كتاب "اليهود والسينما في مصر"..

كتاب "اليهود والسينما في مصر"..

حقائق مثيرة يقدمها الناقد رأفت بهجت

القاهرة:

في جانب جديد من معترك قضايا اليهود السياسية، تحرى الناقد السينمائى أحمد رأفت بهجت في كتابه الجديد الذي نشره على نفقته الخاصة، دور اليهود في السينما المصرية.

ويعود المؤلف في الكتاب الذى حمل عنوان "اليهود والسينما في مصر" إلى المراجع والكتب وما صدر من أكثر من دليل سينمائي في حينه والرسائل العلمية، بالإضافة إلى المجلات القديمة، ومجموعة من المصادر الحية من شهود الحقب السابقة ليصل إلى حقائق تختلف عما ذهب إليه من اعتمد على النشرات الدعائية .

وذكرت صحيفة "البيان" الإماراتية أن الكتاب يصحح كثيرًا من المعلومات كما يكشف عن سيطرة اليهود على دور العرض وشركات الإنتاج والتوزيع بمصر؛ فقد تأسست عام (1897) شركة التيارات المصرية من اثني عشر شخصًا سبعة منهم من اليهود، من أسر تحمل جنسيات إيطالية وبريطانية ونمساوية ومجرية.

ويربط بهجت بين سيطرة الرأسمالية اليهودية على دور العرض والحركة الصهيونية حيث قام جاك موصيري بتأسيس أول فرع للمنظمة الصهيونية، وقام ألبرت موصيري  بإصدار مجلة «إسرائيل» المعبرة عن نشاط الحركة الصهيونية في مصر.

ويرصد أحمد الحضري في كتابه "تاريخ السينما في مصر" نماذج من الافلام التي عرضت في مصر عقب إعلان وعد بلفور 1917 من بينها "المستوطنات اليهودية في فلسطين" و"سفر الخروج" و"حياة العبرانيين" و"قمر إسرائيل" و"بن هور".

ومما يثير الأسف أن المثقف المصري لم يلتقط الأبعاد الصهيونية لتلك الأفلام فقد كتب حسن جمعة عن فيلم "بن هور" أنه يدور حول اضطهاد الرومانيين لليهود بل إن الجمهور قد أقبل على مشاهدة فيلم "بن هور" ولم يدرك الاهداف الصهيونية التي شيدت ـ على أساسها ـ أحداث الفيلم وشخصياته .

وفي الباب الثالث يتحول المؤلف إلى قضية "المبدع المصري وأساليب الاحتواء" حيث يستند إلى ما ذهبت إليه الدكتورة سهام ناصر في كتابها "صحافة اليهود في مصر" من موقف الصهيونية في تجنيد بعض اليهود المقيمين في مصر من المتمكنين من اللغة العربية وذوي الميول الأدبية والصحافية لتتبع ما ينشر في الصحافة المصرية وتقويمه والرد عليه بالإضافة إلى الكتابة في الصحف المصرية بدعوى تنوير المصريين فيما يتعلق بالحركة الصهيونية.

وتؤكد د. سهام أنه قد أتيح لهؤلاء الكتاب الصهاينة النجاح في مهمتهم لأنهم كانوا على إتصال وثيق ببعض أصحاب الصحف ومديريها.

ويتجاوز الاتهام الصحفيين اليهود إلى صحفيين فنيين مصريين روجوا لبعض الفنانين

وفي مقدمتهم اليهود من ذوي الإتجاهات الصهيونية وخدمة الشركات السينمائية الأجنبية.

ويرى بهجت أن حسن جمعة وهو من أهم وأول من تخصصوا في الكتابة عن السينما في صحافة مصر الفنية وارتبط بالنشاط السينمائي اليهودي في مصر وكان مدير دعاية لأفلام الأخوين لاما وكاتبا لحوار أفلامهما.. مثل فيلم "الهارب" 1938.

كما أشاد جمعة بالتجارب اليهودية السينمائية ذات الطابع الصهيوني مثل «أرض الميعاد».. وهو في رئاسته لتحرير مجلة الكواكب حيث ساند النجوم اليهود في مصر وضخم صورة كل من كاميليا وراقية إبراهيم.

وفي فصل آخر تناول فيه المؤلف فترة ما بعد قيام دولة إسرائيل، خلص الكتاب إلى أن الفترة ما بين حرب 48 وقيام ثورة يوليو 52 تأرجحت بين الدراما الاجتماعية ذات النبرة الوطنية أو السيكولوجية وبين الكوميديا التي تنحي جانبًا كل عناصر الصراع بين العرب والصهاينة، وطعمت بعض الأفلام بمواقف ساخرة وهزلية دون أن تقع في مصيدة العداء لليهودية كعقيدة.

