محمد محمد حسين الناقد والمفكر

محمد محمد حسين الناقد والمفكر

صاحب الاتجاهات الوطنية في الأدب المعاصر 

محمد سيد بركة

[email protected]

يعد محمد محمد حسين علما من الأعلام الذين نافحوا بإخلاص عن اللغة العربية حيث وقف كالطود الشامخ في مواجهة الهجمة الشرسة للتغريب والداعية إلى ذوبان الهوية العربية الإسلامية.ولقد عرف محمد محمد حسين مفكرا إسلاميا وناقدا أدبيا من الطراز الرفيع .

سيرة حياة :

ولد في سوهاج، من مدن الصعيد في مصرفي الرابع من أغسطس  سنة 1912م، وتلقى تعليمه الابتدائي والثانوي فيها، باستثناء السنة الأولى الثانوية التي التحق فيها بمدرسة أسيوط الثانوية؛ لأنها كانت المدرسة الثانوية الوحيدة في صعيد مصر وقتذاك، وحصل على الليسانس سنة 1937م من قسم اللغة العربية في (الجامعة المصرية)، وكذلك كان اسمها؛ لأنها كانت الجامعة الوحيدة في مصر وفي البلاد العربية وقتذاك. وعُيِّن معيدًا في الكلية في السنة نفسها، وكُلِّف بتدريس اثني عشر درسًا أسبوعيًّا في السنة الأولى. وكانت هذه هي السابقة الأولى التي يُعيَّن فيها معيد في سنة تخرجه ويكلف بالتدريس. ثم حصل على (الماجستير والدكتوراه)، وانتدب للتدريس في كلية الآداب بالإسكندرية سنة 1940م، وكانت وقتذاك فرعًا من الجامعة المصرية في القاهرة، ثم نقل إليها بعد استقلالها سنة 1942م، وتدرج في وظائف التدريس بها إلى أن شغل كرسي الأستاذية سنة 1954م، وتم إعارته  إلى الجامعة الليبية وجامعة بيروت العربية، ثم تعاقد مع جامعة بيروت العربية بعد بلوغه سن التقاعد سنة 1972م، وظل بها إلى أن تعاقد مع جامعة محمد بن سعود الإسلامية سنة 1976 حتى وفاته  سنة 1402هـ = 1982م، حيث بلغ من العمر سبعين سنة. وقد رثاه بعض الشعراء والأدباء، ومنهم الدكتور محمد بن سعد بن حسين بقصيدة منها:

صَـمَـتَ الصريرُ وجَفَّتِ iiالأقلامُ
هـدأَ الزَّئِيرُ فَلا مَعَــاركَ iiنَقْعُها
وَأُبِـيـحَ غَـابٌ كُنْتَ فيهِ iiمُسَوَّدًا
أَنَـا  إِنْ بَكَيْتُكَ سَــاعَةً iiفلطالما



وطَـوَتْ صَـحَائِفَ عُمْرِكَ iiالأَيْامُ
وَهَـجُ الـعُـقُولِ يمدُّه الإِلْهَــامُ
رَفَضَ ابنُ آوى إِذ هوى الضرغامُ
ذَرِفَـتْ عـلَيْكَ دُمُوعَها الأعْـلام

التحول :

لقد عاش أديبنا في زمن مبكر من النهضة الأدبية الحديثة - كما تُدعى - وكان في الساحة الأدبية والفكرية اتجاهان اثنان: اتجاه محافظ أصيل، واتجاه آخر متأثر بالغرب معجب بالغربيين وبكل ما عندهم، داعٍ إلى أن تكون أمم الشرق - وبخاصة البلاد العربية - مثل أوروبا في كل شيء.

وهذا الاتجاه الأخير كان من أعلامه بعض قادة الأدب وأعلامه في مصر زمن دراسة محمد محمد حسين، وأبرز أولئك (طه حسين) الذي كان أستاذًا لأديبنا.

وفي ظل تلك الظروف انخرط محمد حسين في هذا الاتجاه عَلِمَ أو لم يَعْلَم وكتب متأثرًا به، ظهر ذلك جليًّا في رسالته (للدكتوراه) التي كانت بعنوان: (الهجاء والهجَّاؤون) في العصر الجاهلي وصدر الإسلام .

