قراءة في كتاب " الانتفاضة والتتار الجدد"
قراءة في كتاب " الانتفاضة والتتار الجدد"
تأليف الدكتور سفر بن عبد الرحمن الحوالي
مكة المكرمة 1424هـ – 2003
إعداد نعيم الغول
رغم مرور ما يزيد على عام على نشر هذا الكتاب إلا أن ذلك لم يقلل من أهميته. تنبع أهمية الكتاب من ثلاث مسائل : الأولى انه يتحدث عن القضية الفلسطينية من زاوية ما يجري في الأرض المحتلة (الانتفاضة الفلسطينية المباركة)، والثانية : انه يتحدث عن اثر المقاومة على الكيان اليهودي الصهيوني الغاصب، والثالثة وهي الأهم انه يستخلص القواعد من كتاب الله ويربطها بما يجري ليهود من تأثير الانتفاضة. فالكتاب اذن هو شهادة على شدة ما يعانيه يهود تحت وقع انتفاضة اخوتنا في الدين وفي العروبة وانه لألم لو تعلمون عظيم يدفعهم إلى ما ترون من محاولات محمومة لإنهاء الانتفاضة والنيل من صمود قومنا في فلسطين فلم يدخروا شيئا يحسبونه ذا اثر مدمر إلا وفعلوه وأكاد اقسم انهم لو ضمنوا ألا يرتد تأثير الأسلحة النووية التي يملكون عليهم لجربوها.
جاء الكتاب وهو من منشورات مجلة البيان التي تصدر في لندن في ( 95 ) صفحة. وقد اتبع الدكتور الحوالي في تأليف الكتاب منهجا احسبه جديا في تأليف الكتب. فهو لم يقسم الكتاب إلى فصول وأبواب بل جاء بمقدمة طويلة نسبيا وضح فيها هدفه من وضع الكتاب ثم جعل ما تبقى من الكتاب في ثمان قواعد مستقاة من النبع الذي لا ينضب – كتاب الله عز وجل-
في مقدمة الكتاب تحدث الدكتور عن خطورة المرحلة بسبب ترك كتاب الله والعدوان على الأمة. ثم أجاب على سؤالين : الأول عن حقيقة ما يجري والثاني عن واجبنا نحوه. فعن حقيقة ما يجري أكد أن الهدف من الحملة على العراق والعالم هو الحفاظ على أمن إسرائيل ورفاهتها وتقويتها على دول المنطقة. ويقول إن هذا يفسر تعامل أمريكا مع العالم الإسلامي ومع غيره من دول العالم مثل كوريا. ثم يخلص إلى القاعدة التالية: حيثما تكون إسرائيل تكن أمريكا بغض النظر عن المصالح المادية وغيرها. ويضرب أمثلة من حرب حزيران ورمضان واتفاقيات كامب ديفيد. بل إنه يذهب إلى أبعد من ذلك فيرى أن مصالح الولايات المتحدة غير مهددة ، وانه لا يوجد لها أية مشكلة في المنطقة ولا شيء من مصالحها يتعرض للأذى من قبل الحكومات العربية ولا يرد شيء من مطالبها.
على أن المشكلات الكبرى المتوقعة ستنشأ إذا جرى احتلال للمنطقة ومنابع النفط مباشرة وتقسيم المنطقة حيث قد تتعرض حقول النفط وأنابيبه لهجمات(إرهابية) وستوجد بؤر كثيرة للإرهاب والفوضى.
ويطرح السؤال التالي: لنفرض أن المنطقة قبلت المشروع الصهيوني وان الانتفاضة لم تحدث فهل كانت أمريكا ستفكر في احتلالها؟ ثم يدلل على ذلك بالموقف الأمريكي من العراق وكوريا : فمع العراق كانت لغة التهديد والوعيد ومع كوريا لغة الدبلوماسية والحوار. وليس الأمر بمستغرب؛ فالأول كان يشكل خطرا على إسرائيل والثانية لا خطر منها أبدا.
