قراءة نقدية في ديوان "ابتهالات الإيمان"

قراءة نقدية في ديوان "ابتهالات الإيمان"

للشاعرة ليلى عبد الستار الخزرجي

أحمد الجدع

التعريف بالشاعرة

ليلى بنت عبد الستار الخزرجي، من مواليد محافظة القادسية بالعراق، انتقلت عائلتها إلى ناحية الأعظمية ببغداد، وفي مدارسها تلقت تعليمها .

كان جدها عبد اللطيف الأمين الخزرجي أحد علماء العراق، وعلى يديه تلقت تعاليم الدين الحنيف .

تزوجت الشاعر العراقي المعروف عبد الخالق فريد، وهو صاحب ما يقرب من عشرين ديوانا، فولدت له ثلاثة من البنين وبنتاً واحدة .

وهي مولعة بالقراءة وبخاصة ما كان منها متعلقاً بالسيرة النبوية العطرة وبحياة الصحابة رضوان الله عليهم.

وقرأت لعدد من الأدباء المعاصرين من أمثال طه حسين والعقاد ومحمد حسين هيكل ومصطفى صادق الرافعي، وخصت بقراءتها ما يتعلق بالسيرة وتاريخ الإسلام من مؤلفات هؤلاء الأدباء .

وبالإضافة إلى ذلك أولعت بقراءة ديواني كعب بن زهير وحسان بن ثابت .

حرصت الشاعرة على أداء فريضة الحج ، واعتمرت أكثر من مرة .

إضاءة على بيئة الشاعرة

إن من أعظم مكاسب الشعر العربي المعاصر أن تنبغ فيه امرأة، ذلك لأن حظ الشعر العربي من الشواعر حظ قليل ، والمتتبع للشعر العربي منذ الجاهلية إلى اليوم يدرك هذا الحظ المتواضع للمرأة العربية في ميدان الشعر .

وأنا حاولت أن أحصي دواوين الشعر العربي المعاصر ، فوثقت سبعة الآف ومئة وخمسين ديواناً صدرت في القرن العشرين، وأصدرتها في كتابي "معجم دواوين الشعر العربي المعاصر "الصادر عن دار الضياء للنشر التوزيع في طبعته الأولى عام 1424هـ 2003م .

وقد أجريت إحصاءً مقارناً فوجدت أن حظ النساء من دواوين الشعر المطبوعة لم يتجاوز 5% .

وقلت تعليقاً على هذا الإحصاء بأن الشعر العربي شعر ذكوري ، وهذا لا يعيب المرأة، فالله هو مقسم المواهب، وتتفوق المرأة على الرجل في مواهب أخرى .

إذن فإن نبوغ الشاعرة ليلى الخزرجي في الشعر مكسب للشعر العربي، وإضافة مقدرة للشواعر العربيات المعاصرات .

ثم إن شاعرتنا مولودة في محافظة القادسية، وعاشت في ضاحية الأعظمية ببغداد عاصمة الخلافة العباسية .

والقادسية وحي من تاريخ عربي عريق، يذكرنا بالأمجاد العربية الحربية التي ثلت عرش كسرى، وفي هذه المعركة بوجه خاص أكثر فرسان العرب من قولهم الشعر فخراً بالبطولات التي سطروها في الخمسة الأيام التي استمرت فيها المعركة التاريخية الفاصلة: معركة القادسية ،ثم إن الشاعرة انتقلت إلى الأعظمية المدينة الضاحية للعاصمة بغداد وهي منسوبة إلى الإمام الأعظم أبي حنيفة النعمان صاحب المذهب الفقهي الذي تُختار آراؤه في المسائل التطبيقية، وكان مذهبه هو المعمول به طيلة خمسة قرون حكمت فيها الدولة العثمانية رقعة واسعة من العالم .

إذن فالأعظمية بيئه إسلامية يتفاعل فيها الحراك الفقهي السياسي الاجتماعي ، ولأن شاعرتنا درست في مدارس الأعظمية فلا بد أنها كانت متأثرة بسيرة هذا الفقيه الأعظم وبآرائه السديدة .