ولكن الله تعالى بمنه وكرمه فتح بصيرة الرجل وأنار فكره وقلبه فتبيَّن له زيف ذلك الاتجاه وانحرافه واعوجاجه، فتركه ونحا منحى آخر، وسلك طريقًا معاكسًا له، سلك مسلك الطبيب الناصح والمجاهد المخلص الذي يدعو للفضيلة بفعله قبل قوله، ويوضح معالم الخير النقي الصحيح، ويفضح خطط الباطل ودعاة الشر، ويرد على مكائدهم وأباطيلهم.

يقول رحمه الله في سياق حديثه في مقدمة كتابه: (حصوننا مهددة من داخلها): "كتبت هذه الصفحات حين كتبتها لكي أفضح هذا النفر من المفسدين، وأنبِّه إلى ما انكشف لي من أهدافهم وأساليبهم التي خُدِعْتُ بها أنا نفسي حينًا من الزمان مع المخدوعين، أسأل الله أن يغفر لي فيه ما سبق به اللسان والقلم. وإن مَدَّ الله في عمري رجوت أن أصلح بعض ما أفسدت مما أصبح الآن في أيدي القراء. وأكثره في بحث حصلت به على درجة (دكتور في الآداب) من جامعة القاهرة، ثم نشرته تحت اسم (الهجاء والهجَّاؤون).

وقد كان مُصابي هذا في نفسي وفي تفكيري مما جعلني أقوى الناس إحساسًا بالكارثة التي يتردَّى فيها ضحايا هؤلاء المفسدين، وأشدهم رغبة في إنقاذهم منها بالكشف عما خفي من أساليب الهدَّامين وشِرَاكهم".

هذه إشارة سريعة إلى منهج الرجل واتجاهه؛ عرفنا منها صدق قوله واستقامة منهجه، وقوة عزيمته، وقد استطاع - بتوفيق الله - أن يصلح أخطاء كتابه بقدر ما وسعته الطاقة في الطبعات التي ظهرت في بيروت منذ 1969م.

من شهادات معاصريه:

يقول الدكتور محمد بن سعد بن حسين - وهو رفيقه في كلية اللغة العربية بالرياض لمدة سبعة أعوام تقريبًا -: "والناظر إلى كتبه بلا استثناء يجد أنها جميعًا من الموضوعات التي تَهَيَّبَ ميدانها كثيرون أو أنها موضوعات ذات حساسية في الميادين الفكرية؛ فهل تستطيع تحسس علة هذا الاتجاه والأسباب الدافعة إليه. نستطيع تلخيص ذلك في رواية ثلاثة أبيات من الشعر أحدها قول بعضهم:

وما المرء إلاَّ حيث يجعل نفسه      فكن طالبًا في الناس أعلى المراتب

والآخر قول أبي الطَّيِّب:

على قدر أهل العزم تأتي العزائم       وتأتي على قدر الكرام المكارم

تعظم في عين الصغير صغارها    وتصـغر في عين العظيم العظائم

فكأنه تمثل النصيحة في البيت الأول فتحقق في أعماله معنى البيتين الآخرين، لقد كان: مؤمنًا صادقًا، وتقيًّا نقيًّا، ومتعففًا مترفعًا. إذا تعارض حقه المالي مع الاحتفاظ بالكرامة قدم الاحتفاظ بالكرامة على المال. ولم أعرف أن الرجل انتصف لنفسه من المسيئين إليه، وما جدَّ في طلب أو جاه، وتلك قواصم ظهور العلماء، يشتد حين تكون الخصومة فكرية، فإذا وصلت الأمور إلى إطار الشخصيات انطوى كأنما حُدِّث في أمر مخجل".

