلامة وبجانب مضجعها تقيم المخاوف والمتاعب . بإرادتك تحيى أميالها ومن أميالها تتولد عيوبها وذلاتها ، بمشيئتك تريها محاسن مخلوقاتك وبمشيئتك تنقلب محبتها للحسن مجاعة مهلكة ، بشريعتك تزوج روحها من جسد جميل وبقضائك تجعل جسدها بعلا للضعف والهوان .. أنت تسقيها الحياة بكأس الموت والموت بكأس الحياة . أنت تطهر بدموعها وبدموعها تذيبها . أنت تملأ جوفها من خبز الرجل ثم تملأ حفة الرجل من حبات صدرها ... أنت يارب قد فتحت عينى بالمحبة وبالمحبة أعميتنى . أنت قبلتنى بشفتيك وبيدك القوية صفعتنى . أنت زرعت فى قلبى وردة بيضاء وحول هذه الوردة أنبت الشواك والحسك ، أنت أوثقت حاضرى بروح فتى أحبه وبجسد رجل لا أعرفه قيدت أيامى ، فساعدنى لأكون قوية فى هذا الصراع المميت ، واسعفنى لأبقى أمينة وطاهرة حتى الموت .. لتكن مشيئتك يارب . ليكن اسمك مباركاً إلى النهاية " ( ص 73، 74 ، 75 ) .
ولا يمكن اعتبار هذا الكلام نتيجة يأس أو قنوط أو إحباط كما قال جبران ، ولكنه إساءة أدب وتطاول مشين على رب العالمين .
وتقول سلمى : " أشفق يارب وشدد جميع الأجنحة المتكسرة " ( ص 78 ) .
يشرح جبران مأساة المرأة فى الشرق :
" إن المدنية الحاضرة قد أنمت مدارك المرأة قليلا ولكنها أكثرت أوجاعها بتعميم مطامع الرجل ، كانت المرأة بالأمس خادمة سعيدة فصارت اليوم سيدة تعسة ، كانت بالأمس عمياء تسير فى نور النهار فأصبحت مبصرة تسير فى ظلمة الليل . كانت جميلة بجهلها فاضلة ببساطتها قوية بضعفها فصارت قبيحة بتفننها سطحية بمداركها بعيدة عن القلب بمعارفها ، فهل يجئ اليوم يجتمع فى المرأة الجمال بالمعرفة والتفنن لالفضيلة وضعف الجسد بقوة النفس " ( 79 ) .
ويندد جبران بزواج سلمى من منصور بك ابن أخى المطران :
" ومر الشهر الذى يدعوه الناس عسلا تاركا وراءه شهور من الخل والعلقم مثلما تترك أمجاد الحروب جماجم القتلى فى البرية البعيدة " ( ص 81 ) .
ويُواصل جبران تنديده بالمطران وابن أخيه :
" كان منصور بك شبيهاً بعمه المطران بولس غالب وكانت أخلاقه ونفسه صورة مصغرة لنفسه ولم يكن الفرق بينهما إلا بما يفرق الرياء عن الانحطاط، كان المطران يبلغ أمانيه مستتراً بأثوابه البنفسجية وبشبع مطامعه محتمياً بالصليب الذهبي المعلق على صدره، أما ابن أخيه فكان يفعل كل ذلك جهراً وعنوة. كان المطران يذهب إلى الكنيسة في الصباح ويصرف ما بقي من النهار منتزعاً الأموال من الأرامل واليتامى وبسطاء القلب، أما منصور بك فكان يقضي النهار كله متبعاً ملذاته ملاحقاً شهواته في تلك الأزقة المظلمة حيث يختمر الهواء بأنفاس الفساد، كان المطران يقف يوم الأحد أمام المذبح ويعظ المؤمنين بما لا يتعظ به ويصرف أيام الأسبوع مشتغلاً بسياسة البلاد. أما ابن أخيه فكان يصرف جميع أيامه متاجراً بنفوذ عمه بين طالبي الوظائف ومريدي الوجاهة. كان المطران يسير مختبئاً بستائر الليل، أما منصور بك فكان يمشي بشجاعة في نور النهار " ( ص 82 ، 83 ) .