ثم إن الشاعرة ابنة بغداد، بيت الشعر العربي طوال قرون الدولة العباسية، وفيها نبغ عشرات الشعراء الأعلام من أمثال أبي نواس وابن المعتز وابن الرومي وبشار بن برد ، وألم بها مئات الشعراء الأفذاذ على رأسهم المتنبي والمعري ،ثم إن العراق وشعراءها هم الذين قادوا مسيرة التجديد في الشعر العربي المعاصر، وقد ترأس هذه المسيرة رجل وامرأة: بدر شاكر السياب ونازك الملائكة .

ثم إن شاعرتنا عاشت بيئة علمية إسلامية وبيئة شاعرية، فجدها لأبيها عبد اللطيف الأمين الخزرجي أحد علماء العراق ، وكان حريصاً على تنشئة حفيدته تنشئة دينية صحيحة، وزوجها أحد شعراء العراق المعاصرين، له باع طويل في الشعر،طبع دواوينه في العراق ونشرها في العالم العربي .

ولأنها سليلة عالم معروف فقد حرصت على أداء واجباتها الدينية وعلى رأسها الحج والعمرة، وهما ما هما في رفد المسلم بدفقات روحية عالية وإيمانية عميقة .

ثم إن إقبالها على قراءة كبار أدباء عصرها أكسبها لغة صافية، ومعرفة سليمة ، وزاد من هذا الزاد ما أقبلت عليه من قراءة للسيرة ومعالم الإسلام .

أما صلتها بالشعراء التراثيين فإنها أقبلت على ديوان كعب بن زهير صاحب البردة ، وحسان بن ثابت الخزرجي شاعر الرسول r ،ولعل مما زاد من ولعها بشعر حسان انتسابها إلى قبيلته الخزرجية الأنصارية ذات الباع الطويل في الدفاع عن الإسلام بالسيف وباللسان .

ديوان الشاعرة : "ابتهالات الإيمان"

أصدرت الشاعرة ديوانها "ابتهالات الإيمان" في بغداد عام 2006 م ، وأهدتني نسخة منه، ورغبت إليّ أن أقرأه قراءه ناقدة، ومع أن زوجها الشاعر الكبير كان أقدر مني على ذلك ، إلا أنه هو الذي اقترح أن أكون القارئ الناقد، ولعله يرى أن قربه من الشاعرة قد يدعوه إلى المحاباة والميل نحو الإطراء ، وإذا ما حدث ذلك فإنه قد لا يسلم من اللامزين والمعترضين .

وأول ما أبدأ به هذا العنوان "ابتهالات الإيمان".

وهذا أمر طبيعي جداً لشاعرة سليلة عالم مسلم وأسرة خزرجية وثقافه إسلامية .

والأمر الذي أود الإشارة إليه هنا أن النساء يؤمن إيماناً أقرب إلى الفطرة ،وبهذا يتميزن على الرجل الذي يميل به الإيمان إلى التعمق والمجادلة والدراسة والبحث، وإذا ما قرأت شعر المرأة على مر العصور وجدت العاطفة مسيطرة على شعرها وهي تميل إلى شعر الرثاء وتجيده أكثر من الرجال ، والحزن العميق يثير في وجدان المرأة الإيمان العميق .

وقد برزت أكثر من امرأة في الشعر الإيماني، وترأست هذا الاتجاه رابعة العدوية، ولعل دراسة خاصة بهذا الاتجاه تكشف لنا عن درر نادرة في شعر المرأة الإيماني الذي يجنح أحياناً إلى الصوفية .

أنا ألفت كتاباً في أشهر قصائد النساء في الشعر العربي أسميته "المعلقات النسائية" وكانت عشر قصائد لعشر من الشواعر ،كان من بين القصائد العشر ست في الرثاء !

إنها ابتهالات من امرأة مؤمنة تناجي بها ربها وتثني بها على رسولها .

