النص القرآني عند محمد شحرور-12

النص القرآني عند محمد شحرور

12

ياسين سليماني

[email protected]

الفصل الثالث: الكتاب والأسماء المشابهة له عند شحرور

 المبحث الأول:  أراء شحرور في الكتاب والأسماء المشابهة له

 إن الكلمة التي نزل بها القرآن تحمل من الأبعاد والدلالات الكثير، ولا يوجد فهم مطلق للنص لذلك يجب على التأويل أن يتجدد عبر العصور، لأن مألوف عاداتنا في أن نقرر أمر الكلمة من خلال مرجع يجب أن يقاوم، لأن المفردة تتغير، صحيح أننا لا نضفي على النص ما ليس من معدنه ولكن يبقى المجال مفتوحا لتجارب كثيرة.

وإذا كان للكلمة تاريخ فلها أيضا قدرة على مجاوزة هذا التاريخ أو محاورته، والحقيقة أن تبين الكلمة القرآنية ما يزال قابلا للمزيد من الإيضاح لأن أدوات المتقدمين في فحص الكلمة ربما تبدو متواضعة الآن.(1) ومن هذا المنطلق فإنه لا يمكن فهم الفكر الذي يقدمه شحرور بدون إحاطة جيدة بموضوع المفردات الأساسية التي يطرحها التنزيل الحكيم، وهي: "الكتاب"،"القرآن"، "الذكر"، "الفرقان" "السبع المثاني"و " أم الكتاب" وهذه الألفاظ يخصص لها شحرور الباب الأول من كتابه "الكتاب والقرآن" ثم يعود إليها في "الإسلام والإيمان" وكذلك " نحو فقه إسلامي جديد" مؤكدا على الاختلاف بينها من جهة، والاختلاف عن الآراء السابقة من جهة أخرى.

ويتساءل شحرور في مطلع حديثه حول هذه المفردات عن قوله تعالى " إنّا نحن نزلنا الذكر وإنّا له لحافظون" (2) إن كانت الألفاظ التالية: " الكتاب" و" القرآن" و "الفرقان" تشير كلها إلى معنى واحد لأنها مترادفات أم أنها تشير إلى معاني مختلفة.(3) وما دام شحرور ينفي وجود الترادف نفيا تاما فهو يفرق بين المفردات الثلاث ويقدم لكل واحدة منها تعريفا خاصا، كما يعطي للمفردات الأخرى تعريفات أو تأويلات خاصة أيضا.

1- الكتـاب:

يقول محمد شحرور: " الكتاب من "كتب"، والكتاب في اللسان العربي تعني جمع أشياء بعضها مع بعض لإخراج معنى مفيد، أو لإخراج موضوع ذي معنى متكامل، وعكس كتب من الناحية الصوتية "بتك" ويمكن قلبها بحيث تصبح "بكت" في قوله تعالى " فليبتكنّ آذان الأنعام"(4)، فالكتاب في المعنى عكس البتك أو البكت"(5)

وعندما نسمي فلانا كاتبا فإننا نقصد المواضيع وتأليف الجمل ووضع بعضها مع بعض وربط أحداث بعضها إلى بعض، كذلك فإننا إذا قلنا كلمة "كتاب" ولم نعطها إضافة لتوضيح الموضوع يصبح المعنى ناقصا، فعندما نقول أن الصلاة كتاب فهذا يعني أن الصلاة هي من المواضيع التعبدية التي وجب على المسلم القيام بها لقوله تعالى " إن الصلاة كانت على المؤمنين كتابا موقوتا"(6)، فهي كتاب واحد من بين كتب كثيرة، ولهذا جمعت أحاديث النبي (ص) حول الصلاة وسميت "كتاب الصلاة" وحول الصوم وتسميت "كتاب الصوم" وغيرها.... والأمر عينه فعله الزمخشري عندما جمع قاموسه "أساس البلاغة" جمع الأصول التي تبدأ بحرف الألف وسماها "كتاب الألف" وكذلك مع حرف الباء والتاء وبقية الحروف(7)، لذلك حين قال تعالى:" كتاب أحكمت آياته" (8) فهو لم يعن كل آيات المصحف وإنما مجموعة الآيات المتشابهات، وعندما قال:" وما كان لنفس أن تموت إلا بإذن الله كتابا مؤجلا"(9) فإنه عنى كتاب الموت، أي مجموعة العناصر التي تؤدي إلى الموت في حال توفرها واجتماعها، وعليه فمن الخطأ الفاحش- فيما يرى شحرور- أن نظن أن كلمة "كتاب" أنها تعني "المصحف" لأن الآيات الموجودة بين دفتي المصحف من أول سورة الفاتحة إلى آخر سورة الناس تحتوي على عدة "كتب" أي مواضيع، وكل كتاب من هذه الكتب يحتوي على عدة كتب، فمثلا كتاب العبادات يحتوي على كتاب الصلاة وكتاب الصوم(10)

وفي حالة ورود "الكتاب" كمفردة معرفة بالألف واللام، قوله تعالى:" ذلك الكتاب لا ريب فيه"(11) فذكر المفردة معرفة، فيعني بها مجموعة المواضيع التي أوحيت إلى محمد (ص) وهي مجموعة الكتب التي سميت "الكتاب" ويؤيد ذلك أن سورة الفاتحة تسمى فاتحة الكتاب.