ويتحفنا جبران بمزيد من الحكمة والروعة بقوله :
" ولكن أليست المرأة الضعيفة هي رمز الأمة المظلومة؟ أليست المرأة المتوجعة بين أميال نفسها وقيود جسدها هي كالأمة المتعذبة بين حكامها وكهانها. أوليست العواطف الخفية التي تذهب بالصبية الجميلة إلى ظلمة القبر هي كالعواطف الشديدة التي تغمر حياة الشعوب بالتراب ؟ إن المرأة من الأمة بمنزلة الشعاع من السراج وهل يكون شعاع السراج ضئيلاً إذا لم يكن زيته شحيحاً ؟ " ( ص 84 ) .
نأتى الآن إلى الفصل الدرامى فى أحداث الرواية وهو " بين عشتروت والمسيح " ونرى فيه كيف يُبرر جبران خيانة امرأة لزوجها عندما تذهب تقابل حبيبها !!
فى البدء يحكى عن اجتماعه بسلمى :
" كم يصعب عليّ الآن أن أدوّن بالكلام ذكرى تلك الساعات التي كانت تجمعني بسلمى . تلك الساعات العلوية المكتنفة باللذة والألم والفرح والحزن والأمل واليأس وكل ما يجعل الإنسان إنساناً والحياة لغزاً أبدياً. ولكن كم يصعب عليّ أن أذكرها ولأرسم بالكلام الضئيل خيالاً من خيالاتها ليبقى مثلاً لأبناء الحب والكآبة.
كنا نختلي في ذلك الهيكل القديم فنجلس في بابه ساندين ظهرينا إلى جداره مرددين صدى ماضينا مستقصيين مآتي حاضرنا خائفين مستقبلنا. ثم نتدرج إلى إظهار ما في أعماق نفسينا فيشكو كل منا لوعته وحرقة قلبه وما يقاسيه من الجزع والحسرة، ثم يصبّر واحدنا الآخر باسطاً أمامه كل ما في جيوب الأمل من الأوهام المفرحة والأحلام العذبة فيهدأ روعنا وتجف دموعنا وتنفرج ملامحنا ثم نبتسم متناسيين كل شيء سوى الحب وأفراحه منصرفين عن كل أمر إلا النفس وأميالها. ثم نتعانق فنذوب شغفاً وهياماً. ثم تقبل سلمى مفرق شعري بطهر وانعطاف فتملأ قلبي شعاعاً وأقبل أطراف أصابعها البيضاء فتغمض عينيها وتلوي عنقها العاجي وتتورد وجنتاها باحمرار لطيف يشابه الأشعة الأولى يلقيها الفجر على جباه الروابي. ثم نسكت وننظر طويلاً نحو الشفق البعيد " ( ص 103 ، 104 ) .
وبعد هذا السرد يأتى جبران بالطامة الكبرى ، ألا وهى تبرير الخيانة الزوجية :
" ولم نخف قط عين الرقيب ولا شعرنا بوخز الضمير لأن النفس إذا تطهرت بالنار واغتسلت بالدموع تترفع عما يدعوه الناس عيباً وعاراً وتتحرر من عبودية الشرائع والنواميس التي سنتها التقاليد لعواطف القلب البشري وتقف برأس مرفوع أمام عروس الآلهة." ( ص 106 ) .
ويُدافع عن حبيبته - الزوجة الخائنة - " سلمى كرامة " دفاعاً حاراً ولا يمت للمنطق بصلة ، بقوله :
" أما الذين سيعيبون سلمى كرامة محاولين تلويث اسمها لأنها كانت تترك منزل زوجها الشرعي لتختلي برجل آخر فهم من السقماء الضعفاء الذين يحسبون الأصحاء مجرمين وكبار النفوس متمردين. بل هم كالحشرات التي تدب في الظلمة وتخشى الخروج إلى نور النهار كيلا تدوسها أقدام العابرين.