ثم يعود إلى صياغة قاعدته أعلاه صياغة جديدة وفق المثل المشهور فتش عن المرأة فيقول " فتش أولا عن إسرائيل". ويرى أن العلاقة بين أمريكا وإسرائيل ليست علاقة منافع بل علاقة دينية حيث عبر سبعة رؤساء أمريكيين بجملة واحدة دينية:" من يبارك إسرائيل يباركه الله، ومن يلعن إسرائيل يلعنه الله." ثم جاء ثامنهم فأعلنها حربا صليبية. ولهذا فان أمريكا معنية بما يحدث في فلسطين وينبغي وضع الانتفاضة في مكانها اللائق بها في المعركة الطويلة المستمرة بين دين التوحيد وكفر أهل الكتاب.
ويرى أن إحدى مشكلات منهج التفكير الإسلامي المعاصر تكمن في افتقاد الأمة إلى النظرة الشاملة والربط بين الأحداث. ثم يعدد مناقب الانتفاضة من حيث إنها تحوي على الكنز الذي ضيعته الأمة وهو إرادة الحياة الإيمانية وحسب الشهادة والثبات على الحد وهي معلم تاريخي مهم ومهمل ومحضن لتجديد الدين وإحياء روح الإيمان وتوحيد مواقف الأمة وكشفت القناع عن وجوه المنافقين.
ويدعو الكاتب في نهاية المقدمة من يهمه تثبيت الأمة وطرد الإحباط واليأس عنها أن يكشف وجه الحقيقة من خلال ربط الأحداث اليومية بأصولها الكلية المطابقة لسن الله في التمكين والعلو والأدلة والاستدراج.
ولتحقيق ذلك جعل الكاتب هذه الحقائق في شكل قواعد كلية وأصول عامة مأخوذة من كتاب الله وسننه الثابتة في الكون. وقد قعد الكاتب ثماني قواعد وهي على النحو التالي:
القاعدة الأولى: (إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم) الرعد /11.
القاعدة الثانية : ( فأتاهم الله من حيث لم يحتسبوا) الحشر/2.
القاعدة الثالثة: ( إن تكونوا تألمون فإنهم يألمون كما تألمون) النساء/104
القاعدة الرابعة: (وقذف في قلوبهم الرعب) الأحزاب / 26
القاعدة الخامسة وضربت عليهم الذلة) البقرة /61
القاعدة السادسة ولولا أن كتب الله عليهم الجلاء لعذبهم في الدنيا ولهم في الآخرة عذاب النار) الحشر/3
القاعدة السابعة و قطعناهم في الأرض أمما) الأعراف / 168
القاعدة الثامنةوانظر إلى إلهك الذي ظلت عليه عاكفا لنحرقنه ثم لننسفنه في اليم نسفا) طه/ 97
في القاعدة الأولى (إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم)
يبين الدكتور سفر الحوالي أن طرفي المعركة غير؛ الفلسطينيون غيروا من الخضوع إلى المقاومة، ومن الخوف إلى الشجاعة، ومن التوكل على الحكومات إلى التوكل على الله ومن المنظومات والحركات العقدية الوضعية إلى الانضواء تحت راية الإسلام والجهاد. وكانت هناك مظاهر تدل على هذا التغير منها الإقبال على الشهادة والإقبال على كتاب الله والاهتمام بالعلم الشرعي والاهتمام بالأرامل والفقراء وإنشاء لجان الزكاة والاهتمام بالتربية الإسلامية ومحاربة الفساد والإقبال على الحج والعمرة وانتشار النشاط الدعوي بين كافة الفئات والطبقات وتحول أدب المقاومة إلى النظرة الإيمانية .وقد انتشر في فلسطين المحتلة عام 1948 إنشاء حلقات لتحفيظ القرآن وإحياء المساجد المندثرة وإيجاد إعلام إسلامي وتنظيم مهرجانات يحضرها عشرات الألوف لإحياء الروح لإيمانية ونظمت مسيرات مثل "مسيرة البيارق"، وأنشئت مؤسسة إعمار الأقصى( إعمار بناء و إعمار علم) وغيرها كثير.
