ماجد أبو غوش في ديوانه الأخير

جميل السلحوت

[email protected]

عن منشورات دار النهضة العربية في بيروت صدر في العام 2009 الديوان الحادي عشر للشاعر الفلسطيني ماجد أبو غوش،ويحمل الديوان اسم(أُسميكِ حُلُما وأنتظر ليلي) يقع الديوان في 120 صفحة من الحجم المتوسط.

وماجد ابو غوش ابن قرية عمواس التي دمرها المحتلون مع يالو وبيت اللو المجاورتين وهي القرى المعروفة باسم قرى اللطرون،في حرب حزيران 1967 وشردوا اهلها،ليبنوا مكانها لاحقا ما يعرف بمنتزه كندا– كندا بارك- تخليدا للصداقة بين كندا واسرائيل،كان عمر ماجد حينها أقل من ثماني سنوات عندما دمرت قريته وهُجِّر أهلها ،فكان شاهدا على جريمة الاقتلاع منذ نعومة اظفاره،وكان لذلك تأثير مباشر على صدق انتماء شاعرنا لشعبه ولقضيته العادلة،فظهر ذلك جليا في حياته ومسلكياته وثقافته وأشعاره.

وفي ديوانه الجديد(أسميك حلما وأنتظر ليلي)يظهر مدى التزام الشاعر بقضايا شعبه وأمّته،فهو يتجول في اشعاره ما بين فلسطين ولبنان، ولا ينسى ان يعرج على بغداد والقاهرة ودمشق وعمان.

يفتتح الشاعر ديوانه بمقطع من قصيدة للشاعـر الراحل أمل دنقل يقول فيه:

(معلق أنا على مشانق الصباح

وجبهتي – بالموت- محنية

لأنني لم أحنها ...حيّة) ص7

وهذا المدخل للديوان يعطينا بعدا نفسيا للشاعر،الذي يصر على شموخه ما دام على قيد الحياة،ولن تنحني جبهته رغم المحن والشدائد الا بعد الموت،عندها لا لوم عليه ولا عتاب.

لكن اللافت قبل المدخل هو اسم الديوان(أسميك حلما وأنتظر ليلي) فمن هي المخاطبة؟ ومن هي ليلي التي ينتظرها الشاعر؟وأكاد أجزم بأنه تأثر هنا بقصة قيس بن الملوح-مجنون ليلى- الشهيرة،فهل المخاطبة هنا هي فلسطين الوطن؟ عمواس مسقط رأس الشاعر؟ أم الدولة الفلسطينية العتيدة التي يحلم الشعب الفلسطيني باقامتها؟ فكل الاحتمالات واردة، خصوصا وانه لا توجد في الديوان قصيدة تحمل عنوان الديوان؟ويلاحظ ان غالبية قصائد الديوان كتبت في صيف 2006 أيّ في فترة الحرب الاسرائيلية على لبنان،والقصيدة الأولى في الديوان (عودة)تمثل حلم الفلسطيني في العودة الى مسقط رأسه،مع ان المكان تغيرت ملامحه، وعندما تسأل المذيعة المرأة الفلسطينية الى اين تعودين تجيب:

(لأروي شجرة الياسمين

حتى تُظلل أسماء الشهداء)ص10

وكأني بالشاعر متأثر هنا بالراحل الكبير محمود درويش عندما القى كلمة الوداع في تونس في طريق عودته الى رام الله بعد اقامة السلطة الفلسطينية والتي قال فيها (يا اهل تونس، تركنا عندكم خير من فينا،تركنا شهداءنا،فنوصيكم بهم خيرا) فالشعوب الحية لا تنسى شهداءها.

وفي القصيدة الثانية (قانا) المكتوبة في 1-8-2006 ينفعل الشاعر ويتفاعل مع المذبحة الثانية التي تعرضت لها بلدة قانا في الجنوب اللبناني:

(في قانا

كما في بيروت

في غزة

كما في بغداد

كان القاتل واحدا

Made in U.S.A) ص13

اي ان الضحايا في فلسطين ولبنان والعراق يسقطون بالسلاح الامريكي وبالغطاء السياسي الامريكي.

وفي قصيدة (الاحتلال) يلخص الشاعـر الاحتلال بكلمات بسيطة بليغة بأنه هَمٌّ وألمٌ وتلويث للبيئة وقتل ودمار واعتقال.

ويحيي الشاعر صمود بيروت امام القصف الهمجي فيشبهها بالعروس  الجميلة وذلك في قصيدة(شهادة).

اما قصيدة(أحد بيروت)والأحد يوم عطلة رسمية في لبنان،تسترخي فيه بيروت،ويرتاح مواطنوها من تعب اسبوع عمل طويل غير انه في الحرب على لبنان:

(منذ اسابيع

وبيروت لم يأت اليها

يوم الاحد) ص43

وفي قصيدة(فنجان قهوة) المكتوبة في 27-7-2006 والتي يهديها الى الشاعرة اللبنانية المبدعة جمانة حداد،ُيقارن الشاعر ما يجري في بيروت اثناء الحرب وما يجري في فلسطين فيقول:

(كم وددت يا صديقتي

ان آتيك ببعض الشمع والورد والورق

لكنني مثلك

القاذفات فوق رأسي

والطرقات مغلقة أمامي

وفمي من البكاء والصرخ

قد احترق)ص77

ويرى الشاعر في الحرب التدميرية القاتلة على لبنان تشابها مع احتلال العراق وفلسطين فيقول :

(في بغداد

الدم واضح

ورائحته فاضحة

وعلى باب بيروت

وعلى وجه غزة ايضا

الدم واضح

ورائحته فاضحة)ص100

ولعل قصيدة(كان اسمي نصر ابو شاور) والتي يرثي فيها الشاعر الشهيد نصر ابو شاور،الذي كان فدائيا وشاعرا ايضا،واستشهد اثناء انقلاب حماس في غزة،فبكاه القمر والشجر وأرملته وأطفاله ومعارفه تظهر العاطفة جلية في هذه المرثية.

وماذا بعد:

واضح اننا امام شاعر يجيد كتابة قصيدة النثر،فتأتي على شكل برقيات سريعة،تمثل ردة فعل عاطفية عند الشاعر في موقف معين وزمن معين.

"ورقة مقدمة لندوة اليوم السابع في القدس"