إن السجين المظلوم الذي يستطيع أن يهدم جدران سجنه ولا يفعل يكون جباناً وسلمى كرامة كانت سجينة مظلومة ولم تستطع الانعتاق فهل تلام لأنها كانت تنظر من وراء نافذة السجن إلى الحقول الخضراء والفضاء الوسيع، هل يحسبها الناس خائنة لأنها كانت تجيء من منزل منصور بك غالب لتجلس بجانبي بين عشتروت المقدسة والجبار المصلوب؟ ليقل الناس ما شاءوا فسلمى قد اجتازت المستنقعات التي تغمر أرواحهم الذئاب وبلغت ذلك العالم الذي لا يبلغه عوي الذئاب وفحيح الأفاعي. وليقل الناس ما أرادوا عني فالنفس التي شاهدت وجه الموت لا تذعرها وجوه اللصوص، والجندي الذي رأى السيوف محتبكة فوق رأسه وسواقي الدماء تحت قدميه لا يحفل بالحجارة التي يرشقه بها صبيان الأزقة. " ( ص 107 ، 108 ) .
يشك المطران فى سلوك " سلمى " فتضطر لقطع علاقتها بجبران :
" فوضعت يدها على شعري وقالت "اقترب مني، اقترب مني يا حبيبي اقترب ودعني أزود نفسي منك فقد دنت الساعة التي تفرقنا إلى الأبد".
فصرخت قائلاً "ماذا تعنين يا سلمى وأية قوة تستطيع أن تفرقنا إلى الأبد؟.
فأجابت "إن القوة العمياء التي فرقتنا بالأمس ستفرقنا اليوم. القوة الخرساء التي تتخذ الشريعة البشرية ترجماناً عنها قد بنت بأيدي عبيد الحياة حاجزاً منيعاً بيني وبينك.
القوة التي أوجدت الشياطين وأقامتهم أولياء على أرواح الناس قد حتمت عليّ، أن لا أخرج من ذلك المنزل المبني من العظام والجماجم".
فسألتها قائلاً "هل علم زوجك باجتماعاتنا فصرت تخشين غضبه وانتقامه؟".
فأجابت "إن زوجي لا يحفل بي ولا يدري كيف أصرف أيامي فهو مشغول عني بأولئك الصبايا المسكينات اللواتي تقودهن الفاقة إلى أسوق النخاسين فيتعطرن ويتكحلن ليبعن أجسادهن بالخبز المعجون بالدماء والدموع ...
فسترت وجهها بيدها وتأوهت ملتاعة ثم قالت مترددة "إن المطران بولس غالب قد صار يعلم بأنني أخرج مرة في الشهر من القبر الذي وضعني فيه".
فقلت "وهل علم المطران بأنك تلتقين بي في هذا المكان".
فأجابت "لو علم بذلك لما رأيتني الآن جالسة بقربك" ولكن الشكوك تخامره والظنون تتلاعب بأفكاره وقد بث عليّ العيون لترقبني وأوعز إلى خدمه ليتجسسوا حركاتي حتى صرت أشعر بأن للمنزل الذي أسكنه والطرقات التي أسير عليها نواظر تحدق بي وأصابع تشير إليّ وآذاناً تسمع همس أفكاري". ( ص 110 ، 111 ، 112 ، 113 ) .
تمر السنون ويمر سرد جبران :
" ومرت خمسة أعوام على زواج سلمى ولم ترزق ولداً ليوجد بكيانه العلاقة الروحية بينها وبين بعلها ويقرب بابتسامته نفسيهما المتنافرتين مثلما يجمع الفجر بين أواخر الليل وأوائل النهار.