ويشير الدكتور على شلش في كتابه "اليهود والماسون في مصر" إلى أنه بعد إعلان دولة إسرائيل لم يعد الموقف الرسمي ومعه الموقف الشعبي معاديا لليهود كيهود، وأصبح هناك تمييز واضح بين اليهودية والصهيونية.

وفي هذه الظروف تنتج عزيزة أمير بعد النكبة مباشرة فيلم «فتاة من فلسطين» الذي نجح في أن يقدم لأول مرة الحالة المؤلمة للاجئين العرب ومعاناتهم من جراء اعتداء الصهاينة عليهم.. وقد ظلت أغاني الفيلم تؤثر على المتلقي العربي .

وفيما يتعلق بفترة ما بعد ثورة يوليو 52 يستوقفنا ما كتبه بهجت مؤكدًا أنه في إطار ما يبدو أنه تخطيط صهيوني منظم طلبت معظم شركات السينما الأمريكية في وقت واحد من السلطات المصرية السماح لها بتصوير أفلام روائية ضخمة التكاليف.. من بينها "الوصايا العشر" لسيسيل دي ميل الذي استقبله عبد الناصر .

كما حضر عبد الناصر عرض بعض المشاهد التي تم تصويرها من فيلم "أرض الفراعنة" الذي يرجع بناء الهرم الأكبر إلى اليهود وعلمائهم الذين استبعدهم الفرعون الطاغية خوفو.. والغريب أن أغلب هذه الأفلام منع عرضه في مصر بعد أن تم تصويره على أرضها.

ولكن.. مع أحداث التفجير التي قام بها عملاء الموساد فيما عرف بفضيحة "لافون"، يبدأ تعامل آخر أكثر حدة مع الشخصية اليهودية في السينما المصرية.. كما في فيلم "شياطين الجو" 1956 لنيازي مصطفي و"أرض السلام" 1957 لكمال الشيخ.

وفي الوقت نفسه عندما تحاول آسيا إنتاج فيلم عن فضيحة لافون، وشبكة الجاسوسية الصهيونية فإن المسؤولين يرفضون الفكرة ويبرر بهجت الموقف الرسمي بوجود دلائل كثيرة تشير إلى أن الكبرياء القومي جعلنا نتخذ موقف التجاهل لبعض أحداث الإرهاب الصهيوني داخل مصر بدءًا من فضيحة لافون، وإرهاب العملاء الألمان في مصر واغتيال علماء الفيزياء والذرة من أمثال د. سميرة موسى .

الباب الرابع والأخير حول الشخصية اليهودية في الفيلم المصري؛ فالشخصية اليهودية لم يكن لها وجود ملموس في بدايات السينما المصرية سوى في أفلام توجو مزراحي الكوميدية خلال الثلاثينات التي قام ببطولتها الممثل اليهودي "تشالوم" وأوضح أن شخصية شالوم بإجادة مزراحي لرسمها تؤكد على مدى الإندماج الذي كان يعيشه اليهود في المجتمع المصري.

أما موقف السينما المصرية من حرب 1973 فكان موقف هزيل.. حيث لم يتجاوز عدد الأفلام خمسة اتجهت إلى إثارة الشجن وكراهية الحرب، فيما كان يجب أن يكون هدفها هو الإحساس بالفخر ووردت الشخصية الإسرائيلية مجرد ظلال تتوارى خلف الحواجز والمعدات العسكرية.

ولم يستطع سوى مشهد واحد في فيلم «الرصاصة لا تزال في جيبي» أن يعكس واقعة تم تجاهلها لسنوات طويلة وهي واقعة المذابح الإسرائيلية التي ارتكبت في حق الأسرى المصريين في سيناء بعد هزيمة 67 فقد كان له تأثير كبير على المتفرج المصري .

وفي أعقاب زيارة السادات لإسرائيل تعرض فيلمان لإمكانية التعايش مع اليهود وهما: "الصعود إلى الهاوية" لكمال الشيخ 1978 و"إسكندرية ليه" ليوسف شاهين 1979، ويشير الأول إلى صعوبة التعايش بين الجانب المصري والإسرائيلي، أما الثاني فقد عرض لتعايش اليهود قديمًا في المجتمع المصري كجزء من نسيجه وأن رحيلهم إلى أرض الميعاد كان اضطراريًا.

جدير بالذكر أن الناقد السينمائي أحمد رأفت بهجت اهتم بقضايا التغلغل الصهيوني في السينما الأمريكية، وأعد منذ ربع قرن ملفًا عن "السينمائي اليهودي ودليل المتفرج إلى السينما الأمريكية" اتبعه بكتب عدة عن "الشخصية العربية في السينما العالمية"، و"هوليوود والشعوب" و"الصهيونية وسينما الإرهاب" وسعت هذه الكتب ـ إضافة إلى أبحاثه في الدوريات العربية ـ إلى تجسيد دور السينما في خدمة القضايا الصهيونية.