في الديوان عشرون قصيدة ، واحدة منها فقط من شعر التفعيلة ، وما تبقى من شعر الشطرين، وأطول القصائد تسعة عشر بيتاًً وأقصرها خمسة أبيات ، وأكثر القصائد تقف عند أبيات تسعة !

ونظرة على هذا الإحصاء يجعلنا نصنف الشاعرة مع ذوي النفس القصير، وكذلك شعر غالبية الشواعر العربيات .

ولأن الشاعرة من ذوي الطريق  الإسلامي والنبض التراثي فإن شعرها كله حاشا قصيدة واحدة من شعر الشطرين الذي توارثه شعراؤنا جيلاً بعد جيل منذ الجاهلية .

ولعل هذا النبض التراثي الذي يجري في وجدانها هو الذي جعلها في منجاة من التأثر بدعاة التفعيلة ،وإن كان رؤساء هذا الاتجاه من العراقيين .

قلت إن شعر النساء العربيات قصير النفس، ونادرة هي القصائد التي أنشأتها النساء العربيات مما تُجاوِز العشرين بيتاً .

ولعل هذا هو أحد الأسباب الرئيسية إن لم يكن السبب الوحيد الذي جعل منظومة المعلقات العربية تخلو من شعر امرأة !

بين يدي الآن ديوان الخنساء الصادر عن دار مكتبة الحياة في بيروت ، وأحببت أن أؤيد رأيي هذا بإحصاء عددي للديوان .

في ديوان الخنساء أربعة وتسعون قصيدة، أطولها ستة وثلاثون بيتاً، ، وأقصرها بيتان .

عدد القصائد التي أبياتها دون العشرة خمس وستون قصيدة، أي أكثر من ثلتي القصائد، وعدد القصائد التي تعد أبياتها من عشرة إلى ما دون العشرين اثنتان وعشرون قصيدة؛ مجموع قصائد الديوان التي لا تتجاوز عشرين بيتاً 65+22 =87 (سبع وثمانون قصيدة) .

هذا الإحصاء يؤيد ما ذهبنا إليه من أن شعر النساء قصير النفس ، وأن شاعرتنا ليلى الخزرجي لم تكن بدعاً في الشواعر عندما كانت قصائدها قصيرة النفس !

البناء العروضي

نعم، يبدع الغالبية العظمى من شعراء العربية شعرهم دون أن يكونوا على معرفة بقوانين الشعر العربي، وهم إنما ينظمون على السليقة العربية التي أبدعت هذه القوانين، فهي في رأيي قوانين موسيقية منضبطة على الإيقاع الفطري للسليقة العربية .

وإذا تتبعنا الشعراء العرب منذ الجاهلية وجدنا لهم خروجاً على هذه القوانين كما رأينا ذلك عند النابغة الذبياني، وهو من كبار الشعراء العرب، وكان هو الحكم على شعرهم في سوق الشعر العربي المشهور بسوق عكاظ .

لقد كان النابغة الذبياني يُقْوي، والإقواء هو اختلاف حركة الروي ،ثم إن الشعراء العرب منذ الجاهلية لم يلتزموا القوانين الصارمة للوحدات الموسيقية للشعر العربي، فنشأ ما نعرفه بالزحافات والعلل، حتى إن واحداً من شعراء المعلقات هو عبيد بن الأبرص كاد في معلقته أن يخرج من قوانين الشعر وأن تقارب معلقته أن تكون نثرا .

ولعل هذا الملحظ هو الذي دفع الخليل بن أحمد إلى أن يضع قوانين الشعر العربي فيما سماه علم العروض .

ثم جاء من بعده علماء لا حظوا ما يلجأ إليه الشعراء من مخالفات في قوانين النحو العربي في شعرهم، فأرادوا أن يضبطوا هذا الخروج فيما سموه بالضرورات الشعرية ،وجعلوا هذه الضرورات قسمين: ضرورات جائزة وأخرى قبيحة، وأما ما سوى الجائز والقبيح فقد اعتبروه خطأ غير مقبول .