كما غيرت الانتفاضة في ذاتها. ففي البداية كشفت حقيقة الاحتلال، ثم صارت الآن ثورة تحرير ذات وسائل جديدة موجعة مثل عمليات استشهادية، وإطلاق صواريخ، وهجوم على المستوطنات، وإطلاق قذائف هاون، وتفجير دبابات، وتطوير متفجرات، وقتل بالسلاح الأبيض، وهجمات على القواعد. وقد بلغ مجموع العمليات العسكرية للانتفاضة خلال سنتين 14000 عملية ( هذا الرقم حتى إعداد الكتاب في 1/1424). هذا غير الآثار على الأمن والاقتصاد والحالة المعنوية لليهود.
وكذلك حدث التغير في الطرف الآخر - اليهود:
فبعد أن كانت الجماعات اليهودية المؤسسة للكيان اليهودي كتائب حرب منظمة ومدربة والمستوطنون كانوا رجال عقيدة وإرادة والدافع لهم ديني قبل كل شيء وكانت الهجرة عبادة وتضحية وكان التوحد في الأهداف والمواقف ظاهرا والفروق الاجتماعية والعرقية تكاد تكون ملغاة برز التغير.
والتغير برز بظهور جيل الترف والأمراض الاجتماعية؛ فكثرت مظاهر التراخي والتفرق . فالجنود يهربون من الخدمة والمستوطنون يبحثون عن الرفاهية والسياسيون انتهازيون والوعود التوراتية لم يعد لها بريق والشباب يدمنون المخدرات والتمييز العنصري على أشده.
ثم يمضي الدكتور الحوالي بنا إلى القاعدة الثانية( فأتاهم الله من حيث لم يحتسبوا).
قلبت الانتفاضة معايير الحروب ومنهج التفكير الاستراتيجي العسكري وأخرجتها من مفهومها التقليدي من معركة بين جيشين الى حرب غير متوازية وهو مصطلح وضعته لجنة من الخبراء الأمريكيين للتعبير عن النوع الآخر للحرب غير المتوازنة، وقد عرفته على النحو التالي:"التفاف قوة خفية على جيش تقليدي وضربه في مقتله، وتحطيم روحه المعنوية، وشل قدرنه على المقاومة".
وهذا أخطر أنواع الحروب فقد أدخلت الانتفاضة المباركة الجيش الإسرائيلي في نفق الحرب غير المتوازنة، وجعلته في أسوأ حالة له منذ نشوئه. وقد حدث هذا من خلال تحويل التفوق النوعي للجيش إلى قوة محايدة، وتهشيم بنية الردع العسكري، وإحباط نظرية المجتمع الآمن، وإحلال مفهوم المجتمع المذعور محلها.
وقد حشد الكاتب أمثلة كثيرة من أقوال وكتابات مفكرين ومحل973 فان غالبية الجيش لين وكتاب وصحفيين تؤكد خور وضعف العدو إلى حد أن أحدهم قال إذا انفجرت حرب مثل فإن غالبية الجيش وليس كله ستولي هاربة.
وقد دخلت في ذهنيتهم القناعة بأنهم لا يستطيعون إخضاع شعب بالقوة خاصة إذا كانت ارض هذا الشعب محتلة ويدافع عن حقه مما يعطيه الإحساس بشرعية جهاده.
