النص القرآني عند محمد شحرور 16

النص القرآني عند محمد شحرور

16

ياسين سليماني

[email protected]

5- السبع المثاني:

 المفردات السابقة اعتاد العلماء أن ينظروا إليها كمترادفات وإن اختلفت بين بعضها البعض من حيث الاشتقاق اللغوي، فلقد اصطلح عليها جمهور العلماء بأنها تعني الستين حزبا المجموعة بين دفتي المصحف، أما المفردتان الباقيتان فظاهر أنهما ليسا هما التنزيل الحكيم ولكنهما جزء منه، واختلف الكثير من العلماء حولهما.

 يقول شحرور في تأويله للآية:" ولقد أتيناك سبع من المثاني والقرآن العظيم"(4) أنّ الله تعالى عطف القرآن على السبع المثاني، وهذا يعني أنّ القرآن شيء والسبع المثاني شيء آخر، وأنّ السبع المثاني ليست جزءا من القرآن وقد وصفها الله سبحانه وتعالى قبل القرآن حيث ميزّها عليه بالأفضلية من ناحية المعلومات، ولا يمكن أن يكون القرآن جزءا من السبع المثاني لأنّ هذه الأخيرة سبع آيات والقرآن أكثر من ذلك.(5) وفي الوقت ذاته كما يرى شحرور فإنه يجب أن يكون بين المصطلحين تجانس ما بينهما حتى يتم عطف أحدهما على الآخر.

مثال ذلك أنّه حين قال" ثيبات وأبكارا"(1) فعطف الثاني على الأول رغم أن الثيب غير البكر فوجه ذلك أنّ كلاهما من النساء، كذلك القرآن والسبع المثاني كلاهما من الله.(2)

 يضيف شحرور في هذا السياق بأنّه ما دام القرآن العظيم هو نبوة محمد (ص) والنبوة علوم فهذا يعني أنّ السبع المثاني هي من النبوة وفيها علوم، وهكذا نفهم قوله (ص) إن صحّ " ألا إنّي أوتيت القرآن ومثله معه" بأنّه ما هو إلاّ تعليق على هذه الآية، فإذا كانت السبع المثاني هي مثل القرآن فهذا يعني أنّ المعلومات الواردة فيها لا تقل كماّ ونوعاّ عن المعلومات الواردة في القرآن، ولكن جاءت بطريقة تعبيرية مختلفة عن طريقة القرآن(3)

 لقد ميزّ السبع المثاني عن القرآن بأن أطلق عليها مصطلح "أحسن الحديث"، وذلك في قوله:" الله نزّل أحسن الحديث كتابا متشابها مثاني"(4)، فقد أطلق على القرآن مصطلح "الحديث"، وأطلق على السبع المثاني مصطلح أحسن الحديث حيث أنّه تمّ تمييزها، وهذا التمييز بأنّ القرآن آيات متشابهات فقط وأحسن الحديث يحمل بالإضافة إلى التشابه صفة المثاني، "كتابا متشابها مثاني"، أمّا القرآن فكتاب متشابه فقط(5)، جاء في مقاييس اللغة ما يلي:" الثاء والنون والياء أصل واحد وهو تكرير الشيء مرتين أو جعله شيئين متواليين أو متباينين"، ويثنى الشيء من أطرافه، فالمثاني هي الأطراف، ومن هنا كان لكل سورة مثناة أي طرف، فالمثاني إذن أطراف السور وهي بالتالي فواتحها.(6)

 من هذا المنطلق قيل أنّ الفاتحة هي السبع المثاني لأنها سبع آيات في فاتحة واحدة هي فاتحة الكتاب، ولكن السبع المثاني هي سبع آيات، كل منها فاتحة، أي هي سبع آيات وهي في الوقت نفسه سبع فواتح، فيبقى احتمال واحد بما أن الكتاب واحد وبما أنّه مؤلف من 114 سورة فيلزم أن تكون السبع المثاني هي سبع فواتح للسور، كل منها آية منفصلة في ذاتها.(7)

 إذا نظرنا إلى فواتح السور نرى فيها السبع المثاني وهي:1- الم، 2- المص، 3- كهيعص، 4- يس، 5- طه، 6- طسم، 7- حم. وهذه الفواتح هي آيات مستقلة بذاتها، وليست مثل الأحرف الأخرى:"الر"، "المر"، "طس"، "ن"، "ف"، "ص" لأن هذه الأخيرة كل واحدة منها جزء من آية وليست آية كاملة ف "ن"، مثلا جزء من آية كاملة وهي: ن والقلم وما يسطرون"(1)، وكذلك فإن "عسق" ليست فاتحة لسورة لأنها الآية الثانية في سورة الشورى والآية الأولى هي "حم"(2) فشحرور يختص في حديثه هذا على الحروف التي تبدأ بها السور، وتشكل فيها كل واحدة آية مستقلة، فإذا نظرنا في التنزيل الحكيم إلى الآيات التي تتصف بهاتين الصفتين (افتتاح السور، واستقلالها كآية" وجدناها سبعا.