كان لا بد من هذه المقدمة قبل أن نقرأ شعر شاعرة (ابتهالات الإيمان) ليلى عبد الستار الخزرجي ، فإن في شعرها بعض الهنات نود لو أنها لم تقع فيها .

نأخذ قصيدة "انطلاق" ،مطلعها":

سر بي إلى العلياء سر بي
 __  _ ب__ / _ __ب__ / __

 

يممت للنعماء دربي
__ ___ب __ /_ __ب__/ __

يحار القارئ لهذا المطلع: هل يصنفه في الرجز أم في السريع أم في الكامل ؟

فالرجز مستفعلن مستفعلن مستفعلن .

والسريع مستفعلن  مستفعلن  مفعولات .

والكامل متفاعلن متفاعلن متفاعلن، فإذا سكنت التاء (مُتْفاعلن) صار ورنها مستفعلن !

ويقول العروضيون في هذا الإشكال: إن القصيدة على بحر الرجز إذا جاء فيها تفعيلة واحدة على (متفاعلن) عدت القصيدة كلها من الكامل !

أنا أرى أن في هذا الرأي تعسفاً شديداً ، ولنا معه وقفة في مقال آخر .

نعود إلى قصيدة "انطلاق" .

البيت الثاني منها :

وسموتُ يحدوني الهوى
ب ب __ ب __ / __ __ ب __

 

لا أَستكين لكل صعب
_ _ب_ / _ _ب_ / _ _ ب _ / _

بعد أن بدأت الشاعرة بالرجز دخلت في الكامل (متفاعلن) ولأن الشاعرة في بيتها الأول كان النغم:مستفعلن مستفعلن فا، وهو نوع من السريع، وهذا عروضياً يجب أن يلتزم في بقية القصائد ،ولكنها في البيت الثاني خرجت عن هذا الالتزام .

وفي البيت الرابع :

سر بي إلى الخلاق ربي
__ __ ب__/ __ __ب__/__

 

من أوجد الأكوان من شرق غرب
_ __ ب_/__ب__/__ب_ __

فقد زادت في الشطر الثاني تفعلية كاملة !

لا أريد أن استطرد في هذا البحر اللجي من العروض، ولكنها ملحوظات على درب الاستدراك، فالشاعرة واعدة ولابد أن تنبه إلى مثل هذا .

وفي قصيدة "في مولد المصطفى" تقول :

في يوم خير المرسلين زها
وأشرقت دعوة في الكون وانطلقت
هذا نبي الهدى لاحت بشائره
فاستقبلته جموع المؤمنين هدى

 

هذا الوجود وعم النور في البَشَر
قوافل الخير بالآيات والسُّوَر
لينقذ الناس من جور ومن خَطَر
بعزمة تتحدى عصبة الكُفْر

لاحظ الكلمات في أواخر الأبيات: البَشَر، السُّوَر، خَطَر، الكُفْر ،فقد جاءت الكلمات الثلاث الأولى متحركة في حرفها قبل الأخير، وساكنة في كلمة الكفر، واضطرت لتحريكها (الكُفُر) وهذا لا يجوز .

في قصيدة "ذكريات الماضي"

في الليل لما يعتريني هاجس
أستذكر الماضي وعهد طفولتي
في الأعظمية ، وهي نزهة خاطري

 

وأطوف في سهوي وفي أشجاني
وأحب رفقاتي من الجيران
وبها تنامى واستطال كياني

نلاحظ أن البيت الأول في القصيدة غير مكتمل المعنى واحتاج إلى البيت الثاني والبيت الثالث اتكأ على البيت الثاني .....

وهذا ما يسمونه "التضمين" وعده القدماء من عيوب الشعر .

ثم إن أصحاب شعر التفعيلة المعاصرين انفلتوا من هذا العقال إلى الفوضى، وجاءوا من (التضمين) في شعرهم بالعجب العجاب !

وفي البيت جمعت كلمة رفيقة على رفقات فقالت: وأحب رفقاتي من الجيران، وجمع رفيقة لا يكون إلا على: رفائق .