ثم يدلف بنا الكاتب إلى القاعدة الثالثة( إن تكونوا تألمون فإنهم يألمون كما تألمون):
فآلام الشعب الفلسطيني تحت الاحتلال اليهودي كبيرة ومعروفة لكل العالم وأما الإيلام الواقع باليهود فهو مما لم يشهدوه في تاريخهم كله. والإيلام الأهم الذي يصفه الكاتب هو الألم بالقتل لأنه أشد شيء على قوم هم أحرص الناس على حياة حيث نجد أن الخط البياني لعدد القتلى اليهود ونسبتهم إلى عدد القتلى الفلسطينيين في تصاعد والمسافة تضيق. فبعد أن كانت النسبة عند بداية الانتفاضة 1: 50 أصبحت مرشحة لان تصبح 1: 1 .
ويشيد المؤلف بالعمليات الاستشهادية ويصفها بأنها أكثر أنواع المقاومة نكاية بالعدو وإيلاما له وتحطيما لمعنوياته. وكان من شدة وعظم أثرها أن جعلت العدو ينص في مطالبه وضغوطه على أمريكا وحكام العرب على إيقافها واو إلى حين. وفوق الأعداد الكبيرة من القتلى والجرحى نجد أن آثارها النفسية والمعنوية هائلة جدا ومنها رفض الخدمة العسكرية والتحايل للإفلات منها وارتفاع نسب الهجرة المعاكسة وعدد المطالبين بالانسحاب الفوري من الأراضي المحتلة وسيطرة الرعب والهلع على المجتمع اليهودي.
وقد أورد الكاتب بعض الشهادات من إعلام العدو ومنها شهادة وزير المال اليهودي التي وردت في خطابه أثناء مناقشة ميزانية عام 2003 فقد قال:" كنا نحارب ونحارب على الحدود أما في هاتين السنتين فإننا نحارب ونحارب في كل مكان في الشوارع والفنادق والمطاعم والمستوطنات في البر والبحر."
ويرى الكاتب أن القاعدة الرابعة ( وقذف في قلوبهم الرعب) تتبدى في مراحل الهزيمة التي يرى إنها ثلاث: القلق واليأس و الاستسلام. ومن هنا ظهرت بعد خمسة اشهر من اشتعال الانتفاضة علامة كبرى على انهيار العدو المعنوي تمثلت في إعلان الرافضين للخدمة العسكرية وتكاثرهم حتى بلغوا الألف واشتد موقفهم على عدم شرعية القتال في الضفة والقطاع لكونهما محتلتين وان الانتفاضة أدت إلى تضحيات كبيرة. فقدت القناعة الداخلية وتمرد عدد كبير وهذا مظهر من مظاهر الوهن أصابهم جميعا. ورافق رفض الخدمة التهرب منها بشتى الأعذار وقلة الإقبال على الدخول في الأكاديميات العسكرية. ونقل الكاتب محاولات الإعلام الصهيوني تعليل هذه الظاهرة. وبلغ من خوفهم أنه في حاجز "عوفر" قتل أحد المجاهدين عشرة من اليهود ومضى بأمان مع أن سبعة منهم جنود بكامل عتادهم. وكذلك دخول المستشفيات بالعشرات بسبب ما يسمى بالصدمة عند كل عملية استشهادية وازداد الإقبال على العيادات النفسية. وقد أدى الرعب والخوف الى اشتداد البطش بالفلسطينيين. ويعلل الكاتب هذا بقاعدة مفادها أن الوحشية في الانتقام والعنف المفرط هما دليل واضح على بلوغ مرحلة اليأس التي تسبق عادة مرحلة الاستسلام أو الموت لدى الكائنات الحية. ويضرب مثلا على هذه القاعدة بطش صاحب الأخدود وفرعون وهو ما يفعله الإرهابي مجرم الحرب شارون وجنوده ( وما فعله مجرم الحرب بوش في الفلوجة حين قصفها بطائرات (إف 16) وقتل (600 ) من النساء والأطفال )
القاعدة الخامسة( وضربت عليهم الذلة)
يقول الكاتب إنه عندما يسيطر الرعب على النفوس تظهر السلبية القاتلة.ويضرب أمثلة من مقال في صحيفتي معاريف ويديعوت أحر ونوت اليهوديتين الصهيونيتين ومفادها إفلاس القيادة وفقدان الاتجاه وان الحياة باتت قذرة. وينقل عن علماء النفس عندهم تفسيرهم لهذه الظاهرة التي سموها " العجز المكتسب" . في العجز المكتسب تؤدي الصدمات المتتالية إلى عجز المصدوم ورفضه سلوك طريق النجاة.وفي حالة المجتمع اليهودي فقد ظهرت على شكل شلل وتطلع إلى حلول سحرية دفعتهم إلى انتخاب مجرم الحرب شارون ولم ينج من الحالة حتى حيواناتهم اذ وصل الأمر بأحد كتابهم إلى وصف الكيان اليهودي بالدولة المجذومة التي يمقتها العالم إلا أمريكا.