والمرأة العاقر مكروهة في كل مكان لأن الأنانية تصور لأكثر الرجال دوام الحياة في أجساد الأبناء فيطلبون النسل ليظلوا خالدين على الأرض. " ( ص 123 )
ويواصل جبران حكمته التى ذهبت منه فى بعض الصفحات :
" إن الرجل المادي ينظر إلى زوجته العاقر بالعين التي يرى بها الانتحار البطيء فيمقتها ويهجرها ويطلب حتفها كأنها عدو غدار يريد الفتك به، ومنصور بك غالب كان مادياً كالتراب وقاسياً كالفولاذ وطامعاً كالمقبرة وكانت رغبته بابن يرث اسمه وسؤدده تكرهه بسلمى المسكينة وتحوّل محاسنها في عينيه إلى عيوب جهنمية..
إن الشجرة التي تنبت في الكهف لا تعطي ثمراً، وسلمى كرامة كانت في ظل الحياة فلم تثمر أطفالاً ؛ إن البلبل لا يحوك عشاً في القفص كيلا يورث العبودية لفراخه. " ( ص 123 ، 124 ) .
المشهد قبل الأخير من تلك التراجيديا الخاصة بجبران ، يُصور فيه ولادة سلمى لابنها الذى يموت وتلحق به :
" عندما لاح الفجر ولدت سلمى ابناً، ولما سمعت إهلاله فتحت عينيها المغلقتين بالألم ونظرت حواليها فرأت الأوجه متهللة في جوانب تلك الغرفة.. ولما نظرت ثانية رأت الحياة والموت ما زالا يتصارعان بقرب مضجعها فعادت وأغمضت عينيها وصرخت لأول مرة "يا ولدي". ولفت القابلة الطفل بالأقمطة ووضعته حذاء أمه، أما الطبيب فظل ينظر بعينين حزينتين نحو سلمى ويهز رأسه صامتاً بين الدقيقة والأخرى.
وأيقظت نغمة الفرح بعض الجيران فجاءوا بملابس النوم ليهنئوا الوالد بولده، أما الطبيب فبقي ينظر بعينين كئيبتين نحو الوالدة وطفلها.
وأسرع الخدم نحو منصور بك ليبشروه بقدوم وريثه ويملأوا أيديهم من عطاياه أما الطبيب فلبث واقفاً ينظر بعينين يائستين إلى سلمى وابنها.
ولما طلعت الشمس قربت سلمى ولدها من ثديها ففتح عينيه لأول مرة ونظر في عينها ثم اختلج وأغمضها لآخر مرة. فدنا الطبيب وأخذه من بين ذراعيها وانسكبت على وجنتيه دمعتان كبيرتان ثم همس في سره قائلاً "هو زائر راحل؟"
مات الطفل وسكان الحي يفرحون مع الوالد في القاعة الكبرى ويشربون نخبه ليعيش طويلاً، وسلمى المسكينة تحدق بالطبيب وتصرخ قائلة "أعطني ولدي لأضمه" ثم تحدق ثانية فترى الموت والحياة يتصارعان بجانب سريرها.
مات الطفل ورنة الكؤوس تنمو بين أيدي الفرحين بمجيئه.
ولد مع الفجر ومات عند طلوع الشمس ... " ( 126 ، 127 ، 128 ) .
ويواصل جبران سرد المشهد الأخير لمأساة تسبب فيها رجال الدين النصرانى :
" فصرخت سلمى بصوت هائل ثم سكتت هنيهة، ثم ابتسمت ابتسامة فرح ومسرة، ثم تهلل وجهها وكأنها عرفت شيئاً لم تكن تعرفه وقالت بهدوء "أعطني جثة ولدي، قربه مني ميتاً".
فحمل الطبيب الطفل الميت ووضعه بين ذراعيها فضمته إلى صدرها وحولت وجهها نحو الحائط وقالت تخاطبه "قد جئت لتأخذني يا ولدي، قد جئت لتدلني على الطريق المؤدية إلى الساحل، ها أنذا يا ولدي فسر أمامي لنذهب من هذا الكهف المظلم".
