حلقة دراسية عن ثلاثة نقاد من المغرب

حلقة دراسية عن ثلاثة نقاد من المغرب

شعيب حليفي

الأكيد أن النقد عموما، عرف تطوره داخل المدارس النقدية وفي رحاب الجامعة، وبالتحديد وسط خلايا تشتغل حول مجموعة من القضايا والأفكار وتنتج دراسات نظرية وتطبيقية، وتشكل هذه الصورة، واقعا علي حال النقد المغربي الذي يعرف تطورا وتشكلا متناميا داخل الجامعة المغربية، حيث أن جل الأسماء النقدية بالمغرب تكثف من اشتغالها داخل الجامعة، اجتهادا، عبر حلقات ودروس أو ندوات ومناظرات.

ومن الحلقات الدراسية وحدة للبحث والتكوين في الصورة من خلال مجالي الصورة البصرية والصورة في السرد بجامعة شعيب الدكالي كلية الآداب الجديدة المغرب، والتي أصدرت مجموعة أشغالها خلال الفترة الأخيرة في كتاب جماعي من تنسيق وإعداد الدكتور والباحث السيميائي عبد المجيد نوسي، تحت عنوان (التلقي والخطاب) ويشمل أشغال ثلاث حلقات دراسية نقدية حول ثلاثة نقاد بصموا الحقل النقدي المغربي والعربي بأعمالهم النقدية والفكرية في مجالات سيميائية وسردية وخطابية، وهم محمد مفتاح، سعيد يقطين المصطفي شاذلي، واهتمامهم بدراسة الخطاب الأدبي والصوفي والديني (مفتاح) والخطاب الحكائي الاثنوغرافي (شاذلي) ثم الخطاب السردي القديم
والحديث (يقطين).
ولعل الخيط الناظم بين هذه الحلقات العلمية الثلاث هو التلقي والخطاب: تلقي النظريات (السيميائيات والسرديات) عند مفتاح ويقطين وشاذلي، وتلقي الخطاب في الحقل الأدبي وفي التراث الشعبي والصوفي في الثقافة المغربية والعربية.
ومن جهة أخري لاعتبار أن كل حلقة يمثل صاحبها مشروعا نقديا متشكلا، كما يحدد ذلك نوسي في تقديمه لهذا المؤلف ـ يستند علي إطار مرجعي قائم علي نموذج نظري ولغة واصفة وإشكالات نظرية وقضايا ابستمولوجية تم اختبارها علي نصوص سردية وخطابات تعبيرية.
ويعود أيضا قيام المشروع النقدي إلي استمرارية الاشتغال ضمن سيرورات متعددة تتشيد في أفق الإغناء والتفاعل، مثل انفتاح محمد مفتاح علي العلوم المعرفية، ومصطفي شاذلي علي تفريعات النظرية في مجال الأهواء، واهتمام سعيد يقطين بالسرديات في توسعها (ص 8).ساهم في هذه الحلقات العلمية أساتذة وباحثون انطلقوا من أرضية مدققة الأسئلة لتحقيق حفريات تهم هذه الأعمال برصد روافدها وإبدالات لغتها الواصفة أولا، وتحديد أنماط المقاربات وشكل النماذج التي اعتمدتها ثانيا، ثم ثالثا طرائق استثمار هذه المقاربات في علاقتها بالخطاب، بوعي يسائلها من منظور تنسيبي حول ما قدمته لإغناء نظريات التلقي.
وقد انصبت الحلقة الأولي علي (اسئلة الدرس السيميائي) في أعمال محمد مفتاح (ص 13-110) ساهم فيها كل من عبد المجيد نوسي، حسن مسكين، عبد الله بن عتو، حليمة وازيدي، لكبير الشميطي، أحمد جيلالي، مصطفي الدرقاوي، وقد تناولت القضايا النظرية والمنهجية وخصائص المنهاج والمقاربة السيميائية ومفاهيم الاستعارة والتلقي والتأويل، والمكون البلاغي عند محمد مفتاح من خلال ثمانية مؤلفات تبتدئ من (في سيمياء الشعر القديم: دراسة نظرية تطبيقية 1982) إلي مؤلف (المفاهيم معالم: نحو تأويل واقعي 1999).
في مقاربتها لمشرو محمد مفتاح النقدي والمفاهيمي يتوضح الإطار النظري والمنهجي وتطوره عبر المرجعيات والتدقيق فيها، وعلي مستوي الاختبار والتحليل وتنويع النصوص من الثقافة العربية والمغربية مما يبين الأسس العلمية والابستمولوجية للخطاب الواصف وانتماءات المفاهيم لحقول متعددة يتم استثمارها في بناء التصور وتفعيل التحليل.
إن كافة المناقشات حول مشروع محمد مفتاح تلتقي حول عنصر التطور في بناء معرفة نقدية تنتمي لمساحة واسعة وثرية من المفاهيم والمنهجية والنصوص الإبداعية.