ويستنتج شحرور بعد هذا أن هناك نوعين من الكتب:

النوع الأول: هو الذي يتعلق بسلوك الإنسان ككتاب الصلاة الذي يتألف من الوضوء والقيام والركوع والسجود وهذه الكتب غير مفروضة على الإنسان حتما، بل له القدرة على الالتزام بها أو عدم التقيد بها، ويعني ذلك أن الإنسان هو الذي يقضي "أي يختار" موقفه منها، وأطلق على هذا النوع في المصحف مصطلح "القضاء".(12)

النوع الثاني: قوانين الكون وحياة الإنسان ككتاب الموت وكتاب خلق الكون والتطور والبعث وهي مفروضة على الإنسان حتما وليست لديه قدرة على عدم الخضوع لها، وأطلق على هذا النوع في المصحف مصطلح "القدر" ويتوجب على الإنسان أن يكتشف هذه القوانين ويتعلمها ليستفيد منها.(13)

ويضيف شحرور في السياق ذاته مستنتجا من كون النبي (ص) هو رسول الله وهو نبي، فهذا الكتاب (بالألف واللام أي المصحف) يحتوي على رسالته وعلى نبوته.

ويفرق شحرور هنا بين هذين المصطلحين "الرسالة" و "النبوة"، حيث يعرفهما كما يلي:

أ/ الرسالة: هي مجموعة التعليمات التي يجب على الإنسان التقيد بها من عبادات، معاملات، أخلاق وفيها الحلال والحرام وهي مناط التكليف.

ب/ النبوة: من "نبأ" وهي مجموعة المواضيع التي تحتوي على المعلومات الكونية والتاريخية، وفيها الحق والباطل (14)، فالكتاب يحتوي على كتابين رئيسيين:

أ/ كتاب الرسالة: ويشتمل على قواعد السلوك الإنساني الواعي ويفرق بين الحلال والحرام.

ب/ كتاب النبوة: ويشتمل على تبيان حقيقة الوجود الموضوعي ويفرق بين الحق والباطل أي الحقيقة والوهم.(15)

وقد أوضح الله في سورة آل عمران أنّ الكتاب ينقسم إلى موضوعين رئيسيين (كتابين):" هو الذي أنزل عليك الكتاب منه، آيات محكمات هن أمّ الكتاب وأخر متشابهات، فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله"(16)

ففي هذه الآية يرى شحرور أنّ الله تعالى قسّم التنزيل الحكيم إلى:

أ. الكتاب المحكم: أي مجموعة الآيات المحكمات، وقد أعطاها الله تعريفا خاصا بها هو "أم الكتاب" فقال:" منه آيات محكمات هن أم الكتاب"، وهذه الأخيرة ( أي أم الكتاب) لها معنى واحد أينما وردت في الكتاب وليس لها معنى حقيقي مرّة ومعنى مجازي مرّة أخرى، والآيات المحكمات هن مجموعة الأحكام التي جاءت إلى النبي والتي تحتوي على قواعد السلوك الإنساني ( الحلال والحرام) أي العبادات والمعاملات والأخلاق.(17)

فالآيات المحكمات بالنسبة لشحرور هي الرسالة التي خص بها الله رسوله محمد (ص) وهي أم الكتاب والكتاب المحكم.

ب- الكتاب المتشابه: هو مجموعة الحقائق التي أعطاها الله إلى النبي (ص) والتي كانت في معظمها غيبيّات أي غائبة عن الوعي الإنساني عند نزول الكتاب و التي تشكل نبوة محمد (ص) والتي فرقت بين الحق والباطل.(18)

ج- تفصيل الكتاب: ليس بالمحكم ولا المتشابه لقوله تعالى:" وأخر متشابهات" حيث لم يقل " والآخر متشابهات"، فهذا يعني أن الآيات غير المحكمات فيها متشابهات وفيها آيات من نوع ثالث أعطاها اسم "تفصيل الكتاب"(19) لقوله تعالى:" وما كان هذا القرآن أن يفترى من دون الله ولكن تصديق الذي بين يديه وتفصيل الكتاب لا ريب فيه من رب العالمين"(20) وأكد تعالى أن تفصيل الكتاب موحى أيضا منه في قوله جلّ وعلا " وتفصيل الكتاب لا ريب فيه من رب العالمين"، وبهذا فالكتاب أو التنزيل الحكيم قسمه تعالى إلى آيات محكمات، آيات متشابهات وتفصيل الكتاب.

               

1- مصطفى ناصف، مسؤولية التأويل، دار السلام، القاهرة، مصر، ط1، 2004م، ص ص 85-86.

2- سورة الحجر، الآية 09.

3- شحرور، الكتاب والقرآن، ص51.

4- سورة النساء، الآية 119.

5- شحرور، الكتاب والقرآن، ص51.

 6- سورة النساء، الآية 103.

7- شحرور، الكتاب والقرآن، ص53.

8- سورة هود، الآية 01.

9- سورة آل عمران، الآية 145.

10- شحرور، الكتاب والقرآن، ص53.

11- سورة البقرة، الآية 02.

12- شحرور، الكتاب والقرآن ، ص54.

13- شحرور، الكتاب والقرآن، ص54.

14- المصدر نفسه، ص54.

15- المصدر نفسه، ص55.

16- سورة آل عمران، الاية07.

17- شحرور، الكتاب والقرآن، ص55.

18- شحرور، الكتاب والقرآن، ص56.

19- المصدر نفسه، ص55.

20- سورة يونس، الآية 37.