وبعد دقيقة دخلت أشعة الشمس من بين ستائر النافذة وانسكبت على جسدين هامدين منطرحين على مضجع تخفره هيبة الأمومة وتظلله أجنحة الموت.
فخرج الطبيب باكياً من تلك الغرفة، ولما بلغ القاعة الكبرى تبدلت تهاليل المهنئين بالصراخ والعويل، أما منصور بك غالب فلم يصرخ ولم يتنهد ولم يذرف دمعة ولم يفه بكلمة بل لبث جامداً منتصباً كالصنم قابضاً بيمينه على كأس الشراب.
وفي اليوم التالي كفنت سلمى بأثواب عرسها البيضاء ووضعت في تابوت موشى بالمخمل الناصع، أما طفلها فكانت أقمطة أكفانه وتابوته ذراعي أمه وقبره صدرها الهادئ.
حملوا الجثتين في نعش واحد مشوا ببطء متلف يشابه طرقات القلوب في صدور المنازعين فسار المشيعون وسرت بينهم وهم لا يعرفونني ولا يدرون ما بي.
بلغوا المقبرة فانتصب المطران بولس غالب يرتل ويعزم ووقف الكهان حوله ينغمون ويسبحون.
ولما أنزلوا التابوت إلى أعماق الحفرة همس أحد الواقفين: قائلاً: هذه أول مرة رأيت فيها جسدين يضمهما تابوت واحد".
وقال آخر:
"تأملوا بوجه منصور بك فهو ينظر إلى الفضاء بعينين زجاجيتين كأنه لم يفقد زوجته وطفله في يوم واحد".
وظل الكهان يرتلون ويسبحون حتى فرغ حفار القبور من ردم الحفرة فأخذ المشيعون إذ ذاك يقتربون واحداً واحداً من المطران وابن أخيه يصبرونهما ويواسونهما بمستعذبات الكلام.
أما أنا فبقيت واقفاً منفرداً وحدي وليس من يعزيني على مصيبتي كأن سلمى وطفلها لم يكونا أقرب الناس إليّ.
عاد المشيعون وبقي حفار القبور منتصباً بجانب القبر الجديد وفي يده رفشه ومحفره، فدنوت منه وسألته قائلاً:
"أتذكر أين قبر فارس كرامة؟
فنظر إلي طويلاً ثم أشار نحو قبر "سلمى" وقال:
"في هذه الحفرة قد مددت ابنته على صدره، وعلى صدر ابنته مددت طفلها وفوق الجميع قد وضعت التراب بهذا الرفش".
فأجبته:
"وفي هذه الحفرة أيضاً قد دفنت قلبي أيها الرجل... فما أقوى ساعديك".
ولما توارى حفار القبور وراء أشجار السرو...
خانني الصبر والتجلد
فارتميت على قبر "سلمى"
أبكيها...
وأرثيها... " ( ص 129 ، 130 ، 131 ، 132 ، 133 ) .
بتلك النهاية الحزينة المبكية قد يغفر بعض القراء ل " سلمى كرامة " خيانتها لزوجها ، مثلما غفر بعض المشاهدين ل " فاتن حمامة " خيانتها ل " زكى رستم " ..
لكن هل تستحق سلمى كرامة أن تتحول من خائنة لزوجها إلى قديسة ؟؟
الجواب على هذا السؤال ينحصر فى عدة أمور :
الزواج علاقة مقدسة لا يجب الاستهتار بها مطلقاً أو التحايل عليها بأى شكل من الأشكال .
المرأة المتزوجة مرتبطة بإنسان عليها أن تصون غيبته وألا تفكر فى أى إنسان آخر سواه .