في قصيدة "عبادة"

قم (وصلي) الفرض في أوقاته

 

فالصلاة اليوم تنجيك الهَلَك

الفعل (صلِّ) فعل أمر مجزوم بحذف الياء (حرف العلة) وهي لم تلتزم القاعدة النحوية وهذا خطأ لا يجوز .

وفي البيت أيضاً: الهَلَك بتحريك اللام بالفتحة والصحيح الهَلْك بالتسكين بمعنى الهلاك ولم ترد بالتحريك .

وفي المعنى أيضاً: فالصلاة اليوم تنجيك الهلك! فالصلاة منجاة من الهلاك في كل يوم... دائماً !

وفي قصيدة "ابتهالات"

لولا قرآن معي أحفظه

 

وحديث المصطفى يشفي الغليل

لا يستقيم الوزن هنا إلا باختلاس الألف من لولا فتقول: (لولَ) وهذا غير جائز .

هذه الملحوظات العروضية واللغوية والنحوية العابرة لا تقلل من مقدرة الشاعرة، ولكنها تنبهها إلى استدراك مثل هذه الهنات، ولا يكون ذلك إلا بالإكثار من الاطلاع على كتب العروض والنحو، ولا يعيب الشاعرة  إذا عرضت شعرها على من هو أكثر خبرة منها في العروض واللغة .

مضامين

هذا ديوان في الابتهالات الإيمانية، ابتهالات امرأة مؤمنة، وهذا لا يعني أن كل قصائده "ابتهالات" وإن كان المسلم الحق يعيش في ابتهال دائم .

في الديوان قصيدة بعنوان "ابتهالات " تجنح فيها الشاعرة إلى الشكوى :

أنا يا ربي ذنوبي كثرت
أينما وجهت طرفي لا أرى
وحياتي قصة قد عبرت
قد لقيت المرّ من دهري ومن

 

ورماني الدهر بالرزء الثقيل
غير عمري ينطوي نحو الأفول
وهي ملأى بالرزايا والعويل
أقرب الناس إلى قلبي العليل

لو أذنب "المؤمن" ذنباً صغيراً لظن أنه دخل النار ، وهذا من عظيم إيمانه، ومن رهبته من ذنوبه، بل الرهبة من الذنوب هي من دلائل الإيمان .

والشاعرة التي تتابع انطواء السنين ودنوها من الأجل (الأفول) هي لا شك شديدة الحذر من الوقوع في الخطر، التعبير عن انتهاء الأجل بالأفول تعبير جد موفق، ذلك لأن الشمس إذا أفلت فلها عودة.... وهذا اعتراف بالبعث: الأفول لا بد بعده من شروق .

إن الضيق بالرزايا والعويل ينبي عن حزن حقيقي يضيق به الصدر، ومن قبل قالت: ورماني الدهر بالرزء الثقيل !

ولعل هذا الرزء الثقيل، ولعل الرزايا والعويل ناتجة عن هذا المرّ، الذي لقيته من: أقرب الناس إلى قلبها العليل، ولعل علة القلب جاءت من هذا الذي لقيته من ذوي القربى .

الشكوى من ذوي القربى قديمة، سمعناها من طرفة بن العبد صاحب المعلقة الجاهلية :

وظلم ذوي القربى أشد مضاضة

 

على النفس من وقع الحسام المهند

هل كان ذوو قربى طرفة مثل أقرب الناس إلى قلب ليلى الخزرجي ؟

التعبير بأقرب الناس إلى القلب فيه إيحاء عميق .

وفي سياق هذا المعنى تقول الشاعرة في قصيدة "حصاد العمر"

كل ما أملته في رحلتي
وحصاد من حياتي كلها

 

"قبض ريحٍ" ضاع في ليل طويل
"محض وهمٍ" ودموع وعويل

إنها في هذه القصيدة تعزف على النغم الحزين نفسه الذي عزفت عليه في قصيدة "ابتهالات" .

إنه النغم الحزين .... اليائس، والمؤمن يحزن ، ولكنه لا ييأس !