ويبين الدكتور إبراهيم عوضين طريقة طرح محمد محمد حسين ونقده، ودراساته وبحوثه، فيقول: "والمبدع في نقد الدكتور محمد محمد حسين أنه يأتي بالدليل الحاسم في قوة؛ فليست بحوثه ذبذبات عاطفية تعتمد على الضجيج الخطابي، ولكنها ثمرة فكر عاقل، يؤمن بالحجة، ويعتصم بالدليل، فإذا ملأ كفه من الإقناع جاء بوهج العاطفة ليحدث من التأثير البالغ ما يترك هداه في قلوب من يستمعون القول فيتبعون أحسنه، أولئك الذين هداهم الله، وأحيل الدارس المتتبع إلى المجلد الثامن والعشرين من مجلة الأزهر الصادر في سنة 1376هـ، ليرى بحوث الدكتور محمد محمد حسين في هذا المضمار ناضجة الثمار شهية القطوف. والحق أن بحوثه في محاربة الحركات الهدامة في هذا العصر كانت ضرورة حتمية يوجبها الواقع المعاصر؛ حيث كان الاحتلال الإنجليزي لمصر مصدرًا خطرًا لشبهات ظالمة تلحق بالإسلام".

سجاياه:

لقد قاد محمد محمد حسين - رحمه الله - الصدق والأمانة وكَرَم النفس وأصالة الطبع ولطيف المعشر، لتسجيل عبرات الوفاء لمن ساهم معه في إخراج كتاب وتحقيقه ونشره، سجَّل تلك العبارات لنفر ربما كان هو صاحب الفضل عليهم وله السابقة في خدمتهم ونفعهم، بل ربما كانت جهودهم (المحدودة) معه رد جميل وبر وصلة لمعلم فاضل وأستاذ كريم لم يبخل عليهم بشيء، وقد طوَّق أعناقهم بفضائله ومكارمه.

يقول في مقدمة ديوان "الأعشى الكبير" وهو الديوان الذي حققه: "وقد كان ساعدني في إخراج هذا الكتاب في طبعته الأولى جماعة من الأصدقاء؛ فتفضل الأستاذ شوقي أمين بمعاونتي في مراجعة مسودات الطبع، وأسدى إليَّ كثيرًا من الآراء النافعة التي اقتنعت بكثير منها وأخذت به. وتفضل الزميل محمد أبو الفرج المعيد بقسم اللغة العربية في جامعة الإسكندرية بوضع الفهارس اللغوية للديوان - ويعلق في هامش الكتاب: توفي الدكتور محمد أبو الفرج في خلال العام الدراسي الماضي. أسأل الله الكريم أن يرحمه ويحسن إليه - كما تفضل مصطفى عبد اللطيف الشويمي الطالب بليسانس الآداب بوضع فهارس الأعلام والأماكن والقبائل والأيام، وتفضلت الآنسة عزة كرارة المتخرجة في قسم اللغة الإنجليزية بجامعة الإسكندرية، بترجمة المقدمة الألمانية للمستشرق (جاير) في الطبعة الأوروبية، فإلى هؤلاء جميعًا أقدم شكري الخالص".

إن في هذا لدلالة كبيرة على أن الرجل مربٍّ فاضل وليس عالمًا فقط؛ فهو يدعو بفعله قبل قوله إلى أن يُعْرَف الفضلُ لأهله؛ وهو بذلك يحفز همَّة كل قادر على العمل والبحث أن يقدم ما يستطيع؛ وليس بالضرورة أن يخرج عملاً مستقلاً بنفسه، ولكنه بإمكانه أن يشارك مع إخوانه وزملائه في إنجاز أعمال علمية؛ وله فيها - بإذن الله - أجران: فحقه أن يُشكر من قبل إخوانه، ثم إنَّ له ما هو أغلى وأسمى من ذلك وهو الأجر من الله تعالى إن خلُصت نيته وصدَق توجهه.

مؤلفاته:

بلغت كتب الدكتور محمد محمد حسين المطبوعة أحَدَ عشر كتابًا، وهي:

1- الاتجاهات الوطنية في الأدب المعاصر (في جزأين).

2- الإسلام والحضارة الغربية.

3- أزمة العصر، وأصله ثلاثون حديثًا كتبت لتبث من إذاعة الرياض عام 1397هـ.