المرأة التى تتزوج زوج هى كارهة له ، وتُقيم علاقة غير شرعية ( حتى ولو كانت كلام عابر وليست علاقة جنسية ) هى امرأة عاهرة لا يجوز أن يغفر لها أحداً .
طالما أن المرأة عندها الجرأة والقدرة على إقامة علاقة مع رجل آخر غير زوجها ، فأين كانت هذه الجرأة وتلك القدرة حينما تزوجت شخص آخر لم تستطع رفضه ؟
ومبرر جبران الذى ساقه من إطاعة رؤساء الدين النصرانى مبرر واه وغير مقبول ، فحديث الناس والطرد من رحمة المطارنة والقمامصة ، أفضل مليار مرة من أن تتزوج امرأة وتخون زوجها بلقاءاتها المتكررة مع حبيبها القديم .
حمل جبران على الذين يرون فى " سلمى كرامة " امراة خائنة ، ووصفهم بالحشرات وشبّه سلمى بالسجين المظلوم الذى يسعى للخروج من الأسر !! ، وتلك مغالطة كبرى ما كان لفيلسوف مثل جبران أن يقع فيها .. فهل سمعتم عن سجين يعلم أنه لن يخرج من السجن الذى يذهب إليه بإرادته ثم بعد ذلك يُحاول الهروب ؟!
هل سمعتم عن إنسان يتوب وهو يغرغر ؟!
أين كانت سلمى كرامة قبل أن تذهب إلى الجحيم برجليها ؟ لماذا لم تعترض ؟ وهل الخيانة أسهل من رفض الزواج ؟
ولا يغفر لسلمى أنها كانت تجلس مع جبران فى معبد عشتروت المقدسة وأمامها صورة العذراء فكهذا التفكير هو استخفاف بعقول الناس ، فلا يُعقل أن أقول أن امرأة تترك زوجها وتذهب لتقابل حبيبها الأول وتجلس معه فى حلقة ذكر بأحد المساجد أو أى مؤسسة دينية ؟!
الخيانة هى فى إقدامها على إقامة علاقة غير شرعية – وإن كانت كلام – مع شخص آخر غير زوجها .
ما معنى أن تتحدث امرأة مع شخص لا يمت لها بصلة الأخوة أو الأبوة غير زوجها ؟!
وإن كانت سلمى صادقة فى حبها وطهرها ، فلماذا لم تطلب الطلاق – رغم أن المرأة التى تطلب الطلاق من أجل أنها أحبت على زوجها عقابها غليظ فى الشريعة الإسلامية – فهذا كان أرحم من أن تظل مرتبطة بزوجها وفى نفس الوقت على علاقة بحبيبها الأول جبران ؟؟
وما حكاه جبران يُشبه إلى حد كبير ما قامت به فاتن حمامة عندما أحبت عمر الشريف ، ورافقته وأقامت معه العلاقات الجنسية ، وقد وجد بعض المتنطعين مبرراً لها ، لأن زكى رستم عجوز لا يقدر أن يُلبى احتياجاتها الجنسية والنفسية !!
والسؤال : ما الذى جعلها تقترن به طالما هو عجوز ولا يقدر على فعل شئ ؟! ولماذا سمحت لنفسها بإقامة علاقة مع رجل آخر وهى متزوجة ؟
أعلم أن إجابات البعض على مثل هذا السؤال هى الظروف والأقدار وسطوة الأهل الذين يُجبرون بناتهم على ذلك ، هى التى شاءت ذلك ! ولكن هل الأقدار هى التى تشاء الخيانة ؟؟
وهل الأقدار هى التى تجعل من المرأة الخائنة قديسة ؟!
باعتقادى لا يوجد مطلقاً أى مبرر يُعطى المرأة أن تخون زوجها ..
فمن تتزوج بالإكراه هى التى تتحمل نتيجة اختيارها ..
من يمرض زوجها أو ترفض العيش معه بيدها أن تطلب الطلاق ..