وإذا ما تم النظر- حسب شحرور- إلى عدد الحروف (الأصوات) الموجودة في الآيات السبع نراها تتألف من "11" أحد عشر حرفا (صوتا) هي:

1.الألف، 2. اللام، 3.الميم، 4.الصاد، 5.الكاف، الهاء، 7.الياء، 8.العين، 9.السين، 10 الطاء 11.الحاء. وإذا أخذنا بقية الحروف (الأصوات) الموجودة في الحروف غير المشكلة لآية منفردة فاتحة، والمذكورة سابقا نجد أنّ فيها ثلاثة حروف (أصوات) غير موجودة في آيات السبع الفواتح وهي:

1. القاف، 2.الراء، 3.النون، فمن هذه الأصول تتألف كلمة "القرآن"(3) فكلمة القرآن مشتقة من "قرأ" ومعنى "قرأ" الجمع، وكذا معنى "قرن" وعليه فالقراءة والقرن جمع وفيها استقراء ومقارنة، وإذا أضفنا الحروف (الأصوات) الثلاثة الإضافية إلى السبع فواتح التي تشمل على أحد عشر حرفا يصبح المجموع أربعة عشر حرفا (صوتا) مختلفا أي (7x2) وهذه هي السبع المثاني.(4)

وفي استخراج السبع المثاني من التنزيل الحكيم هو كما يلي:

- الحروف التي تشكل فواتح سور وتستقل بذاتها كل واحدة كآية، وعددها "سبعة" (7) وفيها أحد عشر حرفا مختلفا.

- الحروف التي تشكل فواتح سور لكنها لا تستقل بذاتها كآيات منفردة ولكنها جزء من آية كاملة مثل: "ص" و "ن".

- الحروف التي ليست بفواتح ولا جزء من آية، رغم أنها حروف معجمة وهي آية وحيدة في التنزيل، الآية الثانية من سورة الشورى "عسق".

 بجمعنا لهذه الأحرف دون تكرار أي واحد منها نجدها أربع عشر حرفا (صوتا) وهذا الرقم هو ضعف السبع وبذلك فهذه الأحرف هي السبع المثاني.

 وهذه الأحرف هي المقصودة في قول النبي (ص) إن صحّ:" أعطيت جوامع الكلم واختصر لي الكلام اختصارا" وليس يعني به البلاغة النبوية كما يرى البعض، لأنه إذا عنت "جوامع الكلم" البلاغة النبوية فإننا نستنتج بالضرورة أنّ القرآن من تأليف محمد (ص) لأنه إلى الآن لم يستطيع تقليده أحد فيصبح القرآن هو بلاغة محمد (ص)، وعلينا – كما يضيف شحرور- أن نعلم أن النبي (ص) كان على بلاغته بشرا وبلاغته فيهم بلاغة متميزة مع أنّها مألوفة وحين ندّعي أنه يفوق ببلاغته البشر نفسح الطريق لمن يظن أنّ القرآن من صنعه.(1) رغم أن الله تعالى يقول:" قل إنّما أنا بشر مثلكم يوحي إليّ"(2)

أخيرا يستنتج شحرور من حروف (أصوات) السبع المثاني ما يلي:

- أنّها أعطت مقاطع صوتية يتألف منها أصل الكلام الإنساني وليس اللغة العربية فقط.

- أنّ عدد الأصوات الأحد عشر في الآيات السبع الفواتح تشكل الحد الأدنى لأي كلام إنساني، أي أنه لا يمكن أن توجد لغة إنسانية يقال عنها لغة إلاّ إذا كانت أصواتها الأصلية من أحد عشر صوتا على الأقل وهذا ما توصل إليه المحدثون من علماء اللغويات واللسانيات من أن العدد أحد عشر(11) يشكل الحد الأدنى لأية لغة إنسانية معروفة في العالم ويمثلون لها بلغة البروتوكاس (Protokas) وهي لغة أهل سيشل.(3)

               

1- سورة الصافات، الايات114-118.

2- شحرور، الكتاب والقرآن، ص67.

3- المصدر نفسه، ص67.

4- سورة الحجر، الآية 87.

5- شحرور، الكتاب والقرآن ، ص96.

1- سورة التحريم، الآية 05.

2- شحرور، الكتاب والقرآن ، ص96.

3- المصدر نفسه، ص96.

4- سورة الزمر، الآية 23.

5- شحرور، الكتاب والقرآن ، ص96.

6- المصدر نفسه، ص97.

7- المصدر نفسه، ص97.

1- سورة القلم، الاية01.

2- شحرور، الكتاب والقرآن ، ص97.

3- المصدر نفسه، ص98.

4- المصدر نفسه، ص98.

1- شحرور، الكتاب والقرآن ، ص98.

2- سورة الكهف، الاية110.

3- شحرور، الكتاب والقرآن، ص99.