وفي تعليله لظاهرة تغيير العدو لخططه وأساليبه من حواجز وفتح طرق التفافية و جدار نهب الأراضي وتهجير وغيرها بالقاعدة التالية ( حين تصدم قوة الحق القوى الطاغية ترفض الأخيرة الاعتراف بالضعف لكن هذا الاعتراف يأتي ضمنا من خلال إعلانها عن البدائل التي تلجأ إليها للخداع النفسي والهروب من الحقيقة ويضرب أمثلة مما فعله فرعون وابن نوح.
القاعدة السادسة(ولولا أن كتب الله عليهم الجلاء لعذبهم في الدنيا ولهم في الآخرة عذاب النار)
يوضح الكاتب أن من مظاهر الهزيمة النفسية عند يهود في فلسطين الردة عن العقيدة التي من أجلها جاءوا وقاتلوا. والردة مفهوم ديني عند الصهاينة إذا يسمون العودة من أرض الميعاد (حسب زعمهم) ردة. فإذا كانت الهجرة إلى ارض الميعاد هي الأسطورة التي بنت عليها الصهيونية مشروعها فإن الردة ستكون تقويضا للمشروع الصهيوني ولهذا لا تنشر الأرقام الحقيقية عن الهجرة المعاكسة التي باتت ترعبهم اكثر من الزيادة السكانية لأهل البلاد الأصليين بعد اشتعال الانتفاضة انتشر الرعب في المستوطنات وبدأت الهجرة إلى ما يسمى بالخط الأخضر حتى سميت مستوطنات الأشباح ويؤكد مراقبون غربيون أن المهاجرين المرتدين بلغوا في السنة والنصف الأولى من الانتفاضة مليون مرتد. ومن مضاعفات المشكلة أن الانتفاضة لم تؤد فقط إلى الهجرة المعاكسة بل عملت على خفض نسبة المهاجرين إلى الأرض المحتلة من الخارج. وتضاعفت المشكلة من كون المهاجرين من الطبقة الغنية المثقفة وأبناء الطبقة السياسية مما يهدد ببقاء العمال والفقراء والمجندين وجهل الكيان دولة من دول العالم الثالث.
وفي القاعد السابعة( و قطعناهم في الأرض أمما)
يقول الكاتب :" في كيان غريب ومحفوف بالأعداء ودولة عنصرية لا هوية لها ولا دستور ولا حدود تكون علاقة الأمن الشخصي بالأمن القومي قوية إلى درجة عالية."
الارتباط بالوطن ضعيف فلا وجود لكيان باق او وطن ثابت أصلا. فهذا الكيان ما هو إلا تجمع لآحاد من المهاجرين يجهلون تلك البيئة التي هاجروا إليها. وبما أن هذا التجمع لا هوية له ( ولا عمق ولا جذور) فان هاجس العودة يستيقظ كل حين في هؤلاء الغرباء المهاجرين وهذا ما يؤدي الى تناقص عددهم. لهذا السبب ولأسباب وعوامل أخرى كالتكاثر السكاني للفلسطينيين يسير الكيان اليهودي نحو التقطيع في النهاية وفي هذا إعادة للشتات الأول.
