الحياة جمرة و الذات موقدها
عند وزنة حامد:
(الحياة جمرة و الذات موقدها)
وزنة حامد
إدريس الهلالي
للشفافية ترتسم على أديم النفس المتعبة .. متغلغلة كمونها دون استئذان ... تبحث عن غور عميق لتهدأ كما تهدأ الحصباء في قاع جدول رقيق .. و بوداعة في أخدود الإحساس .. ربما كانت الجداول ودعت مسارها و لكن هل يعني معرفة طريقها ... ؟ من يحدد للساقية المنحدرة مسار اتجاهها .. ؟
كون الروح أثار ثورة الخروج على المألوف التقليدي الجسدي يرتدي معاناة الناس و ينتقل القلق .. ليرسم على وجنة التراب الغافي على قدم هذا الاتساع إيماءات و شارات قد تبدو نافرة أو ناعمة كآثار أصابع الطفل على مخمر العجين ، و كطفلة انسلت من أهلها لحظة لتمارس هفوات و نزوات طفولتها مع ألعابها لتناجيها بعدم المغادرة و إن تطاول الزمن ... و بضحكة طفولية تنثر غدائر قصصها لتغمس قدميها في جوف موجة صبت إليها .. و تنأى بوجهها عن عالم يشوبه أرق الظنون ووسوسة الشك فلا تجد إلا الغرابة الذاتية تتصدع تاركة شرخا ً من الفراغ و حفنة من الماضي تقول في قصتها " رائحة الماضي " ( لا تدري ما الذي يشعل في نفسها هذا الحنين العميق لذاك الماضي الغابر ... تتوق للمشي في تلك الطرقات العتيقة.... ) إنه حنينها لقريتها .. لضيعتها ... لبلدتها و لكن ( عصرنة الواقع ) سلخت منها هذه العفوية لتغلف حياتها ببريق مغر فليس بعجب أن تكتب عن المرأة المسحوقة .. المظلومة التي مازالت في سجن عبودية الرجل .. و هذا لا يعني بالتأكيد أنها لم تكتب عن المرأة التي أسعدها الحظ و ضحكت لها الظروف لحياة جميلة و لو كانت - آنية - تقول الكاتبة وزنة حامد في قصتها الثانية و من مجموعتها - تداعيات من الذاكرة - في قصته - امرأة محظوظة - ( إنها أيام و سأودع هذه الغرفة .. بقدر ما بث هذا الكلام حزنا ً عميقا ً في صدر أختها بقدر ما جعلها سعيدة ) ترى هل خرجت هذه المرأة من كهف المعاناة إلى مقر السعادة و النور... ؟
و تمضي الكاتبة وزنة حامد - خلف ترنيمة قصصها هائمة صادحة كقيثارة تصدح حنينا ً و عطشى أحيانا ً و يبقى العطش الهاجس الخفي لمسافات طويلة و عرة في شعاب هذا الأدب المميز لـرحلة وزنة حامد و كي يتناغى هذا الهاجس مع لسعة الحيرة و انفلات نداء الروح ... لتقدم لنا وزنة حامد الحياة جمرة فوق موقد الذات.