4- حصوننا مهددة من داخلها، وأصله مجوعة مقالات شهرية نشرت في مجلة الأزهر المصرية في عامي 1377هـ، 1378هـ.

5- الهجاء والهجَّاؤون في صدر الإسلام، وهذا الكتاب جزء من بحثه في (الدكتوراه).

6- أساليب الصناعة في شعر الخمر والأسفار، وهذا الكتاب (كما يذكر المؤلف في مقدمته) فصلان من بحث مرحلة (الماجستير).

7- شرح وتعليق على ديوان الأعشى الكبير (ميمون بن قيس).

8- المتنبي والقرامطة وهذا الكتاب (كما يذكر المؤلف في مقدمته) في الأصل محاضرة ألقاها في كلية الآداب بالجامعة الليبية ببنغازي عام 1383هـ.

9- الهجاء والهجَّاؤون في الجاهلية.

10- مقالات في الأدب واللغة، وهذا الكتاب يحوي ستة بحوث هي:

أ - تطوير قواعد اللغة العربية.

ب - بين سينية البحترية وسينية شوقي.

ج- فقه اللغة بين الأصالة والتغريب.

د- دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب بين التأييد والمعارضة.

هـ- أثر الأدب الغربي في الأدب العربي المعاصر.

و- اقتراحات للنهوض بمستوى اللغة العربية.

وقد طبعت تلك البحوث مجتمعة في كتاب واحد بعد وفاة المؤلف - رحمه الله - ونشرتها مؤسسة الرسالة في بيروت عام 1409هـ - 1989م بإشراف ورثة المؤلف.

11- الروحية الحديثة دعوة هدامة، وهذا الكتاب في الأصل محاضرة ألقيت في جمعية الشبان المسلمين بالإسكندرية عام 1379هـ، وكانت بعنوان: الروحية الحديثة حقيقتها وأهدافها.

كما أن للأستاذ محمد محمد حسين مؤلفات أخرى وكتبًا بعضها لا يزال مخطوطًا، وبعضها طبع مرة واحدة فقط ثم نفد ولم يعد يوجد، ومنها:

أ- رواية الدموع.

ب- الأعشى صناجة العرب، بحثه في (الماجستير).

 ج- فتح مكة.

د- اتجاهات هدامة في الفكر العربي المعاصر، وهو في الأصل محاضرة ألقيت في جمعية الشبان المسلمين بالإسكندرية.

وبعد وفاة هذا الأديب - رحمه الله - أُعِدَّتْ رسالتا (ماجستير) عن حياته وأدبه؛ فقد أعد الباحث: عليان بن دخيل الله الحازمي رسالة (ماجستير) في كلية اللغة العربية بالرياض في جامعة الإمام عام 1407هـ بعنوان: (محمد محمد حسين حياته وآثاره الفكرية والأدبية)، وبلغت صفحاتها حوالي ثمانمائة صفحة، وفي عام 1414هـ أعد الباحث محمد عبد الحميد محمد  خليفة رسالة (ماجستير) في قسم اللغة العربية بجامعة الإسكندرية بعنوان: (دراسة النص الأدبي عند محمد محمد حسين)، وبلغت صفحاتها حوالي 330 صفحة.

إن سطورًا متواضعة كهذه التي نكتب هنا لن تفي بحق عَلَم كمَن نتحدث عنه؛ ولكنها إشارات، وحَسْبنا أن نثبت فيها أسماء المصادر والمراجع لمن أراد المزيد

                

المصادر :

1-   مؤلفات الدكتور محمد محمد حسين .

2-   موقف الدكتور محمد محمد حسين من الحركات الهدامة للدكتور إبراهيم عوضين –مؤسسة الرسالة- بيروت- 1985 .

3-   الدكتور محمد محمد حسين والدفاع عن قضايا الإسلام للدكتور محمد حسين عواد.

4-   موقف الدكتور محمد محمد حسين من قضية الصراع بين القديم والجديد- للدكتور عثمان سليمان موافي .

5-   مجلة الأدب الإسلامي –العدد الثامن – السنة الثانية- ربيع الآخر 1416 ه-سبتمبر1995 م.