لذا فإن ما يجتاح الكيان اليهودي هو تهديد مباشر لوجود الدولة ذاته وبداية زوالها ولا سيما بهجرة ربع سكانها تقريبا رغم كونها كيانا استيطانيا لا جذور له. ويعرض الكاتب أمثلة يأخذها من صحفهم على الخوف من انهيار وزوال هذه الدولة. ويستبشر الكاتب بزوال هذا الكيان؛ فالحركة الصهيونية المسيطرة على البيت الأبيض وغيره ستدفع بكل ما تستطيع لإنقاذ الكيان اليهودي الصهيوني. وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم حين قال:" ولكنكم تستعجلون".
وأخيرا يرسو الكاتب بفلكه في مرفأ القاعدة الثامنة ( وانظر إلى إلهك الذي ظلت عليه عاكفا لنحرقنه ثم لننسفنه في اليم نسفا)
يقول الكاتب :"إن الأمة التي هي أكثر الخلق طمعا وجشعا وعبودية للمال لا بد أن تتمزق وتنهار حينما ترى صنمها من الذهب يحترق"ز ويشرح قائلا إن الدولة اليهودية قبل الانتفاضة كانت تنعم باقتصاد قوي فلما قامت الانتفاضة هبطت بالاقتصاد اليهودي إلى أسوأ حالاته منذ قيام دولة الكيان وقدم على ذلك الأمثلة من مختلف القطاعات الاقتصادية حيث عم التدهور كالاستثمار الخارجي وقيمة الشيكل. وأورد أن ثلث الناتج القومي للدولة الصهيونية يعتمد على المعونة الأمريكية. أما عن أسباب هذا التدهور فأهمها الإنفاق العسكري؛ فقد أرغمت الانتفاضة المباركة دولة يهود على العيش في حالة طوارئ قصوى يوميا. كما أن المستوطنات تستنزف باستمرار دون ان تعطي شيئا فالاحتياطات الأمنية تتضاعف باستمرار ومنها الطرق الالتفافية وأجهزة الإنذار وغيرها. إن مجموع هذه المشكلات الأمنية والاقتصادية تفشت في المجتمع اليهودي كازدياد نسبة الانتحار وارتفاع مستويات الجريمة حتى وصل الحال إلى درجة أن المفكرين والكتاب الصهاينة باتوا يتحدثون عن ثورة الجياع وتمرد الفقراء.
وفي الخاتمة، ومن موقع إدراك الدكتور سفر للتحول التاريخي الذي فرضته الانتفاضة إلى الدرجة التي صار فيها مناهضو العولمة يسمون تحركاتهم ومظاهراتهم " انتفاضة"، ينبه إلى وجوب أن تستمر الانتفاضة فلا تقف وان تقوى فلا تضعف وان تكون اكثر استقامة على الكتاب والسنة ومنهاج السلف. ولهذه الأمور وغيرها يدعو الشيخ الدكتور حفظه الله الأمة لأن تنصر الانتفاضة وتدعم مسيرتها. يدعو في ذلك الحكام ورجال المال والأعمال والدعاة والشعوب ويقول إن على هؤلاء جميعا أن يكونوا على قدر الواجب ومستوى المسؤولية وألا يمنوا على إخوانهم المرابطين بشيء فالمنة لله لرسوله ثم لمن بذل نفسه وماله دفاعا عن دين الأمة ودنياها.
اسأل الله العلي العظيم أن يجعل كل حرف كتبه الشيخ الدكتور سفر الحوالي في هذا الكتاب في ميزان حسناته وان يضاعفه له بما هو أهله فقد ضرب مثلا على أن في الأمة علماء تتفتت أكبادهم حرقة على اخوتهم في فلسطين يفرحون لفرحهم ويألمون لألمهم ويقفون معهم كما أمرهم الله .