الحلقة الثانية جاءت حول (السـرديات والنـص) دراسة في أعمال سعـيد يقطيـن (ص113-158) بمساهمات نقدية للباحثين : مني حجاج، عزيز القاديلي، سلام مصطفي، سعـت إلي إضاءة المشروع النقدي ليقـطين اعتمـادا علي جـزء من مؤلفاتـه (الكلام والخبر 1997). و(قال الراوي: البنيات الحكائية في السيرة الشعبية 1997). و(انفتاح النص الروائي : النص والسياق 1989). وهي، بكل تأكيد لا تعبر عن رؤية واقعية لمشروعه الذي افتتحه منذ 1985 بمؤلف (القراءة والتجربة) وما زال مستمرا بالبحث في الخطاب السردي العربي قديما وحديثا.
وبالرجوع إلي قراءة سعيد يقطين للتراث السردي العربي، برؤية نقدية متقدمة، فإنها استطاعت اكتشاف مناطق أخري في هذه الأشكال التعبيرية بأدوات نقدية غير تقليدية.
الحلقة الثالثة المضمنة في هذا المؤلف الجماعي، جاءت حول (السيميائيات والخطاب) دراسة في أعمال المصطفي شاذلي (ص 161-236) وقد ساهم في هذا المحور الاستاذ سعيد جبار بدراسة افتتاحية شاملة، بالإضافة إلي دراسات الباحثين: لكبير الشميطي، حليمة وازيدي، أحمد جيلالي، عزيز القاديلي، مصطفي الدرقاوي.
ومعلوم أن المصطفي شاذلي هو أحد الوجوه السيميوطيقية البارزة في حقل الدراسات بالمغرب من خلال انفتاحه علي المباحث السيميائية وعلي علوم أخري داعمة ومقاربة نصوص ـ للاختبار ـ تنتمي للحكاية الشعبية والخطابين الأدبي والسياسي، وقد أتاح لها هـــــــذا الانفتاح النظري والتنظيري والتنوع في المقاربة التحليلية تجــــديد أدواتـــــــه ومنهجيته وهو ما بدا جليا في مؤلفاته الأساسية الأربعة: السيمـــــيوطيقـــــا: نحو دلالة جديدة للنص 1995، البنيــــــوية في علوم اللغة 1996، الحكايــــــــة الشعبية في حوض المتوسط 1997، الحكاية المغربية العجيبة: سيميوطيقا النص الاثنوغرافي 2000.
الدراسات الست التي اجتمعت حول مشروع شاذلي اتجهت للبحث في أهم مقومات هذا المشروع سواء بالنسبة لتطوير مفهوم السيميولوجيا ومستويات المقاربة والأسس، وإمكانيات الانفتاح، ثم المساءلة الابستيمولوجية للبنيوية وعلوم اللغة، بعد ذلك الانتقال للبحث في مجال الاشتغال التحليلي في الحكاية العجيبة والشعبية والتقاليد الشفوية في المغرب وفي حوض البحر الأبيض المتوسط.
إن مؤلف التلقي والخطاب يقدم مجموعة من القراءات التي تعبر عن مستوي في التلقي النقدي، وصيغة في القراءة الجماعية الباحثة عن صوتها وتشكيل رؤيتها، وهو وعد يشيد لتحقيق تقدم أكيد في مجال النقد والدراسات الأدبية.

كاتب من المغرب