من يُسافر زوجها ويمكث عدة سنوات بعيداً عنها بيدها أن تُخيّره بين الإقامة بجوارها أو أن يُطلقها .
من يخونها زوجها مع امرأة أخرى ( إقامة علاقة غير شرعية .. لأن بعض النسوة يعتقدن أن زواج الرجل على زوجته يُعتبر خيانة !! ) لها أن تطلب الطلاق ، لا أن تفترى على الله وتنسب إليه أنه – وحاشاه – يأمر بالفحشاء ، فجعلها تنحرف ليرد الصاع صاعين إلى زوجها المنحرف !!
يقول تعالى : " وَإِذَا فَعَلُواْ فَاحِشَةً قَالُواْ وَجَدْنَا عَلَيْهَا آبَاءنَا وَاللّهُ أَمَرَنَا بِهَا قُلْ إِنَّ اللّهَ لاَ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاء أَتَقُولُونَ عَلَى اللّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ " ( الأعراف : 28 ) .
من يُصاب زوجها بالضعف الجنسى ( عدم القدرة على الجماع ) لها أن تطلب الطلاق ، لا أن تظل على ذمة زوجها وتقوم باستغفاله وإيهامه أنها تريد العيش معه وأن الجنس لا يشغل بالها وهى فى الحقيقة تقيم علاقات جنسية مع جمهورية بأكملها !!
لكن المصيبة أن بعض النسوة يستسهلن الخيانة باعتقادهن أنها تحتوى على الخير الكثير !! ، فمن ناحية هم فى عصمة أزواج يتولون أمورهم ويقفون على شئونهم ، وفى ذات الوقت يمارسون الزنا ويحيون كالبهائم دون رقيب أو حسيب .
الأجنحة المتكسرة كسرت قلوبنا ، وأدمت عيوننا .. لكنها لم تغفر للمرأة الخائنة .. لم تشرعن الحرام .. لم تعطى المرأة المبرر للخيانة تحت أى مسمى وتحت أى ظرف .
الأجنحة المتكسرة أعطتنا أقوالا بليغة وحكماً عديدة .. لكنها صدمتنا بموقفها " المشين " من المرأة الخائنة ..
الأجنحة المتكسرة طرقت أبواباً مشابهة توجد فى بيوت أناس لا يخافون الله ولا اليوم الآخر ، فمثل سلمى كرامة كثيرات ، يزعمن أن الظروف والزمن أجبرهن على الزواج من رجل آخر !!
الأجنحة المتكسرة عمل أدبى رائع لكن عاطفة جبران وقلبه الذى عبد سلمى جعله .....
ومرة أخرة : سامحك الله يا جبران !
(*) جبران خليل جبران :عميد أدباء المهجر ، أديب وشاعر ورسّام ولد فى 6 يناير 1883م فى لبنان سُجن وهو طفل صغير على يد بعض الجنود العثمانيين ، ثم انتقل مع عائلته إلى بوسطن فى أمريكا ، و عاد إلى بيروت مرة أخرى عام 1898م ، ثم إلى بوسطن فى العام 1904 م ، وبعد فشل قصة حبه مع فتاة أمريكية (جوزيفين بيبادي)، تعرف إلى سيدة تكبره بعشر سنوات (ماري هاسكل ) وعرض جبران عليها الزواج إلا أنها رفضت لفارق السن بينهما ، فى العام 1908 م سافر جبران إلى باريس ومكث هنام ما يُقارب السنتين ، فى العام 1910 م ذهب جبران إلى نييورك ليُقيم فيها حتى موته فى 10 إبريل 1930م ، له مؤلفات بالعربية وأخرى بالإنجليزية منها (الأرواح المتمردة - الأجنحة المتكسرة - دمعة وابتسامة - المواكب - المجنون - السابق - النبي - رمل وزبد - يسوع ابن الإنسان - آلهة الأرض - التائه - حديقة النبي )
(*) ابن آوى : الثعلب