أنا لا أوافق الشاعرة على التعبير عن آمالها، وهي آمال مؤمنة، بقبض الريح أي بلا شيء ، وهل يستطيع المرء أن يقبض الريح ؟

ثم إنها أكدت هذا اليأس بقولها "ضاع في ليل طويل"، ويقين المؤمن لا يضيع في الليل طال أم قصر ، بل الليل الطويل فرصة للمؤمن حتى يوثق حباله بالله، في الصلاة والتبتل والدعاء، ليل المؤمن مكسب عظيم ، ولا يكون ليل المؤمن ضياعاً أبدا .

ثم إن الشاعرة تستمر في هذا اليأس والتشاؤم وتعتبر حصاد عمرها "محض وهم" و "دموع" و"عويل" .

ما هذا؟ أنا لا أوافق الشاعرة على هذا الايغال في التشاؤم، واليأس، المؤمن لا يعرف التشاؤم ولا اليأس .

أظن أنها لحظة انفعال عابرة ،عبرت عنها الشاعرة بصدق، ولكن لا بد أن تكون عابرة ،ولا تكون دائمة .

وسائر الأبيات في هذه القصيدة يائسة :

أقطع العمر بقلب يائس

 

لا أرى غير طيوف المستحيل

ما الذي أصابها ؟ ما الذي أيأسها حتى أنها لا ترى من الدنيا غير طيوف المستحيل ؟

إنني لا أرضى لها أن تكون كذلك وهي تجعل شعارها، "ابتهالات الإيمان" .

ابتهالات الإيمان هي شروق الروح لا غروبها .

ابتهالات الإيمان هي ما تقوله في قصيدتها "تأملات"

يا من إليه تلهفي
نستاف منها ،نرتوي

 

طِرْ بي إلى النعماء طِرْ بي
ونرى بها الإيمان يصبي

ما هذا ؟ هذا هو الشعر، وهذا هو الإيمان .

طِرْ بي إلى  النعماء.... طِرْ بي .

ما أجمل هذا التكرار.... وما أروع موقعه في النظم وفي القلب، إن في أبيات هذه القصيدة بلاغة ، استمع إلى قولها :

نستاف منها، نرتوي

 

ونرى بها الإيمان يصبي

الناس يصبيهم الجمال.... المال .... البنون، والشاعرة المؤمنة يصبيها الإيمان ، لهذا تطير إليه طيراناً، وتستاف منه استيافاً، وترتوي من نميره حتى تتضلغ منه .

ثم :

لي في السجود مناهل

 

ومشاعر غراء تسبي

نعم: السجود مناهل الإيمان، مناهل الرضى، مناهل الطمأنينة، وأقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد ، لهذا كان السجود مشاعر مضيئة تسبي العقول والخواطر والمشاعر والأحاسيس .

هذا شعر يسبي العقول والعواطف أيضاً .

كتبت الشاعرة قصائد في ليلة الإسراء، وفي مولد الرسول (المصطفى) وفي القنوت، وفي معجزات القرآن، وفي الدعاء ، وفي التسبيح ......

وكل هذه من إيحاءات الإيمان .

أحب أن أختم دراستي لهذا الديوان بأبيات الشاعرة في قصيدتها "في ليلة الإسراء" فهي من أجمل قصائدها، وهي القصيدة التي تمثل اعتزازها بإيمانها وبرسولها وبالحدث العظيم في حياة رسول الله r ،حدث الإسراء :

نفسي فداء للنبي وآلهِ
يا من سما نحو السما ببراقه
لله معجزة تجلت للورى
أوحى لطه أن يعرج للسما
من مسجد الله الحرام لقدسه
يا ليلة الإسراء يا من حبها
دومي طوال الدهر معجزة الدنى

 

وإلى الصحابة من كريم رفاقهِ
مستهدياً بالنور من خلاقهِ
وزهت كسحر البدر في إشراقهِ
ويميل للأقصى بظهر براقه
أسرى النبي على هدى آفاقه
أبداً يمدُّ القلبَ في أشواقه
فلأنت للإسلام من أعلاقه