النص القرآني عند محمد شحرور 7

النص القرآني عند محمد شحرور 7

الفصل الثاني: التأويل عند محمد شحرور

ياسين سليماني

[email protected]

المبحث الأول: التأويل وأراء شحرور فيه

 1- تعريف التأويل (لغة واصطلاحا):

أ- التأويل لغة:

   جاء في لسان العرب ابن منظور تحليل لغوي لكلمة التأويل والأفعال المأخوذة عنها.

فالأول: الرجوع، آل الشيء، يؤول أولا، ومآلا: رجع، وأوّل إليه الشيء، رجعه.

   وأوّل الكلام وتأوّله: دبّره وقدّره، وأوّله وتأوّله: فسّره،(1) وقوله تعالى:"و لما يأتهم تأويله" أي لم يكن معهم علم تأويله، وقيل: معناه لم يأتهم ما يؤول إليه أمرهم في التكذيب به من العقوبة.

   وأما قوله جل جلاله:" هل ينظرون إلا تأويله يوم يأتي تأويله"، فقال أبو إسحاق: معناه هل ينظرون إلا ما يؤول إليه أمرهم من البعث.

  قال: وهذا التأويل هو قوله تعالى:" وما يعلم تأويله إلا الله"، أي لا يعلم متى يكون أمر البعث وما يؤول إليه الأمر عند قيام الساعة إلا الله والراسخون في العلم يقولون آمنا به أي آمنا بالبعث، والله أعلم.

   وقال ابن منظور: أعلم الله جل ذكره أن في الكتاب الذي أنزله آيات محكمات هن أم الكتاب لا تشابه فيه فهو مفهوم معلوم، وأنزل آيات أخر متشابهات تكلم فيها العلماء مجتهدين وهم يعلمون أن اليقين الذي هو الصواب لا يعلمه إلا الله(2).

  ب- التأويل اصطلاحا:

 وقد ورد عند الجرجاني تعريف التأويل حيث قال: " التأويل في الأصل الترجيع. وفي الشرع صرف اللفظ عن معناه الظاهر إلى معنى يحتمله إذا كان المحمل الذي يراه موافقا بالكتاب والسنة مثل قوله تعالى:" يخرج الحي من الميت" إن أراد به إخراج الطير من البيضة كان تفسيرا وإن أراد إخراج المؤمن من الكفر أو العالم من الجاهل كان تأويلا.(3)

   ونجد لفظ التأويل عند نصر حامد أبو زيد في عهدنا المعاصر إذ يقول: "كلمة تفسير لم ترد في القرآن كله سوى مرة واحدة، وإذا أخذنا النص القرآني (...) نموذجا لما يسمى في الدراسات اللغوية معدل الانتشار لجاز لنا أن نقول أن كلمة تأويل تنتشر في اللغة العربية في عصر القرآن عشرة أضعاف كلمة التفسير.(4)

التفسير هو شرح معاني الكلمات المفردة في حين أن التأويل هو استنباط دلالة التراكيب بما تتضمنه من حذف وإضمار وتقديم وتأخير وكناية واستعارة ومجاز...إلخ، هو بمثابة التمهيد للتأويل ففي الممارسة الفعلية لعملية الشرح التي هي التأويل لا بد من المرور بالتفسير.(1)

   ويتعرض "علي حرب" للمفهوم أيضا قائلا:" في المنهج التأويلي يجري التعامل مع النص ليس بوصفه أحادي المعنى والدلالة أو الوجهة، بل بوصفه متعدد الوجوه والأبعاد  والخطوط والسطوح (...) بوسعي القول أن النص في التعامل التأويلي هو كالجسد يمكن تقليبه على غير وضع أو رؤيته بغير وجه، بحيث يكون هناك أبدا مجال لأن نكشف فيه ما لم ينكشف منه، أو نقرأه قراءة جديدة مغايرة"(2)

   لقد طرح موضوع التأويل بشكل كبير، حول مشروعيته من القرآن ذاته وصال العلماء وجالوا في فهمهم للآية سابقة الذكر" وابتغاء تأويله وما يعلم تأويله إلا الله والراسخون في العلم يقولون أمنا به"(3)

   فالتأويل في هذه الآية لم يقطع العلماء فيه إن كان مقصورا على الله وحده لوجود أداة الاستثناء" إلا" أو شمول المعنى إضافة إلى الله للراسخين في العلم، بمعنى أن الواو بين لفظة "الله" ولفظة "الراسخون" جاءت للاستئناف أو للعطف.

   فالذي رجح أنها للاستئناف، وأن الله وحده يعلم التأويل قال إن الله تعالى تعبد الناس بما في كتابه مما لا يعلمون – وهو المتشابه- كما تعبدهم من دينهم بما لا يعقلون- وهو التعبدات – ومنهم من رجح أن الواو للعطف، وأن الراسخين في العلم يعلمون تأويله أيضا لأن الله تعالى لا يكلف الخلق بما لا يعلمون(4) وهذا هو الرأي الأرجح، لأن القول بالرأي الأول يعني أن النبي(ص) لم يعلم التأويل- وهذا ما لا يجوز- فإذا جاز أن يعلمه النبي جاز أن يعلمه الربانيون من الصحابة، ألم يكن ابن عباس يقول: أنا من الراسخين في العلم، ويقول عند قراءته قوله تعالى:" وما يعلمهم إلا قليل" (5) أنا من أولئك القليل(6)

              

1-1- ابن منظور، لسان العرب، دار لسان العرب، بيروت، لبنان، دط، دت، مج1، ص130.

2- المرجع نفسه، ص131.span>

3- الجرجاني، معجم التعريفات، تحقيق: محمد صديق المنشاوي، دار الفضيلة، القاهرة، مصر، د ط 2004م، ص46.

4- نصر حامد أبو زيد، الخطاب والتأويل، المركز الثقافي العربي، الدار البيضاء، المغرب، بيروت ،لبنان، ط1،2000م، ص175.

1- نصر حامد أبو زيد، المرجع السابق، ص 167.

2- علي حرب، الممنوع و الممتنع، المركز الثقافي العربي، الدار البيضاء، المغرب، بيروت، لبنان، ط4، 2005م، ص63.

3- سورة آل عمران، الآية07.

4- أحمد عبد الغفار، التفسير والنص، دار المعرفة الجامعية، الإسكندرية، مصر، ط1،2002م، ص173.

5-5- سورة الكهف، الآية 22.

6- أحمد عبد الغفار، المرجع السابق، ص174.